السبت 26 أيار (مايو) 2012

المشهد المعقد لانتخابات الرئاسة المصرية

السبت 26 أيار (مايو) 2012 par د. محمد السعيد ادريس

تجربة غير مسبوقة في تاريخهم يعيشها المصريون هذه الأيام، فهم أصبحوا أصحاب القرار الأول في اختيار من يحكمهم ولمدة محددة بسنوات أربع قابلة للتمديد لمرة واحدة فقط، وهم بذلك يؤسسون لتجربة ديمقراطية حقيقية من خلال تكريس مبدأين أساسيين أولهما مبدأ «المشاركة السياسية»، وثانيهما مبدأ «تداول السلطة»، لكن يبقى السؤال الأهم يفرض نفسه وهو إلى أي حد يمكن وصف ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية بأنه ديمقراطية حقيقية؟

نحن هنا لا نتحدث عن المثاليات، أي لا نبحث عن إجابة لسؤال إلى أي مدى يمكن وصف تجربة الانتخابات الرئاسية بأنها ديمقراطية حقيقية لسبب بسيط هو أن هذه الديمقراطية المثالية لا وجود لها في الحياة الواقعية حتى في أكثر الدول التي توصف بأنها المثال الأعلى للديمقراطية. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال، فإن الحقيقة المؤكدة أن الديمقراطية هي ديمقراطية الأقوياء، الأقوياء نفوذاً ومالاً، وإعلاماً وتأثيراً، لذلك فإن البحث في مدى ديمقراطية مصر يبقى محكوماً بعدد لا بأس به من الخصوصية الوطنية من منظورين: أولهما مصالح الطبقات الأوسع انتشاراً في مصر، بمعنى إلى أي مدى جاءت هذه العملية الانتخابية تعبيراً عن مصالح وشعارات تلك الطبقات، وثانيهما الظرف التاريخي الاستثنائي المصري، ونعني به المناخ الثوري، وإلى أي مدى جاءت هذه العملية الانتخابية معبرة عن أهداف وشعارات ثورة 25 يناير 2011.

نقول ذلك ونحن لا نعرف رسمياً من المرشح الفائز في هذه الانتخابات، رغم إدراكنا أو ترجيحنا لاستحالة فوز مرشح بعينه في الجولة الأولى التي جرت يومي الأربعاء والخميس، حيث كان التنافس شديداً بين ثلاثة مرشحين ينتمون إلى تيارات الثورة هم: حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح ومحمد مرسي، واثنين ينتميان إلى عهد مبارك هما أحمد شفيق وعمرو موسى، وهذا التنافس الشديد معناه استحالة أن يحصل أي من هؤلاء الخمسة على نسبة (50%+1) من أصوات المشاركين في الانتخابات .

فليس هناك من بين المتنافسين الخمسة من يعطي الأولوية لمصالح العمال والفلاحين وحقوقهم غير المرشح الناصري حمدين صباحي الذي تعرض لانتقادات حادة من بعض المرشحين وأعوانهم لكونه تظاهر، بل وتعرض للاعتقال وهو نائب في مجلس الشعب ويتمتع بالحصانة البرلمانية في عهد مبارك بسبب دفاعه ومناصرته لقضية الفلاحين الذين طردوا من أرضهم ضمن سياسات نظام مبارك الرأسمالية الاقتصادية التي جاءت على العكس من سياسات نظام جمال عبد الناصر. فقد انحاز مبارك إلى ملاك الأراضي وأعاد إليهم الأرض التي حصل عليها الفلاحون المصريون في عهد عبد الناصر.

معظم المرشحين يعبرون عن الطبقة الوسطى والبعض منحاز إلى الأغنياء، بل هناك من جاء ليبشر بأنه سيدعم سياسات عهد النظام السابق الرأسمالية التي لم تكن رأسمالية بقدر ما كانت سياسات فساد ونهب للثروات الوطنية وإفقاراً للقطاعات العريضة من الشعب المصري.

أما بالنسبة إلى الانحياز للثورة، فإن المرشحين الخمسة انقسموا إلى ثلاثة يعبرون بدرجة أو بأخرى عن الثورة وشعاراتها، والاثنان الآخران حاولا استخدام بعض هذه الشعارات لمجرد التجميل فقط، وبالذات أحمد شفيق، وهو من تجرأ بالقول إنه فخور بأن حسني مبارك هو مثله الأعلى. الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل إن هذا المرشح الذي فرضه المجلس العسكري واللجنة العليا للانتخابات متجاوزين قانون العزل السياسي، حرص على أن يكون مرشح الحزب الوطني المنحل ومرشح طبقة رجال الأعمال الفاسدين، وهؤلاء جميعاً ليسوا فقط أعداء الثورة، بل جرى تجاوزهم جميعاً من العزل السياسي، لذلك فإن كل هؤلاء بمنزلة مرشحين رسميين في الانتخابات بأموالهم ونفوذهم وعائلاتهم ورجالهم في أجهزة الدولة، وخاصة جهاز الشرطة الذي تعامل مع أحمد شفيق باعتباره المنقذ للشرطة من الثورة، أو أنه الوحيد القادر على أن يعيد لجهاز الشرطة سطوته السابقة، ومن سيقبل بشروطه للعودة مجدداً إلى القيام بوظيفته الأمنية، ولعل هذا ما شجع شفيق على التصريح بأنه الوحيد القادر على أن يعيد الأمن إلى مصر في مدة لا تتجاوز 48 ساعة.

