الأربعاء 4 نيسان (أبريل) 2012

أمريكا والصين وفكرة التخلي عن القمة

الأربعاء 4 نيسان (أبريل) 2012

يحتمل جداً، أن معظم شعوب آسيا، وإفريقيا، وأمريكا الجنوبية يتمنون توقف المحرك الأمريكي للدخول في غرفة المحرك الصيني. ببساطة، لأن شخصية بلد خمس البشرية، لا تقاوم برغم أنه مزيج غير مألوف من حكم الحزب الواحد وقدر محدد من اقتصاد السوق. لاحظ مثلاً، الأشياء من حولك، نصفها أو أكثرها تأتي من الصين باعتبارها أضخم سوق بشري وأكبر منتج للسلع في العالم. إلا أن أغلبية المتعاطفين لا يدركون أن الصورة ليست وردية بالكامل، فالقطب الجديد لم يخضع إلى الآن لاختبار سياسي ولا عسكري حقيقي.

صحيح أن أساليب الولايات المتحدة وسياساتها الخارجية مخزية، لكن في النهاية فإن قيمها وحتى عناوينها غير المعلنة غدت معروفة وصارت متاحة للكثيرين، وعلى الأقل يعلم العرب يقيناً أن الذيل الصهيوني هو من يوجه الولايات المتحدة. أما الصين فمن الصعوبة التنبؤ بقيمها وطريقة تصرفها في صراعات وتحديات المجتمع الدولي، لاسيما رهاناتها الخاسرة في مجاملة الخراف الصديقة وهي في طريقها إلى الزوال. أما سلوكها الداخلي، فلم يسلم منه أحد لا «التبتيون» أو حتى «الهان» أغلبية السكان، فيما يعيش المسلمون في جحيم لأن إقليم «شينغيانغ» أو «تركستان الشرقية» لا تشكل سور الصين العظيم وإنما كنز الصين العظيم من النفط والغاز واليورانيوم فضلاً عن كونها تشكل خمس مساحة الإمبراطورية المقبلة.

لهذه الأسباب وغيرها، هناك من لا يعتقد صعود التنين على حساب النسر، وهذا الاستنتاج مع كونه لا يسر الكثيرين، له حظه من القوة . كون الولايات المتحدة لا تعاني اضطرابات داخلية وعنفاً سياسياً وقمعاً للحريات كالذي يحدث في الصين، ولا يوجد فيها مسارح للفتن الدينية والطبقية كالتي في الهند. فضلاً عن امتلاكها بنية تحتية واقتصادية وبحثية وعسكرية تعد الأفضل على ظهر الكوكب. كيف، وهي صاحبة «ناسا»، و«ميكروسوفت» و«فيس بوك» و«غوغل» و«آي فون». والأهم من ذلك كله لديها نظام سياسي مرن وفعال، لدرجة أن آلياته تمكنت من تنصيب رجل أسود جاء أبوه من كينيا بغرض الدراسة، ليصبح الرئيس الرابع والأربعين لإمبراطورية العصر. وإذا كان يعاب عليها نظام تسلط الحزبين، ولكل شيء علّته، فكيف إذاً بالنظام الأحادي للصين، وتعامله مع مواطنيه بروح الوصاية المقدسة التي تحمل في أحشائها خلايا الضمور الصيني يوماً من الدهر.

أكثر ما يثير الصينيين يتلخص في الحرص الأمريكي على حماية تايوان (مادة سريعة الاشتعال) ودعم كوريا الجنوبية، كنوع من آليات تعطيل التقدم الصيني. وبالأسلوب نفسه يتحرق الأمريكيون غيظاً من نسج الصين خيوط التحالف مع الدول الخارجة على طاعتها، ومع روسيا وإيران سعياً منها لتكوين شبكة تحالفات تهدف إلى عزل الولايات المتحدة وإضعاف مكانتها، وبخاصة في أمريكا اللاتينية وفى إفريقيا، وأحياناً في «الشرق الأوسط». إلا أن بكين تعلم أن واشنطن لن تكرر خطأ بريطانيا يوم قررت، مطلع سبعينات القرن الماضي، الانسحاب من شرق السويس تحت وطأة الأزمة الاقتصادية التي كانت تواجهها حين كشفت المنطقة أمام النفوذ السوفييتي. فالولايات المتحدة، أياً كانت متاعبها الاقتصادية، لن تضحي بالشرق الأوسط حباً للشرق البعيد، لا سيما مع وجود حذر أمريكي - أوروبي من بروز القوى الإسلامية، وتحول الربيع العربي إلى ربيع إسلامي، في حال إذا شكّلت أحزاب العدالة والتنمية الثلاثة في تركيا والمغرب ومصر «مثلثاً للقوة» يمسك بخناق المضايق الاستراتيجية التركية وقناة السويس ومضيق جبل طارق.

ومع أن فكرة التخلي عن القمة أكذوبة يعيشها الأعداء في ظن النسر، فإن التطور العسكري للتنين يخيفه والمنافع الاقتصادية تغريه، فتجده يحاول باستمرار تضخيم مصطلح الـ (2) والنفخ في (الأنا) الصينية لإشعال غطرستها على نحو متعمد لدفعها إلى الانخراط في واجبات دولية لطالما تهربت منها الصين بحجة أنها دولة نامية. أما سياسة (القوة الذكية) الأمريكية التي تتمحور حول التضامن مع الأصدقاء والتواصل مع الخصوم فهي من الجهود العبثية ولن تجدي نفعاً مع الصين التي تمكنت في العام الماضي من تدشين أول حاملة للطائرات ضمن الخمس حاملات المخطط بناؤها في السنوات القليلة المقبلة . فضلاً عن نجاحاتها في إيقاع المنتجات الأمريكية في حالة من الكساد عن طريق إنتاج السلع المقلدة والمقرصنة.

ومن جراء وجود احتمالات قوية لتراكم سحب الحرب في سماء الجزر المتنازع عليها بين الصين وكل من فيتنام واليابان والفلبين وكوريا الجنوبية، تركز الاستراتيجية الدفاعية الأمريكية على تراب آسيا ومياه المحيط الهادي التي من المرجح أن تكون أبرز ساحات الصراع القادم بين القوتين. فالصواريخ المنصوبة في ألاسكا جاهزة لاصطياد أي صواريخ قد تصوب من الصين أو روسيا، كما أن مجموعة قواعد شمال أستراليا، و13 قاعدة عسكرية في دول آسيا الوسطى وأفغانستان القريبة من الصين بانتظار فأس النزاع.

[rouge]-[/rouge] [bleu marine]المصدر : صحيفة «الخليج» الإماراتية | د . إبراهيم الدرمكي.[/bleu marine]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165961

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165961 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010