الجمعة 13 نيسان (أبريل) 2012

من يكسب مصر : أميركا أم الثورة؟

الجمعة 13 نيسان (أبريل) 2012 par د. سمير كرم

الوضع في مصر بالغ الخطورة. هذا تقدير يتكون في أذهان الجميع من أبسط مواطن ممن نطلق عليهم «رجل الشارع»، الى الخبير الأكثر تخصصاً في الدراسة للشؤون السياسية المصرية ممن يعلمون في الجامعات والكليات المتخصصة وممن يحترفون التحليل والتعليق السياسي في الإعلام بأنواعه وأساليبه المختلفة.

إن الوضع في مصر إما بالغ الخطورة لأنه بالغ التعقيد والغموض، او هو بالغ التعقيد والغموض لأنه بالغ الخطورة. في الحالتين تبدو الجماهير مرتبكة في لحظة فارقة. يبدو عند هذه اللحظة ان الثورة - ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 - اما تقترب من هدفها الرئيس وهو إسقاط النظام او تقترب من مرحلة تفجر ثانية بوجه القوى التي أعادتها تحت سيطرة هذا النظام القديم.

والوضع في مصر بالغ الخطورة لاعتبارات داخلية وبالدرجة نفسها لاعتبارات خارجية.

الاعتبارات الداخلية تتعلق بالدستور الذي تواجهه مشكلات معقدة ودقيقة وتتعلق بانتخابات الرئاسة التي يفترض ان تكون اول انتخابات ديموقراطية بالفعل لأول مرة منذ 70 عاماً أو ربما تسعين عاماً. تتعلق بدور المجلس الاعلى للقوات المسلحة، ينتهي او لا ينتهي ..ينتهي بالفعل وفي الحقيقة، مع نهاية الفترة الانتقالية في آخر شهر حزيران/ يونيو القادم، او ينتهي من حيث الشكل بصرف النظر عن المضمون، فيبقى في الخلف مراقباً ومتدخلا في القرارات الكبرى الداخلية والخارجية.

اما بالنسبة للاعتبارات الخارجية فإن اولها وأهمها العلاقات مع الولايات المتحدة وما يتبعها ويتأسس عليها من علاقات مصر مع «إسرائيل». والامر الواضح ان اميركا تبدو معنية لأقصى الدرجات بأن تبقي على نفوذها في مصر، وعلى مصر، عند المستوى الذي كان طوال الفترة منذ توقيع معاهدة واتفاقات كامب ديفيد في العام 1979. هذا اذا لم تكن تريد اميركا درجة اعلى من هذا النفوذ على حكومة تتألف من حزب «الإخوان المسلمين» الذي يحمل اسم «حزب الحرية والعدالة». لقد سعت الولايات المتحدة منذ تنحي رئيس النظام القديم عن الرئاسة الى تجديد علاقاتها وتقويتها مع «الإخوان المسلمين» في مصر، خاصة بعد ان حدث ما حدث في ليبيا وفي سوريا وقبل ذلك في تونس. وما حدث قد أكد ان التغييرات التي تحدث في الوطن العربي لها قوة محركة اساسية هي جماعة «الإخوان المسلمين» وحلفاؤها في التيار السياسي الديني. ولقد استطاعت الولايات المتحدة - وسط كل تعقيدات الشأن المصري - ان تحصل في القاهرة، وبالأخص في اجتماعات جرت في واشنطن خلال الاشهر والأسابيع الماضية على ضمانات من قيادات «الإخوان المسلمين» في حزب «الحرية والعدالة» تزيل اية مخاوف يمكن ان تساور الادارة الاميركية من سعي الجماعة وحزبها السياسي للصعود كأكبر قوة سياسية في مصر. وما نشرته صحيفة «واشنطن بوست» في هذا الصدد في اوائل الشهر الحالي، يفيد ان وفد حزب الجماعة في اجتماعه مع مسؤولين في البيت الابيض اكد ان الجماعة بعد تجربة الفوز في انتخابات مجلس الشعب المصري تنحو نحو اتجاه معتدل وتعمل من اجل مصلحة كل المصريين. وهذه المصلحة تتطلب علاقات قوية مع الولايات المتحدة وسلاماً مستتباً مع «إسرائيل». بل ان الوفد الإخواني الى واشنطن اكد هناك ان ترشيح خيرت الشاطر، نائب رئيس الجماعة، لمنصب رئيس الجمهورية «هو قرار تم اتخاذه بناء على رغبة في دعم المشروع الديموقراطي للثورة».

