الخميس 1 آذار (مارس) 2012

من فقه الثورة إلى فقه التبعية !

من أحمد عز الدين
الخميس 1 آذار (مارس) 2012

لا شئ مما يدور في المسرح السياسي في مصر ، يدعو إلى البهجة أو التفاؤل ، ولا شئ يدعو إلى اليقين أن مصر – حقا – قد أمسكت ببداية طريق يأخذها إلى تحقيق أهداف ثورتها العظيمة ، وكأننا أمام مشاهد ثانوية ، من مسلسل يخلو من الحبكة والتراكم الدراميين ، فالصراع بين أطرافه وأفراده معزول عن الحياة وعن الواقع ، بقدر عزلته عن الشعب ، وعن طبقاته المطحونة ، وأوجاعه الحيّة ، ومفردات الخطاب التي تجري بين أطرافه وأفراده ، تخرج من الأفواه أحيانا كالأحجار ، توجع وتدمي ، وأحيانا كالهواء ، خاوية كفؤاد أم موسى ، وأحيانا كقنابل الدخان ، لا تضئ دربا ، ولا تكشف طريقا ، بقدر ما تثير في العيون غشاوة من فقدان الرؤية ، وفي النفوس موجات من الحيرة واليأس والرجاء .

إن أكثر ما يلفت النظر في ذلك ، أن أكثر الذين كانوا يقفون على خط المواجهة مع النظام السابق ، على أنه نظام مغلق ومستبدّ لأنه صادرهم ، وأغلق عليهم خنادقهم ، هم الذين يتحركون على كل الجهات ، ليحل انغلاقهم محل انغلاقه ، واستبدادهم مكان استبداده ، بل أنهم يعمّقون مدى الاستبداد ، استحواذا وإحلالا لأنفسهم ، لا محل النظام ، وإنما محل الدولة .

وأكثر ما يلفت النظر في ذلك ، أن أكثر الذين كان كلامهم مفعما بفضائل الإيمان والتقوى ، رفضا لمتاع الدنيا ، وسعيا إلى جنة الآخرة ، هم الأكثر سعيا وعدوا وراء مغانم الدنيا الزائلة .

وأكثر ما يلفت النظر في ذلك ، أن أكثر القوى حديثا عن الشفافية والوضوح والتمسك بالقانون ، هم أكثرها غموضا ، وعتمة ، وافتئاتا على القانون ، نصا وروحا .

وأكثر ما يلفت النظر في ذلك ، أن الأشد إعلانا عن عداوته لأمريكا وللإمبريالية ، وعن سخطه عليها ، ونفوره منها ، هو الأقرب إليها سعيا ، وتحاورا ، وتوافقا ، وإحسانا .

ثم إن أكثر ما يلفت النظر في ذلك كله ، أن الأغلب الأعم من الجاثمين فوق المسرح ، وفي جنباته ، لا يبدو إلا مشغولا بذاته ، ممتلئا بمصالحه ، متطرفا في إدعائه الغلبة والقدرة والمكانة ، بينما تجري أنهار الناس في شوارع القاهرة ، أمواجا من الحيرة ، تغالب عوائد الزمن ، وصنوف المحن ، وجيوش الفتن ، وهي ترمم حلم الثورة في رقدتها الخشنة في جوف الليل ، ربما يدبّ فيه نبض الحياة ، عندما يشرق صبح جديد .

إن أحدا فوق هذا المسرح السياسي – على سبيل المثال – لا يبدو مشغولا أو مهموما أو مؤرقا ، بسعي أجنبي التمويل ، مصري الأصابع ، يبذل جهدا جهيدا ، لكي يضع الأجيال الجديدة الصاعدة في مصر ، من أطفالها التلاميذ ، إلى مراهقيها الطلاب ، في موضع صدام معنوي بالدرجة الاولى ، ومادي بالدرجة الثانية مع جيش مصر العظيم .

