الجمعة 22 حزيران (يونيو) 2012

عرض كتاب | الرؤية الاستراتيجية.. أمريكا وأزمة القوة العالمية

الجمعة 22 حزيران (يونيو) 2012

يناقش المؤلف في هذا الكتاب الأزمة العالمية في التنافس على القوة، ويضع رؤيته للعالم في حال تراجع الدور الأمريكي بعد ما يقارب عقدين من الزمن، خاصة أن العالم في الوقت الراهن يعيش على أصداء صعود دول كبرى، من شأنها أن تحوّل مركز ثقل القوة العالمية من الغرب إلى الشرق، وسط الصحوة السياسية التي تعمّ شعوب العالم، وظهور علامات تدهور الأداء الأمريكي على الصعيدين المحلي والدولي. كما يناقش أن هذه الأزمة تفرض تحديات خطرة طويلة الأمد، ليس على المصالح الأمريكية فقط، بل على بعض الدول المعرّضة للتهديد والخطر، وكذلك على الجهود المبذولة في وجه التهديدات العالمية، مثل التسليح النووي، وتغير المناخ، والاستقرار الجيوسياسي.

يرى في رؤيته الاستراتيجية أن الولايات المتحدة يجب أن تقوم بحلّ مشكلاتها الداخلية، وأن تسعى إلى استراتيجية، يمكن بها أن تستجيب للمصالح الاستراتيجية المختلفة . كما يرى أنها لابد أن تلعب دوراً أكبر في توحيد أوروبا، وأن تعمل على انخراط تركيا وروسيا في الغرب أكثر. ويبين أنه يتوجب عليها أن تخلق توازناً بين الدول الصاعدة في الشرق، وتتجنب أيّ تدخّل عسكريّ مباشر في صراعات الأرض الآسيويّة، وتدعم في الوقت نفسه تحالفها مع اليابان، وتعزّز علاقات التعاون مع الصين.

والمؤلف: بروفيسور في السياسة الخارجية الأمريكية في مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكنز. ومستشار لمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، وكان يشغل منصب مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، وله العديد من المؤلفات المهمّة.

الكتاب صادر عن دار «بيسك بوكز» الأمريكية في 208 صفحات من القطع المتوسط 2012.

[rouge]هيمنة الناتو تعززها منظمات دولية مثل البنك والصندوق الدوليين[/rouge]

ينقسم الكتاب، بعد المقدمة، إلى أربعة فصول: 1- الغرب المتقهقر. 2- انحسار الحلم الأمريكي. 3- العالم بعد أمريكا: بحلول 2025، فوضى عارمة لا سيادة فيها للصين. 4- مابعد 2025: توازن جيوسياسي جديد. أخيراً: الخاتمة بعنوان: دور أمريكا الثنائي.

نستعرض وإياكم فصول الكتاب، نتناول فيها بإيجاز ما يودّ أن يطرحه المؤلف في رؤيته الاستراتيجية هذه، بحيث نركز فيها على أهم الأفكار.

في مقدمته يبين المؤلف أن هذا الكتاب يسعى إلى الإجابة عن أربعة أسئلة رئيسة نلخصها بالتالي:

1- ما هي نتائج التوزيع المتغيّر للقوة العالمية من الغرب إلى الشرق، وكيف تأثرت بالحقيقة الجديدة لإنسانية متيقظة سياسياً؟

2- لماذا قوة الثقل العالمية لأمريكا تتراجع، ما هي الأعراض المحلية والدولية لانحدار أمريكا، وكيف أضاعت أمريكا الفرصة العالمية الفريدة التي عرضتها النهاية الهادئة للحرب الباردة؟ وبالمقابل، ما هي قوى أمريكا المتعافية؟ وما ضرورة إعادة التوجيه الجيوسياسي لإنعاش دور أمريكا العالمي؟

3- ماذا ستكون النتائج الجيوسياسية المحتملة لو أن أمريكا انحدرت من موقعها المتفوق على المستوى العالمي، ومن هم الضحايا الجيوسياسيون شبه الفوريين لمثل هذا الانحدار، وما هو التأثير الذي يمكن أن تخلّفه في مشكلات القرن الواحد والعشرين على النطاق العالمي، وهل يمكن للصين أن تضطلع بدور أمريكا المركزي في الشؤون العالمية بحلول عام 2025؟

4- بالنظر إلى ما بعد 2025، كيف يجدر بأمريكا ناهضة أن تعرّف أهدافها الجيوستراتيجية على المدى الطويل، وكيف يمكن لأمريكا، مع حلفائها الأوروبيين التقليديين، السعي إلى إدماج تركيا وروسيا، بهدف بناء غرب أكبر وأكثر قوة؟ وفي الوقت نفسه، كيف يمكن لأمريكا أن تحقق التوازن في الشرق بين الحاجة لتعاون وثيق مع الصين، وحقيقة دور أمريكي بنّاء في آسيا يستحسن ألا يكون للصين دور المركز فيه بشكل حصري، ولا يتضمن تشابكات خطرة في الصراعات الآسيوية؟

الإجابة عن هذه الأسئلة خلال الكتاب تبين أن دور الولايات المتحدة سوف يكون ضرورياً على مدى السنوات المقبلة. وفي الحقيقة، هذه التغيرات المستمرة في توزيع القوة العالمية وتصاعد الصراع العالمي يجعل ضرورياً أكثر ألا تتراجع الولايات المتحدة إلى ذهنية الدولة الحامية الجاهلة، أو أن تتخبط في نشوة ثقافية بقدر عالٍ من الثقة. ويؤكد المؤلف أن العالم يحتاج أمريكا بشكلها الاقتصادي الفعال، والاجتماعي الجذاب، وذات النفوذ من دون التخلي عن حسّ المسؤولية، ومتزنة على نحو استراتيجي، ومحترمة على الصعيد الدولي، وتكون مطلعة على اندماجها العالمي مع الشرق الجديد مع وضع التاريخ في الاعتبار.

[rouge]القوى العالمية[/rouge]

يشير المؤلف إلى أن فكرة القوة المهيمنة على المستوى العالمي في حدّ ذاتها هي تطور تاريخي حديث. ذلك أنه على مدار الآلاف من السنين عاشت البشرية على شكل مجتمعات منعزلة، لم تكن واعية بالمجتمعات الأخرى، التي تفصل بين كل منها مسافات شاسعة. وخلال ما يقارب الثمانمئة سنة المنصرمة، بدأ الوعي بوجود الآخرين يتخلل الوعي الإنساني، عبر البعثات الدراسية، ووضع الخرائط للمناطق المجهولة، وكذلك عبر الاستعمار، والهجرات الكبيرة. وبشكل نهائي، قادت تلك المعرفة إلى حدوث نزاعات إمبريالية، قادت بدورها إلى نشوب حربين عالميتين على الهيمنة العالمية، ثم إلى مواجهة الحرب الباردة. وفي العقود الأخيرة، بعد التقاط صور الأرض في الليل من الفضاء الخارجي، ظهر التناقض الواضح بين مناطق تمركز المجتمعات البشرية المتحضرة، خاصة في الغرب التي تظهر مضاءة في الليل، والمناطق المظلمة التي تمثل بقية مناطق العالم المزدحمة.

يقف المؤلف بحديثه على مساحات الإمبراطوريات في العالم التي أكبرها كانت البريطانية، وتقهقرت في عام 1920، ثم عن الدول الأوروبية شمال الأطلسي، التي قامت من القرن السادس عشر حتى منتصف القرن العشرين بفرض هيمنتها على مناطق وأراض امتدت إلى كافة الكرة الأرضية، وكذلك يتحدث عن استعمار الدول الإمبريالية، مثل البرتغال وإسبانيا لأمريكا الجنوبية، وبريطانيا وفرنسا لأمريكا الشمالية، والوصول إلى المحيطين الهندي والهادي.

خلال هذه الفترات، كانت الصراعات بين الدول الاستعمارية مستمرة للاستيلاء على الدول، وامتد الصراع بين هذه الدول على أوروبا نفسها، قبل الدخول في تحالف مشترك ضد ألمانيا، القوة الأوروبية الصاعدة، التي دخلت في المنافسة على الهيمنة العالمية. وبعد خوض الحربين العالميتين خرجت أوروبا منهكة ومقسمة ومحبطة، والاتحاد السوفييتي بدا هادئاً في التوجه نحو الغرب.

