الأحد 13 حزيران (يونيو) 2010

أيقونة الإعلام وخلاصة الرواية

الأحد 13 حزيران (يونيو) 2010 par نواف الزرو

يعتبرونها أيقونة الإعلام الأميركي، التي من المفترض أن ترتقي إلى مستوى قديسة لديهم.. هي مواطنة أميركية عملت مراسلة صحفية وإعلامية على امتداد عشر إدارات أميركية، منذ عهد كنيدي في مطلع الستينيات.. كانت مقربة ومستشارة إعلامية لهم على مدى أكثر من نصف قرن من الزمن. وفية معطاءة خبيرة محترفة، بشهاداتهم.

غير أن كل هذا التاريخ لم يغفر لها ولم يشفع، أمام لحظة حق وحقيقة أطلقت فيها ما كانت تؤمن به طوال عمرها. لم يغفر لها تاريخها وتراثها وعطاؤها وانتماؤها وخدمتها وولاؤها، وبيتها الابيض الذي قضت فيه العقود وعاصرت الادارات والرؤساء، فقد آلمت إسرائيل و«شعب الله المختار»..!

إنها هيلين طوماس التي أجهزت دقيقة حقيقة واحدة عليها وعلى 60 سنة خدمة من عمرها.. أجهزوا عليها في الإدارة الأميركية، وفي العلاقات العامة، وفي مكانتها الاجتماعية، وكذلك في عمودها اليومي في صحيفتها.. حيث أحالتها مجموعة هيرست نيوز سيرفس التي تعمل لديها كاتبة عمود، إلى التقاعد وشطبتها من سجل الكتاب.

تصوروا حجم العقاب والانتقام.. فقد تجرأت هيلين على التعليق على جريمة إسرائيل ضد أسطول الحرية، قائلة: «تذكر أن هؤلاء الناس (الفلسطينيين) تم احتلالهم، وهي أرضهم، ليست ألمانيا ولا بولندا»، وقالت إن «بإمكانهم (الإسرائيليين) أن يذهبوا إلى ألمانيا وبولندا وأميركا أو أي مكان آخر»، مضيفة: «فليرحل اليهود إلى بلادهم، وليتركوا البلاد للفلسطينيين فهم أهلها وأصحابها».

هي لم تنطق كفرا.. بل نطقت عدلا، ربما صحوة ضمير متأخرة، ولكنها كبيرة الأهمية هنا بعد أن صمتت دهرا.. فاختزلت مجلدات ضخمة في الصراع بعبارة واحدة مكثفة مفيدة، فقدمت للعالم خلاصة الرواية وأصل القصة والقضية والصراع.

طلبوا منها الاعتذار الواضح الصريح فلم تستجب.. وحتى الرئيس أوباما شارك في تأنيبها: «من المؤسف أن تنهي سيرة حياة امرأة مؤسسة في واشنطن بهذا الشكل... فأقوالها مرفوضة وآمل أن تكون هي تدرك ذلك».

لم تكن هذه هي الحالة الأولى من نوعها، فهم في الدولة الصهيونية والإدارة الأميركية، يربطون ربطا واضحا وقويا بين جرأة الانتقاد لممارسات وجرائم إسرائيل، وبين فزاعة اللاسامية والإرهاب، فهيلين تحولت بسرعة ضوئية إلى «معادية للسامية»..

هذه الفزاعة التي من وجهة نظرهم تطل برأسها بقوة تقلق إسرائيل وتحد من حريتها الإجرامية.. وهم حينما يتحدثون عن اللاسامية، إنما يقصدون بها كل من يتجرأ على انتقاد ممارسات وجرائم إسرائيل، وهيلين هنا تشكل الحالة الأبرز.

الباحث الفرنسي «باسكال يونيفاس»، رئيس معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية وعضو اللجنة الاستشارية للأمين العام للأمم المتحدة في قضايا «نزع التسليح»، كان لخص في كتابه «من يجرؤ على انتقاد إسرائيل« الخلفيات والخفايا والمضامين الحقيقية لـ «اللاسامية».

