الخميس 26 نيسان (أبريل) 2012

مشاعر تركيا وخسائرها

الخميس 26 نيسان (أبريل) 2012 par د. محمد نور الدين

دخلت مهمة كوفي عنان في سوريا مرحلة يبدو أنها جدية في البحث عن طريقة لوقف العنف وإراقة الدماء، تمهيداً للبحث عن حل سلمي توافقي بين أطراف الأزمة الداخليين والقوى الإقليمية والدولية التي تدعم هذا الطرف أو ذاك.

وليس بعيداً عن الواقعية الافتراض أن المسار الجديد الذي دخلته الأزمة السورية هو نتيجة توافق أو تفاهم بين القوتين الرئيستين في العالم أي الولايات المتحدة وروسيا.

ويمكن أن نطرح احتمالين في هذا الإطار: الأول أن يكون التوافق الأمريكي - الروسي على مرحلة أولى لوقف نهائي للعنف من دون الاتفاق المسبق على عناصر الحل الذي سيلي هذه المرحلة، أو أن يكون التفاهم بين القوتين شاملاً حتى ملامح الحل المقبل.

وفي الحالتين تبدو تركيا من بين الخاسرين فعلاً فيما لو تم تأكيد أحد هذين الاحتمالين أو كليهما معاً، ويبدو ذلك في أن حكومة حزب العدالة والتنمية قد رهنت كل حركتها تجاه سوريا بإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ورفعت شعار أن لا حل ممكناً للأزمة في ظل استمرار الأسد في السلطة. وهنا قد تكون أنقرة مستعدة حتى لبقاء النظام لكن بشرط خروج الأسد شخصياً من السلطة، ذلك أن العوامل المشرقية في تغليب الأحاسيس الشخصية أحياناً لاتزال تعشش في شرايين معظم الطبقة السياسية.

ولقد رفعت تركيا كما بات معروفاً السقف عالياً منذ بدء الأزمة السورية وأحرقت لاحقاً كل المراكب مفوتة على نفسها فرصة أن تكون عامل إطفاء للأزمة ولمخاطرها، وبالتالي لتعزيز نفوذها، حين افتقدت الأزمة أي طرف على مسافة واحدة من كل الأفرقاء.

لكن مشكلة السلطة السياسية في تركيا أنها لا تزن الأمور بمكيال واحد، ومن دلائل ذلك أن رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان اتهم السلطة الصينية سابقاً بأنها تقوم بـ «إبادة» للمسلمين الأويغور في شمال غربي الصين، حيث حصلت مواجهات قبل سنوات قليلة أسفرت عن مقتل المئات من الأويغوريين. لكن أردوغان نفسه كان يزور الصين قبل أقل من أسبوعين ويعقد اتفاقات اقتصادية واسعة مع النظام نفسه الذي اتهمه بارتكاب إبادة.

في الحالة السورية لم يكن مطلوباً من أنقرة أن تقف موقفاً غير أخلاقي، لكنها لم تظهر أنها تمارس موقف دولة إقليمية كبرى لها مصالحها التي تحتم أحياناً أن تتجاوز المشاعر والأحاسيس لتكون واقعية.

وتركيا نفسها طبقت مثل هذه الواقعية، التي نحن كعرب وفلسطينيين لا نحبّذها في هذه الحالة، على الموقف من «إسرائيل» بعد اعتدائها على أسطول الحرية وقتل تسعة ناشطين أتراك على متنها. واكتفت تركيا، بعد سنة ونيف بالتمام، بإجراءات دبلوماسية وتعليق لبعض الاتفاقيات مع العدو الصهيوني.

مهمة كوفي عنان ترسم ملامح حل يكون النظام السوري والأسد شخصياً جزءاً منه. وهو ما يُحدث لتركيا صدمة وخيبة أمل. ويتجلى ذلك في التشكيك الدائم بمهمة أنان واعتبار أردوغان لها أنها بمنزلة الميتة.

وتنعكس عدم مطابقة التوقعات التركية لقدرة تركيا على ترجمتها على أرض الواقع، أن للتحرك التركي حدوداً، أمريكية من دون أي لبس، لا تستطيع أنقرة تجاوزها وهو ما يجعل تركيا لاعباً فاشلاً في لعبة الأمم الكبرى التي إن اتفقت، انحنت الرؤوس الصغيرة. وعلى حد قول الكاتب التركي المعروف متين منير في صحيفة «ميللييت»، فإن الأزمة السورية أظهرت ليس قوة تركيا في «الشرق الأوسط» بل ضعفها وعجزها. إذ إن تهديدها بتدخل عسكري كان أشبه بشاب يدعو صديقته إلى العشاء وليس في جيبه مال. والأمر نفسه يكرره عبدالحميد بالجي الكاتب الإسلامي في صحيفة «زمان» الذي يقول إن الأزمة السورية أظهرت تناقضاً بين توقعات تركيا وإمكاناتها على التحرك العملي. كذلك في قول الكاتب التركي الشهير محمد برلاس بأن تركيا في سلوكها تجاه سوريا أظهرت أنها لا تمتلك مواصفات القوى الكبرى.

ربما فات الوقت على تركيا أن تستعيد موقعها الوسطي والحيادي ودورها الوسيط والموفّق لحل النزاعات، لكن لايزال بإمكانها أن تحدّ من تكاثر الخسائر وتناسلها والتي حذّرنا منها منذ بداية ليس الأزمة السورية بل الثورات العربية عندما نهجت تركيا مواقف متعددة المعايير من بلد إلى آخر، ومن ثورة إلى أخرى. والدولة القوية المتطلعة إلى دور إقليمي وعالمي مؤثر، هي التي تستطيع أن تعرف حدود قدراتها، وتقرأ جيداً بعين العقل والمصالح توازنات القوة، فلا تأخذها المشاعر إلى حيث الخسائر في انتظارها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2165295

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

13 من الزوار الآن

2165295 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 27


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010