السبت 7 نيسان (أبريل) 2012

الفلسطينيون ومعارك «طواحين الهواء»

السبت 7 نيسان (أبريل) 2012 par مأمون الحسيني

لا مناص من الاعتراف بأن الفجوة التي تفصل ما بين الحالة الجماهيرية الفلسطينية المتجهة نحو مزيد من التجذر حيال مواجهة الاحتلال وإجراءاته الاستيطانية والتهويدية المتصاعدة، ورفض حال الانقسام الجيوسياسي الداخلي، وتجلياته السياسية والأمنية والاجتماعية والمعيشية الضاغطة بقوة على كافة مفاصل الحياة، وبين سلطتي رام الله وغزة وكافة الفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية التي تصر على التمترس خلف جدار «العماء السياسي» والمصالح الفئوية الضيقة، باتت تهدّد بوضع ما تبقى من الحقوق الوطنية في مرمى نيران اليمين «الإسرائيلي» وحكومته التي تسابق الزمن لاستغلال واقع التهشم والانحلال الذي تمر به الحركة الوطنية الفلسطينية، وانتهاز فرصة الانقسام الأفقي والعمودي ما بين قوى الإسلام السياسي وبقية القوى الليبرالية والقومية واليسارية في معظم الدول العربية التي تشهد صراعاً حاداً على السلطة، والاستفادة من مأزق الصراع الإقليمي والدولي على مواقع القوة والنفوذ، وحاجة إدارة الرئيس أوباما إلى دعم اللوبي اليهودي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي بدأت توضع على نار حامية، لوضع حد حاسم ونهائي للقضية الفلسطينية، وتحصين وضع وموقع «إسرائيل» في خضم المتغيرات العاصفة التي تتلاطم في يم الغموض والمجهول.

حسب لغة الأرقام، بات نحو 85% من أراضي القدس المحتلة، المطوقة بـ 12 معبراً دولياً، في يد اليهود على شكل مستوطنات ومناطق أمنية ومناطق خضراء وحدائق توراتية، فضلاً عن سيطرة التلموديين على أكثر من 100 بيت في قلب البلدة القديمة التي انخفض عدد أبنائها إلى نحو 33 ألف مقدسي، وفق اعتراف رئيس دائرة شؤون القدس في منظمة التحرير أحمد قريع. أما بقية مناطق الضفة الغربية المزروعة بمئات المستوطنات الكبرى والمتوسطة، فضلاً عن البؤر التي تتوالد كالفطر، فيشير عكيفا ألدار في «هآرتس» إلى أن ما تسمى «الإدارة المدنية» التابعة للحكم العسكري «الإسرائيلي» خصصت، في خرائط سرية ومنذ سنوات طويلة، مئات آلاف الدونمات لتوسيع المستوطنات القائمة. ويؤكد ألدار أن مخزون هذه الأراضي التي تبلغ مساحتها 620 ألف دونم، أي ما نسبته 10 في المئة تقريباً من المساحة الإجمالية للضفة، يتضمن 569 موقعاً، منها نحو 81 موقعاً تقع في مناطق أ و ب اللتين يفترض أنهما تحت السيطرة المدنية للفلسطينيين، وفق تصنيف أوسلو، والباقي في المنطقة ج، مع ملاحظة أن 90 في المئة منها توجد شرقي مسار جدار الفصل العنصري، أي خارج الكتل الاستيطانية الكبرى، وتعريفها من قبل الحكومة «الإسرائيلية» كـ «أراضي دولة».

ومع ذلك، وبدلاً من تصدر هذه الأخطار التي تجتاح الأراضي والحقوق الفلسطينية بالجملة، وتنسف أية إمكانية للحديث عن التسوية والمفاوضات وغير ذلك من ترهات القاموس السياسي السائدة في الخطاب الفلسطيني، جدول أعمال سلطتي رام الله وغزة وفصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني، وبدلا من المسارعة إلى تنفيذ استحقاقات المصالحة الوطنية ووضعها على سكة التنفيذ المباشر والفوري، والتجاوب مع المزاج الجماهيري المستعد لتفجير انتفاضة ثالثة تحت وطأة حالة الإحباط السائدة، وتصعيد الاشتباك مع الاحتلال ومخططاته الاستيطانية المنفلتة من عقالها، يتجه هؤلاء، وكل من موقعه وطبيعة حساباته ومراهناته، نحو افتعال معارك سياسية داخلية، تحت عناوين شتى لعل أبرزها، في الآونة الأخيرة، أزمة الوقود والكهرباء في غزة، وذلك بهدف وضع العصي في دواليب المصالحة الوطنية، والهروب من استحقاقاتها والالتزامات المترتبة عليها، والتي مازال قادة «فتح» و«حماس»، وللمفارقة، يعلنون تمسكهم بها، ويبدون الاستعداد لتنفيذها.

ويبدو أن العنوان السياسي الذي شكل مصدر الخلاف الأساسي، في المراحل السابقة، لم يعد يحتل تلك الأهمية في المعارك الدونكيشوتية الفلسطينية، حيث حلت مكانه رزمة من الاتهامات المتبادلة التي انتظمت في اتجاهين رئيسين: الأول، اتهام «حماس» لـ «فتح» بتنظيم مؤامرة ضدها، من خلال إثارة البلبلة بين المواطنين وتحريضهم على الحكومة المقالة في غزة على خلفية الأزمات الداخلية المتراكمة، ومن بينها أزمة الكهرباء، في مقابل رد معاكس من أوساط في «فتح» مفاده أن السلطة تدفع 120 مليون دولار شهرياً لغزة، وأنها دفعت 7 مليارات دولار في غزة منذ سيطرة «حماس» على القطاع عام 2007، وأن الحركة الإسلامية التي تجبي الضرائب وفواتير الكهرباء وترفض تحويلها لخزينة السلطة، تفرض هيمنتها على مختلف نواحي الحياة في القطاع دون تقديم أي خدمات أساسية للمواطنين، فضلاً عن أنها (حماس) تعيش صراعاً داخلياً ما بين قيادتي الخارج وغزة، وبالتالي، فهي تحاول الالتفاف على هذه الأزمات المتراكمة التي تعمقت أكثر خلال العدوان «الإسرائيلي» الأخير على القطاع، واتهامها بالتقاعس عن المشاركة الميدانية في التصدي للعدوان، في مقابل تمكن حركة الجهاد الإسلامي، ومعها بعض فصائل المقاومة، من أخذ زمام المبادرة وإطلاق وابل من الصواريخ التي شلت الحياة في مدن بعيدة عن غزة مثل أسدود وبئر السبع.

وعليه، وتحت وطأة هذا الواقع الذي تتحايل عليه أطراف الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية من خلال محاولتها خلق واقع افتراضي آخر يمكن من الحديث عن كفاحها وجهادها للتوصل إلى إنهاء الانقسام، وإعادة بناء منظمة التحرير، والتصدي للاحتلال والاستيطان، وفتح الآفاق أمام إنجاز حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، يبدو جلياً أن عملية تحصين وتفعيل العامل الذاتي الفلسطيني باتت ترتبط ارتباطاً جدلياً وثيقاً بالحالة العربية والإقليمية والدولية، وأن لا مجال بعد اليوم لإعادة تسويق الوهم المتعلق بانفصال ما يسمى الصراع الفلسطيني - «الإسرائيلي» عن الجوهر الحقيقي للصراع العربي - الصهيوني الذي يمر، راهنا، بمرحلة جزر عميق على وقع عملية التحول الكبرى التي يمر بها النظام العالمي عبر بواباته الإقليمية الطرفية.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 18 / 2177847

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177847 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40