الثلاثاء 8 حزيران (يونيو) 2010

الشرق الأوسط... مشهد يتغير

الثلاثاء 8 حزيران (يونيو) 2010 par باتريك سيل

الغارة التي شنتها قوات الكوماندوز الإسرائيلية، في الحادي والثلاثين من مايو المنصرم، على أسطول المساعدات المتجه لغزة، كانت لها ثلاث تداعيات فورية: أولاها، تحول تركيا لخصم لدود ل“إسرائيل”. ثانيها، تصاعد الضغط الدولي على “إسرائيل” لدفعها لرفع الحصار الذي تفرضه على قطاع غزة. الثالث، دفع الدول الغربية لمراجعة موقفها الخاصة بمقاطعة “حماس”، والتي كانت قد اتخذته بعد الانتصار، الذي حققته الحركة في انتخابات 2006.

في تحد واضح ل“إسرائيل”، كما لأوروبا وأميركا، وصف رئيس الوزراء التركي “رجب طيب أردوغان”، الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية بأنه “إرهاب دولة”، كما أعلن في ذات الوقت أن “حماس”، ليست منظمة إرهابية، وإنما هي حركة مقاومة تكافح من أجل استعادة أراضيها السليبة. وهذا الإعلان وإنْ كان لا يمثل في حد ذاته خبراً في العالم العربي، إلا أنه في بلاد الغرب يمثل كسراً لـ“تابو”.

وقد كان لصيحة “أردوغان” صداها المسموع في أوروبا، حيث كتب “دومنيك فيلبان”، رئيس وزراء فرنسا السابق، على سبيل المثال لا الحصر، مقالاً في صحيفة “لوموند” الذائعة الصيت في الخامس من الشهر الجاري، قال فيه إن الحصار على غزة يجب أن يُرفع كخطوة أولى، وإن “حماس” يجب “كما يدرك الجميع تماماً” أن تدمج في عملية السلام، التي ستقود لإنشاء دولة فلسطينية.

وليس من شك في أن تحول تركيا من حليف ل“إسرائيل” إلى خصم لها، سيكون له أصداء بعيدة المدى على توازن القوى في الشرق الأوسط. فهو يوجه ضربة قاصمة للتفوق العسكري الإسرائيلي، الذي مثل الدعامة الأساسية لعقيدتها العسكرية، منذ إنشائها عام 1948.

معنى ذلك، أن “إسرائيل” أصبحت تواجه مزيجاً رهيباً من الأعداء والخصوم، يضم تركيا وإيران، وهما لاعبان إقليميان من الطراز الثقيل، بالإضافة لسوريا، و“حزب الله”، و“حماس” لم يسبق ل“إسرائيل”، سوى في حالات نادرة، أن واجهت من قبل بيئة استراتيجية معادية مثل البيئة الحالية، وهو ما يرجع لحد كبير إلى سياساتها العدوانية.

وفي الوقت الراهن نرى المشهد الإقليمي وهو يتغير. فبعد النصر الذي كانت قد حققته في حرب 1967، تمتعت “إسرائيل” بسيادة على مدار الأربعين عاماً التالية، ولم تتهدد تلك السيادة على نحو خطير إلا مرة واحدة، أثناء حرب 1973، التي حاولت فيها مصر وسوريا قلب النتيجة التي انتهت إليها حرب 1967.

بدأت تلك الحرب بصورة جيدة، من وجهة النظر العربية، ولكن محصلتها أسفرت عن استرداد “إسرائيل” للميزة، التي كانت تتمتع بها قبلها. فالسلام بين المصريين والإسرائيليين عام 1979 -على وجه الخصوص - أزاح أقوى دولة عربية وهي مصر من الصف العربي، وهو ما سمح ل“إسرائيل” بتركيز قواها على الجبهة الشمالية. وهكذا قامت “إسرائيل” بغزو لبنان عام 1982 بغية ضم هذا البلد للمدار الإسرائيلي. ولو نجحت حينها في ذلك، وتمكنت من تنصيب حكومة صديقة في بيروت، تعمل تحت حمايتها، لكانت قد تمكنت من تحييد سوريا. بيد أن ما حدث هو إن سوريا وحلفاءها قاوموا العدوان، وتمكنوا من تجنب هذا الخطر الداهم.

