الثلاثاء 29 أيار (مايو) 2012

النكبة و«المعتدلون الصهاينة»

الثلاثاء 29 أيار (مايو) 2012 par عوني صادق

بداية لا بد من توضيح. واقعياً، لا يوجد صهاينة معتدلون. أن يكون شخص ما صهيونيا، ذلك يعني أنه وبالضرورة ليس معتدلا، فالصهيوني متطرف وعنصري وكولونيالي بالتعريف. إن الاستيلاء على أرض شعب آخر، وتشريده وذبح من أمكن منه عبر عمليات التطهير العرقي ضده، هو في أي قانون إنساني أعلى درجات التطرف، ودولة «إسرائيل» هي التجسيد الأكثر عيانية لتلك الدرجات. وبالتبعية، كل من يحمي أو يدافع عن بقاء هذه الدولة، باسم الواقعية أو الإنسانية أو التقدمية أو الموضوعية ولو مع المطالبة بإخضاعها لبعض عمليات «التجميل»، هو صهيوني مهما ادعى اليسارية أو التقدمية، سواء كان يهودياً أو مسيحياً أو مسلماً، ولا يستثنى من ذلك أمثال نعوم تشومسكي وإيلان بابيه.

ونصادف أحياناً بعض الصهاينة ممن يقدمون أنفسهم بوصفهم عقلانيين، أو موضوعيين، أو حتى يساريين وإنسانيين تقدميين، ويجدون من ينخدعون بهم، لكن سرعان ما تتكشف حقيقتهم بمجرد أن يصل الحديث عن «الرواية الصهيونية»، أو يصبح الموضوع «دولة إسرائيل»، كواقع قائم جاء نتيجة «وعد إلهي» مزعوم، او نتيجة مؤامرة استعمارية مبرمجة، وخصوصا عندما يصل الحديث إلى حق عودة الفلسطينيين إلى أرضهم التي شردوا منها بالقوة والإرهاب. وعادة ينطلق الصهاينة التوراتيون في الدفاع عن «حقهم» في اغتصاب فلسطين، من أسطورة «الوعد الإلهي»، أو ما يطلقون عليه «الشرعية الإلهية». أما الصهاينة «العلمانيون»، فينطلقون من «وعد بلفور»، ثم من قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين لعام 1947، أو ما يعتبرونه «الشرعية الدولية». لكنهم جميعا يحملون الفلسطينيين والعرب مسؤولية حرب 1948 وكل مفردات النكبة التي نتجت عنها، وكذلك يفعلون بالمسؤولية عن حرب 1967.

يقول شاؤؤل أرئيلي (هآرتس- 14-5-2012): «رفض الفلسطينيون أن يروا في خطة التقسيم (1947) ما رأى فيها المجتمع الدولي ... ولم يروا الاعتراف بحقهم في دولة على 45% من أرض البلاد عدلا لأنهم كانوا غالبية السكان ويملكون 90% من الأراضي الخاصة. مبدأ كل شيء أو لا شيء جعلهم في النهاية ضحايا حرب 1948 الرئيسيين ... وأفضى ذلك إلى 750 ألف لاجئ وفراغ 11 مدينة من سكانها العرب وضياع أكثر من 400 قرية و4 ملايين دونم من الأرض». هل رأيتم الموضوعية؟ قافزاً عن أسباب الحرب، يعترف هذا الصهيوني، إلى حد ما بنتائجها، لكنه يتنصل من المسؤولية عنها ويحملها للفلسطينيين الذين كان عليهم أن يروا في سلب أكثر من نصف وطنهم عدلاً.

أري شافيت في (هآرتس- 17-5-2012)، هو صهيوني «موضوعي» آخر، لم ير أنه «يجب أن تكون معادياً للصهيونية كي تتذكر النكبة»، ويعترف، يا لذكائه، بأن «من نشأ حقا في هذه الأرض لا يستطيع أن ينسى أنها كانت حبلى بشعبين توأمين. والذي عاش حقاً في هذه البلاد يعلم أنه حينما جاءت ساعة الولادة، تغلب أحد التوأمين على الآخر ونحاه». هكذا يتبين أن «الشعب اليهودي» والشعب الفلسطيني «توأمان»، دخلا في مباراة عادية و«تغلب أحد التوأمين على الآخر ونحاه»! كان على «المغلوب» أن يتحلى بالروح الرياضية وأن يهنئ الفائز بفوزه. يضيف شافيت متنصلاً، كما تنصل زميله، من نتائج «المباراة» قائلاً: «تحاول «إسرائيل» الرسمية إنكار الكارثة الفلسطينية والحقائق معروفة. لا نتحمل نحن تبعة ما حدث ... القصة صعبة، ولن يكون هنا، في نهاية الأمر، سلام إذا لم نعترف بكارثتهم، لكننا لا نستطيع أن نعترف بها ما ظلوا يستغلونها ليجلبوا علينا الكارثة ... حينما يعترف الفلسطينيون بالرواية اليهودية الكبرى سنستطيع نحن أيضا الاعتراف بروايتهم وكارثتهم». هكذا تبدو المسألة بالنسبة للصهيوني المتحذلق واضحة جداً: «حينما يعترف أخونا التوأم بأننا هنا ومن حقنا أن نكون هنا، نستطيع أن نألم ألم من كان هنا وذهب من هنا، ولن يعود»! المسألة بسيطة، على «الأخ التوأم» الفلسطيني، أن يعترف بالسارق والسرقة كما جاءا في «الرواية الصهيونية»، وأن يسلم بحقه في ما سرق، وبالمقابل يعترف السارق بالكارثة التي حلت بالمسروق ولكن مع التأكيد على أنه «كان هنا وذهب ولن يعود». منتهى العدل، إنها قسمة ضيزى. وبكلمات صهيوني ثالث، يدعى يحيئيل شفي (إسرائيل اليوم- 14-5-2012): «يجب على «إسرائيل» والعرب أن يقولوا نعم للذاكرة، لكن لا للعودة»، حتى بالنسبة للمهجرين داخل «الخط الأخضر».

تلك هي «الموضوعية الصهيونية» فيما يخص اغتصاب 1948، فماذا عن احتلال 1967؟ هنا لا بد من العودة إلى أرئيلي الذي يقول: «حكومات «إسرائيل» منذ ثلاثة عقود، وبرغم أنها قبلت صيغة 242، لا تعرض في التفاوض مواقف تلائمها بل تعمل على الأرض بما يخالفها ... فيلغي الوزراء من جهتهم نفاذ القرارات الدولية بعد (وعد بلفور) وكتاب الانتداب. وهم يرون أنه لا نفاذ لقرار التقسيم، حتى ولو كانت دولة «إسرائيل» قد أنشئت على أساسه، ولا نفاذ لقرار 242 وإن كنا قد وقعنا على أساسه على الاتفاقات مع الفلسطينيين، ولا نفاذ للاعتراف الدولي بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة إلى جانب «إسرائيل»، لأنهم يعتقدون أنه يجب على الفلسطينيين أن يروا أن الأردن وطنهم ...».

وعلينا أن لا نفرح كثيراً بـ «موضوعية» السيد أرئيلي، لأننا لو سألناه عن «الدولة المستقلة» التي يلمح إليها، سنجد أنها لا بد أن تكون منزوعة السلاح، بدون القدس، وببقاء الكتل الاستيطانية الكبرى على أرضها، وبعد شطب حق اللاجئين في العودة. هكذا الاعتدال، وهكذا الموضوعية، وهذه هي الطريق إلى السلام!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2177861

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177861 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40