الجمعة 30 آذار (مارس) 2012

المسألة «الإسرائيلية» .. في مسار مختلف

الجمعة 30 آذار (مارس) 2012 par د. سمير كرم

هذا حدث بالغ الأهمية. تأثيراته واسعة النطاق وتتعلق بجوانب كثيرة مما يمكن ان نعده المسألة «الإسرائيلية».

نعني حدث التظاهرات التي قام بها «الإسرائيليون» في بداية هذا الاسبوع، والتي يتوقع أن تتكرر خلال الأسابيع المقبلة، ضد نيات النخبة «الإسرائيلية» الحاكمة المعلنة بشنّ هجمات «إسرائيلية» ضد ايران بذريعة الخطر الذي يمثله احتمال ان تصنع ايران السلاح النووي، فتكون النتيجة كسر احتكار «إسرائيل» لهذا السلاح الشامل التدميري في منطقة «الشرق الأوسط» :

(1) ان هذه التظاهرات «الإسرائيلية» تعني ان «إسرائيل» انقسمت على نفسها. فهذا تيار يؤكد موقفه ان النخبة الحاكمة اليمينية «الإسرائيلية»، بزعامة بنيامين نتنياهو لم تعد تملك إجماعاً «إسرائيلياً» على سلامة تقديراتها لهذا الخطر الايراني على الدولة الصهيونية وكيفية مواجهته. ان التظاهرات المعارضة لشن هجمات عسكرية على ايران لتلافي هذا الوضع تعني أن مصداقية النخبة الحاكمة «الإسرائيلية» في هذا الموضوع هبطت كثيراً حتى لو تمكنت خلال فترة قصيرة من إخراج تظاهرة «إسرائيلية» مضادة تتبنى الدعوة الى مهاجمة ايران.

(2) ان التظاهرة الجديدة تعني أيضاً - من زاوية أخرى - ان جانباً مهماً من الرأي العام «الإسرائيلي» يميل الى الأخذ برأي الولايات المتحدة في ما يعد أول خلاف صريح وخطير بين النخبة الحاكمة في «إسرائيل» والنخبة الحاكمة في أميركا. ولقد حكمت النخبة «الإسرائيلية» زمناً طويلاً بناء على روابط التحالف الأميركي - «الإسرائيلي» التي لا تقترب منها الخلافات، خاصة تلك التي تتعلق بضرورة استمرار احتكار «إسرائيل» لامتلاك السلاح النووي في «الشرق الأوسط». ومعنى هذا انه قد ظهرت في «إسرائيل» جبهة يمكن أن تعتمد الولايات المتحدة على وجودها لتنفيذ سياسة تختلف عن السياسة التي تعتمد عليها حكومة «إسرائيل» والتي تصور للولايات المتحدة حتى الآن ان «إسرائيل» تقف كتلة واحدة ضد هذا الخطر الايراني. ويزيد من أهمية وجود هذه الجبهة المضادة للسياسة «الإسرائيلية» انها تظهر في وقت حرصت فيه المعارضة الرسمية في «إسرائيل» على ان تبدي تأييدها لليمين الحاكم في ما يتعلق بالخطر الايراني.

(3) ان الحدث المتمثل في هذه التظاهرات يفرض تأكيداً - يضاف الى التأكيد المخابراتي الأميركي - ان الرد الايراني على هذه الهجمات «الإسرائيلية» في حالة وقوعها سيكون من الشدة بحيث يلحق بـ «إسرائيل» أضراراً واسعة النطاق لا تستطيع ان تواجهها هذه الدولة التي لم تتعرض من قبل لضربات في جبهتها الداخلية على كثرة ما خاضت من حروب. الأمر الذي يضع مصير «إسرائيل» بأكمله في ميزان الخطر. فـ«إسرائيل» - وان طال عمرها منذ تأسيسها في عام 1948- لا تزال دولة مهاجرين اعتمد ماضيها على الهجرة ويعتمد حاضرها على الهجرة ذاتها من شباب وشيوخ اليهود ويعتمد مستقبلها عليها. ومن طبيعة الدولة القائمة على الهجرة التمسك بأمنها بوصفه العمود الفقري لوجودها. وإذا وصل الخوف بـ «الإسرائيليين» الى حد انعدام الثقة في حصانة البلد أمنيا يكون هذا بمثابة نقطة البداية لنهاية وجود الدولة الصهيونية.

