الثلاثاء 17 نيسان (أبريل) 2012

التهجير والسيطرة على الأرض والمياه

الثلاثاء 17 نيسان (أبريل) 2012

تمهيد

احتلت «إسرائيل» الجولان إبان عدوان حزيران 1967 لتباشر العمل على تحقيق السياسات الاستعمارية للحركة الصهيونية، والتي تمّ التعبير عن فحواها في العديد من الرسائل، ومنها تلك التي أرسلت إلى المجلس الأعلى لمؤتمر السلام المنعقد في باريس في 3 شباط/ فبراير 1919 ووضعت التصورات بشأن «دولة اليهود» في المستقبل، حيث ورد فيها: «... إن جبل الشيخ يعتبر حيوياً لدولتنا المستقبلية، وإن سلخ هذا الجبل عن هذه الدولة من شأنه أن ينزل بها ضربة حقيقية».

مهّد المحتل لضم الجولان باستخدام آليات الحكم العسكري بأن أوكلت السلطة اليومية لقادة عسكريين، أسندت إليهم مهمات «التشريع» عبر إصدار الأوامر العسكرية. وقد تمخض عن مئات الأوامر العسكرية التي أصدرها القادة العسكريون في الجولان تثبيت الوضع الناجم عن الاحتلال والمتمثل باقتلاع الغالبية العظمى من السوريين - السكان الأصليين - من أراضيهم وبيوتهم، والقيام بعملية تهديم واسعة وشاملة للمدن والقرى والبلدات التي كانوا يقطنونها، وطمس معالم الحضارة العربية لهذا الإقليم. كما استغل القادة العسكريون صلاحياتهم بأن أصدروا الأوامر العسكرية الكفيلة بتمكين دولة الاحتلال من الاستيلاء على الأرض ومصادر المياه.

[rouge]الضم بالقانون[/rouge]

عملت سلطة الاحتلال خلال تلك الحقبة على تنفيذ سياسة الضمّ بالأمر الواقع، فشيّدت المستوطنات، واستقدمت المستوطنين اليهود الذين تمّ توطينهم فيها، وخصصت معظم ثروات الجولان لمصلحتهم، فضلاً عن استغلالها لدعم اقتصاد دولة الاحتلال.

استمرت الإدارة العسكرية القائمة في الجولان حتى 14/12/1981 وهو تاريخ إصدار «الكنيست» «الإسرائيلي» قانون ضم الجولان (قانون تطبيق القوانين «الإسرائيلية» على هضبة الجولان لعام 1981)، أي الضم بحكم القانون. دانت منظمة الأمم المتحدة قانون الضمّ بصفته مخالفاً لمبادئ القانون الدولي، وطالبت «إسرائيل» بإلغائه واحترام أحكام القانون الدولي التي تنظم حالات الاحتلال الحربي والالتزام بتطبيقها على الجولان والأراضي العربية التي احتلت عام 1967، كما طالبت المجتمع الدولي برفض الاعتراف به أو التعامل معه.

يُذكر أن منظمة الأمم المتحدة أصدرت الكثير من القرارات الدولية الداعية إلى إنهاء الاحتلال وانسحاب «إسرائيل» من الأراضي العربية المحتلة، ومنها الجولان. ولم تستجب «إسرائيل» لتلك القرارات على الرغم من تأكيدها على عدم مشروعية الاحتلال لأنه ينتهك ميثاق الأمم المتحدة، ويشكل خطراً على الأمن والسلم الدوليين، وها قد مضى على الاحتلال نحو 45 عاماً.

[rouge]اقتلاع السكان الأصليين وتشتيت الأسر السورية [/rouge]

بلغ عدد سكان الجولان عام 1966 نحو 147613 نسمة من قوميات مختلفة. شكل العرب نحو 80% منهم، وتوزع الباقون على جذور مختلفة (الشركس، داغستان، الشيشان)، علاوة على نحو 3000 نسمة من التركمان، ومئات من الأرمن.

قبل الاحتلال كان الوضع السكاني والعمراني في القسم المحتل من الجولان مغايراً لما هو عليه اليوم، حيث كانت المنطقة عامرة بالسكان ويقطنها نحو 138 ألف مواطن سوري موزعين على 312 مركزاً سكانياً من بلدات وقرى، إضافة لمدينتين هما القنيطرة الواقعة في وسط الجولان، فيق الواقعة جنوب الجولان. وقد أجبرت قوات الاحتلال 131 ألف نسمة على النزوح إلى سورية، وبقي نحو 7 آلاف نسمة موزعين على ست قرى تقع في أقصى شمال الجولان بمحاذاة الحدود السورية اللبنانية، وهي: مجدل شمس، مسعدة، بقعاثا، عين قنية، الغجر، سحيتا (تم تحويل قرية سحيتا إلى موقع عسكري «إسرائيلي» بعد ترحيل سكانها إلى قرية مسعدة المجاورة وتهديمها بالكامل خلال عامي 1971 و1972). وفي موازة ذلك، نفذت قوات الاحتلال حملة واسعة لمسح معالم باقي القرى والمدن من الوجود، فقامت بتهديمها، وبنت المستوطنات على أنقاضها. ففي 18/6/1967 صدر الأمر العسكري (رقم 1) بشأن المساحات المغلقة ليعلن الجولان بأكمله منطقة مغلقة، حيث حظر على الأشخاص أياً كانت هويتهم الدخول إليه أو الخروج منه. وجاء هذا البلاغ ليعزز الوضع الذي ساد الجولان بعد انتهاء قوات الاحتلال «الإسرائيلي» من إفراغ المنطقة من السكان السوريين (السكان الأصليين)، للحيلولة دون عودة الذين نزحوا قسراً جراء العمليات الحربية أو إرغامهم على مغادرة الجولان.

