الاثنين 23 تموز (يوليو) 2012

ستون عاماً على ثورة ناصر: ثورات المصريين ضد الاحتلال «الأجنبي» و«الاحتلال الوطني»

الاثنين 23 تموز (يوليو) 2012

[marron]«يوليو» و«يناير» أنموذجاً [/marron]

منذ أن انتهى حكم الفراعنة القدماء استقبل المصريون حكاما وفدوا إليهم من مختلف بلاد الدنيا، ودخلوا البلاد بالقوة ابتداء من الفرس (340 ق.م)، ثم الإسكندر الأكبر المقدوني الذي ترك البطالمة في مصر (322 ق.م)، وتلاهم الرومان (30 ق.م)، ثم عرب الجزيرة مع الإسلام (640 ميلادية) حيث أصبحت مصر ولاية إسلامية تولى حكمها عناصر مختلفة حسب مركز الحكم، من المدينة (الخلفاء الراشدون)، إلى دمشق (الأمويون)، إلى بغداد (العباسيون). وبعد انهيار الخلافة العباسية (1258) توالى على حكم مصر بعض الأسر من هنا وهناك، ابتداء من أحمد بن طولون، وانتهاء بالأتراك العثمانيين (1517). وفي كل تلك المراحل كانت هناك مقاومة للقادمين، انفرد بها المصريون عند مواجهة الفرس، ثم تولت كل سلطة وافدة مقاومة القادمين الجدد حتى دخول السلطان العثماني سليم الأول مصر.

طوال فترة حكم الولاة العثمانيين لم تشهد مصر ثورات وطنية ضدهم، ربما لأن العثمانيين لم يتدخلوا في شؤون الحياة اليومية للناس وتركوهم لطوائفهم واكتفوا بتحصيل الضريبة والدعوة للسلطان في المساجد، وربما لأن الأتراك العثمانيين مسلمون، وبالتالي لم يشعر غالبية المصريين من المسلمين بأنهم غزاة.

لكن لما جاء الفرنسيون بقيادة بونابرت واحتلوا مصر (يوليو 1798) وانتهت المقاومة ببقاء الاحتلال، قام المصريون بالثورة على الحكم الفرنسي في أكتوبر/تشرين الأول 1798 احتجاجا على فرض ضرائب فادحة خاصة على التجار، وتفتيش البيوت واقتحام الدكاكين بحثاً عن الأموال، وهدم أبواب الحارات والدروب لمطاردة عناصر المقاومة. وتلك الأسباب تؤكد أن الثورة كانت ثورة اجتماعية أخذت الثوب الوطني، باعتبار أن الإدارة أجنبية من ناحية، ومسيحية من ناحية أخرى. ولقد امتدت الثورة إلى الأقاليم المجاورة عندما وصلتهم رسائل من قيادة الثورة للانضمام إلى الصفوف. وقد اتضح هذا من توقيع القيادة الفرنسية الغرامات على تلك البلاد والبحث عن الرسائل واعتقال جماعة من الأعيان ومشايخ البلاد بتهمة الاشتراك. ورغم شدة الثورة، إلا السلطة الفرنسية أخمدتها لعدم تكافؤ القوة.

ولما بدأت إنجلترا تعد العدة لإخراج الفرنسيين من مصر انتهز المصريون الفرصة فقاموا بالثورة مرة أخرى من حي بولاق خلال مارس وإبريل 1800، وتزعمها الشيخ مصطفى البشتيلي، لكن الثورة انتهت بعد أن هدد كليبر بضرب بولاق بالمدافع.

وبخروج الفرنسيين من مصر (سبتمبر 1801) عادت مصر ولاية عثمانية، وبعد فترة من الفراغ السياسي انتهى الأمر بتولية محمد علي باشا الحكم (مايو 1805) وأصبحت مصر ولاية وراثية في أبنائه. وفي عهد توفيق كانت الأزمة المالية بسبب الديون قد أدت إلى تدخل الدول الدائنة، وفي مقدمتها إنجلترا وفرنسا، في شؤون مصر الداخلية، وفي الوقت نفسه لم تستطع سلطة الحكم من أسرة محمد علي وحاشيتهم من الأتراك والشراكسة الوقوف في وجه هذا التدخل، فكانت الثورة بقيادة أحمد عرابي، أحد ضباط الجيش. وقد اندمجت في هذه الثورة الأهداف الوطنية ضد التدخل الأجنبي، والأهداف الاجتماعية للتخلص من هيمنة الأتراك على الحكم، حتى لقد قال الشيخ محمد عبده لجريدة فرنسية جاءت تغطي أخبار الثورة «إننا نكره الأتراك ونود أن نعلنها جمهورية». صحيح أن قادة الثورة كانوا من العسكريين وكانت كراهيتهم الأتراك ممثلة في شخص عثمان رفقي، ناظر الحربية الشركسي عظيمة، لكنهم تأثروا أيضاً بمناخ الاحتجاج السياسي العام المنذر بالثورة، الذي كان يتلخص في المطالبة بتكوين مجلس نواب حقيقي له سلطة تشريعية، وليس مجلس شورى نواب، وهذا ما أعطى الثورة بقيادة العسكريين طابعاً شعبياً عاماً.

ويحفظ التاريخ في سجلاته ما حدث في ميدان عابدين يوم 9 سبتمبر 1881، حين خاطب عرابي وهو راكب جواده، الخديوي توفيق، وقال له: لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا .. والله الذي لا إله إلا هو لن نورث أو نستعبد بعد اليوم.

