الخميس 29 آذار (مارس) 2012

يوم الأرض : أوهام تتجدّد وأخرى تتبدّد

الخميس 29 آذار (مارس) 2012 par ماجد الشيخ

في الواقع الذي ترسمه الدبابات والجرافات لإقامة المزيد من الأبنية الاستيطانية، تلاشت عملياً إمكانية إقامة حدود ترسم مساراً ومصيراً لدولتين، فقد بات «حل الدولتين» العتيد من الماضي، على الرغم من تشبث البعض بأوهام «استحقاقات» تفاوضية ممكنة في الحاضر، في ظل مستقبل غامض، تترسمه أخطار التهويد الشامل، من تهويد الوطن الفلسطيني، إلى محاولة تهويد الأرض قطعة قطعة، إلى تهويد «الكيان البديل» الصهيوني، وصولاً إلى أكذوبة «دولة يهودية ديموقراطية» تحت مزاعم إمكانية قيامها على الضد من تاريخية الوجود الوطني الفلسطيني الذي تواصل ديموغرافيا وجغرافيا من تاريخ كنعاني سابق، عاش على أرض فلسطين ردحاً طويلاً من الزمن، زمن أطول كثيراً من وجود «عبراني» وتوراتي عابر، لم يعمر أكثر من ستة أو سبعة عقود.

وعلى الرغم من عقود الاحتلال الطويلة منذ العام 1948، فما زال المشروع الاستيطاني شرهاً للمزيد من الأرض، وتواقاً للمزيد من تشريد أصحابها، ليس في الضفة الغربية والقدس فحسب، بل في العديد من مناطق الجليل والمثلث ومؤخراً في النقب؛ ولأهداف ليست استيطانية فحسب، بل لأهداف سياسية واقتصادية، ترسم مصيراً مختلفاً للوطن الفلسطيني، من حيث اقتطاعه كاملاً وقطع إمكانية اتصاله وتواصله في ما بين جزره التي عزلها الاستيطان، وباعد بينها ديموغرافيا وجغرافيا على حد سواء.

وما يجري ويتواصل في قرية العراقيب بالنقب، وتدميرها لأكثر من أربعين مرة وإعادة بنائها من قبل سكانها، لم يكن فجائياً، فمحاولات الاستيلاء على النقب وطرد سكانه منه، قديمة قدم الاحتلال الأول في العام 1948، وهي محاولات دائبة ومتواصلة، حتى لقد باتت مخططات الهدم معلنة، وتطرح في عطاءات لإجراء مناقصات لتنفيذ أوامر الهدم الصادرة عن حكومة الاحتلال. وصار اعتيادياً تنظيم قسم التخطيط والهندسة في وزارة الإسكان، لجولات ميدانية في القرى العربية بالنقب، بمشاركة العديد من المقاولين، لتقديم مناقصاتهم، حيث جرى رصد ميزانيات كبرى لهذا الهدف، وذلك بغية استقدام مليون مهاجر يهودي لإسكانهم النقب، الذي يشكل حوالي 40 بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية، ويقطنه قرابة 200 ألف فلسطيني، تسعى حكومة الاحتلال لطردهم وتركيزهم في ثماني بلدات، تحوّلت إلى مراكز للبطالة والفقر.

ما يحدث في النقب وفق د. ثابت أبو راس مدير مشروع عدالة في النقب، هو عملية «ترانسفير» ممنهجة، لكن الأخطر من ذلك هو ما تعرضه شرائح تشمل خرائط وصوراً جوية للوضع الحالي، وما يمكن أن يحدث إذا تم تطبيق قانون تحت مسمى «مخطط برافر»، حيث تسعى «إسرائيل» إلى تركيز عرب النقب في منطقة محددة (شرقي شارع رقم 40) وذلك لمنع أي إمكانية تواصل جغرافي وديموغرافي فلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة. لا سيما إذا ما علمنا أنه كان من المعوّل أن يكون هذا التواصل هدف اتصال غزة بالضفة الغربية في حال قيام الدولة الفلسطينية. وفي إحدى الوثائق التي كشف عنها موقع «ويكيليكس» فإنه سيتم اقتلاع 65 ألف مواطن بدوي من أراضيهم، الأمر الذي يعني هدم جميع القرى غير المعترف بها، وليس 30 ألفاً كما تدعي سلطات الاحتلال.

وفي انسجام مع قطع تواصل واتصال الفلسطينيين داخل وطنهم، والرهان على فرض وقائع لا يعترف بها المجتمع الدولي، ما كشف عنه موقع «واينت» التابع لصحيفة «يديعوت احرونوت» «الإسرائيلية» (24 شباط)، وذلك تحت مسمى «خطة بينت» وهي الخطة التي يقترحها المدير العام لما يسمى «مجلس يهودا والسامرة الاستيطاني» في الضفة الغربية «نفتالي بينت» والتي تقضي بأن تضمّ «إسرائيل» مناطق «سي» التي تشكل 60% من اراضي الضفة الغربية إلى سيادتها بشكل أحادي الجانب. ويقول بينت ان العالم لن يعترف بهذه السيادة، مثلما لا يعترف اليوم بسيادة «إسرائيل» على حائط البراق وعلى أحياء راموت وجيلو في القدس ولا يعترف بسيادة «إسرائيل» في هضبة الجولان، ولكنه سيعتاد على ذلك مع الوقت، كما يقول.

