الخميس 5 نيسان (أبريل) 2012

كوفي أنان وجه أسود وأقنعة بيضاء

الخميس 5 نيسان (أبريل) 2012 par تييري ميسان

[bleu marine]إذا كانت النتائج التي أنجزها كوفي أنان في الأمم المتحدة باهرة في مجالات الإدارة والتنظيم والفاعلية فإنها عرضة لانتقادات كبيرة في مجال السياسة. خلال فترة توليه الأمانة العامة للمؤسسة الدولية جهد أنان في تطبيع المؤسسة المذكورة لتتناسب مع العالم الأحادي القطب ومع العولمة الأميركية المهيمنة. أعاد النظر في الأساس العقائدي لمؤسسة الأمم المتحدة وجرّدها من قدرتها على تفادي المواجهات الدولية. على الرغم من ذلك هو مكلّف اليوم بحلّ الأزمة السورية.[/bleu marine]

تمّ انتقاء الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان الحائز على جائزة نوبل للسلام ليكون المندوب الخاص لكل من بان كي مون ونبيل العربي في مهمة هدفها إجراء مفاوضات تهدف إلى إيجاد حلّ سلمي للأزمة السورية. يتمتّع الرجل بخبرة نادرة وبسمعة باهرة لدرجة أن الجميع تحمسوا لهذا الانتقاء.

ماذا يمثّل هذا المسؤول الدولي الرفيع؟ من الذي أوصله إلى أعلى المراتب الدولية؟ ماذا كانت خياراته السياسية وما هي ارتباطاته والتزاماته الحالية؟ أمام هذه الأسئلة لا بد من التحفظ كما لو أن اللقب القديم الذي كان يتمتّع به ضمانة للحيادية في الأداء.

[brun]اختير ودُرّب على يد مؤسسة فورد والاستخبارات المركزية الأميركية[/brun]

يمتدح الزملاء السابقون فيه العناية والذكاء والدقة. شخصية جذابة ومحبوبة خلّفت أثراً كبيراً لأنه لم يتصرّف كسكرتير عام للأمم المتحدة بل كقائد عام لها حيث قام بمبادرات أعادت إحياء المؤسسة الغارقة في البيروقراطية. كل هذا معلوم ومكرّر وقد أوصلته إمكاناته المهنية المميزة لنيل جائزة نوبل للسلام على الرغم من أن نيل مثل هذه الجائزة يجب أن يكون نتيجة الانتماء السياسي الشخصي لخط يسعى لإحلال السلام وليس مكافأة على قدرات إدارية.

ولد كوفي أنان وشقيقته التوأم إفوا أتا في 8 أبريل (نيسان) 1938 في عائلة أرستقراطية في المستعمرة البريطانية في ساحل العاج. كان والده زعيم قبيلة فانتيس وحاكم مقاطعة أشانتي المنتخب. على الرغم من رفضه للوجود البريطاني إلا أنه كان خادماً وفياً لتاج جلالة الملكة.

شارك مع شخصيات مرموقة أخرى في أول حركة رفض للاستعمار لكنه تعامل بشكٍ وريبة وقلق مع حركة الثورة التي قادها كوامي نكروما.

في جميع الأحوال أدت جهود كوامي نكروما إلى استقلال البلاد التي سُمّيت غانا وذلك في العام 1957. كان كوفي يبلغ حينها 19 عاماً وعلى الرغم من عدم مشاركته في الثورة إلا أنه أصبح نائب رئيس الرابطة الوطنية الطلابية الجديدة. تنبّه في ذلك الحين له «صياد رؤوس» من «مؤسسة فورد» وضمّه إلى برنامج «القائد الشاب» وعلى هذا الأساس تمّ تشجيعه على متابعة صفوف صيفية في جامعة هارفرد. بعد أن أثبت حماسته لما تمثّله الولايات المتحدة قدّمت له «مؤسسة فورد» منحة دراسية جامعية كاملة أولاً في الاقتصاد في جامعة مكالستر في منيسوتا ثم في العلاقات الدولية في معهد الدراسات الدولية العليا في جنيف.

تحوّلت «مؤسسة فورد»، التي أسسها الصناعي هنري فورد، بعيد الحرب العالمية الثانية إلى أداة للسياسة الخارجية غير الرسمية للولايات المتحدة الأميركية مقدمة بذلك قناعاً محترماً لنشاطات جهاز الاستخبارات المركزية الأميركية [rouge][1][/rouge].