وهكذا تحولت انتخابات رئاسة الجمهورية إلى معركة بين الثورة والقوى المعادية للثورة، لدرجة أن إحدى زوجات أحمد عز أمين التنظيم في الحزب الوطني المنحل صرحت في جولاتها الانتخابية في إحدى المدن بمحافظة المنوفية في معرض دعوتها الناخبين إلى اختيار أحمد شفيق، أن «هذه هي معركتنا الأخيرة إما أن نتمكن من الإفراج عن أحمد عز ورفاقه، وإما أن ندخل السجن معهم»، هكذا كان فهمهم لمعركة انتخابات رئاسة الجمهورية باعتبارها الفرصة الأخيرة لاستعادة الروح لنظام مبارك. كان هذا هو فهم الحزب الوطني ورجال الأعمال الفاسدين وغيرهم من المؤسسات التي خاضت معركة انتخابات الرئاسة من منطلق الدفاع عن النفس واستعادة كل ما بددته الثورة من مكاسب كانوا يستحوذون عليها.

في الوقت نفسه، وعلى الطرف الآخر كان انقسام التيار الإسلامي بين ثلاثة مرشحين هم: د. محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين، ود. عبد المنعم أبو الفتوح المنشق عن الإخوان وعضو مكتب الإرشاد سابقاً، ثم د. محمد سليم العوا، هذا الانقسام امتد إلى انقسام موازٍ بين السلفيين، إذ انحاز حزب النور إلى أبو الفتوح، بينما انحاز آخرون إلى محمد مرسي.

أما التيار المدني فلم يستطع هو الآخر الوقوف وراء مرشح واحد ودخل أربعة منهم المعركة متنافسين هم: حمدين صباحي كمرشح وطني ناصري باسم التيار القومي، وثلاثة محسوبون على اليسار الماركسي هم: خالد علي وهشام بسطويسي وأبو العز الحريري، وفي الوقت ذاته فشلت كل محاولات التوفيق بين هؤلاء الأربعة مع عبدالمنعم أبو الفتوح في جهود مضنية، حيث كان السبب الأول لهذا الفشل هو رفض أبو الفتوح وحملته الانتخابية العرض الذي كان يقضي بتشكيل مجلس رئاسي من رئيس وثلاثة نواب يعبرون جميعاً عن التيارات السياسية الأربعة الكبرى: الإسلامي والقومي واليساري والليبرالي.

هكذا دخلت معركة انتخابات الرئاسة في تعقيدات هائلة كان الانقسام بطلها الأول، إضافة إلى المال السياسي والانحياز الإعلامي ثم الثأر لنظام مبارك من جانب كل الذين تضرروا من الثورة، وهنا يأتي دور المجلس العسكري الذي قاد البلاد طوال الأشهر الماضية بطريقة حفزت الكثيرين إلى القبول بأي شيء من أجل الخلاص من الوضع الراهن شديد السوء أمنياً واقتصادياً، وجاءت أخطاء الإسلاميين في الأشهر الماضية منذ انتخابات مجلسي الشعب والشورى لتدفع الكثيرين إلى التصويت لمصلحة من في مقدوره استعادة الأمن والاستقرار المفقودين، وهنا كان دور الإعلام الذي صور أحمد شفيق باعتباره الوحيد القادر على تحقيق الأمن والاستقرار والخلاص من حكم الإسلاميين.

كل هذه العوامل أوصلتنا إلى النتائج المعلنة للجولة الأولى للانتخابات، حيث يتصدر ثلاثة مرشحين المشهد وفق النتائج الأولوية المعلنة لفرز الأصوات وهم: محمد مرسي وأحمد شفيق، وحمدين صباحي، فقد نجح محمد مرسي في أن يحصل على نسبة كبيرة من أصوات التيار الإسلامي، كما نجح أحمد شفيق في أن يحصد أصوات الحزب الوطني ورجال الأعمال وكل المتضررين من الثورة، إضافة إلى جزء كبير من أصوات الناخبين الذين صوتوا له نكاية بالإخوان المسلمين، وهم أنفسهم الذين كانوا يصوتون أيام حكم حسني مبارك للإخوان المسلمين نكاية بمبارك ونظامه، وليس حباً فيهم، أما حمدين صباحي فكان المفاجأة الكبرى حيث تحوّل خلال أيام قلائل إلى مرشح شباب الثورة وإلى مرشح وطني توافقي، وتمكن من أن يحصد أصواتاً هائلة في القاهرة، والمدن الكبرى في إشارة إلى الشريحة الأكثر وعياً سياسياً والأقل تأثراً بالمال السياسي على عكس فرعي الصعيد والوجه البحري التي لعبت فيها الوسائل التقليدية للانتخابات الدور الأكبر في حشد الأصوات إلى جانب كل من أحمد شفيق ومحمد مرسي.

مصر الآن أمام مشهد تاريخي غير مسبوق، تجلّت فيها مشاهد الديمقراطية رغم المعوقات الهائلة، لكن الحسابات المعقدة لمعركة الإعادة التي لم تتأكد معالمها رسمياً بين الفرسان الثلاثة محمد مرسي، وأحمد شفيق، وحمدين صباحي، حيث سيكون لكل ساعة من الساعات التالية أهمية كبرى في تحديد ملامح ومعالم رئيس مصر الموعود.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 87 / 2177682

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

32 من الزوار الآن

2177682 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40