الثلاثاء 27 آذار (مارس) 2012

دعاة الموضوعية!

الثلاثاء 27 آذار (مارس) 2012 par د.امديرس القادري

يقول الشاعر بأنّ الحزن جميل جداً، والليل عديم الطعم بدون هموم، والناس خريف يمطر، والأيام على الذل سموم، فأهلاً بدعاة الموضوعية الذين حاولوا ولا يزالون يكتبون عن «إسرائيل» التي تحوّلت في نظرهم إلى واقع مفروض لا يجوز إدارة الظهر له، بل إنّ علينا أخذها بالأحضان، والتعامل معها كجارة عزيزة ما دمنا نصوم ونفطر على وقع ضربات مدافعها. هذا ما ذهبت إليه إحدى القصائد التي أراد ناظمها أن يصبّ في أبياتها جام غضبه على هؤلاء الدعاة من الذين عاثت أقلامهم وكتاباتهم فساداً في عقولنا لتخريبها.

ولأن ذلك ليس بعيد، فالكل يذكر ما فعلته فينا اتفاقية «كامب ديفيد» التي وقّعها الرئيس المؤمن أنور السادات مع الصهاينة وربيبتهم «إسرائيل»، والكل يعلم مقدار طول واتساع الأتوستراد الذي شقّه هذا التوقيع في منظومة ثقافتنا الوطنية وعلى المستويين العربي والإسلامي. أرتال من كتّاب هذه الموضوعية وجدوا ضالتهم على هذا الأتوستراد فراحوا يمطروننا ومع كل صباح بعشرات المقالات التي تبدأ وتنتهي بالدعوة إلى ضرورة الانصياع لمقتضيات هذه الموضوعية، والتي لم يعد أمامنا من خيارات أخرى غيرها.

وهكذا وبين ليلة وضحاها، أصبحت مقاومة «إسرائيل» وبقاء حالة الحرب معها في نظرهم كلام فارغ ولا معنى له، فالصلح هو الضرورة التي لا بد منها، وإقامة أواصر السلام مع عصاباتها هو طوق النجاة الذي يجب علينا الاستسلام له والانصياع لأوامره والابتعاد كلياً عن نواهيه، هذا هو ما يخدم مصالح الأمة وشعوبها بنظرهم وبعد مرحلة العداء الطويلة التي علينا الإقرار بنهايتها بعد هذا التوقيع في «كامب ديفيد»، وبعد الزيارة التاريخية التي قام بها «بطل السلام» السادات إلى «الكنيست» «الإسرائيلي»، حيث ألقى من هناك ببيان الاستسلام الأول.

منذ ذلك الحين وحتى وقتنا الراهن لا يزال دعاة الموضوعية ومن ورثوها عنهم يحاولون إقناعنا بذلك، لأن التطبيع مع «إسرائيل» هو المبدأ والأساس الذي يجب أن تنتهي إليه حالة الصراع، ومن يراجع الأربعة عقود الماضية لن يكون صعباً عليه اكتشاف مقدار الذل والخنوع الذي كان يملأ كأس هذه الموضوعية التي أرادوا لنا أن نشرب منها، بهدف فتح الشوارع في عقولنا، وهذا لم يكن من باب الصدفة، فالعملية ممنهجة ومعدّ لها، والتخطيط لإنجاحها وفرضها كان يتم وعلى أعلى المستويات.

وعليه، ومن خلال أجمل تدرُّج موضوعي بدأت ثقافة السلام مع الجارة «إسرائيل» تكتسح وتسحق كل محاولة لاعتراضها أو مقاومتها، وهكذا وشيئاً فشيئاً جاءت وهلّت في بداية تسعينيات القرن الماضي أنسب الظروف كي يضرب دعاة ومؤيدين وأنصار ثقافة السلام ضربتهم الجديدة، فكان الإعلان عن «مؤتمر مدريد» الذي أرادوا له أن يكون مائدة للاستسلام العربي الشامل والأوسع أمام «إسرائيل» ومن يدعمها ويناصرها.

هذا الاستسلام بطبيعة الحال نجح وبامتياز على صعيد الحلقة الفلسطينية الأضعف من خلال التوقيع الذليل والمخزي على «اتفاقية أوسلو»، والتي بموجبها تحطّمت آخر بندقية كانت تتباهى بامتلاكها منظمة التحرير الفلسطينية، والتي قبلت لنفسها أن تتحوّل إلى سلطة هزلية غارقة من رأسها وحتى قدميها في مفاوضات عبثية وسلام هزلي من المستحيل أن يتحقق، كما نجح أيضاً في توقيع «اتفاقية وادي عربة» مع الأردن.

ومن هنا نستطيع الجزم بأنّ أغلب ما أرادته «إسرائيل» من «كامب ديفيد» و«مدريد» و«أوسلو» قد تحقق لها برداً وسلاماً وبخسائر صفر مكعب، فالهوان والذل والانكسار في كل شيء هي العناوين الأبرز التي سيطرت على عقدين من زمن هذه الهرولة الفارغة وراء سراب سلام الاستسلام لأن «إسرائيل» كانت دائماً تطالب بالمزيد، ولأن دعاة الموضوعية لا يعرفون طعم الكلل أو الملل، وحتى لا ينقطع الرضى الصهيوني عنهم وعن أقلامهم فقد شاءت الأقدار أن نكون على موعد مع هرولة نوعية جديدة تجسّدت في ما أقدم على خطّه قلم السيد أحمد قريع، أبو العلاء، الممول الرئيسي لمادة الأسمنت التي استخدمت في إقامة جدار الفصل العنصري فوق الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية.

عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة، وعضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» أبو علاء يطالب علناً بطيّ صفحة مشروع الدولتان لأنه حرث في البحر، وملهاة سياسية، وفاقد لمقومات تحقيقه على الأرض، ويدعونا سيادته للتفكير الرصين في القبول بحل الدولة الواحدة التي سيكون للصهاينة فيها الحق بكامل السيادة على كل شيء، وبذلك ينتهي الحق التاريخي الفلسطيني، ويتشرعن بالموافقة والبصمة الفلسطينية الحق «الإسرائيلي» في تهويد كل ذرة تراب من الوطن الفلسطيني.

ولأننا نرفض الدخول في حبال الرد والتعليق على هذه الكتابات وأصحابها، فإننا نكتفي بالقول بأنّ الدين يقرّ إقامة الحد على المرتد الكافر، وبالمقابل فإنّ فلسطين اليوم أصبحت في أمس الحاجة لإقامة الحد على كل من يتطاول على حقها وشرعيتها، أحرار شعبنا وقواه الوطنية مطالبين بالرد على كل خائن، لأن السكوت على الخيانة خيانة ما بعدها خيانة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 61 / 2178507

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178507 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40