تزامنت دراسة كوفي أنان الجامعية خلف الأطلسي (1959-1961) مع أصعب مراحل حركة النضال من أجل الحقوق المدنية للسود (بداية حملة مارتن لوثر كينغ في بريمنغهام). اعتبرها امتداداً لحركة رفض الاستعمار التي شهدها في غانا لكنه لم يشارك فيها كذلك.

فتح له رعاته الأميركيون أبواب منظمة الصحة العالمية بعد أن نالت نتائجه الأكاديمية وتحفظه السياسي رضاهم حيث شغل أول وظيفة له. بعد أن أمضى ثلاث سنوات في جنيف تمّ توظيفه في اللجنة الاقتصادية الإفريقية التي كان مقرّها في أديس أبابا. لكن درجاته العلمية لم تكن كافية ليطمح لمركز الأمين العام للأمم المتحدة لذا عاد إلى الولايات المتحدة الأميركية لدراسة الإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (1971-1972). حاول العودة إلى بلاده كمدير التطوير السياحي لكنه واجه مشاكل مستمرة مع حكومة الجنرال أشيمبونغ العسكرية. لذا تراجع عن مشروعه وعاد إلى الأمم المتحدة في العام 1976.

[brun]حياة مهنية ناجحة على الرغم من الإخفاقات المأساوية[/brun]

احتل مناصب مختلفة داخل المؤسسة الدولية أولاً ضمن الـ UNEF II (قوات السلام للفصل بين مصر و«إسرائيل» في نهاية حرب أكتوبر 1973)، ثم كمدير مكتب شؤون اللاجئين UNHCR. في هذه المرحلة التقى بالمحامية نان لاجيرغرين وتزوج منها في زواجٍ ثانٍ. هذه المحامية السويدية هي ابنة شقيق راوول والنبرغ الممثل الخاص للسويد في هنغاريا خلال الحرب العالمية الثانية. اشتهر والنبرغ بإنقاذه لمئات اليهود الملاحقين عبر تأمين جوازات سفر لهم. كما عمل مع الـ OSS وهو الجهاز الذي كان سلفاً لجهاز الاستخبارات المركزية الأميركية كعميل ارتباط بين الولايات المتحدة والمقاومة الهنغارية. اختفى والنبرغ عند نهاية الحرب العالمية الثانية ويبدو أن السوفيات أسروه لوقف تدخلات الولايات المتحدة الأميركية في البلاد. في جميع الأحوال فتح زواج كوفي أنان السعيد له أبواباً لم يكن يتمكن من عبورها من قبل وبالتحديد أبواب المنظمات اليهودية.

اختار الأمين العام للأمم المتحدة في حينه خافيير بيريز دي كويار كوفي أنان مساعداً له مسؤولاً عن الموارد البشرية وعن سلامة موظفي الأمم المتحدة (1987-1990). خلال أزمة اجتياح العراق للكويت وقع 900 موظف من موظفي الأمم المتحدة في «الأسر». تمكّن كوفي أنان من مفاوضة صدام حسين وإطلاق سراحهم وهذا الأمر أكسبه مكانة عالية في المؤسسة الدولية. تولى على التوالي الميزانية (1990-1992) وفي عهد بطرس بطرس غالي عمليات حفظ السلام (1993-1996) تخللها تكليفه بمهمة المبعوث الخاص للأمين العام إلى يوغسلافيا.

وفق ما يؤكده الجنرال الكندي روميو دالير قائد القبعات الزرق في رواندا لم يتجاوب كوفي أنان مع طلباته المتكررة ويتحمل بذلك مسؤولية كبيرة عن عدم قيام الأمم المتحدة بأية مبادرة خلال الإبادة الجماعية التي ذهب ضحيتها 800 ألف قتيل من التوتسي بشكلٍ عام ولكن كذلك من الهوتوس [rouge][2][/rouge].

السيناريو عينه تكرر في البوسنة حيث تمّ أسر 400 من جنود القبعات الزرق على يد القوات البوسنية الصربية. صمّ كوفي أنان أذنيه لنداءات الجنرال برنار جانفيه وسمح بحدوث مجازر كانت متوقّعة.

