الجمعة 13 نيسان (أبريل) 2012

الأخ الرئيس

الجمعة 13 نيسان (أبريل) 2012 par ممدوح رحمون

فاجأنا التلفاز بانتقالك إلى جوار ربك، رحمات الله عليك. بقدر ما قدمت لأمتك ووطنك كثائر في القتال وقائد في السياسة. ونحن كمؤمنين، لا بد لنا من القول «أنتم السابقون ونحن اللاحقون» بإذن الله.

أيها الأخ القائد، وبعودة بسيطة لعام 1955 عندما التقينا بشكل سري ـ وللمرة الأولى ـ على أرض مطار بيروت، إذ كنت بانتظار قدومك وتحت اسم مستعار، لكن الأخ عبد الحميد المهري الذي كان ممثل جبهة التحرير الجزائرية في سوريا، كلفني بهذه المهمة، عندما لم يتمكن من عبور الحدود اللبنانية. وعاد إلى دمشق.

وكان لي شرف استقبالك مع الأخ رابح بيطاط على درج الطائرة، ودون معرفة سابقة... إلا أن الأخ عبد الحميد زودني بكلمة السر، وهي اسمك الحركي (المزياني مسعود) وعند وصولك ونزولك من الطائرة، تعرفت عليك بالسرعة القصوى، وطلبت منك مرافقتي إلى خارج المطار، وكان لنا ذلك..

وبمؤامرة من شبه المعجزات، تقدمت من ضابط أمن المطار الذي ختم جوازات السفر وتحت تهديد السلاح، فلم تعرفوا دائرة الأمن العام ولا هي عرفتكم وتوجهنا إلى دمشق وكان لمؤازرة السيد عدنان الحكيم رئيس النجادة ـ وبدون معرفة مهمتي ـ أرفقني ببعض المسلحين من مرافقيه الشخصيين، وتمكنا بشكل لا يعرفه إلا المناضلون من إيصالهم إلى الحدود السورية، إذ كان من المقرر اعتقالهم بأمر من الرئيس شمعون وتسليمهم لفرنسا. وقد تمكنا آنذاك من إفشال هذا المخطط بينما رجال المخابرات يحدقون بالركاب النازلين للتعرف عليه.. بينما كنا قد غادرنا المطار.

ولم أكن أدري من كان بانتظاره في دمشق، إلا أنني عرفت ذلك عام 1998، وكنا بدعوة من جريدة «الأهرام» رعتها هدى جمال عبد الناصر. عندما طلب مني تأمين موعد للقاء السيد عبد الحميد السراج، فاجتمعنا نحن الثلاثة، عندها عرفت منهما أن الرئيس أحمد توجه لبغداد مباشرة لطلب السلاح من العراقيين، إلا أن نوري السعيد اعتذر عن ذلك، وبضغط من بعض العشائر أعطاه ثلاثماية بندقية. وبرصاص مختلف فدمعت عيناه وقال «أبهذا السلاح سنقاتل فرنسا؟».

وبعودته إلى دمشق، قابل السراج، الذي فتح له مستودعات الجيش، وزوده بكميات وفيرة من السلاح الفرنسي الذي تم الاستغناء عنه، عقب توقيع اتفاقية بين سوريا لتوريد السلاح لسوريا، وتمكنت الباخرة الناقلة للجزائر، وكان في بعض الدور فيها، وانقلبت بذلك موازين القوى بين الثوار الجزائريين وفرنسا. وقد تبعتها وجبات عديدة، عقب قيام الجمهورية العربية المتحدة وبتعليمات مباشرة من الرئيس عبد الناصر.

وفي المؤتمر العام للاتحاد القومي العربي في الرباط، أعلن رئيس المؤتمر السيد عبد الحميد المهري أن الرئيس أحمد بن بله وصل للمشاركة بهذا المؤتمر، فضجت القاعة بالتصفيق وانتقل المؤتمرون لاستقباله في الخارج. وقد تذاكرنا فيها بيننا نحن أفراد الوفد السوري للمشاركة غير أني اعتذرت وقلت لهم سيدخل وننتظر دورنا للسلام عليه. وامتثل الجميع ولكن بتحفظ.

