الاثنين 7 حزيران (يونيو) 2010

الاتراك يقاتلون معنا لا عنّا

الاثنين 7 حزيران (يونيو) 2010 par د. عصام نعمان

تحوّل إحتجاجنا الساخط ، نحن العرب ، على مجزرة اسرائيل البحرية الوحشية احتفالاً صاخباً بتركيا وزعيمها رجب طيب اردوغان . ثمة جوع مزمن لدينا الى البطولة والكرامة ، إن لم يسدّه واحد منا تطلّعنا الى آخر من سوانا لينهض الى المهمة نيابةً عنّا .

حـاول جمال عبد الناصر صادقاً التصدي للغرب المستعمر وربيبته اسرائيل ، فتفجرت حناجرنا هتافاً له وقلوبنا اعجاباً به وعيوننا متابعةً حميمة لخطواته . كنا نتفرّج عليه ولا نساعده كي نساعد أنفسنا . كان موضوعاً للفرجة وليس قدوة للعمل والتضحية.

اليوم يطل علينا اردوغان بقامة عالية من شرفة مجاورة ويقول في اسرائيل ما لا يجرؤ كثير منا ، في العصر الاميركي ، ان يقوله فيها ، فتتفجر حناجرنا هتافاً وقلوبنا اعجاباً وننتظر منه ، بسذاجة اسطورية ، ان يقاتل اسرائيل عنّا وان يلقنها درساً لطالما اخترناه لها في احلام اليقظة.

جميل ان نقدّر للغير ، اياً كان ، سجايا ومزايا ومواقف ، خصوصاً عندما يكون نتاجها مفيداً لنا . ومن الممكن والمفيد ايضا ان ننتظر منه ، اذا ما تلاقت المطامح والمصالح ، ان يقاتل معنا . لكن من السذاجة الفاضحة ان نطلب اليه او نتوقع منه ان يقاتل عنّا وان نقبع في اماكننا لنتفرج عليه .

اياً ما كانت رغائبنا ، فإن الاتراك ، ولاسيما نخبتهم القائدة ، ليسوا سذّجاً ليقاتلوا عنّا . هم يتذكرون حدثاً لم يمر عليه الزمن بعد هو اننا قاتلنا ، في الحرب العالمية الاولى ، مع الغرب الاوروبي وعنه ضدهم الى ان تمكّن منهم ومنّا . قاتلنا ، بسذاجة ، مع بريطانيا وفرنسا ضد تركيا العثمانية نتيجةَ وعدٍ لنا بإستقلال لبلاد الشام وبمملكة عربية معقودة اللواء لأحـد أبناء الشريف حسين ، حاكم الحجاز ، وما ادركت نخبتنا القيادية آنذاك ، بإستثناء شكيب ارسلان ورفاقـه من دعاة اللامركزية لا الإنفصال عن السلطنة العثمانية ، خطورة الإنخراط مع دول استعمارية غربية عاتية للإستعاضة بها عن سلطنة شرقية هرمة . وماذا كانت النتيجة ؟ اعطت بريطانيا بشخص بلفور وعداً لليهود بوطن قومي في فلسطين ، وتواطأت بريطانيا ، من وراء ظهر الشريف حسين ، مع فرنسا من خلال اتفاق سايكس – بيكو على تقاسم بلاد الشام وبلاد الرافدين بينهما لتقوم على مدى المشرق العربي كله كيانات هشة تدور في فلك لندن وباريس.

لعل من المفيد ايضا التأكيد ان الكيان الصهيوني ما كان ليقوم اصلاً لولا تقاسم الميراث العثماني بين بريطانيا وفرنسا . وما كانت السلطنة العثمانية ( التي كان عرب المشرق في ظلها موحدين لا حدود ولا سدود بينهم) لتموت وترثها اوروبا الاستعمارية لولا سؤ تقدير وسؤ تصرف النخبة القيادية العربية في الربع الاول مـن القرن الماضي . فقد كان حرياً بها ان تناضل ، تحت شعار اللامركزية ، لنيل الاستقلال من الاتراك جسماً عربياً واحداً ، بدلاً من ان تنخرط في تحالف غير متكافيء مع اعتى قوتين استعماريتين من اجل إزاحة سلطنة عثمانية هرمة وقابلة لتقديم تنازلات سياسية لشركائها العرب .

