الخميس 8 آذار (مارس) 2012

تبييض ضمائر!

الخميس 8 آذار (مارس) 2012 par هيفاء بيطار

لا يمكنني أبداً أن أنسى مشهد أطفال ولدوا بدون جمجمة. صورة الجنين مكتمل النمو، وبعد تسعة أشهر من الحمل، وجه بريء، جميل، وجسد مكتمل ولكن لا يوجد جمجمة! الرأس عبارة عن وجه فقط... هذا ما رأيته بعيني في مشفى صافيتا في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات.

الرواية التي شاعت وقتها أن بعضا من هؤلاء العمال قد دهنوا جدران بيوتهم بمادة اعتقدوا انها دهان ولم يعرفوا أنها نفايات نووية وكيف حصلوا على هذه المواد لم أعرف بدقة كيف حصلوا على هذا الذي اعتقدوه دهانا اذ تضاربت القصص والروايات أيضا..

وكان هؤلاء العمال من قرية الشيخ بدر القريبة من طرطوس، ولم يخطر ببالهم أنهم يطلون جدران بيوتهم بالنفايات النووية، وأن هذه المواد المشعّة بالغة الخطورة، سوف تشوه مورثاتهم وتؤثر عميقاً في بنية الخلية، ومنها طبعاً البويضات والحيوانات المنوية. وبدأت تتابع ولادات أجنة بلا رؤوس... وفي بداية التسعينيات لم تكن وسائل الطب قد تطورت كثيراً، فلم يكن استعمال «الإيكو» لفحص الحوامل دارجاً، خاصة أن الأمهات الحوامل من الطبقة الفقيرة، ومن قرى، بالكاد تجد فيها مستوصفاً طبياً بائساً.

حتى أن وسائل الإعلام لم تكن متطورة ومتكاثرة كما هي الآن، ولم ترصد تلك الحالات المروعة من ولادات أطفال بلا جماجم... وقد حضرتُ عدداً من هذه الولادات في صافيتا بحكم صداقتي مع بعض أطباء النسائية هناك. كما سُجلت حالات عديدة من العمى المفاجئ والتام، لدى هؤلاء المساكين الذين طلوا جدران بيوتهم بالنفايات النووية، لاعتقادهم أنها طلاء!

أسرد تلك الوقائع المثبتة، لا لأقلـّب المواجع، بل لأن السيد المسؤول الذي أبرم صفقة دفن النفايات النووية، والذي تتناثر قصوره في الريف السوري، خاصة على الطريق الساحلية بين اللاذقية وطرطوس، وأحب أن أسميه «السيد المشعّ»، هو معارض يشع نفاقاً.

«السيد المشعّ» ذاته يطل علينا من حين لآخر على الفضائيات كأحد أبرز المعارضين ويحكي عن معاناة الشعب السوري والظلم الذي يتعرض له، وعن الفقر والبطالة ونقص الحريات...الخ، ويخطر لي وأنا أتابعه مرغمة ومشمئزة أن يسأله محاوره عن هؤلاء الأطفال الذين ولدوا بلا جمجمة، ترى، كيف استطاع أن يرشو ضميره لينسى تلك الجريمة؟ وهو الأب، والجد، والمدعي أنه معارض من أجل مصلحة الشعب السوري؟ هل هناك حالة تشبه تبييض الأموال، وهي تبييض الضمير!

شغلني منذ أشهر هؤلاء المعارضون المزيفون، بل كانوا موضوع أحاديثنا أنا وأصدقائي، وسأذكر البعض منهم. أحد الوزراء السابقين الذي يطرح نفسه معارضاً للنظام منذ بداية الأزمة في سوريا، كان قد سطا على غابة في مصيف صلنفة، وقطع أشجاراً فيها، كما لو أنه ورث الغابة عن والده، وشيد فيها قصراً وسور المساحة التي اختارها كحديقة لقصره.

وحين طار السيد الوزير من الوزارة وثروته تقدر بالملايين وربما بالمليارات، صار معارضاً. ترى هل يظن أن الناس سذّج وأغبياء، حتى يصدقوه؟

وزير آخر استلم وزارة حساسة في سوريا، وبالكاد كنت تراه في مكتبه، لأنه تحول إلى سندباد، حتى أن أحد مساعديه سماه وزير «الشنطة»، لأن حقيبة سفره جاهزة دوماً للسفر، من دولة إلى دولة، حتى وصل أقاصي الشرق، من أجل تعزيز العلاقات بين سوريا وشعوب العالم، بينما هو يعزز جيبه بالملايين التي تتدفق عليه كمهمات سفر... وقد طار بين ليلة وضحاها بسبب عدة قضايا فساد، منها أنه غض الطرف عن وجود آثار اكتشفت أثناء الحفريات، وكان قد نوى بالسر أن يبيعها.

حضرته أيضاً وبعد أن استغل منصبه أحسن استغلال لنهب الملايين، ونهب المال العام، تحول إلى معارض، بعد أن كان موهوباً بالكلام كأحد أهم أبواق النظام.

أية مهزلة مقرفة أن يطرح هؤلاء اللصوص الفالتون من العقاب أنفسهم كمعارضة؟ على من يضحكون؟ إن طفلاً على مقاعد الدراسة الابتدائية أو عامل تنظيفات بالكاد يعرف القراءة، أو بائعاً متجولاً يبيع بشرف وعرق جبينه بضاعته غير المغشوشة، وسائق باص، وامرأة فقيرة تشطف الدرج و... كل هؤلاء مجرد أن تسألهم عن السيد «المشّع» أو الوزير «الفلاني» أو «العلاني»، سيضحكون ويسردون لك قصص فسادهم.

إن الشعب السوري يقرف من هؤلاء اللصوص المنافقين المدعين أنهم معارضة، والمتشدقين بكلام كاذب وشعارات منافقة، مدّعين أن مصلحة الشعب السوري تهمهم. بل إن كل مواطن سوري يتمنى لو يُجرد هؤلاء من الملايين والمليارات التي سرقوها من دم الشعب الصابر والمظلوم، اللاهث وراء لقمة عيش كريم. والأهم نتمنى أن يُحاسب هؤلاء ونراهم خلف القضبان، وأن تعود ثرواتهم للشعب السوري..

ثم أية حوارات هذه التي تجريها بعض الفضائيات مع هؤلاء اللصوص، لماذا لا يسألونهم عن سرقاتهم وفضائحهم الموثقة والمعروفة؟ لماذا لم يخطر ببال أحد من حشد الإعلاميين الذين حاوروا «السيد المشعّ» أن يسأله عن أحلامه مثلاً؟ ألا يرى في منامه صورة طفل بلا جمجمة؟ عذراً، صور مئات الأطفال بلا جمجمة، قتلهم جشع وسفالة «السيد المشعّ» الذي لم يبيّض أمواله فقط، بل بيّض ضميره.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 11 / 2178494

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178494 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40