السبت 3 آذار (مارس) 2012

قبر النبي يوسف: نموذجاً للتزوير الصهيوني

السبت 3 آذار (مارس) 2012 par أحمد الدبش

في خضمّ عملية الاستيطان الصهيوني، لفلسطين، وما تضمّنته من أعمال السلب، والإقتلاع التدريجي للشعب الفلسطيني من أرضه، جرى استخدام علم الآثار “الإسرائيلي” بصورة فعّالة، لإقصاء الفلسطينيين عن تاريخهم، وانتحال تراثهم الآثاري والثقافي. في هذا السياق، لعب علم الآثار التوراتي دوراً هاماً، وكان هدفه إيجاد علاقة بين ما تُدعى “دولة إسرائيل الحديثة”، والعصر “الإسرائيلي” القديم. ما نتج عنه أن اختفت الطبيعة التعددية لتاريخ فلسطين بشكل فعلي من الوعي العام، فيما اختفى معها التاريخ والتراث الثقافي العربي القديم. كما وجرى انتحال العديد من المواقع الأثرية والتاريخية، والأماكن المقدّسة في فلسطين، التي تُشكّل جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي الفلسطيني، بصفتها “توراتية” أو “يهودية”.

في عامي ‏1948‏ و‏1949، وضع الكيان الغاصب يده على قبور الأولياء المسلمين في بلادنا فلسطين، وبدأ عملية التهويد لقبور هؤلاء‏ الأولياء,‏ فحوّلها بلا حياء ، قبورا للأنبياء اليهود‏، والقديسين عندهم‏,‏ واصبحت مزارات لأعداد ضخمة من اليهود‏,‏ وبعد حرب‏1967‏ قام الجيش الصهيوني، بالتعاون مع رئاسة الحاخامية فيه، والموظفين في هذه الرئاسة‏,‏ بالسيطرة علي الاماكن المقدّسة لدي المسلمين‏,‏ تحت ذريعة أنها كانت مقدّسة لليهود .

من هذه الأماكن، كان مقام يوسف على مشارف مدينة نابلس؛ فقد وجدت الحركة الصهيونية، عبر التماثل في التسمية، فرصة مواتية للادعاء بأن هذا المقام هو قبر يوسف الصديق، وكان الباحث التوراتي “ج. و. ماك غارفي” ، في كتابه “أراضي التوراة” ، المنشور عام 1880 ، أول الباحثين، الذين حاولوا الربط ، ولمجرّد تشابه الأسماء ، بين هذا القبر وبين “النبي يوسف”. مع أن هذا الباحث يقر في كتابه بالطراز الإسلامي الحديث للبناء.

بعد عدوان حزيران / يونيه1967 ، وضع العدو الصهيوني يده على المقام ، وزعم أنه قبر النبي يوسف، وأصبح وِجهة للمُصلِّين من المستوطنين ، للصلاة وأداء الطقوس التلمودية فيه؛ بالرغم من كونه أثرًا إسلاميًا مسجلاً لدى دائرة الأوقاف الإسلامية ، وأن المدفون في هذا القبر هو أحد المسلمين الصالحين، هو “الشيخ يوسف الدويكات”، الرجل الصالح ، الذي عاش في نابلس قبل عام 1850. ولقد حُوِّل القبر إلى مسجد صغير، وسُجِّل كوَقْفْ إسلامي.

وتقول اللوحة الرخامية في جدار القبر-المسجد- أن البناء قد جُدِّد في العام 1868. وتشرف على هذا القبر -المسجد- “عائلة فلسطينية” من نابلس، بموجب وثيقة عثمانية (النسخة الأصلية منها مودَعة في بلدية نابلس ، لحفظها ضمن وثائق ومخطوطات البلدية)، وهي صادرة باللغة التركية، عن السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، المعروف باهتمامه بالأولياء والصالحين. وتنص هذه الوثيقة على منح ...... ، وذريته من بعده، سُكنة وخدمة “مقام يوسف”.

تقول الوثيقة التي عليها خاتم السلطان عبد الحميد الثاني، باللغة التركية: “السلطان عبد الحميد الثاني يعهَد للشيخ فياض عبد الله الأسمر، وذريته من بعده ,بسدانه وخدمة مقام يوسف، وعلى أن يَقدِم الوالي، على ما يلزم لخدمة هذا المقام” ، وخُتِمَتْ الوثيقة بتاريخ 1322هـ .

ويؤكد بعض علماء الآثار أن عُمْر القبر لا يتجاوز بضعة قرون، وأنه مقام لشيخ مسلم؛ فقد أسفرت عمليات التحليل الآثاري التي قامت بها فِرَق العلماء «الإسرائيليين»، خلال السنوات الماضية، عن نتيجة مفادها أن هذا الضريح بني في العصر العثماني، ولا يوجد فيه أي آثار تدل على قِدَمُه إلى فترة أبعد من ذلك.

من المعروف تاريخيًا، أن حركة التاريخ التوراتي لا تنسجم مع جغرافية المنطقة، من العراق إلى الشام وإلى مصر؛ كما أنه من المؤكد تاريخيًا ، أن يوسف النبي لم تطأ قدماه أرض فلسطين! وأنه بعد مرور أكثر من قرن ونيف على التنقيب الأثري، الذي لم يترك شبراً أو حجراً من أرض فلسطين دون قلبها؛ لم يُعثَر على أثرٍ واحد، يربط العهد القديم بها، وأي ادعاء بغير ذلك غير صحيح على الإطلاق، ويُعد تزوير للحقائق.

يؤكد ذلك عالم الآثار الإسرائيلي، وأستاذ قسم الآثار وحضارة الشرق القديم في جامعة تل أبيب ، البروفيسور “زئيف هرتسوغ” في تقريره الموسوم بـ “التوراة” (لا إثباتات على الأرض)، الذي نشرته جريدة هآرتس «الإسرائيلية»، بتاريخ 18/11/1999؛ ورغم أننا لا نتفق مع كل المنطلقات النظرية للعالم« الإسرائيلي»، أو مع بعض استنتاجاته التي وصل إليها بخصوص بعض جوانب التاريخ الفلسطيني القديم، إلا أن ذلك لا يمنعنا من إدراك أهمية بحثه؛ حيث يذكر “هرتسوغ” أنه: “بعد سبعين عاماً من الحفريات المكثفة في أرض فلسطين، توصَّل علماء الآثار إلى نتيجة مخيفة، لم يكن هناك شيء على الإطلاق؛ حكايات الآباء مجرد أساطير؛ لم نهبط مصر، ولم نصعد من هناك؛ لم نحتل فلسطين، ولا ذِكْرْ لامبراطورية داود وسليمان”.

هذا ما حدا بأحد أساتذة جامعة تل أبيب لعلوم الآثار، البروفيسور “نيل سبلرمن”، وزميله البروفسور “إسرائيل فينكلستين” إلى إطلاق صرختهما الشهيرة، في كتابهما الصادم “التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها”، وذلك بعد أن تبيّن لهما وجود تضارُب عميق بين ما تُسطِرَهُ التوراة - فيما يخص تفاصيل المواقع الجغرافية لأنبياء وممالك بني إسرائيل - وبين ما تشهد به الأرض، بعد أن استنطقتها علوم الآثار".



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 170 / 2165500

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام منوعات  متابعة نشاط الموقع نوافذ  متابعة نشاط الموقع أحمد الدبش   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165500 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010