السبت 5 أيار (مايو) 2012

عرض كتاب | أنبياء السلام الكَذَبة - الصهيونية الليبرالية والصراع على فلسطين

السبت 5 أيار (مايو) 2012 par زياد منى

[bleu]الكتاب: أنبياء السلام الكَذَبة - الصهيونية الليبرالية والصراع على فلسطين.

المؤلف : تكفا هونِش-برناس.

عدد الصفحات: 264.

الناشر: هِيه ماركِت بوكس. شيكاغو، الولايات المتحدة.

الطبعة : الأولى 2011.[/bleu]

مؤلفة الكتاب تكفا هونِش-برناس نشأت في الجالية اليهودية في فلسطين وشاركت في حرب اغتصاب فلسطين عام 1948، كما تولت مناصب سياسية عديدة منها أمانة حزب «المابام» الصهيوني (اليساري) في «الكنيست». أدارت ظهرها للصهيونية في عام 1960 وانضمت إلى حركة «ماتزبن» اليهودية الاشتراكية، وتنشط منذ ذلك الوقت في مجال مناهضة سياسات الدولة الصهيونية تجاه الشعب الفلسطيني.

[rouge]الموضوع[/rouge]

الكتاب مهم للغاية إذ إنه يظهر الكيان الصهيوني على حقيقته، من الداخل، وبعيدًا من التأويلات سياسية الغرض والمأرب، التي توظف لتسويغ التقارب مع اليسار الصهيوني والتنسيق معه. هذا يستدعي مقاربة موضوع الكتاب من منطلق الخبرة السياسية والممارسة التي مرت بها الحركة الوطنية الفلسطينية منذ هزيمتها الكبرى في عام 1970/1971 على يد جيش النظام الأردني، وفقدانها الوسط الشعبي الذي يمنحها عمقاً إستراتيجياً على المدى الطويل، وشرعية لا مجال للتشكيك فيها.

فمن المعلوم أن الحركة الوطنية الفلسطينية تبنّت، بناء على وعود (ساداتية)، برنامج الانخراط في التسوية على قاعدة قرار مجلس الأمن الدولي رقم (242) والذي رفضته في برنامجها المرحلي الذي أقره «المجلس الوطني الفلسطيني» في عام 1974 في دورته المنعقدة في القاهرة، لأنه «يتعامل مع قضية فلسطين بصفتها قضية لاجئين»، وليس لأنه يثبت دولة العدو ضمن حدود آمنة ومعترف بها. وبالمناسبة، عضوان فقط صوتا ضد البرنامج هما المناضل الكبير ناجي علوش (أبو إبراهيم) والراحل الكبير محمد داود عودة (أبو داود).

بعد ذلك الاعتراف الضمني بدولة العدو، كرت سبحة تنازل المؤسسة الفلسطينية، إلى أن أضحت اليوم لجنة التنسيق الأمني بينها وبين أجهزة العدو الأمنية، وليس أكثر من ذلك. وهذا كله جاء تتويجاً للخطيئة الأولى الكامنة في التخلي عن برنامج إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية العِلمانية.

وهنا يكمن جوهر الموضوع ونقطته الرئيسة في الصراع العربي الصهيونية، وفي تعريف كيان الاغتصاب، وهو ما تتعامل معه المؤلفة بتفاصيل مثيرة ومهمة للغاية في تسعة فصول تتقدمها مقدمة وتنهيها بخاتمة.

عناوين الفصول مهمة لأنها تشرح محتوى الكتاب وكيفية مقاربة المؤلفة للموضوع الشائك، وهي مادة سبق للمؤرخ «الإسرائيلي» أن تناول جانباً منها في مؤلفاته، أخص بالذكر منها آخرها «خارج الإطار». المادة هي المفهوم «اللعين» الديمقراطية ومعناها. قبل ذلك، أود ذكر عناوين الفصول لأنه من غير الممكن إيفاء هذا المؤلَّف المهم حقاً حقه في هذه المراجعة محدودة المكان والأهداف، ونوصي القراء الكرام، كما العادة، بالعودة إلى المؤلَّف نفسه.

الفصل الأول (محو الوجود الفلسطيني المادي والرمزي من الأرض، ماضياً وحاضراً). الفصل الثاني («الأغلبية اليهودية» تعني العنصرية). الفصل الثالث (حقوق متساوية). الفصل الرابع (دولة يهودية ثيوقراطية). الفصل الخامس (ادعاء الطبيعة الديمقراطية للدولة). الفصل السادس (ما بعد الصهيونية - ابتعاد فاشل عن خطاب اليسار الصهيوني). الفصل السابع (علوم اجتماعية تنقيحية - استعمار ما قبل الدولة وحرب عام 1948). الفصل الثامن (تيار ما بعد الحداثي في ما بعد الصهيونية)، وأخيراً الفصل التاسع الذي أعطته عنوان (اليسار الصِّهيوني و«السلام») والمزدوجتان المعترضتان من المؤلفة.