ثم أصدر القائد العسكري «الإسرائيلي» بعد ذلك الأمر العسكري (رقم 13) وذلك في 4/7/1967 الذي قضى بإعلان المساكن التابعة لسكان مدينة القنيطرة التي أضحت خالية تماماً مساحات عسكرية مغلقة، لا يسمح بدخول السكان إليها أو خروجهم منها، إلا بموجب رخصة خطية يصدرها بنفسه. ولضمان فاعلية سياسة التهجير، أصدر في 17/9/1967 الأمر العسكري (رقم 57) المتعلق بمنع التسلل، ليحول بذلك دون عودة السكان المدنيين إلى أماكن سكناهم عبر التسلل إليها من داخل سورية، أو من لبنان، أو من الأردن، حيث فُرضت عقوبات في منتهى القسوة على كل من يحاول العودة إلى داره.

ومن أخطر ما ترتب على ممارسات سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» في الجولان هو اقتلاع الغالبية العظمى من سكانه السوريين على نحو مخالف لأحكام المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تحظر النقل القسري الجماعي والفردي للأشخاص المحميين، أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال أو إلى أراضي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، أياً كانت دواعيه، الأمر الذي يدخل ضمن نطاق الانتهاكات الجسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة (المادة 147). ولم تكتف سلطات الاحتلال بإفراغ الجولان من غالبية سكانه السوريين، بل تعمدت قطع أشكال الاتصال والتواصل بين الأسر التي شتت، منتهكة بذلك أحكام المادة 26 من الاتفاقية الرابعة التي تنصّ على تجديد الاتصال بين أفراد الأسر المشتتة، وجمع شملهم.

[rouge]الاستيلاء على الأرض باعتبارها «متروكة» [/rouge]

تزامن إعلان سلطات الاحتلال الجولان المحتل منطقة مغلقة بإصدار الأمر العسكري رقم 20 الذي اعتبر الممتلكات الخاصة المنقولة وغير المنقولة (العقارات، النقود، الأوراق المالية) بموجبه «أموالاً متروكةً». وتم تعيين شخصية معنوية أوكلت إليها المسؤولية عن هذه الأموال وصلاحية التصرف بها وتأجيرها بعقود، وشراء الأموال المنقولة وبيعها. واستغل المسؤول عن «الأموال المتروكة»، أي التي تعود ملكيتها إلى الحكومة السورية، والمواطنين السوريين الذين هُجّروا قسراً من الجولان، الصلاحيات الموكلة إليه لوضع جميع الأراضي تحت السيطرة المطلقة لسلطات الاحتلال والمستوطنين الذين أجيز لهم استملاكها والتصرف بها.

حرصت «إسرائيل» كدولة احتلال على إظهار إجراءاتها وكأنها تتماشى مع القانون الدولي الإنساني عبر إصدار الأوامر العسكرية، لكنها لم تلقَ التأييد لأنها تخالف المبادئ والأسس التي يقوم عليها القانون الدولي المعاصر بشأن حظر احتلال أراضي الغير بالقوة وتهجير سكانها الأصليين واستيطانها وضمها. فطبقا للبند الأول من المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، يحظر النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين أو نفيهم من الأراضي المحتلة إلى أراضي دولة الاحتلال، أو إلى أراضي أي دولة أخرى، محتلة أو غير محتلة، باستثناء الإخلاء الكلي أو الجزئي، إذا اقتضى ذلك أمن السكان أو لأسباب عسكرية قهرية، على أن يقتصر الإخلاء ضمن الأراضي المحتلة، شريطة إعادة هؤلاء السكان الذين جرى إخلاؤهم نتيجة لهذه الأسباب إلى أماكن سكناهم بمجرد توقف العمليات العدائية (الحربية).

