الأربعاء 25 نيسان (أبريل) 2012

وصية الأب ورسالة عبَّاس

الأربعاء 25 نيسان (أبريل) 2012 par أمجد عرار

ثمة فرضية يحاول بعض الفضوليين الالتفات إليها تتعلّق بالخلفية الأسرية للقادة السياسيين ومدى تأثيرها على توجّهاتهم الأيديولوجية وقراراتهم السياسية التي تستمد أهميتها من قوة مواقعهم، وتواجدهم في دوائر القرار. ففي استعراض لخلفية بنيامين نتنياهو، رجّح رئيس تحرير وكالة «معا» الفلسطينية تأثّر نتنياهو بخلفيته الأسرية. ولدعم فرضيته استشهد بارتباط أقارب نتنياهو بالمشروع الصهيوني، وأن والده البروفسور بن تسيون نتنياهو وهو عجوز يحتضر عمره 105 سنوات طلب من نتنياهو أن يقسم بأنه لن ينسحب من الضفة الغربية، وأن الابن لبّى طلب الأب وأقسم . وسبق لوالد نتنياهو أن أعلن عام 2009 أن خطاب ابنه في جامعة بار إيلان في ذلك العام بقبول قيام الدولة الفلسطينية هو مجرد كلام، وأن الأهم منه الشروط التي لا يمكن للفلسطينيين أن يقبلوا بها. وهذا يعيد للأذهان قول ليئا رابين أن زوجها رئيس الحكومة الذي اغتيل برصاص «إسرائيلي» أشد منه تطرفاً، لم يكن مستعداً للانسحاب سوى من 51% من أراضي الضفة الغربية.

من المؤكد أن الخلفية التربوية هي البيئة الأولى التي تنشأ فيها شخصية الإنسان، وهي التي تؤسس مقومات الاختيار والتوجه السياسي والاجتماعي والاقتصادي وسواها من ملامح الشخصية، لكن ليس مؤكداً أن السياسي يعود لأسرته وأي وسط خارج المؤسسة السياسية من أجل اتخاذ قراراته، مع العلم أن القرارات ذات الطبيعة المصيرية لا يتخّذها شخص واحد إلا في أنظمة دكتاتورية.

يجدر التذكير أن سياسة نتنياهو ومواقفه منسجمة تماماً مع سياسات ومواقف حزبه «الليكود» وهي مواقف تم وضعها عندما كان نتنياهو يتلمّس خطواته الأولى وسط أسرة قدمت من أوروبا الشرقية واستوطنت فلسطين. إنه بهذا المعنى ابن منظومة أيديولوجية أولاً، وابن مؤسسة حزبية اختارها التجمّع الاستيطاني الصهيوني للحكم وفق برنامج سياسي واضح، ثانياً. وبهذا المعنى لم يخطئ نتنياهو ولم يكذب حين رد على سؤال بشأن «وصية والده» بالقول إن السياسة ليست مسألة شخصية. لذلك من الأصح القول إن نتنياهو ليس بحاجة إلى وصيّة من والده لكي يلتزم المواقف التي عبّر عنها في فترة رئاسته الأولى للحكومة «الإسرائيلية» ويواصلها الآن، علاوة على تضمينها في أكثر من كتاب وعشرات المحاضرات.

وفقاً للدبلوماسية الفلسطينية، فإن نتنياهو مطالب بالرد خلال أيام على رسالة رئيس السلطة محمود عباس التي يطالبه فيها بموقف واضح من استئناف المفاوضات على أساس حل «الدولتين».

إذا كان المقصود استعراض الخلفية الأسرية لنتنياهو هو استكشاف طبيعة الرد المنتظر، فإن البوصلة ستتجه في الاتجاه الذي ذهب إليه رئيس تحرير «معا» لكن ليس بسبب تلك الخلفية، بل لأنها تتقاطع مع المنظومة السياسية والفكرية لحركة صهيونية أنشأت لها الامبريالية العالمية كياناً اعترفت به منظمة الأمم المتحدة كـ «دولة»، في حين تقوم قائمة الدول نفسها ولا تقعد إذا طلب الفلسطينيون العضوية في دائرة مرور أو مكتب زراعة يتبع المنظمة الدولية.

قبل رد نتنياهو وخلال انتظاره وبعد وروده، لم ولا ولن يتغيّر شيء في المشهد الصراعي. «إسرائيل» هي ذاتها ابنة بريطانيا وابنة حركتها، رافضة لأي تسوية تتناقض مع مشروعها الأساسي القائم على مشروع دولة «من الفرات إلى النيل»، وإن كانت تقبل مبدأ المفاوضات مع الجانب الفلسطيني من حيث المبدأ، فذلك لتجنب الضغوط الدولية حتى بمنسوبها الخجول، ولأنها تراهن على التفاصيل التي تجعل من المفاوضات حلقة مفرغة وطحن ماء، تماماً كما كانت منذ اثنين وعشرين عاماً، وكما ستكون لو استمرت ألف عام أخرى.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165975

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165975 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010