اليوم اذ تنهض تركيا لتلعب بإقتدار دوراً اقليمياً متزايد الأهمية ، يقتضي ان تعي النخبة القيادية العربية تحديات المرحلة الراهنة في الصراع العربي – الصهيوني والصراعات الاقليمية الاخرى وان تحيط بأبعادها جميعا، من اجل ان ترسم رؤية وبالتالي نهجاً لمواجهة التحديات الماثلة بما يؤمن استخلاص حقوق العرب وحماية مصالحهم ورفد دورهم السياسي والحضاري في المستقبل .

في هذا الاطار ، تُمكن الإشارة الى حقائق خمس بارزة تتجلى في مرآة الواقع الاقليمي الراهن :

اولاها ، ان تركيا التي خاب املها ، او كاد ، بالإنضمام الى اوروبا باتت مصممة على تعويض خيبتها بالعودة الى الإنخراط ، سياسياً واقتصادياً ، في بيئتها الاقليمية وعالمها الاسلامي . ويبدو انها وجدت في قضية فلسطين باباً واسعاً يقودها الى قلب العرب ودائرة الهمّ المركزي لغالبيتهم الساحقة.

ثانيتها ، ان تركيا كانت وما زالت جزءا من حلف شمال الاطلسي وليس ما يشير الى انها في وارد التخلي عن عضويتها فيه . بالعكس ، هي تصبو الى ان تلعب من خلال عضويتها هذه دورَ صلة الوصل والوسيط بين الغرب الاطلسي والعالم الإسلامي .

ثالثتها ، ان تركيا تقيم علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية مهمة مع اسرائيل ، وانها توسّلت هذه العلاقات من جهة وعلاقاتها الاقليمية المتطورة مع سوريا من جهة اخرى من اجل ادارة مفاوضات غير مباشرة بين الدولتين العدوتين . ويبدو ان هذا الدور التوسطي قد انتهى بالمجزرة البحرية الوحشية التي ارتكبتها اسرائيل اخيراً واستهدفت ، بالدرجة الاولى ، المتضامنين الاتراك المشاركين في “اسطول الحرية لغزة” .

رابعتها ، ان مجزرة اسرائيل البحرية عززت شعبية اردوغان ومكانته داخل تركيا وفي العالم العربي والاسلامي . لكن شعبيته ومكانته مهددتان بالضمور اذا لم يبادر الى الرد على اسرائيل بشكل يعزز موقعه ومكانته من دون الانجرار الى تأزيم العلاقات مع الولايات المتحدة وربما الى صدام معها . من هنا فإن بقاء تركيا في وضع متوازن بين الغرب الاطلسي من جهة والعالم العربي والإسلامي من جهة اخرى يتوقف على مدى قدرة الرئيس الاميركي اوباما على زحزحة حكومة نتنياهو عن تصلبها وإقناعها بتقديم قدر من التنازلات السياسية يرضي تركيا والحكومات العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة ، ناهيك عن عرب المواجهة والمقاومة .

خامستها ، ان قدرة اردوغان على إقناع الولايات المتحدة بالضغط على اسرائيل لحملها على الاعتذار من تركيا وعلى تقديم التنازلات اللازمة للشعب الفلسطيني تتوقف على مدى قدرة العرب على تأمين مستوى عالٍ من التضامن والتنسيق لدعم الفلسطينيين في قضايا رفع الحصار عن غزة ، وإجلاء اسرائيل عن الضفة الغربية ، واقامة دولة فلسطينية سيدة ومستقلة وقابلة للحياة على خطوط العام 1967 .

يتحصل من هذه الحقائق الخمس ان اموراً ومرتجيات عدة ازاء قضيـة فلسطين وتجاه حقوقنا ومصالحنا ومستقبلنا تتوقف علينا . اننا مدعوون جميعاً ، لاسيما في بلاد الشام وبلاد الرافدين ، الى إدراك حقائق المرحلة وتحدياتها وفرصها المتاحة – آخرها موقف تركيا من اسرائيل – كي نخرج مما نحن فيه من فرقة وتشرذم وضعف وننهض الى بناء كيان قومي متين ، متطور وأعلى من اطرافه القُطْرية ، وإقامة تحالفات ثنائية واقليمية مع تركيا وايران في مواجهة غرب اطلسي معادٍ وطامع وكيان صهيوني عدواني ومتوسع .

اخيراً وليس آخراً ، آن اوان الإدراك ان الآخرين ممكن ان يقاتلوا معنا ، عند تلاقي المطامح والمصالح ، ولكن احداً لن يقاتل عنّا .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2178363

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

20 من الزوار الآن

2178363 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40