[rouge]الاستيلاء على الأرض بإعلانها «أملاكاً حكومية» [/rouge]

تعمدت سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» إساءة تفسير أحكام القانون الدولي الإنساني التي تجيز للمحتل إدارة الأملاك والأراضي الحكومية، والانتفاع بها، فوظفتها في خدمة مشروعها الذي يهدف إلى إبقاء سيطرتها على المنطقة وتهويدها واستيطانها. ففي 20 تموز/ يوليو 1967 أصدر القائد العسكري لقوات الاحتلال في الجولان الأمر العسكري رقم 21 بشأن الأموال الحكومية ليضع بذلك الأموال المنقولة وغير المنقولة، والتي تعود ملكيتها إلى الدولة السورية تحت تصرف شخصية اعتبارية خاضعة لهذه السلطات، وأوكل إليها المسؤولية عن إدارتها، والتصرف بها واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لذلك .

أرست هذه السياسات الأسس الكفيلة بتوزيع الأراضي والممتلكات التي تعود ملكيتها إلى الحكومة السورية والسكان السوريين على المستوطنين اليهود الذين كانت «إسرائيل» قد باشرت في استقدامهم وتوطينهم في الجولان المحتل، فسيطرت على مقدرات هذه المنطقة كلها من أرض ومياه وغابات، وتصرفت بها، خلافاً لأحكام القانون الإنساني الدولي.

[rouge]السيطرة على مصادر المياه [/rouge]

بعيد الاحتلال بوقت قصير، شرعت سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» اتخاذ مجموعة من الإجراءات للسيطرة على المصادر والموارد المائية منتهكة بذلك القواعد الدولية المنصوص عليها في اتفاقيات لاهاي الخاصة بقواعد الحرب البرية لسنة 1907 والمتعلقة بالتزام دولة الاحتلال احترام الملكية الخاصة وعدم مصادرتها، وتلك التي تحظر على سلطة الاحتلال استخدام المؤسسات والمباني العامة والغابات والأراضي الزراعية ومصادر المياه التي تعود ملكيتها إلى الدولة المعادية وإدارتها إلا وفقاً لقواعد الانتفاع (المادة 55 من الاتفاقية).

تجيز أحكام لاهاي لقوة الاحتلال التدخل في الحياة الاقتصادية في الإقليم المحتل كمصادرة الممتلكات الخاصة، أو الاستيلاء على الممتلكات المنقولة العامة، أو استعمال الممتلكات غير المنقولة التابعة للدولة صاحبة السيادة الشرعية على الإقليم المحتل على أن يقتصر ذلك على الحالات التالية:

[rouge]–[/rouge] الإيفاء باحتياجاتها العسكرية ومستلزماتها الأمنية (متطلبات العمليات والتحركات العسكرية لقوات الاحتلال داخل نطاق الإقليم المحتل).

[rouge]–[/rouge] تغطية النفقات الناجمة عن الاحتلال الحربي.

[rouge]–[/rouge] حماية السكان المدنيين في الإقليم المحتل وتوفير مصالحهم ورفاهيتهم.

لكن المحتل انتهك هذه الأحكام على نحو خطير، فاستغل القائد العسكري الصلاحيات الموكلة إليه فأصدر في 24/3/1968 الأمر العسكري رقم 120، الذي نصّ على تعيين مسؤول له جميع الصلاحيات المتعلقة بأعمال المياه، لضمان السيطرة على مصادر المياه الموجودة في الجولان، وجاء في الأمر ما يلي: «... لا يجوز لأي شخص أن يقوم ولا أن يتسبب في القيام بأعمال المياه، أو بأي منها، إلا بموجب ترخيص جدي صادر عن المسؤول ووفقا لشروط الترخيص». وقد مكّن هذا الأمر المحتل من السيطرة على مصادر المياه، فيما حرم السكان العرب السوريين من الوصول إليها واستخدامها للأغراض الزراعية، الأمر الذي ساهم في تقويض القاعدة الزراعية للسكان، والتي كانت تشكل المصدر الأساسي لدخلهم، لتصبح الزراعة مصدراً ثانوياً ومكملاً. وفي الوقت الذي توافرت فيه للمستوطنين كميات غير محدودة من المياه بأسعار رمزية، شرعت سلطات الاحتلال مؤخراً بمد المزارعين العرب في الجولان بكميات قليلة من المياه المخصصة لأغراض الزراعة (الري)، لكن بأسعار مضاعفة، علماً أن الكمية المخصصة للمزارع العربي السوري لا تتجاوز 10% من تلك المخصصة للمستوطن اليهودي الذي يمارس الزراعة.

[rouge]-[/rouge] [bleu]المصدر : ملحق «فلسطين» | صحيفة «السفير» اللبنانية | نزار أيوب.[/bleu]

[rouge]*[/rouge] [bleu]دكتوراه في القانون الدولي، يعمل في مؤسسة المرصد لحقوق الإنسان.[/bleu]


titre documents joints

التهجير والسيطرة على الأرض والمياه | ملحق «فلسطين» | صحيفة «السفير» اللبنانية.

17 نيسان (أبريل) 2012
info document : PDF
149.6 كيلوبايت

نزار أيوب



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 14 / 2165630

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165630 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010