في عام 1996 رفضت الولايات المتحدة التجديد للمصري الفرنكوفوني بطرس بطرس غالي في منصب الأمين العام للأمم المتحدة. وتمكّنت من فرض مرشّحها وهو موظف رفيع المستوى من قلب المؤسسة إنه كوفي أنان. بدل أن تكون أسلحة في وجهه باتت إخفاقاته في رواندا والبوسنة وزنات لصالحه بعد أن اعترف بها ووعد بإجراء إصلاحات في الهيكلية حتى لا تتكرّر مثل هذه الأخطاء. تمّ انتخابه على هذا الأساس واستلم منصبه في الأول من يناير (كانون الثاني) 1997.

[brun]مركز المؤتمرات بوكانتيكو[/brun]

ما ان استلم منصبه حتى أطلق كوفي أنان حلقة مغلقة سنوية تستمرّ لمدة يومين وتضم 15 سفيراً للأمم المتحدة. استقبل هذه الخلوة بحفاوة صندوق الأخوة روكفيلر في مركز المؤتمرات بوكانتيكو (شمال نيويورك). يناقش الأمين العام خلال هذه الحلقة مع ممثلي الدول التي تدعمه خارج هيئات الأمم المتحدة الإصلاحات التي يجب إخضاع المؤسسة الدولية لها وكذلك العلاقات الدولية.

في هذا السياق أعاد توزيع إنفاق الأمم المتحدة وفق الأولويات السياسية وقلّص بقوة ميزانية الأمانة العامة. كذلك أعاد تنظيم الأداء الإداري حول أربعة محاور (السلام والأمن ثم التطوير ثم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية ثم الشؤون الإنسانية). أوجد منصب الأمين العام المساعد لينوب عنه ووفر له طاقماً حقيقياً يسمح له بتنفيذٍ سريع لقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة.

مبادرة كوفي أنان الكبرى كانت الـ «غلوبال كومباكت» التي تهدف إلى تعبئة المجتمع المدني ليتحرك من أجل عالم أفضل. على قاعدة الحوار الطوعي تمكّنت المؤسسات والنقابات والمنظمات غير الحكومية من خوض النقاشات والالتزام باحترام حقوق الإنسان وقانون العمل والبيئة.

بعد التطبيق اتضح أن «غلوبال كومباكت» لم تنجز المتوقّع منها بل ساهمت في إخراج الأمم المتحدة كمؤسسة عن دورها الطبيعي. لقد حجّمت دور سلطة الأمم المتحدة واعترفت بسلطة الشركات العالمية والجمعيات التي لا تملك من صفة «غير حكومية» سوى الاسم والمدعومة بشكلٍ سري من القوى العظمى. باعتماده اللوبيات كشريكٍ للأمم المتحدة دفن كوفي أنان روح معاهدة سان فرنسيسكو. لم يعد دور المؤسسة يتعلّق بحفظ البشرية من طوفان الحروب عبر الاعتراف بأن جميع الدول صغيرة كانت أم كبيرة متساوية أمام القانون الدولي بل بات الأمر يتعلّق بتحسين حياة البشر عبر تأمين تلاقي المصالح الخاصة. باتت الـ «غلوبال كومباكت» جسراً للعبور من مفهوم شبه مقبول من الجميع ينص على أن القانون الدولي في خدمة الخير العام إلى مفهوم تدعمه فقط الدول الأنغلوسكسونية والذي ينصّ على أن الخير العام مجرّد وهم في حين أن الحكم الجيّد يقتضي توحيد أكبر عدد ممكن من المصالح الخاصة. في نهاية المطاف حققت الـ «غلوبال كومباكت» ما تحققه الحفلات الخيرية في الولايات المتحدة أي كسب راحة الضمير الوهمية بمساعدة بعض البرامج المروجة إعلامياً وذلك لتقبل الظلم في الهيكلية.

في هذا السياق تعكس فترات «حكم» كوفي أنان (1997- 2006) وجه المرحلة التاريخية التي شهدتها وهي مرحلة عالم أحادي القطب تسيطر عليه عولمة الهيمنة الأميركية على حساب الأمم المتحدة والشعوب التي تمثّلها هذه المؤسسة.

تماشت هذه الإستراتيجية مع الخطة التي وضعتها الولايات المتحدة في الثمانينيات من القرن الماضي مع تأسيس الوكالة الوطنية للديمقراطية والتي، بعكس ما يوحي به اسمها، تهدف إلى استكمال العمل التهديمي لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عبر تخريب العملية الديمقراطية أينما كانت في العالم. تدعم الـ NED بشكلٍ شرعي أو لا منظمات أرباب العمل والنقابات العمالية وجمعيات من جميع الأنواع. تشارك جميعها في الـ «غلوبال كومباكت» وتضعف بذلك مواقف الأمم المتحدة التي لا تملك الإمكانات لتمويل لوبياتها الخاصة. لم تعد الأمم المتحدة تهتمّ بالسلام العالمي لأن العالم الأحادي القطب لديه شرطته الخاصة أي الولايات المتحدة الأميركية لكنها تقوم بامتصاص جميع الاعتراضات لكي تثبّت أكثر الفوضى العالمية والعولمة التدريجية لهيمنة الولايات المتحدة الأميركية [rouge][3][/rouge].