لا أحد قد أنشغل بالتفكير في عوائد ذلك على مصر ، وعلى مستقلها ، وعلى جيشها ، وعلى أمنها القومي ، فربما كان التفكير فيه ترفا ، على سلم أولويات المصالح الذاتية ، التي يستقطبها قطف ثمار الثورة ، رغم أن إحداث قطيعة معنوية ، بين هذه الأجيال الصاعدة ، وبين الجيش وتغذيتها بعوامل الانفصام والرفض والكراهية والثأر ، وغرسها في وجدان هذه الأجيال البريئة ، لتثمر شجر الزقوم ، هو جريمة كبرى لا تطاولها جريمة أخرى ، بحكم تأثيرها الممتد في أجيال متصلة ، يعيش معها ما تتنفسه في بداية حياتها ، حبا ووطنية ، أو انفصاما وكراهية .

إن تحويل نشيد الصباح ، الذي هو انحناء لراية الوطن ، وتقديس للوطنية ، وتذكير بها ، وشحذ لها ، واستحضار للمقاتلين المدافعين عنها ، إلى نشيد لكراهية الجيش ، وتحقير العسكرية ، وتحويلها إلى بنية مكروهة في حد ذاتها ، هو بمثابة تأهيل الأجيال الصاعدة للعمل ضد وطنها ، وضد أمنها القومي ، وضد جيشها ، بل هو تفريغ للوطنية ذاتها ، من أفئدة وعقول أولئك الذين سيأتي يومهم يوما ، لينخرطوا في صفوف المحاربين المدافعين عن وطنهم ، تحت راية الجيش نفسه ، وهو طمس خبيث للتاريخ ، وتلاعب رخيص بورود صغيرة ، يفرض عليها أن تمتص من المناخ الفاسد حولها ، سموما هي الأكثر ضررا ، والأشد فتكا ، ليس بها فقط ، وإنما بالمستقبل الوطني كله .

إن السكوت على هذا الأمر ، لا ينبغي اعتباره جبنا أو تخاذلا سياسيا أو سوء تقدير ، وإنما اعتباره تواطؤ مع عمل تخريبي منظم ، لا يستهدف دوائر واسعة من التلاميذ والطلاب فوق خارطة الوطن ، وإنما يستهدف الدولة المصرية ، ومستقبل الكيان الوطني .

ولست أعتقد أن هذا الجهل المتواطئ ، بحسن نية أو بسوء قصد ، مع هذه الظواهر ، لديه معرفة بعملية تربية الأجيال الجديدة في إسرائيل ، وتهيئتها عقليا ووجدانيا ونفسيا ، في سنوات معرفتها الأولى ، لكي تندمج كليا في المشروع الصهيوني ، وفي الأيديولوجية الصهيونية ، وفي تحويل أعلام الجيش الإسرائيلي إلى رايات مقدسة ، تظل ترفرف من البداية إلى النهاية فوق رؤوسها .

إن الجيش في« إسرائيل» وحده ، وليس الأحزاب أو الجماعات السياسية ، أو جمعيات المجتمع المدني ، هو المسئول على نحو مباشر عن تربية الأجيال «الإسرائيلية» الجديدة ، وتلقينها مبادئ الأيديولوجية الصهيونية ، ونظرية« الأمن القومي الإسرائيلي» ، ولذلك لزاما على الشباب اليافع في إسرائيل من سن الثالثة عشر ، أن ينخرطوا سنويا في صفوف الجيش لعدة أسابيع ، حيث تجري لهم عملية احتكاك عملي بمعسكراته ووحداته ، وحيث يخضعون خلال هذه الأسابيع ، إلى تغذية أيديولوجية كاملة بالصهيونية ، سواء في مرتكزاتها التراثية والدينية ، أو في مرتكزاتها السياسية والفكرية ، وهذا الالتحاق السنوي لهؤلاء التلاميذ والطلاب بالجيش ، ليس التحاقا اختياريا ، وإنما هو التحاق إجباري ، تضاف نتائجه وتحصيله إلى أرصدتهم التعليمية في مراحل تعليمهم المختلفة ، ليس ذلك – فقط – بل إن وحدات دراسة التاريخ والجغرافيا ، تحديدا في الجامعات والمعاهد« الإسرائيلية» ، تخضع موادها وأبحاثها ودراساتها ، خضوعا كاملا للجيش« الإسرائيلي» ، ولا يسمح لا باسم البحث العلمي ، أو التفكير الليبرالي ، الاجتهاد فيها أو الخروج عليها ، وهذا أمر لا يرى فيه« الإسرائيليون» خروجا على قواعد الديموقراطية ، التي تحكم عمل الأحزاب السياسية ، أو الحكومة ، أو الكنيست ، فالحفاظ على المشروع الصهيوني ، ونقل خطوط الإنتاج البشري الجديدة ، تحت سقفه باستمرار ، هو عمل فوق الليبرالية السياسية ، وفوق الديموقراطية الحزبية ، لأنه يدخل في صلب صيانة الدولة ، والحفاظ على الكيان .

