الثلاثاء 17 نيسان (أبريل) 2012

المقاومة السياسية في الأعوام الأولى

الثلاثاء 17 نيسان (أبريل) 2012

لقد كان واضحاً، منذ البداية تقريباً، أن «الإسرائيليين» قرروا البقاء في الجولان. لم يدّعوا ـ كما فعلو ا في الضفة الغربية وقطاع غزة ـ أنهم سيحتفظون بالقانون المحلي ويدخلون عليه تعديلات بأوامر عسكرية. وعلى الرغم من أن «إسرائيل» لم تزعم قط أنه يوجد «فراغ» في السيادة هناك، فقد ألغى المحتلون القانون السوري برمته على الفور، وأنشأوا حكماً عسكرياً. واستُبدلت العملة السورية بعملة «إسرائيلية». وتم إصدار لوحات معدنية «إسرائيلية» للسيارات (بأرقام خاصة). وصودرت الهويات الشخصية السورية، واستبدلت بهويات عسكرية «إسرائيلية». ولم يجر أي حديث عن مرادف لسياسة «جسر مفتوح» مع سوريا، على الرغم من أن مواطنين عاديين عبروا في فوضى الأشهر الأولى طريق البر إلى سوريا لرؤية أقاربهم، من دون عائق. ولبعض الوقت استمر النشيطون سياسياً في التسلل ليلاً عبر خطوط وقف إطلاق ا لنار، ذهاباً وإياباً. ولم يكتمل الجدار المنيع، المحصّن بحقول الألغام، والذي يفصل الجولان الآن عن باقي سورية، إلا بعد حرب 1973، في سنة 1975 تقريباً. وإشارة أخرى إلى مخططات «إسرائيل» للمدى البعيد. هي أن أول مستوطنة أنشأتها «إسرائيل» في المناطق المحتلة كانت في مرتفعات الجولان، بعد مجرد شهر واحد تقريباً من وقف القتال.

في زمن الاحتلال، عزلت «إسرائيل» رؤساء بلديات قرى الجولان، وحاولت أن تشجع القادة التقليديين المحليين، وأن تعيد إحياء التنافس العشائري المحتضر؛ وقد باءت هذه المحاولات بالفشل. إلا إن السلطات «الإسرائيلية» وجدت شخصيات أقل شأناً، على استعداد لأن تعبّر عن سعادتها بالوجود «الإسرائيلي»، ولأن تلمّع وجه الاحتلال. وفي سنة 1974، حاول «الإسرائيليون» أن ينشئوا مجالس محلية مشابهة للمجالس القائمة في «إسرائيل». وفشلت هذه المحاولة كما فشلت المحاولات الأخرى. وفي النهاية، عينوا شخصاً في كل قرية لإدارة الشؤون المحلية. إن رئيس بلدية مجدل شمس الذي عينته «إسرائيل» ليس حتى من المنطقة.

وحظر «الإسرائيليون» أيضاً، في بداية احتلالهم، البرنامج التعليمي السوري، واستبدلوه بآخر معد خصيصاً ليغرس في الذهن الإحساس بـ«هوية درزية» منفصلة، متميزة من الهوية العربية.

بمرور الوقت، جرى فصل المدرّسين الذين يتمتعون بأي مستوى من الوعي السياسي. وقد تم فصل مئة مدرّس على الأقل لأسباب سياسية منذ بدء الاحتلال، وفُصل أكثر من عشرين مدرّساً دفعة واحدة في أثناء مقاومة الضم سنة 1982. وتم استبدال هؤلاء في معظم الأحيان، بمدرّسين غير مؤهلين، بعضهم لم يكمل حتى المرحلة الثانوية، لكنهم مُنحوا «شهادات تعليم» بعد أن حضروا دورات قصيرة في «إسرائيل». إن افتقار كثيرين من هؤلاء المدرسين للمؤهلات الحقيقية يجعلهم طائعين للسلطات، إذ سيجدون صعوبة في إيجاد وظائف في مكان آخر. وتضمن السلطات استمرار إذعانهم لها بتوظيفهم على أساس عقود سنوية.

منذ البداية، كان هناك مقاومة للاحتلال، ولا سيما من جانب أولئك الذين كانوا نشيطين في حزب البعث والأحزاب الناصرية. وتم تنظيم خلايا كانت مهمتها الأساسية جمع المعلومات عن النشاطات «الإسرائيلية» في الجولان، وتمريرها إلى السوريين. وقد اكتشفت عدة خلايا، وحكم على أعضائها بالسجن لمدد طويلة. كما حدثت اعتقالات، وخصوصاً بين الذين عبّروا عن معارضتهم للحكم «الإسرائيلي».