[rouge]تشكّل القوّة الأمريكية[/rouge]

يرى المؤلف أنه في هذه الفترة، كانت الولايات المتحدة تطور قدراتها العسكرية والصناعية في عزلة جغرافية هانئة، بعيدة عن الصراعات الإمبريالية المدمرة. وكان تدخلها في الحربين العالميتين حاسماً في منع تفوق القوة الألمانية في أوروبا، ورغم تدخلها، فقد بقيت بمنأى عن الدمار الحاصل، والمذابح الناشئة عن الصراعات. علاوة على أن موقعها الجيوسياسي المحسودة عليه والوضع الاقتصادي في نهاية الحرب العالمية الثانية رفعاها إلى حالة جديدة، حالة من التفوق العالمي.

كنتيجة، فإن الحرب الباردة السوفييتية - الأمريكية اللاحقة عجلت بظهور الغرب المطل على الأطلسي تحت قيادة الولايات المتحدة، وهذا الرباط بين الدول الغربية والولايات المتحدة كان للتصدي في وجه الكتلة السوفييتية - الصينية عبر أوراسيا، وتم إضفاء الطابع المؤسساتي في الجانب الأمني مع نشوء حلف شمال الأطلسي، ورغم أن أوروبا الغربية، الساعية إلى التعافي من آثار الحرب العالمية الثانية، تلاحمت بشكل اقتصادي عبر المؤسسة الاقتصادية الأوروبية، التي تطورت فيما بعد إلى الاتحاد الأوروبي، بقيت عرضة لتهديد القوة السوفييتية، أما أوروبا الشرقية فأصبحت بشكل رسمي تقريباً محمية أمريكية، وبشكل غير رسمي تابعة مالياً واقتصادياً.

وبعد أربعة عقود من الزمن ظهر الغرب عبر الأطلسي قوة عالمية مهيمنة، وانهار الاتحاد السوفييتي بسبب التفكك الاجتماعي، والحماقة السياسية، والفشل الإيديولوجي والاقتصادي للماركسية، وكذلك سياسات الغرب الناجحة في الاحتواء العسكري والاختراق الإيديولوجي الهادئ. وكانت النتيجة الفورية هي انتهاء التفكك الأوروبي بعد نصف قرن من الزمن. وعلى الرغم من التهديدات العسكرية المستمرة، بقيت القوى الأطلسية قادرة على إضفاء الطابع المؤسساتي على موقعها المهيمن في العلاقات العالمية، عبر شبكة من المنظمات الدولية المتعاونة، تراوحت من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلى الاتحاد الأوروبي نفسه.

ويقف في حديثه على بدء التدخل الأمريكي في منطقة «الشرق الأوسط»، التي قادتها الأطماع النفطية.

[rouge]انتقال مركز الثقل العالمي[/rouge]

يرى المؤلف أن التأثير المتراكم للعديد من الأحداث والأزمات العالمية، وآخرها الأزمة الاقتصادية في 2008، صنعت حقيقة جيوسياسية جديدة وهي: التغير المهم في مركز ثقل القوة العالمية، والديناميكة الاقتصادية من الأطلسي نحو الهادي، من الغرب إلى الشرق. ويشير إلى آراء المؤرخين الاقتصاديين حول حقيقة أن آسيا كانت المنتج المهيمن لإجمالي الإنتاج العالمي حتى القرن الثامن عشر، ففي أواخر سنة 1800م، استأثرت آسيا بـ 60% من إجمالي الإنتاج العالمي، على النقيض من أوروبا 30%. حصة الهند وحدها في إجمالي الإنتاج العالمي بلغت 25% في عام 1750 م، لكن خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، ومع تدخل الإمبريالية الأوروبية المدعومة بالتطور المالي والصناعي لأوروبا، تراجعت حصة آسيا العالمية بشكل متسارع. وبحلول عام 1900، تقلصت حصة الهند إلى 6 .1% تحت الحكم الإمبريالي البريطاني المطوّل. والشيء نفسه بالنسبة للصين، فقد كان تأثير الإمبريالية البريطانية كبيراً فيها، خاصة من جانب التجار الذين عانوا عجزاً نقدياً، جراء شراء الشاي والخزف والحرير الصيني، وسعياً منهم للتعافي باعوا مخدر الأفيون إلى المستوردين الصينيين. وأما الانحدار السريع في دور الصين في الاقتصاد العالمي فكان بسبب تأخر بكين في حظر استيراد الأفيون، وفرض قيود على التجار الأجانب، ثم التدخلين المسلحين، الأول بريطاني، والثاني فرنسي وبريطاني. حتى أن هذا الحديث دفع بالبعض إلى أن يروا الصعود الاقتصادي الحالي في آسيا هو أصلاً عودة إلى الحالة الطبيعية التي كان عليها في السابق. ولكن من المهم ملاحظة أن التفوق الاقتصادي في آسيا كان في مناطق منعزلة، وغير متفاعلة مع بقية العالم، وكانت العلاقات مع أوروبا مقتصرة على التجارة عبر بضعة موانئ، أو كانت عبر القوافل التجارية عبر طريق الحرير.

[rouge]صعود آسيوي مخيف[/rouge]

يشير المؤلف إلى أن صعود القوى الآسيوية الثلاث: (اليابان، الصين، الهند) لم يغير بشكل كبير جداً الترتيب العالمي للقوة، بل أبرز تبدد القوة العالمية. ذلك أن ظهور هذه الدول الآسيوية كلاعبين اقتصاديين-سياسيين مهمين هي بشكل محدد ظاهرة بعد الحرب العالمية الثانية، لأنه ولا دولة من هذه الدول استطاعت أن تستغل خيراتها لمصلحة السكان حتى النصف الثاني من القرن العشرين.

يذكر أن خوف الولايات المتحدة من صعود دور اليابان في الاقتصاد العالمي بعد الدمار الذي أحيق بها في الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من مخاوف الهيمنة الاقتصادية العالمية من قبل اليابانيين لم تكن حقيقية، إلا أن تعافي اليابان بعد الحرب العالمية الثانية أيقظ الغرب على إمكانية أن تفرض آسيا دوراً سياسياً واقتصادياً أكثر، خاصة بعد النجاحات الاقتصادية في المنطقة، بشكل بارز كوريا الجنوبية، التي بدأت منذ 1960، بتأسيس اقتصاد قائم على التصدير، وبحلول 2010، أعلن رئيس كوريا الجنوبية عن استعداد بلاده لأن تلعب دوراً رئيساً في صنع القرار الاقتصادي العالمي، وبشكل رمزي، استضافت سيؤول قمة مجموعة العشرين في 2010، ونجد في الوقت نفسه أن كل من تايوان وسنغافورة ظهرتا كنماذج ديناميكية للنجاح الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، مع الاعتبار للنسب الأعلى للنمو خلال النصف الثاني من القرن العشرين أكثر مما حققته الاقتصادات الأوروبية خلال فترة التعافي بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن هذه كانت مقدمة فقط للتغير الأكثر دراماتيكية في الترتيب الهرمي الاقتصادي والجيوسياسي للعالم، وهو صعود الصين الهائل، حيث وصلت إلى مصاف القوة العالمية الرائدة في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين . ويعود جذور هذا الظهور العالمي للصين إلى العديد من العقود، بدأت مع طلب المثقفين الصينيين الشباب القوميين إحداث انتعاش وطني في الاقتصاد، وتوج بعد عدة عقود بنصر الشيوعيين الصينيين. إلا أن الانطلاقة القوية في الحداثة الاقتصادية والاجتماعية للصين بدأت مع القائد الصيني دينغ شياوبنغ الذي قاد الصين من (1978 حتى 1992)، الذي حرر السوق من قيوده، وبالتالي فتح الصين على العالم الخارجي، ووضع الصين على مسار نمو وطني لا مثيل له. وصعودها أشار إلى علامات نهاية الغرب الوحيد المهيمن، وكذلك تغير مركز الثقل العالمي باتجاه الشرق.

