الأحد 11 آذار (مارس) 2012

لقاء أوباما - نتنياهو ومستقبل المنطقة

الأحد 11 آذار (مارس) 2012 par علي جرادات

اللقاء الأخير للرئيس الأمريكي، أوباما، برئيس وزراء الكيان الصهيوني، نتنياهو، حدث مهم بقدْرِ أهمية طريقة، ووجهة، الحسم النهائي لموضوعه الوحيد، (الملف النووي الإيراني)، وانعكاسات ذلك، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على منطقة «الشرق الأوسط»، بل، وعلى العالم بأسره، ما يفسر كثرة ما أثار اللقاء من جدل، تعددت أطرافه واختلفت تحليلاته، إنما مع شبه إجماع على أن توقيته السياسي (موسم الانتخابات الأمريكية وانعقاد مؤتمر «إيباك»)، يشي بمربط فرس الهدف «الإسرائيلي» من هذا اللقاء المتمثل في استخدام القيادة «الإسرائيلية» ونظامها التوسعي العدواني، المنشآت النووية الإيرانية والتلويح بمهاجمتها وسيلةً لتحقيق أهداف سياسية استراتيجية وأخرى تكتيكية مترابطة، وهي :

■ هدف استراتيجي مباشر، يتمثل في الضغطِ على حلفائها، وأولهم الولايات المتحدة، وابتزازهم لرفْعِ، أو تعجيل رفْعِ، سقف مواجهتهم مع إيران إلى مستواها العسكري . وهذا هدف، يخطئ كل من يظن أن نتنياهو نفسه توقع استصدار قرار أمريكي فوري رسمي ومعلن بشأنه، ذلك أن كل ما أراده، وسعى إليه، إنما يتمثل، مؤقتاً، في جعل احتمال حسم الملف النووي عسكرياً، خياراً سياسياً أمريكياً رسمياً معلناً، بمعزل عن متى وكيف يتم تنفيذه. وهذا ما حصل عليه نتنياهو بالتمام والكمال، حيث أجبر الرئيس الأمريكي على إعلان أن سياسة الولايات المتحدة لا تقوم على احتواء طموحات إيران النووية، بل، تقوم على ردع، ومنع، تحققها، باستخدام كل الإمكانات، بما فيها تفعيل القوة العسكرية الأمريكية.

■ هدف استراتيجي غير مباشر، ويتمثل في إبقاء إيران وملفها النووي الشغل الشاغل للعالم، بغرض تهميش الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وقضايا الصراع العربي الصهيوني عموماً، وصرف الأنظار عما ترتكبه «إسرائيل» بحق الفلسطينيين وأرضهم من عمليات اعتداء وتهويد واستيطان ممنهجة متصاعدة ومتمادية. وهذا هدف دائم مفتوح ومرتبط برفض «إسرائيل» النظام، بدعم وغطاءٍ أمريكيين ثابتين، أي شكل من أشكال التسوية السياسية، اللهم إلا إذا جاءت على مقاس الرؤية «الإسرائيلية» واشتراطاتها التعجيزية. هنا، حقق نتنياهو ما أراد، بل، وأكثر مما أراد، ليس فقط من خلال عدم وضع الملف الفلسطيني على جدول أعمال لقائه مع أوباما، بل، أيضاً من خلال عدم التطرق إليه بتاتاً، وكأنه غير موجود أصلاً.

■ هدف تكتيكي غير مباشر، ويتمثل في الحصول على قدرٍ إضافي من الدعم السياسي والمالي والعسكري ل «إسرائيل»، يضمن لها أعلى مستوى ممكن من التفوق والقدرة على تنفيذ مخططاتها التوسعية العدوانية في فلسطين بخاصة، وفي المنطقة العربية وغلافها الإقليمي بعامة. هنا، أيضاً حقق نتنياهو ما أراد، بل، وأكثر مما أراد، حيث صار هدف الحفاظ على تفوق «إسرائيل» الشامل، على ما عداها من دول المنطقة وقواها، ليس مجرد سياسة أمريكية استراتيجية ثابتة فقط، بل، و«مقدسة» أيضاً، وفقاً لما أعلنه أوباما بالفم الملآن، وبصورة رسمية قاطعة مانعة، غير قابلة للشك أو التأويل، بل، وتمت البرهنة على ذلك، باتخاذ قرار فوري، برفع قيمة المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية لـ «إسرائيل» من 5 .2 مليار دولار إلى 3،10. هذا فضلاً عن قرار تزويدها بكل ما تحتاج إليه من تكنولوجيا عسكرية متطورة.