ولما وصل إلينا تقدمت منه وعرفته باسمي فأجاب (تشرفنا) وما هي إلا لحظات حتى قال أليس أنت ذلك الشاب الذي استقبلني في مطار بيروت. فقلت له نعم وأنا الشبح الذي استقبلك وتضاحكنا واندفع إخواني للسلام عليه. لكنه وللحق فقد عانقني طويلاً واختلطت دموعي بدموعه وأصر على أن تكون لنا صورة منفردة وكان له ذلك وسط دهشة إخواننا السوريين الدكتور منير الحمش وميشيل كيلو وغيرهم.

وتتالت الأيام، وتتالت اللقاءات في المناسبات القومية، إلى أن وصل إلى بيروت في أحدها وأقيم له عشاء في فندق «كورال بيتش» وكان على الطاولة الرئيسية الرئيسان سليم الحص والحسيني. وأشاد الخطباء بمواقفه، وقام للرد عليهم، وذكر أن آخر زيارة لبيروت كانت عام 1955 وبشكل سري، ولما وقع بصره عليّ، وكنت على الطاولة الثانية، أنهى خطابه وقام الجميع لتحيته. فتجاوزهم وعانقني فما كان من الرئيس الحص إلا أن سأله، من أين تعرفان بعضكما فأجابه (السي ممدوح كان اللول ـ أي الأول).

وفي العام 1965 ذهبت للجزائر على رأس الوفود التأمينية، وطلبت مقابلته، فكان الانقلاب عليه، أسرع مني.. وقد تركت هذه الحادثة أثراً في نفس الرئيس هواري بومدين، عندما استقبل رؤساء الوفود المشاركة بمؤتمر التأمين. وتوجه إليّ بالقول: لقد مضى عليك خمس سنوات في الوظيفة فماذا قدمت للعمل الاقتصادي الوحدوي حتى الآن. فكان جوابي يا سيادة الرئيس، وهنا انتفض وقال أنا اسمي هواري ودون هذه الألقاب الفارغة، فأجبته يا أخ هواري. كيف لي أن أوجد التأمين في الوطن العربي، وأنا لا أستطيع أن أدخل بلداً عربياً إلا بعد صراع طويل كالذي حدث عندكم في الجزائر. فقال «تجاوزوهم» فأجبته كيف لي أن أتجاوز رجلاً مكلفاً بأمن المطار ويحمل مسدساً؟ وهنا ضحك وقال ـ الله غالب ـ.

ولما قارعته الحجة بالحجة. قلب الموضوع وتكلم بالسياسة وأنحى بلائمة على الرئيس الأسد ثم أضاف وبحدة على الرئيس عبد الناصر بقوله «لو مات عبد الناصر. هل سيغير مجرى النيل» فقلت له طبعاً يا أخ هواري سيتغير مجرى النيل، إذ يبدو أنك غير ملم بما قاله بن غوريون علينا أن نكون أصدقاء مع الحبشة وتركيا، حتى نحرم العرب من مياه الشفة، وهنا اسقط في يده فشربنا الشاي وقام لوداعنا للباب الخارجي للقصر. وشدّ على يدي قائلاً: يا أخ ممدوح سنبقى وحدويين.... فأجبته نرجو الله..

وفي جلسة هادئة مع الرئيس أحمد. ذكرت له هذه الحادثة، لأصل لدور الخيانة الذي كافأه فيها معاونوه، وألقوه في السجن المركزي، وكانت معاملة إخوة السلاح له أشرس من الفرنسيين.

فقال: يا سي ممدوح إن هواري بومدين ابن عالم جليل، وتجاوز حديثي بكبرياء وترفع، فسألته ثانية فقال في السياسة «لكل وجهة نظر» ولم يزد حرفاً واحداً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2166050

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166050 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 30


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010