[rouge]صعود الهند المحدود[/rouge]

كما يشير المؤلف إلى أن الانتقال المستمر نحو الشرق في توزيع القوة العالمية كان مدفوعاً بظهور الهند ما بعد الاستعمار على المشهد العالمي، وهي من بين أكبر الدول تعداداً بالسكان، ولها تطلعات عالمية. والهند المعاصرة هي مزيج معقد من الحكم الذاتي الديمقراطي والظلم الاجتماعي المتفشي، والديناميكية الاقتصادية والفساد السياسي المنتشر، ونتيجة لذلك ظهورها السياسي كقوة في العلاقات العالمية جاء بعد الصين. وكانت الهند بارزة في تقاسم القيادة مع ما يسمى دول عدم الانحياز، واصطدامها العسكري السريع مع الصين في عام 1962 انتهى بهزيمتها، إلا أنها استردت أنفاسها مع نجاحاتها العسكرية في حربين خاضتهما مع باكستان الأولى في عام 1965، والثانية عام 1971، وعموماً، كان تفوق الهند مقتصراً على الآراء الأخلاقية في الشؤون العالمية، من دون أن يكون لها نفوذ متعادل. إلا أن هذا الفهم بدأ بالتغيير نتيجة لتطورين مهمين: إجراء الهند اختباراً لأداتها النووية في عام 1974، وللأسلحة النووية في عام 1998، وفترة نموها الاقتصادي المدهش الذي بدأ في أوائل التسعينات من القرن المنصرم.

ويرى المؤلف أن النخبة السياسية الهندية تدفعها رؤية استراتيجية طموحة، وذلك بالتركيز على ضمان نفوذ عالمي أكبر وإيمان بصدارتها على الصعيد الإقليمي. كما أن تحسن العلاقات الهندية-الأمريكية خلال العقد الأول من هذا القرن، عزز بشكل كبير المرتبة العالمية للهند، وأشبع تطلعاتها العالمية. ويبقى صراعها الشديد مع باكستان والذي يتضمن منافسة على نفوذ أكبر في أفغانستان انحرافاً جدياً عن تطلعاتها الجيوسياسية الأكبر. ولذلك كانت رؤية السياسة الخارجية الهندية هي أن الهند ليست خصماً للصين فقط، بل كانت في السابق إحدى القوى العالمية الكبرى، التي تفتقر إلى واقعية رصينة.

[rouge]صعود وانحدار الإمبراطوريات[/rouge]

يجد المؤلف أن هذه القوى الآسيوية لم تكن، وليست متحدة إقليمياً كما هو حال حلف الأطلسي خلال الحرب الباردة، إنهم خصوم، ويشبهون في العديد من الجوانب القوى الأطلسية الأوروبية خلال صراعاتهم الاستعمارية ثم صراعاتهم الأوروبية القارية لأجل التفوق الجيوسياسي، الذي توج بالخراب الناتج عن الحربين العالميتين الأولى والثانية. ويرى أن الخصومة الآسيوية الجديدة يمكن لها أن تهدد الاستقرار الإقليمي، خاصة أن هذه القوى الآسيوية تملك أعداداً هائلة من السكان، بالإضافة إلى امتلاكها السلاح النووي.

ويوضح المؤلف أن الولايات المتحدة لا تزال بارزة، إلا أن شرعية وفعالية وديمومة قيادتها موضع شك بشكل كبير على مستوى العالم، وذلك بسبب تعقيد تحدياتها الداخلية والخارجية. كما يرى أن الاتحاد الأوروبي يمكن أن ينافس ليكون القوة العالمية الثانية، لكن ذلك يتطلب اتحاداً سياسياً متيناً أكثر، مع سياسة خارجية مشتركة وقدرة دفاعية مشتركة. ويجد أن أي تصنيف متسلسل للقوى الرئيسة الأخرى وراء القوتين الأوليتين غير دقيق، فأي قائمة لابد أن تتضمن روسيا، اليابان، والهند، بالإضافة إلى القادة غير الرسميين للاتحاد الأوروبي: بريطانيا العظمى، ألمانيا، فرنسا.

ويشير المؤلف إلى التغيرات الخمسة في القيادة العالمية خلال قرن من الزمن من عام 1910 إلى عام 2010:

أولاً: كانت الإمبراطوريتان البريطانية والفرنسية مهيمنتين عند اندلاع الحرب العالمية الأولى، وكانتا متحالفتين مع روسيا القيصرية الضعيفة التي تعرضت للهزيمة من قبل اليابان الصاعدة. وكانت تتعرض للتحدي من قبل ألمانيا النازية التي دعمتها الإمبراطوريتان المتهاويتان الهنغارية - النمساوية والعثمانية. وأمريكا على الرغم من أنها كانت حيادية في البداية، إلا أنها لعبت دوراً حاسماً في الإسهام بالنصر الأنغلو - فرنسي.

ثانياً: بين الحربين العالميتين، برزت بريطانيا القوة العالمية المهيمنة وأمريكا كانت صاعدة بشكل واضح.

ثالثاً: بين الحربين الباردة التي شهدت صراعاً بين القوتين العالميتين: الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، وإرادة كل منهما كانت تلقي بظلالها على الجميع.

رابعاً: الهزيمة الأخيرة للاتحاد السوفييتي قادت إلى مرحلة القطب الواحد، حيث أصبحت الولايات المتحدة القوة العالمية الوحيدة.

وخامساً: بحلول 2010، لا تزال الولايات المتحدة مهيمنة، إلا أن مجموعة جديدة من القوى تتسم بالتعقيد، من ضمنها عنصر آسيوي متنام، تصعد بشكل واضح.

[rouge]النظام المالي الخاطئ لواشنطن قنبلة موقوتة شاملة[/rouge]

يؤكد المؤلف في الفصل الثاني من الكتاب بعنوان «انحسار الحلم الأمريكي» أن أمريكا هي محط أنظار العالم وحسده بديمقراطيتها المتعددة العرقيات، وهذه الحقيقة - في رأيه - تثير بعض الأسئلة الملحة:

هل النظام الأمريكي لا يزال نموذجاً يستحق الاقتداء به؟ هل الشعوب التي تعيش صحوة سياسية ترى في الولايات المتحدة صورة متفائلة لمستقبلها؟ هل ترى هذه الشعوب الولايات المتحدة قوة مؤثرة في العلاقات الدولية؟ ونظراً لقدرة أمريكا على التأثير في الأحداث العالمية بشكل بناء يعتمد على كيف يتأمل العالم نظامها الاجتماعي ودورها العالمي، وذلك يتبع أن موقف أمريكا في العالم سوف ينحدر بشكل حتمي لو أن الحقائق المحلية السلبية والمبادرات الخارجية المستاءة على الصعيد الدولي تنزع شرعية دور أمريكا التاريخي. ولذلك يرى المؤلف أن الولايات المتحدة بكل قوتها الفريدة والمتماسكة، يجب أن تتجاوز تحدياتها المحلية الكبيرة، وتعيد توجيه سياستها الخارجية، لكي تستعيد إعجاب العالم وتنعش صدارتها على وجه شامل.

[rouge]ماذا بقي من الحلم الأمريكي؟[/rouge]

يتحدث المؤلف عن الحلم الأمريكي الذي طالما جذب الملايين على مدى عقود من الزمن، ويرى أن هذا الجذب التاريخي الطويل للولايات المتحدة ينبع من جمعها بين المادية والمثالية، وكلاهما مصادر قوية لتحفيز الروح الإنسانية، وهذا ما ميز أمريكا منذ البداية.

يقف المؤلف على ستة اتجاهات أو أبعاد نقدية تظهر التزامات الولايات المتحدة الرئيسة التي تهددها بخطر كبير، وتقدم حالياً حصانة لهؤلاء الذين سبق أن اقتنعوا بانحدار الولايات المتحدة الحتمي، وهي:

أولاً: الديون القومية المتزايدة، فوفقاً لمكتب الميزانية في الكونغرس، استقر الدين الأمريكي العام على نحو 60% من إجمالي الناتج القومي. ويرى المؤلف أن المديونية القومية المتزايدة سوف تزيد من قابلية الولايات المتحدة للتعرض لأي مكائد من الدول الرئيسة المقرضة مثل الصين، بالتالي هذا يهدد حالة الدولار الأمريكي كعملة احتياط عالمية، وتضعف الدور الأمريكي كنموذج اقتصادي متفوق في العالم، وبالمقابل، يؤثر في قيادة منظمات مثل مجموعة العشرين، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، كما تحدّ من قدرتها على تحسين نفسها على الصعيد المحلي، وإلى حد يمكن فيه حتى أن تزيد التمويل المطلوب لخوض المعارك.

ثانياً: النظام المالي الخاطئ للولايات المتحدة هو التزام أساسي لها، وهذا النظام يقدم نقطتي ضعف، الأولى: إنها قنبلة موقوتة شاملة، لا تهدد فقط الأمريكيين بل أيضاً الاقتصاد العالمي، بسبب سلوكها الخطر، وما فيها من تضخيم للذات. والثانية: أنتجت خطراً أخلاقياً من شأنه أن يسبب السخط في الداخل، ويضعف الجاذبية الأمريكية في الخارج بتقوية مآزق أمريكا الاجتماعية.