وقد أدلى زعماء وفد «الجماعة» اثناء وجودهم في العاصمة الاميركية بتصريحات لصحيفتي «واشنطن بوست» و«واشنطن تايمز» اكدوا فيها أن لا نية لدى الجماعة لإجراء اي استفتاء على الالتزام المصري بمعاهدة «كامب ديفيد». وقد جاءت هذه التصريحات في اعقاب تصريح ادلى به غاري آكرمان، عضو لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الاميركي: «اذا لم تحترم مصر الاتفاقيات التي تمت في ظل الحكومات السابقة فلن تستحق دعمنا». ولكن آكرمان وصف ترشيح الشاطر لرئاسة الجمهورية في مصر «قد يكون تطوراً إيجابياً بالنظر الى البدائل». وكان طبيعياً بعد هذا ان تصف مجلة «نيوزويك» الاميركية سياسة «الإخوان المسلمين» بأنها «تسعى الى كسب رضى واشنطن، بعد ان كان الاسلاميون يحرمون من دخول اميركا وكانت واشنطن تتجنبهم وترفض انتصاراتهم الانتخابية. ولكن الزمن يتغير».

وعلى الرغم من ان البيت الابيض حرص قبل سفر وفد الاخوان المسلمين من واشنطن على ان يؤكد ان المسؤولين فيه الذين التقوا بوفد «الإخوان» كانوا من مستوى متوسط وأقل، إلا أن ما قدمه وفد «الجماعة» اليهم من ضمانات بشأن العلاقات مع اميركا و«إسرائيل» بقيت دلالاتها بالنسبة للادارة الاميركية. وقال الخبراء الاميركيون بشؤون «الشرق الأوسط» ان «الإخوان» تعهدوا بالحفاظ على المصالح الاميركية و«الإسرائيلية».

في الوقت نفسه واصلت الولايات المتحدة إيفاد مسؤولين عسكريين وسياسيين الى القاهرة للاجتماع بالمشير حسين طنطاوي وبالمجلس الاعلى للقوات المسلحة. ويمكن ان نلاحظ ان المشير استقبل وفداً اميركياً من اعضاء الكونغرس، كما استقبل وفداً اميركياً آخر من المسؤولين في الادارة الاميركية من دون المستوى الذي يفترض ان يقابلهم، وهو الذي يقوم بمسؤوليات رئيس الجمهورية منذ تنحي مبارك. واذا كان هذا يؤكد شيئاً، فهو يؤكد اهتماما من الجانب المصري بانتهاز كل فرصة لاستقبال وفد اميركي لتأكيد التزام مصر بالعلاقات مع اميركا والعلاقات مع «إسرائيل». ومن جانبها، فإن الولايات المتحدة تتصرف بطريقة من يضع في حسابه الاحتمال، بأن المجلس الاعلى للقوات المسلحة قد يبقى في اعلى هرم السلطة حتى بعد انتهاء الفترة الانتقالية، وبعد تسليم السلطة الى رئيس منتخب للجمهورية. وعند هذا الحد فإنه لا يمكن التوصل الى استنتاج بأن الادارة الاميركية تعرف ما لا يعرفه الرأي العام المصري بشأن نيات المجلس الاعلى لما بعد الفترة الانتقالية. او انها تلقت معلومة أكيدة عن امر لا يزال محل تخمين من المصريين بكافة مستوياتهم.

غير ان الامر الذي يمكن أخذه مأخذ اليقين هو ان الولايات المتحدة تريد ان تصعد نفوذها في مصر الى اقصى درجاته، سواء في الوقت الحاضر الذي يتسم بالضبابية وعدم الوضوح، او بالنسبة للمستقبل بعد انتهاء الفترة الانتقالية. ولكن هذا لا يعني ان الوضع السياسي في مصر قد يكون اشد وضوحاً للجانب الاميركي مما هو للقوى السياسية في مصر وللرأي العام المصري. والواضح ان الولايات المتحدة تقدر بدقة عدم قدرتها على التأثير في احداث مصر بصورة تتجاوز حدود علاقاتها بالقوة السياسية الجديدة المتمثلة في جماعة «الإخوان المسلمين» او في القوة السياسية الاعلى المتمثلة في المجلس الاعلى للقوات المسلحة. وليس خافياً ان الولايات المتحدة لا تراهن على قوة جماعة الإخوان المسلمين وحزبها السياسي الحرية والعدالة باعتبارها القوة التي يمكن، بعد ان فازت بأغلبية مقاعد مجلس الشعب، ان تشكل الحكومة او حتى تنتهي اليها مهمة كتابة الدستور. ان الولايات المتحدة لم تهجر نهائياً بسبب علاقاتها بالاخوان المسلمين الرهان على القوى السياسية المصرية التي لا تزال الجماهير الشعبية تحسبها على انها فلول النظام القديم. فالولايات المتحدة تتابع باهتمام ترشح اللواء عمر سليمان الذي عينه حسني مبارك نائباً له قبل ايام معدودة من تخليه عن الرئاسة، والذي شغل لنحو 18 عاماً منصب رئيس المخابرات العامة المصرية. وهو وجه عرفته الولايات المتحدة عن قرب طوال تلك السنوات، ذلك ان التنسيق بين المخابرات الاميركية والمخابرات المصرية كان في اعلى ادواره طوال سنوات رئاسة سليمان للجهاز المصري. وتحت رئاسة سليمان لعبت المخابرات المصرية اهم ادوارها «الاميركية» وهو دورها في حرب أفغانستان الاميركية وحرب اميركا العالمية المعلنة ضد الإرهاب الدولي. ويمكننا ان نلاحظ ان مجلة «نيويوركر» اختارت هذا الوقت بالذات لتذكر، ضمن مقال واسع، ان سليمان ليس اسماً جديداً بالنسبة لأي شخص يتابع السياسة الاميركية الخاصة بعمليات الترحيل السري للمشتبه بهم في العمليات الارهابية. وما تقصده المجلة الاميركية هو الجانب التنفيذي من اتفاق بين واشنطن والقاهرة في زمن مبارك يقضي بترحيل المشتبه فيهم الى مصر، لإجراء ما يلزم لإجبارهم على الاعتراف - بما في ذلك «عمليات التعذيب الوحشية» طبقاً لقول «نيويوركر»- وتكون واشنطن بذلك قد اعفت نفسها من الجانب الحرج في عمليات التحقيق، وتركت لحليفها الحكومة المصرية مسؤولية هذا الجانب الذي تستطيع اجهزة الحكم المصرية ان تحتفظ بسريته.