هذه هي الحصيلة السياسية للقاء أوباما نتنياهو، وفقاً للتصريحات المعلنة، ودون الحاجة للبحث عما تقتضيه هذه الحصيلة من خطط وترتيبات أمنية وعسكرية عملية مشتركة، محظور الإفصاح عنها، ولا تتعلق بتحولات الملف الإيراني فقط، بل، بكل ما تشهده المنطقة العربية خصوصاً، والعالم عموماً، من تحولات سياسية اجتماعية واقتصادية كبيرة وعاصفة، تنذر بتراجع سيطرة الولايات المتحدة المنفردة الطاغية على العالم، وعلى منطقة «الشرق الأوسط» بخاصة، بكل ما ينطوي عليه ذلك من نُذرِ تراجع نفوذ، وقوة ردع، حليفتها، بل، أداتها، الاستراتيجية الثابتة، «إسرائيل» في المنطقة، علماً أنها نُذُرٌ لم تبدأ بالتكشف بمتغير الحراك الشعبي العربي، بل سبقت انفجاره، ولكنه رفعها إلى مستويات أعلى، اللهم إلا إذا نسينا أو تناسينا إقرار قيادة «إسرائيل» الرسمي والعلني بتراجع قوة الردع لديها، بعد انتصار المقاومة اللبنانية في العام 2006، وذلك باعتراف صريح وواضح في تقرير أصدرته لجنة التحقيق «الإسرائيلية» الرسمية، (لجنة فينوغراد).

وعليه يثور السؤال : هل يبقى ثمة غرابة في لجوء قيادات «إسرائيل» بنظامها التوسعي العدواني المحترف للحروب والرافض للتسويات السياسية، إلى حلفائها، طلباً للعون والمساندة؟ أبداً كلا، ذلك بحسبان أن قيادات الدول الاستعمارية وأنظمتها العدوانية، هي كالأفراد، عندما يرتفع إحساسها بالعجز والقلق وانعدام اليقين إزاء تهديدٍ ما، فعلياً كان أو مُضخماً، يعلو صوت تهديدها المُرْبَك والمُرْتبك، بغرض الضغط على الحلفاء وابتزازهم لتقديم يد العون والمساندة . قد يكون هذا تشخيصاً مناسباً لراهن «السيكولوجية السياسية» لقيادات «إسرائيل» ونظامها التوسعي العدواني، إنما دون تحميل هذا التشخيص ما لا يحتمل من مبالغات، تصل حد القول : إن «إسرائيل» قد أصبحت «نمراً من ورق»، ذلك أنها، وإن لم تعد ذاك الأسد المعافى الذي ما إن يزأر حتى يهاجم ويفترس، إلا أنها لم تصبح بعد مجرد ثعلبٍ لا يملك، ولا يجيد، غير فنون المناورة والمراوغة. إن «إسرائيل» اليوم في منزلة بين هاتين المنزلتين، وإن عملية حذفها أكثر فأكثر صوب أيّ منهما، تتوقف أول، وأكثر ما تتوقف، على قدرة كل من يريد مواجهة عدوانيتها، على استخدام، وتفعيل، كامل، وشامل، عوامل قوته، بجدّ وجدّية متناهيتين، وبكل ما يقتضيه الأمر من ذكاء سياسي، يعي الشعرة الدقيقة الفاصلة بين المغامرة والاستسلام، وما يترتب على السقوط في شركِ أي منهما من عواقب وخيمة. إنها محطة فاصلة من محطات صراع شعوب المنطقة ودولها مع السياسة الأمريكية «الإسرائيلية» وتحالفها الذي جاءت نتائج لقاء أوباما نتنياهو لترفعه من منزلة الاستراتيجي الذي لا يتزحزح إلى منزلة «المقدس» الذي لا يُمس، مع كل ما ينطوي عليه الأمر من عربدات أمريكية «إسرائيلية» جديدة متوقعة ومرجحة، هي، وإن كانت إيران في عين عاصفتها المباشرة، إلا أنها تهدّد أمن واستقرار ومستقبل المنطقة برمتها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2165485

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165485 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010