ثالثاً: توسيع اللامساواة في الدخل المقترن مع تخفيف التعبئة الاجتماعية يشكّل خطراً طويل الأمد على الإجماع الاجتماعي، والاستقرار الديمقراطي، وهذان الشرطان ضروريان لدعم السياسة الخارجية للولايات المتحدة على نحو فعال.

رابعاً: البنية التحتية الوطنية المتدهورة للولايات المتحدة، على عكس الصين التي تبني مطارات وطرقاً جديدة، وكذلك تملك مع اليابان وأوروبا سكك حديد لقطارات سريعة بتقنية عالية، وتملك الصين وحدها 5000 كم من خطوط السكك الحديدية، في الوقت الذي لا تملك فيه الولايات المتحدة شيئاً، ومطارات شنغهاي وبكين تتقدم على مطارات نيويورك وواشنطن من حيث التقنية والتصميم. ويرى المؤلف أن البنية التحتية الأمريكية تستمر بالتلاشي، وسوف تؤثر بشكل حتمي في الناتج الاقتصادي، في وقت تشهد فيه منافسة أكبر مع القوى الصاعدة.

خامساً: جهل العامة بالعالم الخارجي على نحو كبير، خاصة في الجانب الجغرافي، والأحداث الحالية، وحتى اللحظات الحاسمة في التاريخ العالمي، فأغلب الشعب الأمريكي لا يملك أدنى معرفة بمواقع الدول التي تخوض الولايات المتحدة على أرضها حروباً، وهذا يرجع برأيه إلى النظام التعليمي العام، الذي يشهد عجزاً وضعفاً في أجزاء منه. فحسب استطلاع على البالغين الأمريكان، 63% منهم لم يستطع تحديد موقع العراق على خريطة «الشرق الأوسط»، و75% منهم لم يستطع تحديد موقع إيران، و88% منهم لم يتمكن من تحديد موقع أفغانستان. ويجد أن الإعلام الأمريكي يقتصر بتغطيته في الأغلب على الأحداث الكارثية والقصص الإنسانية، ويبتعد عن التطرق في الأغلب إلى الشؤون العالمية.

سادساً: هذا الالتزام، مرتبط بالخامس، هو النظام السياسي المتحيز والمنغلق على نحو كبير. وأصبح التوصل إلى تسوية سياسية يتسم أكثر بالمراوغة، بشكل جزئي بسبب الإعلام، خاصة التلفزيون، أحاديث الإذاعة، والمدونات السياسية، التي يسيطر عليها بشكل كبير حديث تحزبي لاذع، بينما يكون العامة غير المطّلعين بشكل نسبي عرضة للغوغائية المانوية.

[rouge]هل الانحدار الأمريكي حتمي؟[/rouge]

يشير المؤلف إلى أن التزامات أمريكا وأرصدتها تشير إلى مقترح نقدي متعلق بقدرة النظام الأمريكي للمنافسة على المستوى العالمي، ففي برأيه لا يزال المستقبل المنظور (خلال العقدين القادمين) أمام الولايات المتحدة مفتوحاً لتشكّل نفسها، وتصحح النقائص الواضحة التي تعانيها، لو أنها تأخذ المنفعة الكاملة من قواها المعتبرة في المجالات الرئيسة الستة التالية: القوة الاقتصادية الشاملة، الإمكانية الابتكارية، ديناميكيات ديموغرافية، التعبئة التفاعلية، القاعدة الجغرافية، النداء الديمقراطي. ويبين المؤلف أن الحقيقة الأساسية التي يفتقد إعادة بناء النظام الأمريكي المعاصر حالياً إليها، هي أن انحدار الولايات المتحدة ليس شيئاً مقدّراً.

يوضح المؤلف أن الولايات المتحدة دائماً ما كان ينظر إليها على أنها المحرّك الاقتصادي في العالم، والنموذج السياسي، والمنارة الاجتماعية، والقوة العظيمة التي لا يمكن تحديها، واستغلال ذلك قاد في الحقيقة إلى ائتلاف عالمي ناجح لطرد القوات العراقية من الكويت، وكذلك فعلت الشيء نفسه مع الدعم الروسي، والالتزام الصيني، والمشاركة السورية. إلا أنه يرى أن الولايات المتحدة فشلت في معالجة لغز الصراع الفلسطيني - «الإسرائيلي»، فمنذ سنة 1967، يمكن القول إن مشكلات «الشرق الأوسط»، مفاتيح حلها في يد الولايات المتحدة، وذلك نتيجة لدورها البارز في المنطقة، ويستثني دور الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في الدفع إلى اتفاقية السلام المصرية - «الإسرائيلية»، وفي رأيه لعبت الولايات المتحدة دوراً سلبياً على نحو كبير في وضعها العالمي المهيمن في سنوات التسعينات، وخصوصاً بعد اغتيال رئيس الوزراء «الإسرائيلي» إسحاق رابين على يد معارض لعملية السلام في 1995.

ويشير المؤلف إلى أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أثارت ثلاثة ردود أفعال رئيسة لدى الولايات المتحدة:

أولاً: التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان، ليس فقط لسحق القاعدة، وإطاحة نظام طالبان، الذي أصبح ملاذاً للقاعدة وحامياً لها، لكن الولايات المتحدة أرادات أن تقيم نظاماً ديمقراطياً في أفغانستان.

ثانياً: في أوائل 2002، أيّد جورج بوش العملية العسكرية التي قام بها رئيس الوزراء «الإسرائيلي» أرئيل شارون لسحق منظمة التحرير الفلسطينية في الضفة الغربية.

ثالثاً: في أوائل ربيع 2003، غزت الولايات المتحدة العراق بسبب اتهامات لا أساس لها من الصّحة حول الارتباط العراقي مع القاعدة، وامتلاكه المزعوم لأسلحة الدمار الشامل . وهذه الأفعال سلطت الضوء على الروح العدوانية العامة تجاه الولايات المتحدة في «الشرق الأوسط»، عززت من موقف إيران الإقليمي، وأدخلت الولايات المتحدة في حروب مطولة مكلفة على اقتصادها.

يرى المؤلف أن الحرب على العراق لم تكن ضرورية، وكان من الأجدى تجنبها، ذلك أنها لعبت دوراً في إطالة أمد الصراع الدموي في أفغانستان، وزادت في تعقيد النزاع على الصعيد الإقليمي، خاصة تأثيره المتزايد في باكستان. كما يرى أنه كان يفترض بالولايات المتحدة ألا تهمل أفغانستان بعد الانسحاب السوفييتي منها، فقد كانت البلاد في حالة مقسمة وبحاجة ماسة إلى المساعدة الاقتصادية، لاستعادة بعض التوازن، وقد كانت إدارتا بوش وكلينتون غير مباليتين بأفغانستان على نحو سلبي. وكانت النتيجة أن سدت طالبان ذلك الفراغ الحاصل في سنوات التسعينات هناك، بدعم من باكستان، التي سعت إلى كسب العمق الجيوستراتيجي في وجه الهند، وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لم يكن أمام الولايات المتحدة سوى الرد بقوة عسكرية.

[rouge]العالم بعد أمريكا[/rouge]

يرى المؤلف أن الولايات المتحدة إذا ما تهاوت، فمن غير المحتمل أن تخلف في السيطرة على العالم دولة بارزة وحيدة مثل الصين. وسوف تنتج الأزمة المفاجئة والهائلة للنظام الأمريكي سلسلة من ردود الأفعال السريعة التي تقود إلى الفوضى السياسية والاقتصادية، ولن تكون هناك أية قوة عالمية جاهزة لتمارس الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة، على عكس ما كان متوقعاً عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، من أن تقوم أمريكا بدور قيادي على مستوى العالم. وسيكون الاحتمال الأكبر هو مرحلة طويلة من إعادة تنظيم عالمية، ستكون إلى حد ما فوضوية وغير حاسمة على المستويين الإقليمي والعالمي، من دون وجود منتصرين كبار وخاسرين عديدين، في الاضطراب العالمي، وحتى المخاطر القاتلة المحتملة للكينونة العالمية.

