الاثنين 7 حزيران (يونيو) 2010

ثعالب مراوغة

بقلم: عدنان كنفاني
الاثنين 7 حزيران (يونيو) 2010

كلما تعرّض الكيان الصهيوني إلى مشكلة، أو إحراج، السبب فيه دائماً، تصرفات هذا الكيان وممارساته التي تعبّر دون خلط أو لبس على تصوّره أنه فوق القانون، وأنه فوق المحاسبة، وأنه يصول ويجول على هواه دون رقيب أو حسيب، يضرب هنا، ويقتل هناك، يملك كافة وأحدث صنوف الأسلحة بما فيها السلاح النووي، وأسلحة الدمار الشامل، يحاصر متى شاء، ويبني جدرانا عازلة كيف يشاء، يقيم حواجز تقطّع شرايين الأرض والمدن والقرى، يغلق كنائس ويدمّر مساجد، يقبض على من يشاء، ويزجّ في معتقلاته من يشاء، يمنع الغذاء والدواء عن الناس، ويسرق المياه والثروات، يعربد في الجو والبرّ والبحر، ويمنع حتى فسحات النَفَس عن عباد لله، يطرد من يشاء من أرضه وبيته، ويدمر ما يشاء من دور وبيوت ومزارع، ثم يتبجح بأنه النظام الديمقراطي الوحيد في المنطقة، وأنه أنموذج يجب على جميع دول المنطقة الاحتذاء به.

كل ذلك يجري تحت سمع العالم كلّه وبصره، ويجد في كل مناسبة يتعّرض فيها هذا الكيان للحرج بسبب غباء تصرفاته وعنجهيته، من يهبّ لنجدته وإنقاذه، وتلميع صورته.

في آخر تصرفات الكيان الغبيّة، تركيز الهجوم قصداً على قافلة الحرية في المياه الدولية، وممارسة القتل والإرهاب والإذلال على نشطاء مدنيين مرافقين لقافلة مساعدات إنسانية، وقتل عدد من النشطاء الأتراك، لم يزّل السبب غامضاً في تقصّد استهداف الأتراك بالقتل دون سواهم.!

هذا السلوك يثبت ويؤكد ثقة الكيان الصهيوني بأنه لن يتعرض لحساب ولا لعقاب “كالعادة”، ولو صدرت أصوات مندّدة من بعض شرفاء العالم، فهناك أيضاً من يقوم متطوعاً في الدفاع المستميت عنها، وهناك مؤسسات دولية جاهزة لتقديم الدعم والغطاء.

بيان هزيل فاشل صدر عن مجلس الأمن الدولي، ودفاع مخلص صدر من السيد “بايدن” نائب الرئيس الأمريكي، وتصريحات خجولة مبطّنة بمفردات عبثية صدرت عن الرئيس أوباما، وبعض رؤساء دول أوروبا، لم تخرج، ولن تخرج إلى مستوى الفعل والمساءلة أو المحاسبة.

وعندما نأتي على ذكر الدول الأوروبية، نفصل بين موقف الحكومات، ومواقف الشعوب، ونعني في حديثنا تحديداً مواقف بعض الحكومات الأوروبية التي كان لها الشرف في قيام (دولة إسرائيل)، والتي تقدم الدعم المالي والمعنوي في كلّ مناسبة لهذا الكيان العنصري بلا حساب.

التداعيات التي تجري على مستوى العالم، شعوباً، ودول حرّة، على ما جرى في المياه الدولية للبحر المتوسط كان صاعقاً، لم يكن في حسابات الكيان، ولا في حسابات داعميه ومؤيديه، فخفتت الأصوات الداعمة إلى حين، لتنهض ثانية بتواتر متصاعد، سيتصاعد شيئاً فشيئاً كلما غطّى غبار الأيام معالم الجريمة، ومجريات ما حدث.

لا أريد أن أدخل إلى مواقف دول الاعتدال العربي، ولا مواقف سلطة رام الله، فالأمر لا يستحق حتى محاولة الخوض فيه، أو كما يقول المثل (الضرب في الميت حرام)، لكنني أعني في كلامي، تلك الدول القادرة على الفعل، وعلى اتخاذ قرارات، وعلى المحاسبة والمساءلة، الموقف الأمريكي واضح ولا يحتاج إلى تحليل، ولا إلى استقصاء، فهو موقف مؤيد وداعم للكيان الصهيوني على طول الخط.

مواقف مراوغة لبعض الدول الأوروبية، وإتقان خبيث في وضع مفردات الخطابات والبيانات، ولعلنا لم ننسَ بعد “أل” التعريف التي أربكت القرار 242 وأخذته إلى متاهات أفرغته من مضمونه، بين “أراضٍ، وبين الأراضي”، بين الكل، وبين البعض.!

يخرج علينا الآن السيد “كوشنير” وزير خارجية فرنسا بمقترح، ليس جديداً، لكنه أكثر خبثاً، فيطرح قيام الاتحاد الأوروبي بدور شرطي “نيابة عن الكيان الصهيوني، وإنقاذا له” في البحر المتوسط لتفتيش السفن المبحرة إلى غزة، “حسب المسطرة الصهيونية”، ويستطيع أن يضع أي مادة منقولة إلى غزة تحت بند المحظور والممنوع، ليس فقط الحديد والإسمنت، “لمنع بناء ملاجئ حماية”، ولكن من يعارض إذا فرض الحظر على القمح أو الرز أو غير ذلك على اعتبار أنها مواد قابلة للتصنيع الحربي.؟ وهذا يمكّن الاتحاد الأوروبي بالتعاون والتنسيق مع توجيهات وشروح وتعليمات صهيونية، من إخضاع أي تحرّك “إنساني” إلى غزّة للتفتيش، والسماح والمنع، سواء لغاية فكّ الحصار الجائر عنها، أو لنقل مساعدات إنسانية للشعب المحاصر المظلوم، يعني “كأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا.!”.

ويقترح أيضاً أن يقوم الاتحاد الأوروبي بالإشراف على معبر رفح.!

هنا، في هذا المقترح يفرض السؤال نفسه فنقول: أين السيادة المصرية.؟ وأين التشدّق في الحرص والمحافظة على الأمن القومي المصري.؟ وكيف وعلى أي شروط سيكون تواجد الاتحاد الأوروبي على المعبر.؟

إن كل ما يجري، وكل البيانات والتعليقات والخطابات والتصريحات التي تخرج علينا من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن بعض دول أوروبا تؤكّد على الموافقة، بل والحرص على مواصلة فرض الحصار على غزّة، ولم يحدث أن سمعنا صوتاً واحداً من هؤلاء ينادي بفك الحصار بالمطلق عن قطاع غزّة.!

إن ما يمكن أن نفهمه من وراء كل ما يجري، وكل المقترحات، ما ظهر منها وما بطن، أنها تعمل على تجريد قطاع غزة من كل وسيلة دفاع ممكنة، بمعنى أن يكون ويبقى دائماً عنق القطاع على النطع حاضراً وجاهزاً للقطع متى شاء الصهاينة، وبمباركة من دول الاعتدال العربي، وسلطة رام الله.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2180945

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع المنبر الحر   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2180945 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 4


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40