بلغ الخطاب المهدئ الذي اعتمده كوفي أنان أوجه في مؤتمر قمة الألفية. التزم 147 قائداً عالمياً بالسعي للقضاء على الفقر وحلّ المشاكل الصحيّة الرئيسية في العالم ومنها السيدا وذلك خلال 15 عاماً من تاريخه (تاريخ انعقاد القمة المذكورة). لن تحتاج السعادة العالمية إلى أية إصلاحات سياسية بل أن يساهم كل واحد بالقليل عبر تبرعه بالمال. لماذا لم يفكّر أحد بذلك من قبل؟! يا للسخافة! بقيت وعود الألفية حبراً على ورق ما زال الظلم مستمراً وهو يتغذى على الحروب والعوز.

في الاتجاه عينه وخلال إلقاء خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 20 سبتمبر (أيلول) 1999 شرح الأمين العام ما يُعرف باسم «مذهب أنان». معتمداً على فشله الشخصي في كل من رواندا والبوسنة أكد أنان أن الدول لم تلتزم بواجبها في حماية مواطنيها. وخلص إلى الاستنتاج أن سيادة الدول، المبدأ الأساسي الذي قام عليه ميثاق الأمم المتحدة، تتناقض مع حقوق الإنسان. تمّ تبني هذه الرؤية تحت عنوان «مسؤولية الحماية» وذلك من قبل الاتحاد الإفريقي وبعده الأمم المتحدة في العام 2005 خلال القمة العالمية التي عُقدت لاستكمال قمة الألفية.

ليس «مذهب أنان» سوى تمثيلاً متقناً لواجب التدخل الذي وضعته المملكة البريطانية لتبرير الحرب على الإمبراطورية العثمانية والذي أعاد إحيائه برنار كوشنير. تمّ استخدام هذا المبدأ المجدّد لأول مرّة بشكلٍ واضح في العام 2011 لتشريع عملية استعمار الجمهورية الليبية [rouge][4][/rouge].

كذلك تميّزت فترات «حكم» كوفي أنان ببرنامج «النفط مقابل الغذاء» الذي وضعه مجلس الأمن الدولي في العام 1991 لكن لم يتم تطبيقه سوى في المرحلة ما بين 1996 و2003. كان الأمر في البداية يهدف إلى ضمان استفادة العراقيين دون سواهم من واردات العراق النفطية ولم يكن الهدف من البرنامج تأمين تمويل المغامرات العسكرية. لكن في سياق الحصار العالمي وتحت الإشراف المباشر لكوفي أنان تحوّل هذا البرنامج إلى أداة في يد كل من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة البريطانية لاستنزاف العراق في الوقت الذي كانتا تحتلان فيه منطقة الحظر الجوي (كردستان العراق المستقلّ الآن) كل ذلك بانتظار اللحظة التي قامتا فيها بمهاجمة البلاد وتدميرها [rouge][5][/rouge].

عدد كبير من الموظفين الدوليين الرفيعي المستوى الذين طُلب منهم إدارة البرنامج المذكور وصفوه بـ «جريمة حرب» وقدموا استقالاتهم بعد أن رفضوا تطبيقه. من بينهم الأمين العام المساعد هانز فون سبونيك والمنسق الخاص دنيس هوليداي اللذان اعتبرا أن هذا البرنامج تسبب بعملية إبادة أكثر من 1.5 مليون عراقي من بينهم 500 ألف طفل على الأقل [rouge][6][/rouge].

كان لا بد من انتظار اجتياح وتدمير العراق ليتمرّد كوفي أنان ويفضح ما قام به أولئك الذين موّلوا دراسته وأوصلوه إلى منصب الأمين العام للأمم المتحدة ومنحوه جائزة نوبل للسلام. اعتبر الهجوم على العراق غير شرعي وعبّر عن قلقه من أن تكون هذه السابقة بداية نهاية القانون الدولي [rouge][7][/rouge].

