الأربعاء 9 أيار (مايو) 2012

خارج الإليزيه

الأربعاء 9 أيار (مايو) 2012 par أمجد عرار

ربما لا يكون بوسع الشعب الفرنسي بعد بضعة أشهر أن يتذكّر تاريخ تسليم وتسلّم السلطة بين رئيسه المهزوم في الانتخابات نيكولا ساركوزي ورئيسه الجديد فرانسوا هولاند، لكن الشعب الفلسطيني سيبقى متذكّراً هذا التاريخ ليس لأن ساركوزي حطّم كلاسيكية علاقة فرنسا بالصراع العربي «الإسرائيلي» التي كانت أقل من شقيقتها الأمريكية انحيازاً لـ «إسرائيل» فحسب، لكن لأن تاريخ خروج هذا الرجل من الإليزيه يصادف الخامس عشر من مايو/ أيار، وهو اليوم ذاته الذي يحيي فيه الشعب الفلسطيني ذكرى نكبة سنة 1948. وإن كان من شيء يمكن لساركوزي أن يتركه يتحرّك في ذاكرة الفلسطينيين في هذه المناسبة، فهو دخوله في مزاد علني مع رئيس أمريكا باراك أوباما في التغزّل بـ «إسرائيل» وإثبات الولاء لها. أوباما كرر التزامه أمن «إسرائيل» في كل مناسبة ومن دون مناسبة، وساركوزي أوشك على ان يقول شعراً بها عندما وصفها بأنها «معجزة القرن العشرين».

قبل أسبوعين من الانتخابات الأخيرة، وعد ساركوزي باتخاذ «مبادرات» حيال «الشرق الأوسط» اعتباراً من هذا الصيف إذا أعيد انتخابه، وتذكّر ما لم يتذكّره طيلة خمس سنوات وهو أن أوروبا وفرنسا يجب أن تساعدا «الإسرائيليين» والفلسطينيين على إبرام اتفاق «سلام». وحتى عندما تذكّر الفلسطينيين ذكرهم في سياق العمل من أجل أن يحقق لهم وضع دولة مراقبة في الأمم المتحدة، على أن يتجرّد الفلسطينيون من ثوابتهم وأن يقدّموا مقابل وضعية «المراقب» اعترافاً بحق «إسرائيل» في الوجود والأمن.

لكن الشعب الفرنسي لم يعاقب ساركوزي بسبب القضايا الدولية، بل وبشكل خاص بسبب سياسته الداخلية في ظل الأزمة المالية العالمية. صحيح أن ساركوزي كان سياسياً محنكاً، لكنّ الحنكة تتبخّر من رأس أي مسؤول أو شخص يغرق في النرجسية حتى شوشته، ويتقمّص شخصية عارضي الأزياء وفرسان العلاقات العامة، وفي الوقت ذاته لا يشق طريقه السياسي على نحو مستقل. كما أن الحكمة ليست شعلة متوهجة في الدماغ، بل كتلة من الفكر القادر على ترجمة عصارته إلى نتائج إيجابية على الأرض.

لكن ساركوزي لم يترك سوى الخيبة والفشل في كل شيء، ففرنسا في عهده زادت ديونها وارتفعت بطالتها وانخفض سقف هيبتها إذ ظهرت كتابعة لغيرها. لم ينجح في إعادة الشباب للقارة العجوز، ولم ينتشل فرنسا من عجز القارة أيضاً. وحتى عندما كان يلقي خطاب الاعتراف بالهزيمة، بدا شديد الغرور وإن غلّف الخطاب بالكلام الوجداني. اعترف بهزيمته واتصل بهولاند مهنئاً، لكنه في اعترافه بالهزيمة كان متعجرفاً، ولا تفسير غير ذلك عندما يعتبر هزيمته وحزبه بأنها هزيمة لفرنسا، وهو نفس المنطق الذي صدر عن رئيس الوزراء عندما عقّب على الهزيمة بقوله إن فرنسا تمر الآن في ظروف عصيبة.

لكنّه برهن على وله غير محدود بالسلطة أكثر مما حاول أن يثبت أنه زعيم مميز وقادر على فعل ما يعد به وأن يدخل الدولة القديمة إلى القرن الحادي والعشرين مع الحفاظ على هوية فرنسا القومية. هذا ما قاله عن نفسه قبل خمس سنوات عندما كان يستعطف الفرنسيين في حملته الانتخابية، لكنه الآن يخرج من مكتبه بالإليزيه تاركاً خلفه ذكرى لا ينساها الشعب الفرنسي كأحد أكثر زعماء فرنسا قدرة على حقنهم باليأس والوعود المتكررة. وكان يمكنهم أن يتغاضوا عن بعض حركاته الصبيانية وتوجيهه الإهانات لبعض مواطنيه، لو كان شيء في البلاد نشأ على يديه غير المقاطع الهوليوودية التي تكررت في أكثر من مناسبة في فرنسا وخارجها.

لو كان الفرنسيون يعرفون ثقافة العرب وما يفعلونه عندما يودّعون شخصاً غير مرغوب فيه، لعرفوا كيف يودعون ساركوزي وهو يخرج من الإليزيه، بأن يكسروا فخّارة وراءه.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 15 / 2181108

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2181108 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 8


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40