أما عندنا فقد أصبح ، مصالح التمويل الأجنبي فوق مصالح الكيان الوطني ، ومصالح الأحزاب فوق مصالح الشعب ، ومصالح الجماعة فوق مصالح الدولة .

لقد أصبحت صورة المستقبل أكثر التباسا ، جانب من هذا الالتباس تعكسه تلك النزعة المعلنة لجماعة الإخوان المسلمين ، لتشكيل حكومة بديلة لحكومة الدكتور الجنزوري ، تحت عنوان شديد الغواية ، يقول أنها “حكومة توافق وطني ، تعبر عن اختيارات الشعب المصري ، في الانتخابات البرلمانية” .

والملاحظ في ذلك – أولا – أن اسم " الحرية والعدالة ، الذي دخل الإخوان تحت اسمه إلى البرلمان ، يكاد أن يتوارى في الظل ، فقد أصبح اسم الجماعة ، هو الذي يتصدر المشهد قولا وفعلا ، حتى أن أعضاء الحزب الذين يتحدثون في مجلس الشعب ، أصبحوا لا يتحدثون بصفتهم الحزبية ، وإنما كأعضاء في الجماعة .

والملاحظ في ذلك – ثانيا – أن هذه الدعوة إلى تشكيل حكومة بديلة تستند إلى بدائل الانتخابات ، بدأت قوة دفعها من الولايات المتحدة الأمريكية ، وتحديدا من مجموعة من مراكز الأبحاث والمؤسسات الأمريكية ، التي أطلقت على نفسها اسم “مجموعة عمل مصر” وهي تشمل أعداد من المسئولين السابقين ومديري مراكز الأبحاث ، الأكثر عداء لمصر وانحيازا على إسرائيل ، وعلى رأسهم “روبرت ستالوف” مدير معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط ، و “إليوت إبرامز” مسئول الشرق الاوسط بمجلس الأمن القومي الأمريكي سابقا ، و “وستيف ماكنري” من مشروع ديموقراطية الشرق الأوسط ، و “وتش مالينوسكي” مدير منظمة هيومان رايتس ، و “بريان كاتوليس” من مركز التقدم الأمريكي ، و “روبرت كاجان” من معهد بروكينجز ، الخ......

والملاحظ – ثالثا – أن أصواتا غربية ، أقرب إلى مراكز التأثير المالي ، هي الأكثر علوا في الدعوة إلى قيام حزب الحرية والعدالة تحديدا ، بتشكيل هذه الحكومة الائتلافية ، عللا غرار “انجوس بلير” رئيس البحوث بـ “بلتون فيننشال” الذي يرى أن إسناد الحكومة إلى الغخوان المسلمين ، يضمن الاستقرار الاقتصادي ، دون أن يحدد استقرار مصر ، أم استقرار تركيا والغرب ، الغارق في بركة أزمة لا مخرج منها .

والملاحظ – رابعا – أن التفسير الذي تسوقه جماعة الإخوان المسلمين لعرضها ، ثم سعيها المباشر لفرض هذه الحكومة ، لا يشي بالحقيقة ، بقدر ما يعبر عن سعي ، تكتنف أسبابه الحقيقية غموض كامل .