ردّت واشنطن بعنف وأطلقت حملة استخبراتية ضدّه طالته شخصياً وطالت طاقم عمله وعائلته وأصدقائه. في نهاية المطاف اتُهم كوجو أنان ابن كوفي باختلاس أموال برنامج «النفط مقابل الغذاء» بعلم وتأييد والده. لم تقتنع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بهذه التهمة التي أدّت على العكس من ذلك إلى تعزيز سلطة الأمين العام [rouge][8][/rouge]. على الرغم من ذلك خلال السنتين الأخيرتين من «حكمه» تمّ شلّ حركة كوفي أنان وإجباره على العودة إلى الحظيرة.

[brun]العودة إلى مربّع الانطلاق[/brun]

بعد عشر سنوات قضاها كأمين عام الأمم المتحدة أكمل كوفي أنان مهنته في مؤسسات خاصة إلى حد ما.

في ديسمبر 2007 انهارت الانتخابات الرئاسية الكينية وفاز الرئيس مواي كيباكي على مرشّح واشنطن إبن عم السيناتور باراك أوباما المزعوم رايلا أودينغا. طعن في الانتخابات السيناتور جون ماكين ودعا إلى الثورة في الوقت الذي قامت فيه فرق استخبراتية مجهولة بتأليب الإتنيات المختلفة في البلاد على بعضها البعض. خلال بضعة أيام أدّت الاشتباكات إلى موت نحو 1000 شخص وتهجير أكثر من 300 ألف شخص. اقترحت مادلين أولبرايت وساطة «مركز أوسلو للسلام وحقوق الإنسان». أرسلت هذه المؤسسة مفاوضين هما رئيس الوزراء النروجي السابق كييل ماغني بوندفيك والأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان وكلاهما إداريان في المركز.

نتيجة هذه «الوساطة» تمّ إجبار الرئيس كيباكي على الرضوخ لمشيئة الولايات المتحدة الأميركية. تمكّن من الاحتفاظ بمنصبه لكنه أُجبر أولاً على إجراء إصلاحات دستورية تحرمه من صلاحياته لصالح رئيس الوزراء ثمّ تمّ إجباره على تعيين رايلا أودينغا رئيساً للوزراء. لاعباً دور الحكيم الكهل الإفريقي ساهم كوفي أنان في إضفاء وجه الشرعية على تغيير نظام بلدٍ مستقلّ فرضته واشنطن [rouge][9][/rouge].

يحتلّ كوفي أنان في الوقت الحاضر منصبين فهو أولاً رئيس «إفريقيا بروغرس بانيل» وهي مؤسسة أقامها طوني بلير في نهاية قمة الثمانية غلين إيغلز للتفاوض حول تدابير الوزارة البريطانية للتعاون (DFID). للأسف لم تلتزم قمة الثمانية بوعودها على غرار قمة الألفية لذا باتت نشاطات «إفريقيا بروغرس بانيل» محدودة جدّاً.

تبقى رئاسة «التحالف من أجل ثورة خضراء في إفريقيا» AGRA التي تسعى إلى حل المشاكل الغذائية في القارة السمراء بفضل التقنيات البيولوجية. في الواقع «أغرا» لوبي تموّله «مؤسسة بيل غايتس» و«مؤسسة روكفيلر من أجل تسويق الـ OGM» أي المنتجات المعدّلة جينياً التي تنتجها «مونسانتو» و«دوبون» و«داو» و«سينجنتا» وغيرها. معظم الخبراء المستقلين في هذه الشركات العالمية يؤكدون أنه إذا لم نتحدّث عن الصدمة البيئية يبقى أن استخدام المنتجات المعدّلة جينياً تجعل المزارعين معتمدين بشكلٍ كاملٍ على من يمدّهم بها كما تؤسس لشكل جديد من أشكال الاستغلال البشري.

[brun]كوفي أنان في سوريا[/brun]

ماذا يأتي إذاً ليفعل في سوريا هذا الموظف الدولي السابق الرفيع المستوى؟ أولاً يشير تكليفه إلى أن بان كي مون عاجز عن تولي المهمة بسبب صورته التي شوّهها خضوعه للولايات المتحدة كما شوهتها الأعمال المشبوهة الدائمة التي تورّط بها [rouge][10][/rouge]. أما كوفي أنان فصورته لا تزال إيجابية على الرغم من تاريخه.