ويرى المؤلف أنه في حال غياب القائد العالمي، من المحتمل أن تزيد التوترات بين الدول العالمية المتنافسة، ويغلب سلوك الخدمة الذاتية. لذلك من المحتمل كثيراً أن يتهاوى التعاون الدولي إلى حد كبير، مع سعي بعض الدول إلى تعزيز التسويات الإقليمية الخاصة، كشكل من أنظمة الاستقرار البديلة، بهدف تعزيز مصالحها والحفاظ عليها. وربما تتبارى القوى العالمية المتنافسة على نحو علني أكثر، حتى وإن كان باستخدام القوة، لنيل التفوق الإقليمي. وربما تجد بعض الدول الضعيفة نفسها في خطر حقيقي، عند ظهور إعادة تنظيم جديد للقوى استجابة للتغيرات السياسية الرئيسة في التوزيع العالمي للقوى. وربما يخضع تعزيز الديمقراطية إلى السعي للأمن القومي المبني على الانشطارات المختلفة للشمولية والقومية والدين. أو ما يسمّى «بالشيوعيات العالمية» ربما تخضع إلى لامبالاة سلبية أو استغلال ناتج عن تركيز دفاعي على المخاوف القومية الأضيق والأكثر مباشرة.

أمّا بعض المؤسسات الدولية الرئيسة، مثل البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، فهي في السابق تحت ضغط متزايد من الدول الصاعدة والأفقر، خاصّة ذات الكثافة السكانية العالية، وفي مقدمتها الصين والهند.

[rouge]توقعات الصراع العالمي[/rouge]

يشير المؤلف إلى توقعات الصراع العالمي ما بعد الولايات المتحدة، خاصة في ما يتعلق بالدول الكبرى، فمثلاً، اليابان تشعر بالخوف من الصين في فرض هيمنتها على الأرض الآسيوية، وربما تفكر في إرساء روابط قوية مع أوروبا. فقادة الهند واليابان ربما سيفكرون على نحو كبير في التعاون السياسي وحتى العسكري، كي تتخذ من هذه الروابط سياجاً في حال تهاوي الولايات المتحدة وصعود الصين. وربما تضع روسيا نصب أعينها فرض سيطرتها على دول الاتحاد السوفييتي سابقاً، كأهداف أولية لتعزيز نفوذها الجيوسياسي. وأوروبا، في عدم تماسكها الحالي، على الأرجح أنها ستتجه في اتجاهات متعددة . فألمانيا وإيطاليا ستتجهان نحو روسيا، بسبب المصالح التجارية، وفرنسا وأوروبا الوسطى غير الآمنة ستتوجهان نحو اتحاد أوروبي محكم أكثر على صعيد سياسي، وبريطانيا العظمى تسعى إلى خلق توازن معين ضمن الاتحاد الأوروبي نفسه، بينما تستمر بالحفاظ على علاقة متميزة مع الولايات المتحدة المتهاوية، ودول أخرى ربما تتحرك بسرعة لرسم دوائرها الإقليمية: فمثلاً، تركيا في منطقة الإمبراطورية العثمانية القديمة، والبرازيل في نصف الكرة الجنوبي، وهكذ دواليك.

وبشكل عام، ولا واحدة من الدول المذكورة أعلاه تملك مزيجاً اقتصادياً ومالياً وتكنولوجياً وعسكرياً من القوة، حتى تفكّر في أن ترث دور أمريكا القيادي. فاليابان تعتمد على الولايات المتحدة من أجل الحماية العسكرية، وستتخذ قراراً مؤلماً عند قبول النفوذ الصيني أو التحالف حتى مع الهند في معارضة مشتركة لها. وروسيا لا تزال غير قادرة على أن تقوم بدور إمبراطوري، وهي خائفة من الحداثة الصينية الهائلة. ولا يزال غير واضحاً إذا ما ترى مستقبلها مع أوروبا أو في أوراسيا. وطموحات الهند لتشغل حالة القوة الرئيسة لاتزال تجددها خصومتها مع الصين. ولا تزال أوروبا تحدد نفسها على نحو سياسي، بينما الباقي لا يزال ببساطة يعتمد على القوة الأمريكية. كما يشير إلى أن الحقيقة السياسية هي أن الصين لا تزال تحتاج إلى عقود عديدة، لتصبح جاهزة للاضطلاع بإطار كامل لدور أمريكا في العالم. حتى أن العديد من قادة الصين أكدوا أن الصين تحتاج إلى عقود كي تصبح دولة متقدمة وحديثة، كي تتجاوز الولايات المتحدة، لا بل حتى وراء أوروبا واليابان على صعيد مؤشرات الحداثة للفرد الواحد والقوة الوطنية. كما أن الصين تدرك تماماً أن استثماراتها في الولايات المتحدة ستتعرض للدمار إذا ما انحدر الدور الأمريكي في العالم، حيث سيتسبب ذلك لها بأزمة كبيرة، ستضرّ بمالها على المدى الطويل.

[rouge]الدول الأكثر عرضة للخطر[/rouge]

يرى المؤلف أنه في العالم الحديث، أمن العديد من الدول الضعيفة يقع جيوسياسياً إلى جانب أمن العديد من القوى الإقليمية الكبرى (حتى في غياب الالتزامات الأمريكية المحددة لبعض الدول) على الواقع الحالي الدولي، الذي يعززه التفوق العالمي للولايات المتحدة، ويشير المؤلف إلى هذه الدول.

[rouge]جورجيا[/rouge]

إن الانحدار الأمريكي سوف يعرض جورجيا إلى كل من التخويف الروسي والعدوان العسكري، فالولايات المتحدة تدعم السيادة الجورجية، وتؤيّد مسعى جورجيا إلى الانضمام لحلف الناتو. ودعمت الولايات المتحدة منذ 1991 جورجيا بثلاثة مليارات دولار، مليار بعد حرب 2008. والانحدار الأمريكي سوف يؤثر في مصداقية مثل هذه الالتزامات العامة. وستسعى روسيا إلى استعادة نفوذها وتواجدها، وإضافة إلى عامل الحقد الشخصي الذي يحمله فلاديمير بوتين تجاه الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي الذي أصبح إزالته من منصبه هوساً لبوتين، هناك حقيقة الدور الأمريكي في دعم ممر الطاقة المفتوح في الجزء الجنوبي من جورجيا على أوروبا عبر تركيا. ويرى المؤلف أن العلاقات الجورجية - الأمريكية إذا ما تهاوت، فإن روسيا ستجني فائدة جيوسياسية واقتصادية هائلة باستعادة احتكارها لطرق الطاقة إلى أوروبا. وإذا ما حدث ذلك، سيكون التأثير كبيراً في أذربيجان أيضاً، لأنها المورد الرئيسي للممر الجنوبي إلى أوروبا. وهذا بالتالي سيضع أوروبا تحت ضغط أكبر لقبول أجندة روسيا السياسية.

[rouge]تايوان[/rouge]

أما بالنسبة لتايوان، فستكون بشكل واضح عرضة للخطر الصيني، خاصة أن صنّاع القرار في تايبيه لا يمكنهم أن يتجاهلوا الضغط الصيني المباشر، ولا الجاذبية المطلقة للنجاح الصيني على الصعيد الاقتصادي، كما أن انحدار الولايات المتحدة سيؤثر بشكل عكسي في الاتصال الاستراتيجي بين الولايات المتحدة واليابان، وهذا سيغري الصين في تعزيز سيطرتها وضغطها على تايوان، مع التهديد باستخدام القوة.

[rouge]كوريا الجنوبية[/rouge]

أما في ما يتعلق بكوريا الجنوبية، فإن انحدار الولايات المتحدة سوف يحتم على كوريا الجنوبية مواجهة خيارات مؤلمة، إما أن تقبل بالهيمنة الإقليمية الصينية، وتعتمد على الصين بشكل أكبر لتحافظ على أمنها في شرق آسيا. أو أن تسعى إلى إقامة علاقة متينة- وإن كانت غير محبوبة تاريخياً- مع اليابان، بسبب القيم الديمقراطية المشتركة، والخوف من العدوان من جمهورية كوريا الشعبية أو الصين. عموماً يمكن لكوريا الجنوبية أن تواجه تهديداً عسكرياً أو سياسياً، لو أن الالتزامات الأمنية الأمريكية أصبحت أقل مصداقية في شرق آسيا.