وطوال العقود الثلاثة التالية لذلك، عملت “إسرائيل” مراراً وتكراراً على المحافظة على تفوقها العسكري الإقليمي، وفي عام 2003 كان هذا التفوق ذا أهمية في دفع أميركا إلى الدخول في حرب ضد العراق، التي كانت “إسرائيل” تنظر إليه على أنه يمثل تهديداً محتملاً يقع إلى الشرق منها.

ولكن ما حدث، هو أن تدمير العراق عقب الغزو الأميركي، ترتبت عليه نتيجة غير مقصودة وهي تعزيز نفوذ طهران كلاعب إقليمي.

ومنذ أن حدث ذلك، بذلت “إسرائيل” -دون كلل -محاولات عديدة من أجل إضعاف النفوذ الإيراني. في هذا الإطار دفعت من أجل فرض عقوبات صارمة ضد طهران، كما هددت مراراً بشن هجوم على منشآتها النووية إذا لم تقم الولايات المتحدة بهذه المهمة بنفسها.

في الوقت نفسه، ردت “إسرائيل” بعنف على المحاولات التي قام بها لاعبان دون مستوى الدول وهما “حزب الله” و“حماس” لتحدي سيادتها العسكرية، من خلال الحصول على الحد الأدنى من القدرات الرادعة. في عام 2006، حاولت “إسرائيل” تدمير “حزب الله” من خلال الهجوم الذي شنته في ذلك العام على لبنان، وحاولت تدمير “حماس” من خلال الهجوم الذي شنته على القطاع في شتاء 2008 - 2009.

وعلى الرغم من أن “إسرائيل” ألحقت دماراً كبيراً بكل من لبنان وغزة، فإن المرء يستطيع مع ذلك أن يقول إن الاثنين قد خرجا من هذين الحربين أصلب عوداً.

منذ ذلك الحين عززت تركيا وضعها كقوة إقليمية، من خلال تنمية شبكة واسعة النطاق من العلاقات في البلقان، والشرق الأوسط، والقوقاز، وآسيا الوسطى. أما فيما يتعلق بعلاقاتها مع العرب فإن علاقتها بسوريا - على نحو خاص - اتسمت بالحميمية. في مقابل ذلك، قررت تركيا مراجعة جميع اتفاقاتها الاقتصادية مع “إسرائيل”، وعملت على تقليص علاقتها معها بشكل عام إلى “أقل حد ممكن” على حد وصف نائب رئيس وزرائها “بولنت أرنيك”.

والوضع الحالي مفعم بالخطر، وبالأمل في آن واحد. فقيام “إسرائيل” بمحاولة لاسترداد هيمنتها، التي تعرضت للتحدي، من خلال توجيه ضربة عسكرية كبرى، احتمال لا يمكن استبعاده. من ناحية أخرى نجد أن العالم قد غدا أقل صبراً بكثير تجاه الاحتقار، الذي تبديه “إسرائيل” نحو القانون الدولي، وتجاه استعدادها الدائم للجوء للقوة.

والإدانة والشجب اللذان تتعرض لهما “إسرائيل” في الوقت الراهن، فتحا نافذة نادرة للفرص أمام الفلسطينيين، وهو ما يطرح بالتالي السؤال: هل سيتمكن الفلسطينيون هذه المرة من الإمساك بالفرصة؟ وسبب هذا السؤال هو أن قيام الفلسطينيين بإنهاء اقتتالهم الداخلي وتوحيد صفوفهم أهم هذه المرة من أي مرة سابقة، وذلك حتى يتمكنوا من تشكيل حكومة وحدة وطنية والسعي بعد ذلك للحصول على اعتراف بها من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

فمن دون وحدة وطنية فلسطينية، لا يمكن أن يكون هناك تقدم على جبهة السلام. ومن دون سلام، فإن هذه المنطقة ستتجه حتماً نحو المزيد من العنف.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2165892

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

17 من الزوار الآن

2165892 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010