الخميس 1 آذار (مارس) 2012

ثورات حاملي النعوش

الخميس 1 آذار (مارس) 2012 par يونس عودة

بعد مرور سنة أو أكثر بقليل أو أقل بقليل على الحراك في هذا البلد العربي أو ذاك، تفترض التطورات وقفة استنارية على “أطلال الثورات الحقيقية” التي أرادت فعلاً الخروج من مآسي القبضات الحاكمة، ووقفة بلا غريزة أمام عملية السطو التي تعرّض لها الشعب في هذه الدولة أو تلك، من خلال حرف المسار الحقيقي للآمال والأماني، فضلاً عما يمكن أن يقال إنه تحقيق لـ“إنجاز”، قياساً إلى الخسائر والأثمان المدفوعة. فمصر التي كان الرهان بأنها ستقلب الموازين، ليس فقط السياسية، والاقتصادية بل والأخلاقية، ماذا حل بحراك شعبها الذي نزل إلى الميادين بالملايين منادياً بالحرية والعدالة ولقمة العيش! يرفض أي مصري ان يسمي التحرك بغير اسم “ثورة”، مع الاعتراف بأنها لاتزال في موجتها الأولى، ولاتزال بخير وقادرة فعلاً على إنجاز التغيير المطلوب، والجذري، لكن وبعض النظر عن الانتخابات وما حملته من نتائج، فهل تنحى العسكر عن السلطة؟ بالطبع لم يتنحَّ، والعالمون بخبايا الشارع المصري يقولون إن المجلس العسكري لايزال يستمد سلطته أصلاً من التكليف الذي منحه إياه الرئيس المخلوع حسني مبارك، ولن يفرط في السلطة، وسيظل ممسكاً بها بشكل ما، وهو أصلاً لم يكن يريد لمبارك أن يتنحى لولا مسألة التوريث التي كان يسعى إليها مبارك، ويرفضها العسكريون. هذه هي المشكلة الوحيدة مع مبارك، ولذلك التقت المصلحة الآنية مع الثورة، فاستغلها العسكر بالتنسيق مع الولايات المتحدة، ووضع يده على الثورة.

أما على المستوى السياسي الوطني، فإن الولايات المتحدة لم تسمح للعسكر باستعادة، ولو بالشكل، بعض المعنويات التي يمكن أن تساهم في رفع منسوب الثقة بالمجلس العسكري. والدليل، المعبر الحدودي إلى غزة أو رفح، فالأمور لاتزال على حالها، ويكفي ذلك للاستدلال على أن الأساس كان في الغطاء الأميركي بمنع التغيير، ليس فقط على مستوى معاهدة “كامب ديفيد” المذلة، بل على مستوى إجرائي يعتبر بسيطاً قياساً إلى معاهدة “تكتيف” مصر، وما قاله السيناتور الأميركي جون كيري أبلغ دليل، وفيه أن “الديمقراطية لمصر شيء، والمساس بخطوط مبارك وتحالفاته شيء آخر”.

أما على المستوى الاقتصادي فحدّث ولا حرج، والمخاوف تتصاعد من احتمال الوصول إلى مكان لا تدفع فيه حتى الرواتب للموظفين الرسميين، رغم الإجماع في القوى المصرية على أن البلاد غنية ولو “منهبة” إلى مبارك والمجموعة لكانت مصر ليست بحاجة إلى “فلس” واحد كمساعدة.

وعلى المستوى الأمني، فالفلتان والعصابات والبلطجية والتشليح على قدم وساق، ومع ذلك لايزال التفاؤل يحكم أصحاب الهمم لتصويب البوصلة، من خلال إصرار الشعب على أنه وحده يقرر مصيره، مستعيناً بالحق في الحرية والحق في المعرفة.