[rouge]بيلاروسيا[/rouge]

من بين الدول التي تكون أكثر عرضة للخطر والتهديد العسكري والسياسي بعد انحدار الولايات المتحدة هي بيلاروسيا، هذه الدولة التي بقيت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تعتمد سياسياً واقتصادياً على روسيا، وتذهب ثلث صادراتها إلى روسيا، بينما تعتمد بيلاروسيا بالكامل على روسيا في احتياجاتها من الطاقة. علاوة على ذلك أغلب سكانها يتحدثون اللغة الروسية، وكل هذه العوامل تحافظ على نفوذ موسكو. ورغم ذلك علاقة بيلاروسيا مع روسيا لم تكن خالية من الصراع، فبيلاروسيا لم تعترف بدولتي جنوب أوستيا وأبخازيا دولتين مستقلتين على الرغم من الضغوط المتواصلة من قبل بوتين، كما أن افتقارها إلى العملية الديمقراطية خلال فترة حكمها، في فترة الديكتاتورية التي دامت سبع عشرة سنة أثناء حكم الرئيس لوكاشينكو، وقف عائقاً في طريق علاقاتها مع الغرب. وبالتالي إن انحدار الولايات المتحدة، سوف يمنح روسيا فرصة بلا مجازفة على نحو أكبر لامتصاص بيلاروسيا، مع استعمال أقل حد ممكن من استخدام القوة، وعلى خلاف جورجيا، لا تملك بيلاروسيا أسلحة غربية ولا تستمتع بأي تعاطف سياسي من الغرب. ومن غير المحتمل أن يستجيب الاتحاد الأوروبي إلى غياب الدعم الأمريكي، كما من المحتمل أن تكون بعض الدول الأوروبية غير مبالية بقضية بيلاروسيا. والأمم المتحدة، في مثل هذه الظروف، يمكن أن تكون سلبية على نحو كبير . كما أن دول أوروبا الوسطى، يمكن أن تطلب استجابة مشتركة من الناتو، إلا أنه في ظل انحدار الولايات المتحدة، من غير المحتمل أن يقوموا بردّ قوي وفعال.

[rouge]أوكرانيا[/rouge]

أما في ما يتعلق بأوكرانيا بعد الانحدار، فسوف يكون مستقبلها في خطر كدولة مستقلة، في ظل امتصاص روسيا لبيلاروسيا، من دون أيّة تكلفة باهظة. وعلاقة أوكرانيا مع روسيا كانت منذ الحصول على استقلالها في 1991 عرضة للتوتر، كما علاقتها مع الغرب فقد كانت مترددة. وروسيا دائماً ما تحاول أن تجبر أوكرانيا على تبني السياسات التي تعود بالفائدة على روسيا، وذلك باستخدام الطاقة كوسيلة سياسية . وفي الحقيقة، تعدّ أوكرانيا دولة أوروبية مهمة، يبلغ عدد سكانها 45 مليون نسمة، وتحظى بصناعة قوية وزراعة مثمرة ومنتجة إلى حدّ كبير. وأيّ اتحاد لها مع روسيا، سوف يغني روسيا، وسيمثل ذلك خطوة عملاقة نحو استعادة المجد الإمبراطوري لروسيا، ومن المحتمل أن تطلب روسيا من أوكرانيا الدخول في فضاء اقتصادي مشترك، وبشكل تدريجي يمكن أن تفرض روسيا السيطرة المباشرة على أصولها الصناعية الكبرى عبر الاندماج وعمليات الاستحواذ من قبل الشركات الروسية، وسيتم اختراق الأمن الأوكراني والقيادة العسكرية، بالتالي سيكون الهدف إضعاف قدرة أوكرانيا على حماية سيادتها، ويجد المؤلف أن ضغوط موسكو المستمرة على كييف، إضافة إلى اللامبالاة الغربية، يمكن أن تولّد وضعاً انفجارياً على حافة الاتحاد الأوروبي ذاته.

[rouge]موقع أمريكا في «الشرق الأوسط» يتدهور بشكل واضح[/rouge]

من الدول التي من الممكن أن تتعرض إلى خطر كبير أيضاً بعد الانحدار الأمريكي أفغانستان، وإلى ذلك يشير المؤلف إلى أن الدمار الذي تعرضت له خلال تسع سنوات من الحرب التي شنها الاتحاد السوفييتي، تجاهله الغرب بعد انسحاب السوفييت، وأساءت طالبان إدارته عندما استولت على السلطة بمساعدة من باكستان، وتعرّضت خلال رئاسة بوش إلى سبع سنوات من العمليات العسكرية الفاترة، والمساعدات الاقتصادية المتقطعة، وأفغانستان هي دولة تعيش في الفوضى، فهي تملك القليل من الإنتاج الاقتصادي من خلال تجارتها غير الشرعية في المخدرات، ومع نسبة بطالة تبلغ 40 في المئة، وتصنيفها العالمي هو 219 في النتائج المحلي الإجمالي لكل فرد، ومن 15-20 في المئة فقط من الأفغان تصلهم الكهرباء. وبالنسبة لوضع أفغانستان بعد الانحدار الأمريكي، ستحاول الدول المجاورة لها مد نفوذها عليها، خاصة في غياب حكومة مستقرة ومؤثّرة في كابول، ستكون البلاد في يد لوردات الحروب المتخاصمين. كما أن باكستان والهند ستتنافسان على فرض نفوذهما على نحو حازم، وربما إيران تشترك في هذه المنافسة أيضاً، وكنتيجة سيكون هناك احتمال نشوب حرب غير مباشرة بين الهند وباكستان، وإيران بدورها ستحاول استغلال الخصومة الهندية - الباكستانية للحصول على أكبر مكاسب لها. ولاشك في أن كلاً من الهند وإيران تشعران بالقلق من ازدياد النفوذ الباكستاني في أفغانستان، حيث سيؤثر ذلك بشكل حاد في توازن القوى الإقليمية. وكلما زاد التدخل الإقليمي في أفغانستان، كلما أصبحت ساحة أكبر للصراع . ولو أن الحكومة الأفغانية كانت قوية بما يكفي في وقت التهاوي الأمريكي، وتكون فيها السلطة أشبه ما تكون بمركزية، من المحتمل أن يحدث تجييش للعواطف الدينية والإثنية، وربما تعود طالبان إلى الظهور قوة معرقلة في أفغانستان، مع تلقي مساعدة من طالبان الباكستانية، وربما تتهاوى أفغانستان إلى دولة يحكمها لوردات الحروب والزعماء القبليون. وأفغانستان حينها يمكن أن تصبح لاعباً أكبر في تجارة المخدرات الدولية، وربما تصبح ملاذاً للإرهاب العالمي بقوة.

[rouge]باكستان بعد الانحدار الأمريكي[/rouge]

في الوقت الذي أصبحت فيه باكستان مسلحة بأسلحة القرن الواحد والعشرين النووية، ويحرسها جيش محترف تشكّل في أواخر القرن العشرين، إلا أن غالبية شعبها، على الرغم من أن هناك طبقة متوسطة نشطة على الصعيد السياسي، لا تزال تحكمها بشكل كبير الانتماءات القبلية والإقليمية. كما أن العقيدة الإسلامية التي تجمعهم زودتهم بالنبض العاطفي لإنشاء دولة مستقلة عقب مغادرة البريطانيين الهند. ولعبت الصراعات الناتجة مع الهند دوراً في تعريف الحسّ الباكستاني بالانتماء القومي المنفصل، في حين دعم تقسيم كشمير عداءً عميقاً ومشتركاً بين كلّ من باكستان والهند. ويرى المؤلف أن عدم استقرار باكستان السياسيّ يكمن في قابليتها للتعرض للتهديد أو الهجوم. وسوف يخفف انحدار القوة الأمريكية من قدرة الولايات المتحدة على دعم التنمية والتطوير في باكستان، ويمكن لباكستان أن تتحول إلى دولة يديرها الجيش، أو دولة إسلامية راديكالية، أو دولة تجمع بين الحكم العسكري والإسلامي، أو «دولة» من دون حكومة مركزية على الإطلاق. ويرى أن السيناريو الأسوأ لباكستان هو أن تتحول إلى دولة محكومة بالاختلافات الشديدة بين لوردات الحروب المسلحين بالنووي، أو أن تتحوّل باكستان إلى حكومة إسلامية - فدائية ومعادية للغرب، أي شبيهة بحكومة إيران، وهذا السيناريو الأخير ربما يعدي بالمقابل آسيا الوسطى، بالتالي تولّد عدم استقرار إقليمي أكبر في ما يتعلق بكلّ من روسيا والصين.