ثانياً، لا يمكن لأي وسيط أن ينجح في مهمته إذا اختاره الخصوم والحال ليست كذلك لأن هذا الرجل يمثّل الأمين العام للأمم المتحدة ونظيره في جامعة الدول العربية. على عاتقه الدفاع عن سمعة وصورة هاتين المؤسستين دون أن تكون لديه تعليمات سياسية محدّدة.

إذا كان تكليف السيد أنان قد حظي بتأييد جميع أعضاء مجلس الأمن وأعضاء جامعة الدول العربية فهذا يعني أن هذا التكليف يلبي توقعات متضاربة. بالنسبة للبعض المندوب الخاص المساعد لا يجب أن يسعى إلى السلام بل إلى إلباس سلامٍ تمّ بموافقة القوى الكبرى كي يتمكّن الجميع من حفظ ماء الوجه. بالنسبة لآخرين قد يتمكن من إعادة تنفيذ السيناريو الكيني وينجح دون عنف بتغيير النظام في سوريا.

خلال الأسابيع الثلاثة الماضية تمكّن أنان من تقديم خطة بدت كأنها خطته الشخصية لكن من وضعها فعلاً هو وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف. بتنفيذه هذا الأمر يصبح بإمكان واشنطن وحلفاؤها الموافقة عليها. من جهة ثانية خلق السيد أنان إرباكاً مقصوداً حين ألمح إلى أنه أقنع الرئيس الأسد بتكليف أحد نوابه فاروق الشرع بالتفاوض مع المعارضة. إنه على ما يبدو تنازل قدّمه الأسد لمجلس التعاون الخليجي. في الواقع نائب الرئيس الشرع مكلّف بهذه المهمة منذ عامٍ تقريباً وشروط المملكة العربية السعودية وقطر مختلفة تماماً فهما تشترطان استقالة الأسد لأنه علوي واستلام نائب الرئيس المذكور السلطة لأنه سني. يبدو إذاً أن المبعوث الخاص المساعد يحاول إيجاد مخرج لائق للدول التي هاجمت سوريا وادّعت وجود ثورة ديمقراطية يتمّ قمعها عبر إراقة الدماء.

في جميع الأحوال لا يبدو أن لسان حال كوفي أنان المزدوج الذي يعلن أنه راضٍ عن المحادثات حين يكون في دمشق ثم يعود ويؤكد أن أمله خاب منها حين يكون في جنيف، لا يبدو أن هذه الازدواجية قد طرحت علامات استفهام حول نواياه الحقيقية.

[rouge]الهوامش:[/rouge]

[rouge][1][/rouge] «مؤسسة فورد، الواجهة الخيرية لوكالة الاستخبارات المركزية» و «لماذا مؤسسة فورد تدعم هذا التحدي»، بقلم بول لاباريك، شبكة فولتير، و 5 و 19 نيسان 2004.

[rouge][2][/rouge] مصافحة الشيطان : فشل الإنسانية في رواندا من قبل روميو دالير، السهم للكتب المحدودة، 2004. النسخة الفرنسية : مصافحة الشيطان : فشل الإنسانية في رواندا، حرية التعبير، عام 2004.

[rouge][3][/rouge]NED، واجهة قانونية لوكالة الاستخبارات المركزية، بقلم تييري ميسان، فولتير شبكة / Однако، 6 أكتوبر، 2010.

[rouge][4][/rouge] «1973 القرار»، شبكة فولتير، 17 مارس 2011.

[rouge][5][/rouge] عنان : المحرقة في العراق والسلام في سوريا؟«حسن حمادة، وشبكة فولتير / وصفير، 22 مارس 2012».

[rouge][6][/rouge] ضلوع الأمم المتحدة في جرائم الحرب، ومقابلة مع الكونت فون سبونيك هانز كريستوف،«على SC، شبكة فولتير، 16 مارس 2007».

[rouge][7][/rouge] كوفي عنان، القانون الدولي لم يعد يضمن أي شيء، «بقلم كروز ساندرو، شبكة فولتير،7 تموز، 2005».

[rouge][8][/rouge] «التنكيد على كوفي عنان»، شبكة فولتير، 13 ديسمبر 2004.

[rouge][9][/rouge] «تدني قيمة جائزة نوبل للسلام عام 2009»، بقلم تييري ميسان، شبكة فولتير، 13 تشرين الأول 2009.

[rouge][10][/rouge] «كتاب مفتوح الى بان كي مون» بقلم حسن حمادة، شبكة فولتير، 25 يناير 2012.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 8 / 2165289

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165289 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010