الأحد 22 تموز (يوليو) 2012

الحرب والذاكرة العراقية

الأحد 22 تموز (يوليو) 2012 par د. حياة الحويك عطية

أهي الحرب مرة أخرى؟ أهي ذاكرة ما قبل احتلال العراق لا يريد البعض أن يراها، رغم ان مجرياتها قد تكون أشرس وأصعب.

تلك كانت حرب إقامة الإمبراطورية ونظامها الدولي الجديد، وهذه حرب بقاء الإمبراطورية رغم ان نظامها هذا قد سقط فعلياً، لكنها لا يمكن بأي حال ان تسلم بسهولة، فهو عرش العالم لا أي عرش آخر. تلك كانت حرب قلق البداية وهذه حرب خوف النهاية، بحسب تعبير نعوم شومسكي. وفي الحالين هي حرب وجود «إسرائيل» والقضاء على أي مشروع عربي مقاوم وعلى أي نظام يقوم على التعددية الاتنية والدينية والمذهبية، من دون ان يدخل ذلك في باب المحاصصة، وهيمنة فريق ديني على الآخرين، مما يبرر التركيبة «الإسرائيلية».

قبل الحرب على العراق، تم إنهاك البلاد بالحصار، وفي سورية يتم إنهاك البلاد بالتدمير الداخلي، في استغلال لم يسبق له مثيل لمطالب شعبية حقيقية. ليس هذا المؤشر الوحيد وإنما هناك عدد من المؤشرات :

الأول، هو استعار الحرب السيكولوجية التي تسبق الحروب وتواكبها، وتعتمد على الإعلام والإشاعات، منذ الحرب العالمية الأولى وحتى الثانية. والأمريكيون هم من ابتكرها وبلور نظرياتها، على يد مجموعة من الخبراء الذين كانوا ينتظمون فيما يسمى «وكالات إعلام الحرب» التي تحولت إحداها الى ما نعرفه بـ «السي آي إيه». وغالبية هؤلاء الخبراء من اليهود المؤيدين لـ«إسرائيل». وإذا كانت هذه الحرب قد بدأت منذ بداية الأحداث بحملة منظمة مبرمجة، لتوفر التلفيق والكذب، تقودها قناتا «الجزيرة» و«العربية»، وتشترى لأجلها ذمم الصحافيين والكتاب (من يبيع ويشتري)، فان الدوائر الغربية قد كشفت قبل حولي شهرين عن ان ارتباط قرار الجامعة العربية بإخراج المحطات السورية من «عربسات»، مرتبط بخطة تم تجهيزها لإحلال قنوات بديلة مكانها تقدم نفسها كأنها هي وتقوم بنشر الأكاذيب بهدف البلبلة وضرب المعنويات. كما أشارت تلك الدوائر عن استوديوهات تم تجهيزها لفبركة تقليد شخصيات سورية بدءاً من الرئيس، وإعداد بيانات وتصريحات كاذبة بصوته وصوت تلك الشخصيات، وأخبار وصور تستعمل عند الحاجة. كما تم تجهيز مدينة (هوليوودية) في قطر تضم ساحات تشبه ساحات المدن السورية وبعض أحيائها والقصر الرئاسي والمواقع الرسمية. يوم كتبت ذلك في هذه الزاوية - ورغم أنني ذكرت مصادري الغربية، ردت عليّ الأبواق المأجورة او الحاقدة بأنني اكذب او اهلوس. والآن: ها هو تصريح بصوت بشار الأسد يوزع على المواقع ثم يتبين انه كاذب، خبر عن فاروق الشرع يسوق ثم يتبين انه كاذب، خبر فرار أسماء الأسد الى موسكو يكذب، المسؤولون الروس لا يكادون يكذبون خبراً عنهم وتحويراً لتصريحاتهم حتى يأتي آخر، بث قناة «الدنيا» يوقف على تردده المألوف، فضائية تجريبية تبث أناشيد وطنية وتحمل اسم وشعار «الفضائية السورية» تاهبا لان تحل محلها عندما يحين وقت بثها على القمر المألوف، شلال من الأخبار والصور الذي يحتاج الى جيش ليكذبه. وحتى لو حصل فان احد قوانين الحرب السيكولوجية هو ان التكذيب لا يضر كثيراً بالهدف المقصود لأن التأثير الرئيسي يحدث عند صدمة التلقي الأولى. هذه الحرب الإعلامية التي بات لها ان تستفيد من وسائل الميديا الجديدة، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي، هي الحرب في شق كبير منها، وما زال مخفياً منها أعظم لأنه يخزّن لحاجة مواكبة هجوم عسكري، ان حصل.

المؤشر الثاني هو الحديث الذي بات يتأجج خلال الأسابيع الأخيرة عن السلاح الكيماوي السوري، وكأننا نسينا قصة أسلحة الدمار الشامل العراقية، التي شكلت الذريعة الأساسية للقضاء على العراق، وعندما انكشف كذبها بعد الحرب، لم يكلف مسؤول غربي نفسه عناء الاعتذار عن مقتل مليون عراقي.

المؤشر الثالث، يتمثل في حملة الإعلام الغربي، ومنظمات المجتمع المدني الغربية عن حقوق الإنسان في السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث خصص مجلس العموم البريطاني جلسة خاصة لهذه الأخيرة. وواقع الأمر ان الإنسان في هذه الدول وفي غيرها، هو اخر من يهم بريطانيا وأمريكا. غير ان الغرب المفلس بحاجة الى من يمول حربه على سورية خاصة انه يعلم أنها لن تكون نزهة. وأفضل حل له ان يخوضها بجيوش عربية (واجهة على الأقل) وتمويل عربي. ولذلك لم يركز الإعلام الغربي جهده على جمهوره، كما حصل وقت العراق، بقدر ما ركز جهده على الجمهور العربي.

ثمة مؤشرات كثيرة أخرى، لكنها كلها تصطدم بان السياقات الدولية هذه المرة مختلفة، والمواجهة بين المعسكرين الدوليين واضحة ومتكافئة هذه المرة. لكن هذا التوازن قد يؤدي الى واحدة من نتيجتين متناقضتين: إما الردع، وإما الاستشراس الأمريكي - الصهيوني أكثر لأنها مسألة حياة الإمبراطورية او موتها، ولا مهرب من حسمها.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 47 / 2165546

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165546 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010