واشنطن تعرف بدقة ربما اكثر مما يعرف المصريون من هو عمر سليمان، انما يبقى من الصعب على هذين الطرفين الحكم بما اذا كانت انتخابات الرئاسة المصرية يمكن ان تسفر عن فوزه بالمنصب الذي يستطيع منه ان يواصل دوره بالتعاون السري مع اميركا. فالوضع في مصر معقد وغامض لأقصى الحدود، حتى بالنسبة للمسؤولين الاميركيين وليس فقط بالنسبة للناخبين المصريين. وتعتبر اميركا نفسها رابحة في كلا الحالتين. اذا فاز مرشح «الإخوان المسلمين» بمقعد الرئاسة المصرية او فاز به عمر سليمان نائب مبارك.

ولا يختلف الحال كثيراً اذا فاز عمرو موسى وزير الخارجية الأسبق لفترة امتدت لأكثر من عشر سنوات من حكم مبارك، والذي كوفئ على «دوره» في إكساب سياسة مبارك الخارجية شعبية بترشيحه بلا منافس أميناً عاماً للجامعة العربية. وهو منصب يعلو مرتبه السنوي كثيراً عن مرتب رئيس مصر (...).

والامر المؤكد على كل الاحوال ان اميركا من خلال اجهزتها المتعددة والمشهود لها بالكفاءة تتابع الوضع الراهن في مصر بمنتهى الدقة وبأقصى درجة من الشمول. فكل المرشحين لرئاسة مصر موضوعون تحت المجهر الاميركي. وتعرف اميركا ان الحالة المزاجية للجماهير المصرية لا تكاد تطيق النفوذ الاميركي على مصر، وبالتالي فإنها تنفر من هذا النفوذ وتعتبر انه سبيل «إسرائيل» الى اخراج مصر من دورها العربي، والسبيل الأقوى لإبقاء مصر في اطار السياسة الخارجية التي انتهجها النظام القديم - وبالأخص منذ وقع انور السادات اتفاقات «كامب ديفيد» - وتكتفي الولايات المتحدة في حدود ما هو ممكن في الوقت الراهن بالاحتمالات البادية لانتخاب رئيس مصري يأتي الى المشهد السياسي ومعه ضمانات الإخوان المسلمين، او رئيس يأتي معه بضمانات النظام القديم. وليس هناك فارق كبير بالنسبة لأميركا ومصالحها بين هذين النوعين من الضمانات.

إن الحرية التي يتمتع بها الاعلام المصري منذ قيام ثورة 25 يناير 2011 تتيح للجماهير الشعبية المصرية ان تعرف حقيقة موقف «الإخوان المسلمين» واقترابهم المريب من الولايات المتحدة، وحقيقة انتماءات مرشح مثل عمر سليمان ومثل عمرو موسى الى النظام الذي أسقطت الثورة رئيسه. ولا يبدو ان هذه الجماهير استطاعت ان تعيد تشكيل موقفها من هذين التيارين اللذين يحملان من الاضرار لمستقبل مصر ما يفوق الوصف.

مع ذلك فإن احتمالات تجدد الثورة ليست مستبعدة أبداً الآن، في وسط المرحلة الانتقالية او حتى بعدها. من هنا سؤالنا: من يكسب مصر أميركا أم الثورة؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 46 / 2165940

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165940 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010