ووفقا للخطة التي امتدحها العديد من السياسيين «الإسرائيليين»، فإن الاراضي التي ستُضمّ الى «إسرائيل»، وعلى العكس مما هو حاصل وسيحصل للأراضي الفلسطينية، ستشكل تتابعاً جغرافياً «إسرائيلياً»، وتشمل غور الأردن، البحر الميت، «ارئيل»، «معاليه أدوميم» والمستوطنات «الإسرائيلية» في الضفة الغربية. وهكذا سيتمتع سكان القدس اليهود و«تل ابيب» وغيرها من مدن «غوش دان» بالأمن في وجه التهديدات التي تأتي من الشرق، كما يقول. الخطة تقضي أيضاً بمنح 50 ألف فلسطيني يسكنون اليوم في المناطق «سي» الجنسية «الإسرائيلية» وهي بذلك لن تؤدي، على حد قول معدها، الى طرد أي فلسطيني من بيته. ويشير بينت إلى أن 350 ألف مستوطن «إسرائيلي» يسكنون في المناطق «سي» مقابل 50 الف فلسطيني. ويعتقد مُعد الخطة ان كل فلسطيني في الضفة الغربية يستطيع التنقل بحرية، بدون حواجز وذلك على ما يبدو عبر شبكة شوارع خاصة، تتطلب استثماراً لمرة واحدة بمئات ملايين الدولارات، من ناحية ثانية يقترح إحداث قطيعة تامة مع غزة؛ لكي لا تصدّر مشاكلها الى الضفة، التي تتميز بالهدوء على حد قوله، ويقترح ضم غزة تدريجياً لمصر، وهو يعارض أيضاً عودة لاجئين فلسطينيين بأي عدد كان.

وإضافة إلى هدف استبعاد «حل الدولتين» واضمحلاله، فإن ما يجري في الواقع يقارب موضوعة استكمال الاحتلال الاستيطاني لكامل الوطن الفلسطيني، ووفق خريطة التوزع الاستيطاني الحالي، فإن هناك الآن حوالي 35 نواة استيطانية في 22 مكاناً مختلفاً في كامل الأراضي الفلسطينية، من ضمنها مدينة عكا و«بيت شان» و«سديروت» و«كريات شمونا» و«يرحيم»، وإضافة إلى بؤر الخليل الاستيطانية المحروسة من جنود الاحتلال، هناك عمليات بناء غرف إسمنتية تتواصل في مستوطنات الأغوار الشمالية شمال شرقي الضفة الغربية، حيث تم إضافة عدد من الغرف الإسمنتية في مستوطنة «مسكيوت» التي قامت قوات الاحتلال مؤخراً بتوسيعها بشكل كبير، في حين أن عمليات البناء في المنطقة الغربية من المستوطنة، ما زالت تتوسع على حساب أراضي المواطنين الفلسطينيين، الذين تم هدم مساكنهم وتهجيرهم منها.

وفي المدن خصوصاً، كالقدس وعكا وحيفا ويافا وغيرها، ومنذ ثلاثين عاماً، ما زال الفلسطينيون فيها يُمنعون من البناء، حتى أنهم يُمنعون من ترميم منازلهم، لتعلن عنها سلطات الاحتلال مباني خطرة تطالب الناس بتركها دون توفير البدائل. وبالإضافة إلى ما يسمى «قانون أملاك الغائبين» المطبق بحق المواطنين الفلسطينيين. هناك قانون آخر مواز يمنع الفلسطيني من الإقامة الدائمة في منزله، أو في منزل مُستأجر، حيث إن القانون المجحف هذا يمنع المستأجر من تملّك المنزل، إذ عليه تركه بعد الجيل الثالث وتسليمه لـ«الدولة» التي تعمد إلى بيعه. ويستهدف قانون السكن «الإسرائيلي» هذا؛ إضافة إلى «عقارات الغائبين»، عقارات اللاجئين كذلك، تلك التي وضعت حكومات الاحتلال اليد عليها منذ بداية الاحتلال العام 1948، وهي تتحكّم بها منذ ذلك الحين، وها نحن نشارف على بلوغ الجيل الثالث، أي أننا سنشهد خلال الأشهر القريبة المقبلة «استحقاق» إجلاء مئات العائلات الفلسطينية من عقاراتها أو من عقارات مُستأجرة، لا بديل لها سوى ممتلكاتها وأراضيها المحتلة.

ولا تقل مخططات تهويد عكا ويافا والقدس والرملة والنقب، وكل الأماكن المرشحة لتكون بؤراً استيطانية اليوم أو في الغد، عن مخططات التهويد الجارية اليوم على قدم وساق، والتي كثفتها حكومة الائتلاف اليميني المتطرف في انقلابها الثاني على الكثير من المسلمات التي أرساها الاحتلال الصهيوني لفلسطين التاريخية، في المرة الأولى عام 1948، كما في المرة الثانية عام 1967. وفي المرتين كانت الأرض هي محور مخططات الاستيلاء الاستيطاني، وكان الإنسان الفلسطيني هو محور الطرد الإحلالي من الأرض، وها هي مسيرة النكبة ومسار الانحدار يتواصلان، لا ليستقرا على حال، ولكن ليستمرا في تغيير أحوال ما كان لها أن تتغير، إلا بتغيير شروط وظروف مقاومة ومجابهة الاحتلال، ومواجهة مخططاته المتغيرة والمتلونة، في مسيرة تواصلها التي لم تعد تجد من يعمل، أو يواصل العمل بجدية مصيرية، على إيقافها ووضع حد لها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2165286

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165286 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010