الأربعاء 4 نيسان (أبريل) 2012

أوهام عربية بين الغرب و«البريكس»

الأربعاء 4 نيسان (أبريل) 2012 par فيصل جلول

ربما تنظر الحكومة السورية وبعض مؤيديها إلى مجموعة دول «البريكس» بوصفها الطرف الموازن والمناقض للولايات المتحدة وأوروبا في الصراعات الدولية، ويعتقدون أن التئام هذه القمة بعد الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن يستعيد ما يشبه الحرب الباردة، وبالتالي يتيح للممانعين العرب هامشاً دولياً للمناورة ومقاومة إملاءات الغرب الرأسمالي، ويوفر مصدراً دولياً متعدد الفوائد عسكرياً واقتصادياً ودبلوماسياً.

ويتعزز هذا الاعتقاد إذا ما عدنا الى الحديث الشهير لوزير الخارجية السوري عن نية بلاده نزع أوروبا من خريطة علاقاتها الدولية، فإذا ما أضفنا الولايات المتحدة الأمريكية، يصبح كلام المعلم مطابقاً لحديث الممانعين والمقاومين العرب عن معادلة «البريكس» الغرب. فهل تصح هذه النظرة؟ وهل يمكن لدول «البريكس» أن تحل محل الاتحاد السوفييتي الراحل على الصعيد الدولي؟

أباشر الإجابة عن السؤال من الأخير، وبالتالي القول إنه لا قوة في العالم يمكن أن تحل محل الاتحاد السوفييتي، ولا عودة إلى أجواء وقواعد الحرب الباردة وذلك للأسباب الآتية :

أولاً : كانت رهانات الحرب الباردة تتمحور على نزوع الغرب إلى بناء العالم على صورته الشاملة، والشرق الشيوعي على صورته الشاملة في الأيديولوجيا والأخلاق والسياسة والاقتصاد. وكان مشروع كل طرف مناقضاً تماماً للطرف الآخر ونافياً له، الأمر الذي أدى إلى سباق تسلح وإلى توازن رعب والتهديد بفناء نووي، وبالتالي احترام كل طرف لمراكز نفوذ الطرف الآخر، وإتاحة هامش للمناورة بين العملاقين لدول غير منتمية أو غير منحازة.

لقد انتهت الحرب الباردة بهزيمة الشيوعية وصار العالم اليوم غربياً باقتصاده الرأسمالي وقواعده الاستهلاكية وأنماطه الثقافية والمعيشية المختلفة. إن أفضل الأفلام السينمائية تأتي من، أو تُنتج في الغرب، وأفضل الكتب تأتي من الغرب، ومعها الأزياء والطعام ووسائل النقل والمواصلات والبنى التحتية، هذا دون أن ننسى أن التغيير الداخلي في كل الدول يتم وفق القواعد والشروط الغربية : ديمقراطية تعددية، تداول للسلطة، حرية تعبير، ويدور العالم يومياً على الشبكة العنكبوتية الغربية التي حطمت العوائق واستدرجت نشر المعلومات من الأقبية إلى زوايا الذاكرات المنسية أو الآيلة إلى الانقراض. وهذا إقرار بواقع وليس مباركة له.

إن دول «البريكس» نفسها تخضع لشروط الحياة الغربية على كل صعيد، إلى حد أن بوتين اضطر إلى تأهيل ميدفيديف لدورة رئاسية من أجل احترام تداول السلطة حتى يعود مجدداً إلى الحكم ويواصل مشروعه الروسي الدفاعي الذي يتعرض لتهديدات من دول تافهة على حدوده مثل جورجيا وأوكرانيا، أو قيرغيزيا .. إلخ.

يفضي ما سبق إلى القول إنه لا عودة إلى الحرب الباردة، وإن «البريكس» تعيش في عالم رأسمالي وتحترم قواعده وهرميته الغربية، والواضح أن تكتلها يهدف ليس إلى القضاء على الغرب، بل إلى تجميع مصالحها والدفاع عنها في السوق الغربي، كما فعل الأوروبيون من قبل وكما فعلت موسكو مع اتحاد الدول المستقلة، وإذا كان صحيحاً أن مصالح هذه الدول تقتضي أحياناً التمرد على السياسة الغربية، فإنها تفعل ليس لأسباب أيديولوجية وإنما في سياق احترام القانون الدولي، كما رددت الصين مراراً ومن أجل ضمان وصول إمداداتها النفطية بشروط السوق وليس بشروط الغرب، فضلاً عن احترام إرادتها في استعادة تايوان وفرض امتناع الغرب عن دعمها مالياً وعسكرياً.

ثانياً : لا تمول دول «البريكس» ولا تسلح الممانعين والمقاومين والمناهضين للغرب، كما كان يفعل الاتحاد السوفييتي، وليست لها القدرة ولا النية على منع حروب الغرب من طرف واحد وفرض إرادته وإرادة «إسرائيل» بالقوة المسلحة في «الشرق الأوسط»، كما هي الحال في حروب العراق وأفغانستان والعراق وليبيا، ولعل مثال المقاومة العراقية واللبنانية ساطع لمن يرغب، فهي عوملت وكأنها غير موجودة في موسكو وبكين والبرازيل وجنوب إفريقيا، وكانت هذه الدول في النصف الثاني من حرب تموز/يوليو عام 2006 تنصح لبنان بتبني قرار غربي بوقف النار ينهي المقاومة ويوفر لـ «إسرائيل» نصراً سياسياً تعويضاً عن هزيمتها العسكرية، وقد تكرر ذلك في حرب غزة.

ثالثاً : إن الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن ليس إعلان حرب على أمريكا والغرب، فروسيا والصين شريكان في اقتصاد عالمي يديره الغرب ويفرض قواعده ويحمي وظائفه، وهما شريكان للغرب في مؤسسات دولية واحدة، يحترمها الطرفان ويلومان الغرب على عدم احترامها، وليس «الفيتو» مضراً بصورة مطلقة للغرب في أحد وجوهه، فهو يحميه من انكشاف عسكري مؤكد في مواجهة محور المقاومة والممانعة، ذلك أن التصدي العسكري للنظام السوري وحلفائه يحتاج إلى أكثر من نصف مليون جندي وإلى آلة حربية ضخمة ومئات المليارات من الدولارات في ظل أزمة عالمية، والأهم من ذلك كله أنه يحتاج إلى احتياطي معنوي للقتال يبدو متعذراً بعد هزيمتي الغرب في العراق وأفغانستان .. إن الغضب الغربي في المسألة السورية ليس ناجماً عن العقبة الروسية الصينية، فلو كانت الحرب ممكنة على سوريا، لما اكترث الغربيون للمؤسسات الدولية كما حصل في العراق، بل ناجم عن كون «الفيتو» قطع الطريق على استخدام تلك المؤسسات في انهاك وعزل سوريا لعقدين من الزمن قبل تحطيمها على الطريقة العراقية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2165376

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165376 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010