الجمعة 4 أيار (مايو) 2012

زيارة القدس أم إنقاذها؟

الجمعة 4 أيار (مايو) 2012 par الياس سحاب

ذات يوم أغبر من أيام التاريخ العربي المعاصر، قام رئيس مصر الأسبق أنور السادات بزيارة الى القدس المحتلة، حيث ألقى خطاباً في (الكنيست) «الإسرائيلي»، معتقداً أنه كسر بالزيارة والخطاب الحاجز النفسي بين العرب و«إسرائيل»، الذي هو برأيه لب القضية الفلسطينية.

طبعاً، قوبلت تلك الزيارة يومها بشلالات من ردود الفعل العربية المصدومة، فيما عدا رد فعل مثير للاستغراب والدهشة على الصعيد الفني، حيث لحن الموسيقار سيد مكاوي، المشهور بأغنياته الوطنية المدهشة في قضية فلسطين، أغنية بالعامية المصرية قال له في مطلعها:

كان قلبي معاك

طول ما انت هناك

ثم أردف قائلاً بعد ذلك:

وياك ماشيين

يا صلاح الدين

يومها كان ذلك التشبيه الساقط بين دخول البطل العربي صلاح الدين الأيوبي للقدس فاتحاً ومحرراً، وزيارة أنور السادات لها زاحفاً ومستسلماً، شديد الفظاظة والركاكة ومجافياً للحقائق التاريخية.

تعود هذه الحادثة القديمة الى الذاكرة في هذه الأيام التي انطلق فيها، على ما يبدو، موسم الزيارات العربية المتتالية، للقدس المحتلة، وعلى رأسها زيارة مفتي الديار المصرية الشيخ على جمعة.

ومع ان الشيخ، ومصادره الإعلامية، ما زالوا منذ يوم الزيارة يحاولون تبرير الزيارة بأنها فردية وشخصية، وأنها مجرد زيارة دينية للأماكن المقدسة في القدس، فإن من المؤكد ان هذه الزيارة قد تمت بإذن من سلطات الاحتلال، وبموافقتها، وكانت كل دقيقة فيها تحت إشراف القوات الأمنية للاحتلال، بل وإشراف المخابرات «الإسرائيلية» (الموساد) تحسباً لأي رد فعل عفوي من أي وطني متقد المشاعر من بقايا سكان القدس الشرقية.

إذا أضفنا هذه الحادثة الجديدة، الى الحادثة القديمة التي دشنها أنور السادات، فإننا نعيد استذكار وضع مدينة القدس منذ ان أكملت «إسرائيل» احتلالها في العام 1967، صبيحة الخامس من شهر حزيران/ يونيو.

في اليوم التالي للاحتلال، كانت الدوائر «الإسرائيلية» الحاكمة قد أخرجت من خزائنها كل الخرائط والمشاريع التي كانت تعدها منذ العام 1948، ليوم إكمال احتلال القدس الغربية، باحتلال القدس الشرقية، فانطلقت فوراً الخطوات العملية لتهويد القدس الشرقية، بشكل يومي، لم يتوقف يوماً واحداً حتى الآن برغم مرور خمسة وأربعين عاماً على احتلال العام 1967.

بعد ذلك بعامين، وعندما أحرق «إسرائيلي» منبر صلاح الدين في المسجد الأقصى، وسارعت السلطات «الإسرائيلية» الى الادّعاء أنه مجرد رجل مخبول، أصدر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر «أمر اليوم» العسكري للقوات المصرية المسلحة، باعتباره الرئيس الأعلى لها، يذكرها بأن تحرير القدس، بأماكنها المقدسة، إنما هو مسؤولية تلك القوات، ويتطلع الى يوم قريب لتحريرها من الاحتلال.

غير أننا إذا تابعنا استعراض ردود الفعل العربية، في هذه المسألة، منذ رحيل جمال عبد الناصر، فإننا لن نجد أمامنا سوى سجل مخز من التراجع واللامبالاة، بل والتواطؤ في كثير من الحالات، يقابله مزيد من الإصرار «الإسرائيلي»، على العمل الدؤوب على تغيير المعالم الجغرافية للقدس الشرقية، إضافة الى تغيير معالمها السكانية، بمزيد من قرارات التضييق على وسائل المعيشة اليومية، والاستقرار السكاني لما تبقى فيها من سكان عرب.

ومع ان العرب قد أسسوا ذات يوم، ومنذ سنوات طويلة، لجنة عربية عليا للقدس، كان يترأسها قبل رحيله الملك الحسن الثاني، ملك المغرب السابق، فإننا لم نسمع يوماً واحداً عن جهد عربي رسمي، سياسي او غير سياسي، لتسخير علاقات العرب الدولية للضغط على «إسرائيل» بضرورة وقف عمليات تهويد القدس فوراً، بل إننا لم نسمع يوماً، طيلة هذه السنوات الخمس والأربعين، عن إنشاء صندوق عربي، مخصص لجمع التبرعات العربية، وتقديمها لعرب القدس، دعماً لهم في مقاومة الضغط الاحتلالي «الإسرائيلي»، للتهجير من بيوتهم، وإحلال المستعمرين «الإسرائيليين» مكانهم.

الى ان فاجأنا الشيخ مفتي الديار المصرية بزيارة تفقدية بإذن من الاحتلال، وبحراسة من قواته، بحجة تحرك المشاعر الدينية تجاه المواقع المقدسة في القدس المحتلة.

الغريب، أن مثل هذه المشاعر الدينية إزاء القيمة الوطنية والدينية للقدس المحتلة، لم تحرك مسؤولاً عربياً حتى الآن باتجاه التفكير بتخصيص الجهد، لإنقاذ القدس، وبقية أراضي فلسطين المحتلة.

إن الموقف السليم في مثل مواقف الضعف هذه هو الوقوف إجلالاً وخجلاً أمام أبواب الأراضي المحتلة، وليس القيام بزيارتها بعد الحصول على إذن قوات الاحتلال، والتجول تحت إشرافها وحراستها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2165758

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2165758 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 16


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010