فالتفسير تارة يستند إلى اتهام الحكومة الحالية بالتقصير وعدم العمل لصالح المواطن ، وإهدار المال العام نكاية وعقابا للشعب المصري ، على ما قام به من ثورة ، وتارة ثانية – كما جاء على لسان المرشد – إلى أن الجماعة فوجئت بعدة قوى خارجية و داخلية ، تكيل الاتهامات الظالمة بشأن عدم قدرتها على تحمل المسئولية ، فجاء الجماعة في الإعلان عن تشكيل حكومة ائتلافية ، أي أن التفكير في تشكيل الحكومة جاء مجرد رد فعل ذاتي ، لإثبات القدرة على تحمل المسئولية ، ودفع الاتهامات الظالمة عتها ، وتارة ثالثة ، لأنه رغم أن الإخوان المسلمين ، لديهم موقف من حكومة الجنزوري ، لكنهم يريدون علاج الأوضاع المؤسفة التي تعيشها مصر ، وتارة رابعة ، لأن الجنزوري أوشك على تقديم استقالته بسبب الانتقادات الموجهة إلى حكومته ، وتارة خامسة ، لأن حزب الإخوان يتمتع بالأكثرية داخل البرلمان ، ومن حقها أن تشكل الحكومة ، وتارة سادسة ، لاستباق ما يريد المجلس العسكري تحقيقه ، حيث يسعى إلى تدمير الاقتصاد المصري بالاقتراض من البنك الدولي ، مما يقيّد الإخوان تجاهه عندما يتولون الحكم ، وتارة سابعة ، وثامنة ، الخ ....

والملاحظ – خامسا – أن “محمد مرسي” عندما تحدث عن الحكومة الائتلافية ، لم يتحدث باسم الحزب الذي يترأسه ، وإنما تحدث – أولا – باسم الجماعة ، وعبّر – ثانيا – عن إصرار الغخوان على موقفهم ، بغض النظر عما يفرضه الإعلان الدستوري ، أو القانون ، مؤكدا ان الإخوان لن يسمحوا للمجلس العسكري بتشكيل حكومة عقب استقالة حكومة الجنزوري .

والملاحظ – سادسا – أن بعض المتحدثين باسم الجماعة ، كشفوا صراحة عن خطة لفرض الجماعة حكومة الإخوان ، بوضع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بين فكيّ كماشة ، أولا ، بتحقيق توافق داخل البرلمان حول تشكيل الحكومة ، وثانيا ، بتشكيل جبهة ضغط شعبية لسحب الثقة من حكومة د. الجنزوري .

والملاحظ – سابعا – إضافة إلى بعض أصوات محترفي السياسة ، التي أيدت تشكيل الجماعة للحكومة ، تحت دعوى تقليل الاحتقان ، أو تلاقي رغبات الميدان والبرلمان ، للمشاركة في جنيّ الأرباح ، كان الصوت الأكثر تأكيدا على حق الجماعة ، قادما من لجنة السياسات المنحلة ، حيث اعتبر “مصطفى علوي” أن تشكيل الحكومة حق سياسي أصيل للمجلس ، وليس قانونيا أو دستوريا ..!

والملاحظ – ثامنا – أن اندماج الجماعة نحو تشكيل الحكومة ، كان متزامنا مع اندفاعهم على محاور أخرى في الوضع السياسي العام لغرض سلطانهم ، سواء في مسألة الاستحواذ على تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور ، أو في مسألة قانون الجمعيات الأهلية ، التي يريدون أن يكون متوافقا مع مقومات الجماعة الذاتية ، أو في سعيهم لدى وزير الداخلية “محمد إبراهيم” إلى تخصيص حصة للإخوان في تعيينات جهاز الشرطة ، ونسبة 15% من المقبولين في كلية الشرطة ، أو في حربهم المعلنة على تشكيل المجلس القومي للمرأة ، أو في إعلانهم عن مرشح مفاجئ للرئاسة “لأن الشروط التي وصفتها الجماعة لمرشح الرئاسة ، لا تنطبق على الأسماء المطروحة حاليا” .