المؤلفة قدمت خاتمة الكتاب بمقطع من سفر هوشع (7:8) القائل : «إنهم يزرعون الريح ويحصدون الزوبعة»، أو كما في ترجمة أخرى : «هم يزرعون الريح ويحصدون العاصفة»، وخصصته لكشف حقيقة مواقف بعض رموز ما يسمى اليسار الصهيوني وفي مقدمتهم يوري أفنيري، الشخصية المحببة لدى كثير من أشباه اليسار العرب الذي يرون فيه المنقذ من أزمة أفكارهم العوجاء عن طبيعة الكيان الصهيوني وجوهره. كما تذكر في (الخاتمة) وعبر فصول الكتاب كله مجموعة أخرى من الشخصيات التي كثيراً ما تتردد أسماؤها في وسائل الإعلام (أو التضليل، اعتماداً على المنظور)، بصفتها دعاة سلام ومدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني، ومنها أديل أوفير وأريلا أزولاي، وتكشف جوهر مواقفهم المؤيدة في جوهرها لطبيعة الكيان الصهيوني.

[rouge]ديمقراطية «إسرائيل» ويهوديتها![/rouge]

المؤلفة تنطلق في تقويمها لمواقف مختلف القوى ذات العلاقة، «الإسرائيلية» منها والفلسطينية، من أن «إسرائيل» كيان استعماري (كولونيالي) عنصري قائم على اغتصاب الأرض من أهلها الشرعيين، وبالتالي فإن أي موقف لا يعالج أساس المشكلة يعد مؤيداً له.

إن حركات صهيونية يسارية أنتجت أحزاباً بعد إعلان اغتصاب فلسطين، وقفت منذ البدايات إلى جانب المشروع الاستعماري وساعدت على تسويقه «يسارياً» بين مختلف القوى اليسارية في العالم، وهي تعد بالتالي متواطئة معه ومشاركة فيه.

هذا الأمر يسري على حركات وأحزاب ومؤسسات وجمعيات وأشخاص، وتضع في المقدمة منهم يوري أفنيري، حيث تستحضر العديد من الكتابات العائدة إليه وإلى منظرين صهاينة «يساريين» آخرين وتناقشها مفردة تلو الأخرى، فاضحة بذلك دورهم الصهيوني الاستعماري، بل وتوضح أيضاً كيف أن كتاباتهم كانت موجهة لتمرير الفكر الصهيوني العنصري بهدف تحسين صورته في داخل فلسطين المحتلة وخارجها.

ومن النقاط الأخرى المهمة التي تتعامل المؤلفة معها هي تنسيق قوى اليسار الصهيوني مواقفها مع اليمين، وفي الوقت نفسه التعاون مع سلطة اتفاقات أوسلو التي تصفها بأنها سلطة تعاون مع العدو (collaborationist). وفي الحقيقة إن الشيء الوحيد الذي تمارسه تلك السلطة المزعومة هو التنسيق الأمني مع مختلف الأجهزة الأمنية الصهيونية في مطاردة كل المناضلين الفلسطينيين ضد الصهيونية، في داخل فلسطين المحتلة وخارجها.

نظرة المؤلفة لطبيعة الكيان الصهيوني حتى قبل ولادته هي كونه قائماً على أكذوبة عنصرية وخرافات وأساطير توراتية. فـ «بيان الاستقلال»، تنبه المؤلفة، إلى اعتماده مجموعة من الأباطيل التاريخية. فهو يقول، ضمن أمور أخرى، «أرض إسرائيل هي مهد الشعب اليهودي، هنا تكونت شخصيته الروحية والدينية والسياسية، وهنا أقام دولة للمرة الأولى، وخلق قيما حضارية ذات مغزى قومي وإنساني جامع، وفيها أعطى للعالم كتاب الكتب الخالد.. بعد أن نُفي عنوة من بلاده حافظ الشعب على إيمانه بها طيلة مدة شتاته، ولم يكف عن الصلاة أو يفقد الأمل بعودته إليها واستعادة حريته السياسية فيها... أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني 1947 مشروعاً يدعو إلى إقامة دولة يهودية في أرض «إسرائيل».. وسوف تفتح دولة «إسرائيل» أبوابها أمام الهجرة اليهودية لتجميع شمل المنفيين، وسوف ترعى تطور البلاد لمنفعة جميع سكانها دون تفرقة في الدين أو العنصر أو الجنس.. وإننا نناشد الأمم المتحدة أن تساعد الشعب اليهودي في بناء دولته.. إن هذا هو الحق الطبيعي للشعب اليهودي في أن يكون سيد نفسه ومصيره مثل باقي الأمم في دولته ذات السيادة.. إلخ».