حيث يقول: «هناك دولة واحدة فقط هي دولة إسرائيل يؤخذ النقد الموجه إلى حكومتها على أنه عنصرية مقنعة أو عنصرية لا تعلن عن نفسها صراحة، وإذا سمحت لنفسك بالتشكيك في سياساتهم فستتهم على الفور بالعداء للسامية، كما تقوم الحكومة الإسرائيلية باستغلال قصة العداء للسامية لخدمة أغراض أخرى، عندما تجد نفسها في مأزق أمام المجتمع الدولي».

وفي صميم هذا الاستغلال والتزوير، ربطوا القاضي الدولي غولدستون باللاسامية، بسبب تقريره المشهور الذي طالب فيه بتقديم جنرالات الحرب الإسرائيليين إلى محكمة الجنايات الدولية، رغم أن غولدستون نفسه ينتمي للعقيدة اليهودية ومتمسك بانتمائه، غير أن وزير الإعلام الإسرائيلي يولي ادلشتاين اتهم تقريره بأنه «مجرد تعبير عن معادة السامية»!

وحيث إن أوسع وأشد الانتقادات لجرائم إسرائيل جاء على لسان رئيس الوزراء التركي أردوغان، فقد دمغته الخارجية الاسرائيلية بتهمه اللاسامية، فأصدرت تقريرا حول العلاقات مع تركيا وزعته على وزراء المجلس الأمني السياسي السباعي وممثليات إسرائيل في الخارج.

«يوجه انتقادات شديدة للحكومة التركية ولرئيس الوزراء أردوغان، ويتهمه بأنه يحرض ويشجع اللاسامية»، وأعد التقرير على يد مركز البحوث السياسية التابع لوزارة الخارجية، الذي يعتبر الجهة المسؤولة عن التقديرات الاستخبارية في الوزارة.

وتنسحب المضامين والتداعيات أعلاه على الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، الذي وجه انتقادات جريئة للسياسات العنصرية الإسرائيلية، حيث أكد في كتابه «فلسطين.. السلام وليس الفصل العنصري»: «إن الفلسطينيين يتعرضون لتمييز عنصري أكثر مما تعرض له الأفارقة في جنوب إفريقيا في عهد نظام الابارتهيد»، فاعتبر مركز فيزنتال الصهيوني أن «جيمي كارتر أصبح أحد أشرس منتقدي إسرائيل»، و«المتحدث الافتراضي باسم القضية الفلسطينية».

وهذا ما حدث أيضا مع الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشنكو، الذي تجرأ وقال في مؤتمر صحافي: «إن الأوساخ في مدينة بوربويسك تعود إلى الإهمال الذي يسببه اليهود فيها».

وأضاف: «إن اليهود جعلوا من هذه المدينة حظيرة خنازير تتسم بالعفن» واعتبر ذلك أمرا طبيعيا بالنسبة لليهود، فهم يتصرفون على هذا النحو في بيوتهم»، وأكد أنه شخصيا زار إسرائيل ولا يفاجئه «هذا العفن في المدينة»، فاعتبرت الخارجية الإسرائيلية تصريحاته «تظاهرة لا سامية خطيرة ضد اليهود».

وهكذا.. كلما «دق الكوز بالجرة» في قصة إسرائيل والاحتلال الإسرائيلي، وجرائم الحرب والابادة الجماعية والقرصنات التي تقترفها إسرائيل بالبث الحي والمباشر أمام الملأ ضد الشعب الفلسطيني، وكلما تجرأ مسؤول كبير أو مفكر أو باحث أو إعلامية كبيرة مخضرمة كابنة البيت الأبيض، على توجيه الانتقادات لممارسات الدولة الصهيونية..

فإن اللوبيات ومراكز النفوذ والتأثير تتحرك، وتطلق مدافع الاعلام الأميركية ـ الصهيونية نيرانها الثقيلة باتهام ذلك القائل أو تلك الجهة، بالعنصرية ومعاداة السامية..

ومنذ عهد الرئيس بوش الابن، انضافت إلى تلك التهم تهمة جديدة وهي الإرهاب أيضا، والمؤسف أن إدارة أوباما التي علقت عليها آمال لدى الكثيرين، تواصل النهج ذاته..!



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 197 / 2165551

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165551 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 29


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010