والملاحظ – تاسعا – إن موضوع تشكيل هذه الحكومة الجديدة ، كان مادة للحوار بين “ماكين” و “الشاطر” وإن البيان الذي صدر عن السفارة الأمريكية ، في أعقاب الزيارة واللقاء ، عبر باسم “ماكين” وأعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الأربعة الذين اصطحبوه ، عن “الرغبة الأمريكية القوية في التعاون مع الحكومة الديموقراطية الجديدة” .

والملاحظ – عاشرا – لما سبق كله ، ومن باب المعلومات قبل باب التحليل ، إن الأمر برمته ، لا يعدو أن يكون توافقا واتفاقا بين الجماعة والولايات المتحدة ، بغض النظر عن الأسباب والدوافع .

جانب آخر من سحب هذا الالتباس في أفق المستقبل ، تعكسه تطورات العلاقة بين الجماعة ، وبين أمريكا ، وصولا إلى محطتها الأخيرة ، في لقاء “ماكين” و “الشاطر” .

والحقيقة أن الولايات المتحدة تبدو عبر كل محطة ، في حالة من الدهشة ربما أكثر من النشوة ، وهي دهشة سابقة على ثورة 25 يناير بسنوات ، كان أول مظاهرها غضب الجماعة من عدم دعوة أعضائها في البرلمان الأسبق “2007” إلى لقاء عضوة من الكونجرس هي “بيتي ماكلوم” أثناء زيارتها لمصر ، فقد كتبت السفيرة الأمريكية إلى واشنطن – حسب وثائق ويكيليكس – أنه تطور لافت منهم تجاه السياسيين الأمريكيين ..، إنهم لا ينوون فقط الاجتماع معنا ، بل أصبحوا كذلك يشتكون من عدم منحهم هذه الفرصة .

وقد امتدت هذه الدهشة الأمريكية ، إلى نتائج الاجتماع الأخير ، بين جماعة الكونجرس ونائب المرشد ، حسب تعبير “ليندسي جراهام” عضو الوفد “لقد اندهشت من تصريحهم بشأن تغيير القانون ( الخاص بالجمعيات ) لاعتقادهم بأنه غير عادل” قبل أن يشيد الجماعة بوصفها “شريكا محتملا للعلاقة المصرية الأمريكية في المستقبل القريب” .

غير أن هناك ملاحظات أكثر أهمية حول اللقاء وفي عمقه ، تستحق التوقف :

1. إن الجماعة لم تصدر بيانا ، ولم تذع خبرا عن اللقاء ، وإن “ماكين” هو الذي دونه بنفسه ، في موقعه على “تويتر” .

2. إن تدوين “ماكين” اتسع لمراحل الزيارة ، ولكن أعاد ترتيبها خارج سياقها الزمني ، أي حسب أولوية مراحلها بالنسبة لأمريكا ، لقد بدأ زيارته بلقاء المشير “طنطاوي” ثم بالاجتماع مع “الشاطر” ، ثم بزيارة مجلس الشعب ، ولكن دوّن اجتماعه مع “الشاطر” أولا ، ثم المشير “طنطاوي” ثانيا ، ثم مجلس الشعب ثالثا ، ووصف “الشاطر” بأنه قيادي مهم بجماعة الإخوان ، ووصف اللقاء معه بأنه “جلسة مباحثات عميقة” وأضاف في النهاية أنه “التقى سعد الكتاتني” .

3. الواضح – أيضا – أن “ماكين” حضر اللقاء بصفتين ، صفته الحزبية كمدير للمعهد الجمهوري الأمريكي ، وصفته كعضو في مجلس الشيوخ ، ولكن “مباحثاته العميقة” لم تتم مع ممثل حزبي ، وهناك حزب قائم للإخوان ، ولا مع ممثل برلماني ، ولديهم رئيس البرلمان نفسه ، وإنما تمت مع رأس “الجماعة” ممثلة في “الشاطر” وفي مكتبه الخاص ، وهو أمر يستحق التوقف .
4. الواضح – أيضا – مما تسرب من جلسة المباحثات ، إن “ماكين” ووفده كان معنيا باقتناص إجابة الجماعة عن سؤالين جوهريين ، يشكلان قاعدة التوافق - فيما أحسب – وهما ، موقف الجماعة من اتفاقية “كامب دافيد” ، وموقف الجماعة من اقتصاد السوق الحر ، وقد تلقى إجابة شافية ، ومُطمئنة عليهما .