(4) ان التظاهرات «الإسرائيلية» لإعلان معارضة تيار واسع في «إسرائيل» لقيام «إسرائيل» بشن هجمات ضد ايران تعطي إشارات للاتحاد الأوروبي وبخاصة الدول التي ينتمي اليها أغلب سكان «إسرائيل» من شأنها - أي من شأن هذه الإشارات - ان تدفع الدول الأوروبية بعيداً عن ترددها الذي بدا حتى الآن في توجيه النصح لـ «إسرائيل» بأن تتجنب صداماً عسكرياً مع ايران من شأنه ان يعرّض «الإسرائيليين» لخسائر بشرية ومادية لم يعرفوها من قبل. لقد بدا طوال السنوات الأخيرة ان الاتحاد الأوروبي يستند الى الأضرار الاقتصادية التي يمكن ان تلحق بأوروبا من وراء حرب تشعلها «إسرائيل» ضد ايران. يضاف الى هذا اعتماد أوروبا على الموقف الأخير من الإدارة الأميركية في إبداء موقف معارض لهجمات تهدد «إسرائيل» بتوجيهها الى ايران. ولكن الاتحاد الأوروبي يجد في الغارات التي نظمها «إسرائيليون» قبل أيام ضد هذه التهديدات عاملاً مشجعاً آخر يمكن ان يدفعه الى معارضة صريحة لسياسة «إسرائيل» التي لا تزال تميل الى العدوان مع ميل النخبة الحاكمة فيها.

(5) جاءت هذه التظاهرات في وقت بدأت فيه «إسرائيل» تتحسس أسلحتها لفرض حل عسكري على النزاعات على مكتشفات الغاز الطبيعي التي ظهرت في منطقة تشمل - الى جانب فلسطين - كلاً من لبنان وسوريا ومصر وكذلك قبرص. وليس من المتصور عملياً أو نظرياً ان تستعد «إسرائيل» لخوض صراع عسكري ضد ايران وفي الوقت نفسه وقريبا منه صراع عسكري آخر مجهول الأبعاد والآثار مع دول شرق البحر المتوسط العربية كلها.

(6) تفرض التظاهرات «الإسرائيلية» الأخيرة المعارضة لحرب مع ايران التفكير في تأثيراتها على توجهات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. صحيح ان ظهور لوبي «إسرائيلي» أكثر ميلاً للسلام وأكثر عقلانية في التعامل مع «إسرائيل» وقضاياها التي لا تنتهي ولا تهدأ، قد سبق بوقت غير قصير هذه التظاهرات التي ترمي الى وقف تهور «إسرائيل» العسكري، إلا انه من المؤكد، ان ظهور هذا التيار وسط الرأي العام «الإسرائيلي» انما يصيب اللوبي الصهيوني في أميركا بهزة شديدة، بعد ان كان قد اعتاد على التعامل مع «إسرائيل» على انها كتلة بشرية وسياسية ودينية واحدة على الرغم من انتمائها الى جذور متباينة. ولكنه في الوقت نفسه يقوّي من عزيمة اللوبي الجديد وخططه في أميركا الذي أدرك مبكراً ان تأييد الرأي العام الأميركي لـ «إسرائيل» ليس أبدياً. ولقد بدا واضحاً في الأيام الأولى لانعقاد منظمة «جاي ستريت» اليهودية الأميركية في مؤتمرها السنوي الثالث في واشنطن ان الميل الى الفكر اليساري في هذا اللوبي الجديد يأخذ أعضاءه باتجاه لا يخدم، بل لا يريح، أفكار النخبة الحاكمة في «إسرائيل» وأهدافها. ان الأفكار السياسية التي تسود هذا اللوبي الجديد تأخذ اليهود الأميركيين بعيداً عن الأفكار التقليدية للوبي الصهيوني. فهذا اللوبي قائم على قبول «إسرائيل» اليمينية والعدوانية والمناوئة للمنطقة التي أوجدت فيها والعاملة دوماً على إثبات هيمنتها على الرؤساء الأميركيين المتعاقبين، فضلاً عن نفوذها المؤثر في الكونغرس الأميركي بمجلسيه. والأمر المؤكد ان منظمة «جاي ستريت» لن تستطيع في مؤتمرها السنوي الحالي ان تتجاهل النزاع «الإسرائيلي» مع ايران، الذي تهدد النخبة الحاكمة «الإسرائيلية» بتحويله الى صراع عسكري. وقد ظهرت بوادر ذلك في مناقشة أفكار من نوع مقاطعة المستوطنات التي تقيمها «إسرائيل» في أراضي الضفة الغربية الفلسطينية ومن نوع مواجهة أزمة الصهيونية التي يعالجها المشاركون في هذا المؤتمر على انها أزمة ناجمة عن سياسات «إسرائيل» وخططها.