وفي هذه الظروف، سيزيد الانحدار الأمريكي أيضاً من المخاوف الأمنية الصينية في ما يتعلق جنوب آسيا، ويمكن لها أن تكثّف الإغراءات الهندية بتقويض باكستان. استغلال الصين لأي صدامات بين باكستان والهند سوف يكون محتملاً أكثر، لذلك من الممكن توسيع عدم الاستقرار الإقليمي. وفي النهاية، أي شكل من السلام غير المستقر، أو أي شكل من صراع أكبر في المنطقة، سوف يعتمد تقريباً بشكل كامل على الدرجة التي يمكن لكل من الصين والهند أن تزيد اندفاعاتها القومية على نحو كبير لاستغلال عدم استقرار باكستان لكي تكسباً اليد العليا إقليمياً.

[rouge]«إسرائيل» على صفيح من النار[/rouge]

يرى المؤلف أن الانحدار الأمريكي سوف يخلف عدم استقرار سياسي في منطقة «الشرق الأوسط» برمته، وكل الدول في المنطقة تبقى عرضة للضغوط الشعبية الداخلية، والفوضى الاجتماعية، والأصولية الدينية، ويشير إلى الأحداث التي نشأت في 2011 في الدول العربية، التي تعرضت لثورات شعبية ضد أنظمتها السياسية. ويرى أن الانحدار الأمريكي إذا ما تحقق، من دون أن تجد حلاً للصراع الفلسطيني - «الإسرائيلي»، فإن الجو السياسي في المنطقة سيلتهب على نحو أكثر، فضلاً عن أن العداء الإقليمي سوف يزداد على نحو كبير في المنطقة. ويرى أن الدول القوية في المنطقة خاصة «إسرائيل» وإيران، سوف تستبقان الأخطار المتوقعة. ويمكن في هذه الظروف أن يحدث عنف كبير على الصعيد المحلي، وأن تزداد الصدامات على نحو كبير، وتتحول إلى أكثر دموية، ويمكن أن تندلع انتفاضة فلسطينة جديدة، إذا ما انضمت إليها حركة «حماس»، أو «حزب الله» بدعم من إيران. ولا شك في أن «الكيانات» الهشة مثل لبنان وفلسطين، يمكن أن تدفع ثمناً باهظاً، تزهق جراءه أرواح الآلاف. ويمكن لمثل هذه الصراعات أن تزداد وتتصاعد على نحو أسوأ عبر الهجمات والهجمات المضادة بين إيران و«إسرائيل».

وهذا التحول الأخير للأحداث يمكن أن يدفع بالولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع إيران، ولكن ليس بأسلوب الحرب التقليدية كما في العراق أو أفغانستان، بل ستعتمد على توجيه ضربات جوية إلى المراكز النووية داخل إيران، لتحلق ضرراً استراتيجياً بالغاً بها. وهذا سيزيد من العداء القومي الإيراني الممزوج بالأصولية الدينية تجاه الولايات المتحدة. ويرى المؤلف أن الراديكالية الإسلامية والتطرف سيتصاعدان في «الشرق الأوسط» على نحو كبير، ومن المحتمل أن يلحق هذا ضرراً بالغاً بالاقتصاد العالمي. ولاشك في هذه الظروف ستستفيد روسيا من ارتفاع أسعار الطاقة، وسياسياً من تمركز التجييش الراديكالي الإسلامي تجاه الولايات المتحدة، وابتعاده عن روسيا. وهنا تركيا ربما تصبح متعاطفة على نحو علني مع الشعور الإسلامي الذي يجسّد دور الضحية، وربما تطلق الصين يدها بحرية أكثر في السعي إلى مصالحها الشخصية في المنطقة.

أما في السياق الجيوسياسي، فيمكن لأمن «إسرائيل» أن يصبح في خطر. ومما لا شك فيه أن «إسرائيل» تملك القدرة العسكرية والإرادة الوطنية كي تبعد الأخطار المباشرة عن نفسها، وتقمع أيضاً الفلسطينيين، لكن الدعم الأمريكي السخي والطويل الأمد، المنبثق على نحو حقيقي من التزام أخلاقي، وعلى نحو أقل من الاتفاق الاستراتيجي الحقيقي، يمكن أن يصبح أقل موثوقية بحسب المؤلف.

[rouge]تجاذبات القوة [/rouge]

يرى المؤلف أن العداءات في منطقة «الشرق الأوسط» ستزداد، ذلك أنه مع انحسار القوة الأمريكية في المنطقة، واستمرار إيران في بناء قوتها العسكرية، وسعيها إلى مد نفوذ أكبر لها في العراق، الذي كان قبل الغزو الأمريكي لها في 2003، يشكل حصناً منيعاً يمنع المدّ الإيراني في المنطقة العربية، وربما يصبح للصين حضور أكبر، وذلك لحماية مصالحها الاقتصادية مع الدول العربية، التي يمكن أن تتعرض لأي اعتداء إيراني. ويشير المؤلف إلى أن الولايات المتحدة قبل خمسة وثلاثين عاماً كانت تستفيد من علاقاتها القوية مع أكثر الدول قوة في «الشرق الأوسط»: (مصر، إيران السعودية، تركيا). إلا أن اليوم، يبدو أن العلاقات الأمريكية مع هذه الدول تمضي نحو الانحسار، ذلك أن علاقتها مع إيران، هي علاقة عدائية، والمملكة العربية السعودية تنتقد السياسة الأمريكية الناشئة في المنطقة، أما تركيا فتشعر بخيبة أمل من عدم الفهم الأمريكي لطموحاتها الإقليمية، والمذهب الشكوكي الصاعد لمصر في ما يتعلق بالعلاقة مع «إسرائيل»، يضعها على اختلاف مع الأوليات الأمريكية. باختصار بحسب المؤلف الموقع الأمريكي في «الشرق الأوسط» يتدهور بشكل واضح، والانحدار الأمريكي سوف ينهيه.

[rouge]المشاعات العالمية[/rouge]

يتحدث المؤلف عن المشاعات العالمية، أي تلك المناطق التي تكون مشتركة بين كل الدول، ويمكن لها أن تنقسم إلى مجموعتين رئيستين من المخاوف العالمية: الاستراتيجية والبيئية. والمشاعات البيئية منها تتضمن البحر والجو والفضاء، ونطاقات الإنترنيت، بالإضافة إلى النطاق النووي، كما يخصّ التسليح العالمي المتحكم. وتتضمن المشاعات البيئية النتائج الجيوسياسية لإدارة موارد المياه، القطب الشمالي، وتغيّر المناخ العالمي. ويشير المؤلف إلى أن الولايات المتحدة كانت لديها الفرصة في السنوات الأخيرة، لتشكيل ما يسمى بـ «النظام العالمي الجديد»، ذلك أن الولايات المتحدة كأي قيادة عالمية كان من الضروري لها أن تصلح وتحمي المشاعات العالمية، وقد كانت متحمسة أكثر من أية دولة في التاريخ البشري لإحراز التقدم والتنمية الإنسانية على مستوى البشرية. ويرى أن القوى العالمية الصاعدة اليوم مثل: (الصين، والهند، والبرازيل، وروسيا) تلعب دوراً متلاحماً أكثر في عملية الإدارة العالمية والإجماع الأوروبي - الأمريكي أو الروسي - الأمريكي الذي لا يمكن أن يشير وحده بشكل فعال إلى قواعد المشاعات. وبرأيه، هؤلاء اللاعبون الصاعدون الجدد، على الرغم من بطئهم في الصعود، إلا أنهم يشكلون مجموعة إجماع عالمية أكبر في الحفاظ على أمن وإصلاح المشاعات العالمية. علاوة على ذلك، يبقى الاشتراك الأمريكي والقيادة المشتركة ضرورية لحلّ التحديات القديمة والجديدة.

ويجد المؤلف أن المشاعات العالمية ستكون على الأرجح من أكثر المناطق تأثراً جراء تغيّر مخطط القوة العالمية، كما أنها ترتبط بكل من النمو التدريجي في القدرات، ونشاط القوى الصاعدة مثل الصين والهند، والانحدار المحتمل للتفوق الأمريكي. ومعروف أن البحر والجو والفضاء والإنترنت يعد أمراً مركزياً للمصلحة الوطنية لكل بلد، والتي تتحكم بالجزء الأكبر منها الولايات المتحدة. وفي السنوات القادمة، ستكون هناك تنافس شديد وازدحام مع نمو وتوسع قوتها والطموحات القومية للدول الكبرى، وتبدد القيادة العالمية.