مع ذلك كان الناس، في أغلب الأحيان، هادئين نسبياً في الأعوام الأولى. لم يحبوا الاحتلال، لكنهم تفادوا قول أي شيء خوفاً من السجن. رفضوا أن يدفعوا الضرائب، وقاطعوا النظام. وقد كان ذلك ممكناً وقتها، لأن الأمور كانت لا تزال تتم بصورة عشوائية نسبياً. ولم يكن نظام التصاريح قد أُنشئ بعد. وكان الناس يبنون البيوت والمباني حيثما يشاؤون. ولاحقاً فقط، أصبحت الإجراءات الاقتصادية أداة رئيسية في يد السلطات المحتلة.

ظهر أول تعبير عن مشاعر الناس في سنة 1970، عندما توفي عبد الناصر وخرج آلاف من الناس ـ عملياً السكان كلهم ـ إلى الشوارع في القرى الأربع، في تعبير عفوي غير منظم عن الحزب والغضب، حتى أن المدنيين هاجموا جندياً. وقد جرت اعتقالات كثيرة، وفُصل بعض المدرّسين من المدارس. وكانت حرب 1973 علامة مميزة مهمة أخرى؛ فحقيقة أن سورية استعادت ـ ولو لفترة قصيرة ـ جزءاً كبيراً من مرتفعات الجولان، كسرت الحاجز النفساني وبعثت الأمل في النفوس. وفي هذه الأثناء، كان قد بدئ بالإفراج عن الأشخاص الذين اعتقلوا في الأعوام الأولى للاحتلال. وكان هؤلاء مسيّسين في الأصل، وجعلتهم «مدارس السجن» أكثر تطرفاً، واكتسبوا أفكاراً من المناضلين الفلسطينيين، وبدأوا يتحدثون عن الوضع، وبدأ الناس يعبّرون صراحة عن رغبتهم في العودة إلى أحضان سوريا. مع ذلك، لم تكن هناك بعد حركة جماهيرية بالمعنى الحقيقي.

[rouge]لماذا بقي دروز الجولان في أرضهم؟[/rouge]

هناك عدة أسباب أدت إلى صمود الدروز. فقراهم، القائمة في موقع استراتيجي على سفوح جبل حرمون، تقع في منطقة ذات تضاريس وعرة، ولم تشهد تقريباً أي قتال في حزيران/ يونيو 1967، وكانوا مغروسين عميقاً في أرضهم، وتميزت علاقاتهم الاجتماعية ـ الاقتصادية بالمساواة؛ إذ وُزعت أراضي القرية بالتساوي بين أعضاء المجتمع قبل 200 عام. كما أن تجربة مجدل شمس، خلال الثورة السورية الكبرى ضد الفرنسيين في 1925 ـ 1927، تشكل عاملاً آخر ذا شأن؛ إذ عندما هجر القرويون بيوتهم خلال القتال، عادوا ليجدوا قريتهم مدمرة بالكامل. وكان هناك أشخاص من الذين عاشوا تلك الأحداث كانوا لا يزالون أحياء في سنة 1967، وفعلوا كل ما في استطاعتهم ليمنعوا الناس من الفرار، وفي بعض الحالات تدخلوا حتى جسدياً. وأصبح ذلك جزءاً من فولكلور قرانا.

لكن بالقدر نفسه ـ على الأقل ـ من أهمية هذه العوامل المحلية، كان موقف القوات المحتلة من المجتمع الدرزي، الذي نال في «إسرائيل» نفسها الرعاية من جانب «الإسرائيليين»، والذي تعاون كثيرون من أفراده مع الدولة. لقد افترض «الإسرائيليون»، على ما يبدو، أن الدروز السوريين كجماعة سيكونون مثل أقربائهم في الجليل. وجاءت النتيجة على عكس ما توقعوا.

[rouge]-[/rouge] [bleu]المصدر : ملحق «فلسطين» | صحيفة «السفير» اللبنانية | أسامة حلبي.[/bleu]


titre documents joints

المقاومة السياسية في الأعوام الأولى | ملحق «فلسطين» | صحيفة «السفير» اللبنانية.

17 نيسان (أبريل) 2012
info document : PDF
233.3 كيلوبايت

أسامة حلبي



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2181845

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2181845 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 14


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40