(7) ولعل أكثر النقاط غموضاً في ما يتعلق بهذه التظاهرات «الإسرائيلية» المناهضة لسياسة «إسرائيل» الرسمية ضد ايران هي النقطة المتعلقة بتأثير هذه التظاهرات على سياسات الحكومات العربية التي يتسم موقفها منذ سنوات بالتردد - على أقل تقدير - تجاه «إسرائيل»، سواء كان ذلك لحساب الولايات المتحدة أو لحسابات داخلية خاصة بهذه الحكومات التي تواجه بلا استثناء رأياً عاماً داخلياً وعربياً مناهضاً لـ «إسرائيل» ومناهضاً لهذه الحكومات نفسها. لكن وسط هذا الغموض لا بد من توقع تظاهرات عربية هنا وهناك تندد بالتهديدات «الإسرائيلية» ضد ايران كمدخل لتأكيد تأييد الجماهير الشعبية العربية لإيران في هذا الصراع. ان جماهير الشعوب العربية لا يمكن ان تقف موقف المتفرج من تظاهرات «إسرائيلية» تعادي سياسة النخبة الحاكمة وتصل الى حد حمل لافتات تؤكد ان «الإسرائيليين» يحبون ايران ويكرهون الحرب. ان بلوغ التظاهرات «الإسرائيلية» نقطة التحذير من حرب «إسرائيلية» على ايران كاف لإدراك الرأي العام العربي وجماهيره في البلدان المترددة أو تلك التي حسمت موقفها بتقديم وعود بمساعدة «إسرائيل» في حرب تشنها ضد ايران، ان وقوف ايران ضد «إسرائيل» هو في الحقيقة سياسة اختبرت وأكدت ثباتها منذ العام 1978 - عام الثورة الإسلامية الايرانية - ومن المؤكد ان تثبت نجاحها وجدواها اذا تجاهلت «إسرائيل» تحذيرات «الإسرائيليين» والأميركيين بشأن ما يمكن ان يسفر عنه صدام عسكري مع ايران. الأمر المؤكد الآن هو ان التظاهرات «الإسرائيلية» تمثل إشارة مهمة من أجل صحوة ضمير في الوطن العربي طولاً وعرضاً بالإقلاع عن سياسة تقترب من «إسرائيل» وتبتعد عن ايران في هذه الحقبة التاريخية الفاصلة. وهذا بالقدر نفسه الذي تؤكد فيه هذه التظاهرات ان الثقة التي كانت تتمتع بها قوة «إسرائيل» العسكرية بقدرتها على مواجهة أعدائها قد تراجعت كثيراً الى نقطة أصبح من المفضل لدى «الإسرائيليين» أن يعلنوا انهم يفضلون السلام على الحرب مع ايران. ولقد ذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست» «الإسرائيلية» ان المتظاهرين في «تل أبيب» أوضحوا ان أسباب تنظيم هذه التظاهرة ترجع الى العواقب الوخيمة غير المحسوبة التي يمكن ان تترتب على «إسرائيل» اذا أقدمت على شن ضربة استباقية ضد المنشآت النووية الايرانية. فضلاً عن الضحايا الذين يمكن ان يسقطوا في «إسرائيل» نتيجة لهذه الخطوة.

يزيد من قوة دلالة هذا الحدث انه جاء بعد تحذيرات وجهتها قيادات في الجبهة الداخلية «الإسرائيلية» في وقت سابق من مغبة قيام «إسرائيل» بمهاجمة ايران وانها يمكن ان تؤدي الى تعرض اكثر من مليون و700 الف «إسرائيلي» الى خطر التداعيات التي قد تترتب على هذا الهجوم.

ربما نتساءل هل فعلاً يحب «الإسرائيليون» ايران أو الايرانيين كما تقول اللافتات التي حملها المتظاهرون في «تل أبيب»؟

والأقرب الى الإجابة الصحيحة ان «الإسرائيليين» يحبون الحياة ويرفضون الموت ويدركون - ربما للمرة الأولى منذ تأسيس هذه الدولة - ان سياسات حكومتهم ستودي بهم الى هذا الموت. والمرجو الآن ان تدرك جماهير الأمة العربية مغزى هذا التحول. وان تدرك أيضاً ان الموقف برمته يمكن ان يصبح أكثر تاثيراً على الرأي العام «الإسرائيلي« إذا اتضح لهم - «للاسرائيليين» - ان ايران ليست وحدها في المنطقة.

ان الوضع الراهن يشير الى ان «إسرائيل» تواجه تحدياً مصيرياً نتيجة عدائها لإيران. فهل تختار الأمة العربية اتخاذ الموقف السليم الذي طالما ارتجته من صراعها الطويل مع «إسرائيل»؟ هل تختار الأمة العربية التضافر مع ايران والتحالف معها في مواجهة مع «إسرائيل»، سواء اقتصرت هذه المواجهة على جوانب الصراع السياسية والاقتصادية والثقافية أو اندفعت نحو الجانب العسكري من هذا الصراع؟

لا بد للأمة العربية ان تتفهم الدوافع الحقيقية التي أوصلت «إسرائيل» الى نقطة الانقسام بفعل الخوف، ويمكن ان تصل بالعالم كله الى نقطة الاتحاد مع «الإسرائيليين» الذين يخشون قوة ايران والابتعاد عن «الإسرائيليين» الذين يلوّحون بقوتهم لفرض أهدافهم.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 49 / 2178270

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178270 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40