مصر قياساً إلى ليبيا تُعتبر جنة مزدهرة إلى حد ما، ففي تلك الدولة الغنية بالموارد الطبيعية على اختلافها لشعب صغير يقطن على أرضها الواسعة، لا يبدو أن الجراح ستُشفى قريباً، فهناك أكثر من مئة ألف شخص قُتلوا، ولاتزال المدن المدمرة على حالها، والمهجرون يمنع عليهم العودة إلى ديارهم من جيرانهم في البلدات المجاورة، و“مصراته - تاورغا” نموذجاً. أما رئيس المجلس الانتقالي، فيبيع الأحلام الوردية، ويتهم الشعب بأنه يُحيك مؤمرات عبر أعوان القذافي في الخارج، وبالتعاون مع الداخل، في محاولة لإجهاض “الثورة” التي قادها الناتو.

الاعتراف بالفساد ليس آخر المطاف، فحتى اللوصوصية التي تحكم ليبيا حالياً تحت علم الناتو امتدت للمتاجرة بالمصابين والجرحى، حيث إن اللجان المكلفة “لطشت” أموالاً، رغم أنها للعلاج وما إلى ذلك.

أما تونس جارة ليبيا، فلها حكاية لا علاقة لها بالثورة، فكل شيء لايزال على حاله، باسثناء السماح لأميركا بمزيد من الاستباحة التي كانت أيام “بن علي”، مستورة بكثير من الأدوات، واليوم أصبحت علنية، حيث إن تونس تحوّلت إلى “المركز الاول” للتآمر على من يقف بوجه “إسرائيل”.

الاستثناء الوحيد الذي حصله التونسيون، هو أن السلطة الجديدة شرعت الأبواب للأميركيين الذين شاركوهم تقبل التهاني بمغادرة “بن علي” إلى السعودية؛ كما في مصر، رغم أن “بن علي” و“حسني مبارك” كانا أهم حليفين لواشنطن واستخباراتها، إلا أنهما هرما، وبات التجديد في شخصيات النظام ضرورة أميركية، لتفعيل الساحتين ضد كل من يتصدى للتآمر الأميركي الصهيوني، وفتحت تونس نفسها على صراعات داخلية هدفها إضاعة، لا بل قتل آمال الشباب التونسي الذي ثار يوماً ضد نظام كان لصيقاً بأميركا، فابتُلي بنظام أكثر التصاقاً لا بل أكثر ولاء وتنفيذاً، لاسيما ضد سورية، وبتعليمات على مستويات أدنى بكثير مما كان سابقاً، أرفعهم “جيفري فيلتمان” موضب السلطة هناك وعلناً، فيما لايزال الوضع المعيشي مستمراً في التدهور، وتراجعت السياحة كثيراً، والمخاوف تتزايد من التناحر الاجتماعي الذي تشهد الأرياف كثيراً من الحوادث المرتبطة به، وحتى بعض المدن الكبيرة في الجنوب، بمعنى أن الفوضى تجاوزت تصورات الشعب التونسي الطيب، الذي لا يزال يحاول التصويب، لكنه مصاب، ومصابه كبير بالرئيس المعين المنصف المرزوقي، الذي وقف ليقول كلاماً في مؤتمر “المتآمرين” على سورية لا يقوله زعيم “زنقة”، لأنه يدعو إلى السخرية.

أما اليمن الذي بات له رئيس جديد من رحم الرئيس السابق، واستمرار له بكل المقاييس، فإن تلك البلاد التي كانت تسمى بـ“اليمن السعيد” و“جنة عدن”، فقد تحولت إلى مرتع للإرهاب والتصدير بحماية المشعوذين والسعوديين، والبلاد يجتاحها الانقسام، رغم نقاوة الثورة حين بدأت، لكنها تشوهت رويداً رويداً.

لقد نجح العرب في تحويل مسار الثورات إلى فوضى في الكثير من المحطات، إلا أن الصراع لم يحسم بعد في الدول الأربع المذكورة، ولو تم تشكيل حكومات وبرلمانات وتعيين رؤوساء.

أمام كل تلك الدروس، هل هناك من يشكك بعد في أن الغرور والغطرسة الغربية بقيادة أميركية وتمويل خليجي، مع تقديم بعض الحطب، ليس هدفها سوى تدمير النسيج الاجتماعي قبل الأمني والعسكري، ومن ثم الثقافي لهذه الأمة؟!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 39 / 2165635

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165635 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010