يجد المؤلف أنه مع انحدار الولايات المتحدة، سكون هناك أزمة ثقة في مصداقية المظلة النووية الأمريكية، فدول مثل كوريا الجنوبية، وتايوان، واليابان، وتركيا، وحتى «إسرائيل»، من بين الدول، التي تعتمد على قوة الردع الأمريكي النووي الكبيرة للحفاظ على أمنها. لكن إذا ما وجدت هذه الدول أن الظروف لم تعد ساعد الولايات المتحدة على حماية أمنها، ستضطر إلى اللجوء إلى مكان آخر للحفاظ على أمنها، وهذا «المكان الآخر» يمكن أن ينشأ من مصدرين: من امتلاك الأسلحة النووية أو من قوة الردع الكبيرة لدولة أخرى، وعلى الأغلب تكون إما روسيا أو الصين أو الهند.

كما يرى أن الانحدار الأمريكي سوف يعجّل بالتغيرات الدراماتيكية في النطاق النووي. وسوف يحدث سباق التسلح بين حلفاء الولايات المتحدة غير الآمنين وبين القوى الآسيوية الصاعدة. ونتيجة هذا التسليح الكبير سوف تقوض من الإدارة الواضحة للنطاق النووي، وتوسع من الخصومة بين الدول، وسوء التقدير، وربما في النهاية الإرهاب النووي الدولي.

[rouge]تحديات جيوسياسية عالمية[/rouge]

يرى المؤلف أن العالم يواجه سلسلة من التحديات الجيوسياسية الجديدة التي جلبتها التغيرات الكبيرة في البيئة الفيزيائية. خاصة في ما يتعلق بإدارة المشاعات البيئية المتغيرة: الندرة المتنامية للمياه العذبة، وفتح القطب المتجمد الشمالي، والاحتباس الحراري، فكل هذه تتطلب إجماعاً عالمياً وتضحية من جميع الأطراف. والقيادة الأمريكية لا يمكنها وحدها أن تضمن التعاون والتنسيق بين الأطرف جميعها على هذه القضايا، لكن الانحدار الأمريكي سوف يقلل من إمكانية تحقيق اتفاقات تنسيقية على إدارة المصادر والبيئة. وبالتالي غياب الدور الأمريكي، الذي يجسّد رجل الشرطة العالمي، يمكن أن يخلق فرصة أكبر للقوى الصاعدة لاستغلال المشاعات البيئية لمنفعتها الاقتصادية، وبالتالي تزيد من فرص زيادة الصراع على المصادر، خاصة في آسيا، وبالتحديد بين دول مثل تركيا والعراق، وباكستان والهند، خاصة أن الأخيرتين شهدتا حروباً في السابق، ولازال الخلاف قائماً. كما أن الصين نتيجة العدد السكاني المتزايد والتطور الصناعي سوف يزداد طلبها على المياه، وهذا يمكن أن يدخلها في صراع مع الهند على منطقة شمالي شرقي الهند، حيث نهر براهمابوترا.

ولاشك في أن ذوبان جليد القطب الشمالي سوف يغير وجه التنافس العالمي على المصادر المهمة، خاصة بين الولايات المتحدة، وكندا، وروسيا، والدنمارك، والنروج، في ما يتعلق بحصصهم من النفط والغاز والمعادن، وهذا من شأنه أن يسبب تغيرات حادة في المشهد الجيوسياسي، خاصة لمصلحة روسيا، فهي تملك أكبر مساحة من الأرض والمصادر المحتملة في القطب الشمالي.

أما المكون الأخير في المشاعات البيئية فهو تغير المناخ العالمي الذي يحظى بتأثير جيوسياسي عالمي محتمل على نحو كبير . خاصة أن العلماء وصناع القرار سلطوا الضوء على النتائج الكارثية على الكوكب والبشرية، التي يمكن أن يسببها ارتفاع الحرارة بمقدار درجتين فقط على مدار القرن القادم، وستؤدي هذه النتائج الكارثية إلى انقراض أنواع حيوانية، وزيادة الهجرات البشرية، ومستويات العنف، وسينخفض مستوى التنمية الاقتصادية العالمية.

يرى المؤلف أن القيام بعمل شرعي على مستوى العالم، سوف يتطلب الكثير من التضحيات والتعاون الدولي، وهذا ما لا يلوح في الأفق. وتعتبر الولايات المتحدة أن تغير المناخ من المخاوف الخطرة، لكنها تفتقر إلى استراتيجية طويلة الأمد والتزام سياسي، ولقد ثبت ذلك في رفضها المصادقة على بروتوكول كيوتو في عام 1997، والهزيمة المتكررة لتشريع من أجل تغير المناخ في الكونغرس، وكان هذا من شأنه أن يردع الدول الأخرى في المشاركة في اتفاق عالمي. وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة هي ثاني أكبر دولة تخرج منها انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، وتعد الصين الأولى، بنسبة 20 في المئة من الانبعاثات على مستوى العالم.

[rouge]ما بعد 2025: توازن جيوسياسي جديد[/rouge]

في القسم الرابع من الكتاب بعنوان «ما بعد 2025: توازن جيوسياسي جديد» يرى المؤلف أن استمرار الولايات المتحدة العالمي في العقود القادمة سوف يعتمد على تنفيذها الناجح للجهود المثمرة في تجاوز انجرافها نحو الزوال السوسيواقتصادي، وتشكيل توازن جيوسياسي جديد ومستقر على أوراسيا، القارة الأكثر أهمية على مستوى العالم.

يرى بريجنسكي أن مستقبل أمريكا في يد الشعب الأمريكي. ويمكن لأمريكا أن ترفع مستوى ظروفها المحلية وتعيد تعريف دورها العالمي المحوري في البقاء مع الهدف الجديد، والظروف المتعلقة بالقرن الواحد والعشرين. ويرى أنه لكي تحقق هذا، من الضروري للولايات المتحدة أن تقوم بجهد وطني لتعزيز فهم العامة للظروف العالمية المتغيرة والخطرة. ويجد أن الأصول الأمريكية الكامنة، لا تزال تبرّر التفاؤل الحذر من أن مثل هذا التجديد يمكن أن يفنّد تشخيص انحدار أمريكا غير القابل للنقض واللاعلاقيّة العالمية، لكن الجهل العام للحساسية الشاملة المتنامية تجاه النهوض الخارجي والمحلي للولايات المتحدة يجب أن تجري معالجته بتأنٍّ من الأعلى إلى الأسفل.

وفي خاتمته يشير إلى أن أهمية الدور الأمريكي في آسيا الذي يجده ليس فقط لتعزيز الاستقرار في المنطقة بل، أكثر من ذلك، بل لخلق ظروف يمكن للعلاقات الصينية - الأمريكية أن تتطور فيها على نحو سلمي ومتعاون، وفي النهاية ترقى إلى مستوى الشراكة العالمية الاقتصادية والسياسية. ويرى المؤلف أن العلاقات بين روسيا والصين ربما تصبح اختباراً قاسياً على قدرة القارة الأوراسية الأكثر ديناميكية من الناحية الاقتصادية، وكذلك الأكثر سكاناً، من أن تدمج نجاحها على الصعيد المحلي بالاستقرار الإقليمي.

ويبين المؤلف في النهاية أن الولايات المتحدة أثبتت على مدى تاريخها أنها ترقى إلى مستويات التحديات التي تواجهها، إلا أن العالم في القرن الواحد والعشرين يقدم تحديات مختلفة عن تلك التحديات التي واجهتها في الماضي . ذلك أن العالم في كل رقعة منه يشهد صحوة سياسية، ولا تكف الشعوب عن سعيها إلى تأمين حياة ومستقبل أفضل، وفي ذات الوقت يشهد هذا العالم تبدد القوة العالمية في ظل صعود دول آسيوية طامحة على نحو سريع . ويؤكد في النهاية أن استقرار النظام العالمي يعتمد على تجديد الولايات المتحدة نفسها، والتصرف بحكمة في تعزيز وضمان تنشيط الغرب وإنعاشه . وفي الوقت ذاته، العمل على خلق توازن ومصالحة في الشرق الصاعد.

[rouge]-[/rouge] [bleu]تأليف : زبيغنيو بريجنسكي | عرض: عبدالله ميزر [/bleu]

[rouge]-[/rouge] [bleu]المصدر : جريدة «الخليج» الإماراتية.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 116 / 2176720

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع إصدارات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2176720 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 6


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40