الجمعة 6 نيسان (أبريل) 2012

السفير الشقي في موسكو

الجمعة 6 نيسان (أبريل) 2012 par أمجد عرار

في عالم السياسة من المثير للفضول، والمفيد أيضاً، أن يتاح للمرء الاطلاع على مواقف وحوارات تُجرى خلف الكواليس، أو في ظل ما يعتقد متحاورون أنهم يتحدّثون خارج التسجيل أو التصوير. من خلف الكواليس ظهر قادة بمحتوى لا يوحي به ظاهرهم الخدّاع، ومفكّرون كبار يتوسّلون محاوريهم أن يجنّبوهم أسئلة تكشف ثنائية المعلن والمخفي. وفي الكواليس وخلف ستار الاعتقاد بانعدام التسجيل، رأينا وسمعنا الرئيس الأمريكي يتوسّل نظيره الروسي ويعد بالليونة والمرونة وتغيير السياسة والخطاب، إذا تجددت ولايته الرئاسية.

أما وقد انكشف أمر التسجيل وبدأت تداعياته العكسية تتفاعل في ساحة أمريكية هشّة، فإن أركان البيت الأبيض وخارجيته استنفروا كل طلائهم في محاولة المحافظة على «بياضه» من اللطخات التي تجتاحه في أكثر من جبهة ومراهنة فاشلة ووعد بلا رصيد. من ذلك أنه ليس بمحض المصادفة يخرج مايكل ماكفاول، السفير الأمريكي في موسكو، أين؟ في موسكو ليتحدّث بعجرفة عن اعتزام أمريكا نصب الدرع الصاروخية في أوروبا رغم معارضة روسيا (أي بلغتنا رغم أنفها).

هذا السفير المعيّن طازجاً لم يمض على ركوبه الطائرة إلى بلاد يوري غاغارين سوى ثلاثة أشهر عندما أُعلن أن مهمّته إنعاش العلاقات الروسية الأمريكية المترنّحة والمهدّدة بمزيد من التسخين. لكن ما بدا من الرجل أظهر مهمّة في الاتجاه المعاكس.

فالرجل دشّن المهمّة في موسكو في يناير بلقاء معارضي النظام فأثار ضجّة في الأوساط السياسية في البلاد، ثم أتبعها قبل أيام بوصف روسيا بأنها بلاد «الهمجيين» قبل أن «ينخ» ويعتذر. والآن سيحتاج أوباما إلى مسح أذنيه جيّداً لإعادة الاستماع إلى وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف وهو يصف أقوال السفير مايكل ماكفاول بـ «الوقاحة». وإذا أراد مخرجاً غير محرج، بإمكانه التظاهر بعد الاستماع أو اتّباع منهج «أبو نايف» في مسلسل «الخربة» مدّعياً أن سماعة الأذن نفدت بطاريتها.

عندما تكون حصيلة ثلاثة أشهر من العمل لدبلوماسي زعمت بلاده أنه مرسل لترميم علاقة ثنائية، عربداتٍ وعجرفةً وتصريحاتٍ فوقيةً تنم عن تحد، فإنه يغرّد في العلن خلافاً لدبلوماسية التسوّل خلف الكواليس. وعليه التوقّع أن يلبس وزير خارجية بلد بحجم روسيا بزّة وزير الدفاع وهو يرد عليه، لكي يعرف الشعب الأمريكي أن من يفترض أنه سفيره في دولة عظمى لا يراعي اللباقة الدبلوماسية، وأنه قد يتسبّب في مزيد من صب الزيت على نار الحرب الباردة التي أعادت قياداته إشعالها من خلال تصرف أمريكا مع العالم وكأنه عقار خاص تملك وكالته الحصرية نهباً وتسليحاً وحروباً استعمارية وفتنة وتدخلاً سافراً في كل مكان، ومع كل ذلك انتهاكات وجرائم وتبنّي مجرمي حرب.

ربما يكون السفير خدم في دول تمتص الإهانة كما تفعل المماسح، وقد تكون قراءته للمشهد الروسي بدأت بحقبة بوريس يلتسين وتوقّفت عندها، لكنّ واشنطن لم تستطع خداع الروس بـ «مهمّة ترميم العلاقات»، بدليل أن الساحة السياسية في موسكو استقبلته بردود فعل معادية وغاضبة، لدرجة أن التلفزيون الروسي اتهمه منذ وصوله بأنه قادم لإشعال ثورة والتدخّل المغلّف بالمنظمات غير الحكومية. ونظن أنه سمع بوتين يقول بعد فوزه بالانتخابات الروسية إن «الثورة البرتقالية لن تجدي هنا».

الكلمة التي استخدمها لافروف جافّة بالمعنى الدبلوماسي، فإما أن يبتلعها السفير على جفافها أو يتجاهلها ويواصل مهمّته الحقيقية. لكن على أية حال، نحن البسطاء نستغرب كيف يتصرّف مسؤول على هذا النحو، فآذاننا مازالت ترن فيها كلمات أمهاتنا حين كنا صغاراً، إن «الولد الشقي يجلب لأهله المسبّة».



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 19 / 2165940

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165940 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010