الخميس 31 أيار (مايو) 2012

إذا كان غريمك القاضي

الخميس 31 أيار (مايو) 2012 par أمجد عرار

كتب علينا أن نكون جيلاً ولد ونما وترعرع ونزل إلى الشارع وارتاد السوق وتوجّه للمدرسة والجامعة، كل ذلك تحت حراب الاحتلال. منذ صغرنا نسمع من آبائنا وأجدادنا أمثالاً وحكايا ترتبط على نحو مباشر، أو غير مباشر بالاستعمار وطبعاته المتتالية والاحتلال، وتوسّعه المتصاعد عبر سنوات التردي والهزائم. بعض السياسيين، مدعومون من «فتاوى» أشباه مثقفين، مهّدوا الأرضية للجوء بعض الفلسطينيين لمحاكم الاحتلال لكي تعيد لهم حقوقهم. هذه المحاكم وعلى رأسها ما تسمى محكمة العدل العليا، ولتمرير اللعبة، لا تجد ضيراً في إصدار أحكام لمصلحة أصحاب قضايا هامشية وغير رئيسة. وهي شكّلت منذ إنشاء «إسرائيل» الأداة القضائية التي تغطي سياساتها شتى المجالات. ورغم محاولات المحامين الفلسطينيين المتكررة مقاطعة محاكم الاحتلال ودعوة الفلسطينيين أيضاً لمقاطعتها، وعدم منح سياسات الاحتلال واستهدافاته للفلسطينيين وممتلكاتهم الغطاء القانوني الذي تريده، إلا أن هذه المحاولات والدعوات لم تتحوّل إلى موقف يلتزم به كل الفلسطينيين بسبب فذلكات بعض السياسيين، والمثقّفين الذين يشجّعون كل ما يغطي عجزهم أو تواطؤ بعضهم.

لكن عجائزنا الذين لم يتعلّموا أو تلقوا تعليم «فك الحرف» في المساجد والكتاتيب حين كانت الرسوم رغيفاً وبيضة، لم تدخل رؤوسهم فكرة اللجوء إلى محاكم الاحتلال من أجل الشكوى عليه أو استرداد حق شخصي منه، فكانوا يكرّرون دائماً المثل القائل «إذا كان غريمك القاضي، فلمن تشتكي؟».

هذا ما يحصل دائماً منذ أصدرت محكمة «إسرائيلية» حكماً بتغريم الضابط المسؤول عن مجزرة دير ياسين أغورة واحدة، وهي، لمن لا يعرفها، أصغر وحدة في العملة «الإسرائيلية» في ذلك الوقت ولم تكن تكفي لشراء علبة كبريت.

قبل يومين أغلقت محكمة «إسرائيلية» ملف «فتوى» أصدرها حاخامات تبيح قتل الفلسطينيين، بذريعة أن دعوتهم تندرج في إطار الفتاوى الدينية التي لا تدخل في نطاق المحاكمات. إذن هي ضوء أخضر وغطاء قانوني وشرعنة لدعوات قتل الفلسطينيين، ولغيرها من جرائم سرقة الأرض وهدم المنازل.

في ظل هكذا معادلة، لا غرابة في أن يمنح قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال أحد جنوده، قبل شهرين، وساماً لإطلاقه النار على شاب فلسطيني من بلدة يطا الواقعة جنوبي الضفة الغربية خلال مواجهات اندلعت لمنع اعتقال أسير محرر أفرج عنه ضمن صفقة الجندي «الإسرائيلي» شاليت. وساق المسؤول «الإسرائيلي» الرواية المضللة ذاتها عن تهديد الفلسطيني لحياة الجندي. ولم يكن من قبيل المصادفة أن تزامنت مراسم منح الوسام للجندي مع احتفال «إسرائيل» بذكرى ما تسميه استقلالها، أي ذكرى النكبة.

وحتى هذا الشكل المسرحي للقضاء «الإسرائيلي» لم يقل شيئاً في جريمة إفقاد طفل فلسطيني في السادسة عشرة من عمره القدرة على الكلام من جراء التعذيب الذي تعرض له على أيدي جنود الاحتلال الذين لم يكتفوا بإصابته برصاصات عدة، بل قاموا بضربه على رأسه وعلى أماكن إصابته.

أيضاً هي جريمة أخرى تضاف إلى سلسلة الجرائم التي يرتكبها الاحتلال ومستوطنوه ومؤسساته كلها بحق الشعب الفلسطيني، وبحق أطفاله ونسائه وشيوخه، وبحق الآلاف من أسراه، من دون أن تلقى هذه الجرائم الحد الأدنى من الاهتمام مما يسمى المجتمع الدولي وعواصمه ومؤسساته التي تسن سكين «ضميرها» على نحو انتقائي، وفي توظيف سياسي خسيس يخضع للمعايير متعددة الأوجه. هذه السياسة المتواطئة، والمتآمرة على الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وشعوب الدول التي لا تروق للغرب، وربيبته المدلّلة «إسرائيل»، فيما تجاوزت أمتنا العربية حدود البؤس وعبر البعض فيها حدود استمراء الاستعمار والذل والتبعية. فإذا كان الطفل الفلسطيني فقد القدرة على الكلام من جراء تعذيبه بأيدي جنود الاحتلال، فإن كثيرين في هذه الأمة فقدوا القدرة على الكلام من دون تعذيب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 83 / 2165514

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165514 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010