المهم في الأمر هنا، والكلام دوماً للمؤلفة، حقيقة أن بيان اغتصاب فلسطين، المسمى «إعلان الاستقلال» يتحدث عن دولة يهودية، مفتوحة لكل يهود العالم، وفي الوقت نفسه يعتمد الأساطير الدينية التوراتية عن «عودة اليهود» إلى بلادهم بعد نفي طال ألف ألف قرن. في الوقت نفسه، ومع أن البيان يعود إلى قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين، فإنه يعتمد الصيغة التوراتية لتسمية الأرض، أي «أرض إسرائيل» وليس الاسم الرسمي (من المفارقات هنا أن الفهم التقليدي للنصوص التوراتية ذات العلاقة تطلِق على المنطقة التي أقيمت فيها دولة الاغتصاب عام 1948 اسم فلسطين «فلشتيم»)، وأن المنطقة خارجها، أي ما يسمى «الضفة الغربية» أطلقت التوراة عليها اسم «يهوذا» جنوباً، و«سامريا أو شمرون» شمالاً. ومن المفارقات الأخرى ذات العلاقة أن الكيان الصهيوني أطلق على نفسه اسم «إسرائيل» وليس يهوذا، حيث تعد الأولى بؤرة كفر احتفلت نصوص توراتية بسقوطها على يد آشور، كما تدعي التأويلات التاريخية السائدة.

[rouge]تناقضات[/rouge]

على أي حال، المشكلة، من منظور المؤلفة، وبالتالي من منظور أي مراقب عاقل، لا بد من أن يلاحظ على الفور تناقضات ادعاء إعلان اغتصاب فلسطين في أمور عديدة. فالقول إن الدولة الجديدة هي دولة يهودية يتناقض تناقضاً كاملاً مع أي كلام عن ديمقراطيتها المزعومة، وهو ما سوق له اليسار الصهيوني بمختلف تجلياته المؤسسية والشخصية.

المؤلفة تثير الانتباه إلى عدم اعتراف الكيان بوجود قومية (nationality) «إسرائيلية»، وإنما يهودية، دين ودولة. ومن هذا المنطلق الأعوج، لا يوصف سكان الأرض الأصليون بأنهم عرب، بل على أساس ديني (درزي، مسلم، مسيحي).

ومن منطلق وصف إعلان اغتصاب فلسطين بأن الدولة الجديدة يهودية، فإنه ينكر على أهلها، الذين هزمتهم الحركة الصهيونية وحلفاؤها من الغرب والعرب، أي حقوق، وهو ما يتناقض تناقضاً كاملاً مع صفة «ديمقراطية إسرائيل» التي يسوق لها اليسار الصهيوني (ونضيف هنا : ومعهم كثير من اليساريين العرب الذين استحالوا ليبراليين جدداً ومن أكثر المتحمسين لكيان العدو العنصري، ويرونه حليفاً لهم ضد شعوبـ(هم) وتراثها الحضاري التاريخي).

ضمن هذا السياق تنظر المؤلفة إلى نشاط الدكتور عزمي بشارة في هذا المجال، وعلى امتداد صفحات كثيرة، على أنه عمل إيجابي هدفه تعرية طبيعة الكيان العنصرية. فدعوته إلى إقامة «دولة لكل مواطنيها» تعني إلغاء الطبيعة اليهودية العنصرية عن الكيان، وفي الوقت نفسه فرض التسليم بحقوق أهل البلاد الأصليين.

فبعد موجة «الأسرلة» التي اجتاحت فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948، تمكن هو ورفاق له من وقف الموجة ومن ثم كسرها وإعادة تأسيس الهوية الفلسطينية العربية بعدما كانت تلك موزعة بين الانتماء الطبقي «الحزب الشيوعي الإسرائيلي» والتيار الديني.

المؤلفة توضح عمل عزمي بشارة في تأسيس «التجمع الوطني الديمقراطي» الذي وضع فاصلاً حاسماً بين حقوق المواطنة والحقوق المدنية. عزمي بشارة طرح الجديد وهو حقوق المواطنة وليس الحقوق المدنية، مما يعني بالضرورة إلغاء الطبيعة العنصرية عن الكيان، وبالتالي إلغاء ما يسمى الحق التاريخي وما إلى ذلك من اللغو العنصري الأسطوري والخرافي، مما يعني في نهاية المطاف إلغاء الطبيعة اليهودية الصهيونية للكيان المغتصِب. هذه هي النقطة الأساس التي ميزت عمل عزمي بشارة وفضحت تواطؤ اليسار الصهيوني مع يمينه في تسويق ديمقراطية كيان العدو المزعومة.

الأمر الآخر الذي تتعامل المؤلفة معه، ضمن موضوع كتابها، التفرقة العنصرية في جوانب حياتية أخرى، ومنها على سبيل المثال الجوانب القانونية، يضاف إليها حقوق تملك الأراضي التي تمنع عن الفلسطينيين، بل يجري تجريدهم منها، ساعة بعد ساعة، ويومًا بعد آخر.

كما تفرد المؤلفة قسماً من مؤلفها المهم لمعاينة مواقف ما يسمى المؤرخين الجدد، الذين رأى فيهم بعض العرب والفلسطينيين منفذًا يسوغ استسلامهم للأمر الواقع، من منطلق الزعم بوجود تغير في طبيعة الكيان، لكن الحقائق عنيدة، كما يقال.

[rouge]-[/rouge] [bleu]عرض/ زياد منى.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 29 / 2177427

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع إصدارات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2177427 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 24


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40