5. الواضح – أيضا – مما تسرب من جلسة المباحثات ، أن “الشاطر” كان معنيا بالدرجة الأولى ، بالحصول على تأييد أمريكي ، لمسألتين أصبحتا أساسيتين في توجه الجماعة ، هما ، إعلان واضح بأن الحكومة د.الجنزوري ، قد أثبتت فشلها ، واستجابة واضحة لدعوة الإخوان بضرورة تشكيل حكومة إخوانية تحت عنوان جذاب ، هو ، “تشكيل حكومة توافق وطني تعبر عن اختيارات الشعب المصري في الانتخابات الماضية”.

6. الواضح – أيضا – مما تسرب من جلسة المباحثات ، إن “ماكين” لم يغسل عيون الجمهوريين من خطأ النظرة السلبية إلى الإخوان ، وقد ردّها إلى النظام السابق ، الذي حولهم إلى فزاعة ، ولكنه وجد أرضية مشتركة ، تستوجب تغيير هذه النظرة ، في إطار من التوافق والتعاون المشترك .

7. من الواضح –أيضا – في ضوء ذلك كله ، أن الحديث المرسل عن صفقة بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة ، وبين جماعة الإخوان ، ليس إلا سحب دخان كثيفة ، تطلق من هنا وهناك ، هدفها التغطية على أكبر عملية التحام في الفضاء بين المركبة الأمريكية في فضاء الشرق الأوسط ، وبين جسم جديد يريد أن يكون الكوكب الوحيد في طبقاته العليا ، وإن طرقا جديدة يتم فتحها في هذا الفضاء ، للإبقاء على نظام الهيمنة الأمريكي ، بشقيه العسكري والسياسي .

قد تتساءل عن الجديد ، والواقع أن الجدي ليس جديدا ، إلا في صوره وتضاريسه الخارجية ، فهذا عقد زواج جديد ، يوقع على عقد زواج قديم ، استهلك الزمن والمتغيرات أحد طرفيه ، فذهب في ذمة التاريخ ، ليحل بديله الجاهز ، محل قديمه المُزاح .

وقد تتساءل عن جذور ذلك ، في الواقع والمتغير ، ولكن الإجابة تحتاج إلى تأصيل وتفصيل ، وحسب الإشارة هنا أن تكون مجرد سهم للتوضيح .

لقد كان انقلاب الابن على أبيه في تلك الدويلة ، التي تصرّ قناة الإخوان المسلمين ، على أن تنقل شعائر صلاة الجمعة منها ، وكأن الأراضي المقدسة قد انتقلت إليها ، مرتبط بموضوع محدد وهو الغاز ، وكان صعود حزب الحرية والعدالة في تركيا ، أشد ما يكون ارتباطا بالموضوع ذاته ، أي الغاز ، ولكن التحول الجديد ، وإعادة الاصطفاف ، يستند إلى مشروع أكبر بكثير من موضوع الغاز ،رغم أن غاز البحر الأبيض المتوسط الجديد ، يشكل بالتأكيد أحد عناصره الأساسية .

ما يمكن إضافته هنا ، اقترابا أكثر من الجذور ، إن خط الغاز التركي المصاحب لصعود حزب “التنمية والعدالة” ، قد أُعطى في حينه اسما غريبا ، هو “نابوكو” ، غير أن الاسم يحمل دلالة تستوجب التوقف ، فهو اسم مقطوعة موسيقية لــ “فيردي” تنزف موسيقى حزنا ، على سبيّ “نبوخذ نصر” لليهود في العراق ..!

أليس فيكم من فتى رشيد ؟!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 22 / 2181863

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع تفاعلية  متابعة نشاط الموقع المنبر الحر   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2181863 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40