غير أن الثورة انتهت باحتلال البلاد، وراحت الأهداف سدى، وكان من أسباب تلك النتيجة انقسام الأمة، فهناك فريق كان يرى في الثورة على الحاكم أمرا غير جائز شرعا، وأن صفوة من المصريين ممن تملكوا الأرض الزراعية ملكية قانونية بعد أن كانت حيازة انتفاع كانت مصلحتهم في بقاء الأسرة الحاكمة، بل لقد ظهرت عناصر انهزامية كانت ترى الانصياع لرغبات الخديوي والانجليز وإيقاف الثورة، ووصل الأمر بهؤلاء إلى الاقتناع بطلب الانجليز مغادرة عرابي للبلاد.

***

بعد أن أصبح الاحتلال البريطاني لمصر حقيقة واقعة ابتداء من 14 سبتمبر 1882 بدأت الحركة الوطنية المطالبة بالجلاء، وقد حمل لواءها مصطفى كامل (1895-1908)، ثم محمد فريد الذي واصل كفاح مصطفى كامل حتى غادر مصر (مارس 1912) واستمر يكافح إلى أن أقعده المرض وقال مقولته: «مصر للمصريين لا للترك أو الإنجليز».

ثم اندلعت الثورة في مصر ضد الاحتلال الإنجليزي في مارس 1919 نتيجة عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية أوجدتها الإدارة البريطانية في مصر، وتراكمت منذ الاحتلال، وانفجرت مساوئها واضحة خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، فقد شعر أصحاب المصالح والمتعلمون بضآلة وضعهم في المجتمع، وضعف نصيبهم في مؤسسات الحكم. فالوظائف الكبرى العالية في يد الأجانب، والمستشارون الانجليز يتغلغلون في الوزارات والمصالح، والحياة النيابية المتمثلة في الجمعية التشريعية المنتخبة في يوليو 1913 بدأت جلساتها في يناير 1914 سرعان ما تعطلت بسبب اندلاع الحرب (العالمية الأولى) وإعلان الأحكام العرفية. وفي يوم السبت 9 مارس عقب اعتقال سعد زغلول ورفاقه ونفيهم إلى جزيرة مالطة انطلقت الثورة من مدرسة الحقوق، وتلاها إضراب المحامين، والمحامين الشرعيين، وعمال العنابر، والموظفين وخرجت المظاهرات في جميع أنحاء البلاد بصورة غير معهودة هدمت في أعين الأجانب أسطورة الشعب المصري الآمن، وصداقة الانجليز لأصحاب الجلابيب الزرقاء. ولأن الثورة كانت ضد الإنجليز فقد اختفت منها منذ البداية التناقضات الاجتماعية الداخلية، وكان ثوب الوحدة الوطنية يلف الجميع على المستوى الديني والمستوى الاجتماعي ولا أثر لشبهة تعصب طائفي ديني. وتقدم علماء الأزهر ورجال الدين المسيحي المظاهرات لاستنكار تصرفات السياسة الإنجليزية وتبادلوا الخطب في المساجد والكنائس.

غير أن ما حال دون تحقيق الثورة لأهدافها في الاستقلال التام وسرعة تصفيتها، انقسام قادة الثورة على أنفسهم ونجاح الإنجليز في استقطاب عناصر معينة لصفهم، فقد دعا الجنرال اللنبي، المندوب السامي البريطاني، أعيان وكبراء من المصريين لمساعدته في تهدئة الخواطر، واجتمع بهم في دار الحماية (يوم 26 مارس) وقال لهم: إن غرضه إنهاء الاضطرابات الحاضرة والبحث في جميع المسائل التي سببت الاستياء في البلاد . ثم قال لهم بوضوح «أنتم الذين يمكنكم قيادة أهل مصر وواجبكم يقضي عليكم بأن تعملوا لخير أولادكم».

ولقد أثمرت هذه المقابلة حيث نشرت الصحف نداء في 28 مارس بتوقيع 55 شخصية ممن حضروا الاجتماع، يناشدون الشعب المصري باسم مصلحة الوطن أن يجتنبوا كل اعتداء، وألا يخرج أحد في أعماله عن حدود القوانين، حتى لا يسد الطريق في وجه كل الذين يخدمون الوطن بالطرق المشروعة. وجاء في النداء أن الاعتداء سواء كان على الأنفس أو على الأملاك محرم بالشرائع الإلهية والقوانين الوضعية. وكان في مقدمة الموقعين على هذا النداء كل من شيخ الجامع الأزهر، ومفتي الديار المصرية، ونقيب الأشراف، وبطريرك الأقباط، ورئيس المجلس الملي العام. وأكثر من هذا أن السلطان فؤاد (الملك في ما بعد) أصدر مرسوما في 10 يونيو (1919) بتشكيل محاكم فورية لمحاكمة رجال البوليس بتهمة التساهل مع المتظاهرين والسماح لهم باقتحام مخازن السلاح بالمراكز.

ثم ضاع الوقت في التفاوض مع سعد زغلول حينا وإبعاده عن البلاد مرة أخرى، وتم استقطاب عدلي يكن باشا، وهو من أصول تركية، باعتباره معتدلا فانقسمت البلاد بين سعديين وعدليين. وانتهى الموقف بإصدار إنجلترا تصريح 28 فبراير 1922 بعد ثلاث سنوات من اندلاع الثورة، ليعطي مصر استقلالا تحت الحماية البريطانية، حيث لم يصبح المندوب السامي البريطاني سفيرا لدى مصر، ولم يكن لمصر سفارة في لندن ولم تدخل عصبة الأمم التي تشكلت في عام 1919 لأنها دولة غير مستقلة.

ومضت مصر في طريق المفاوضات الطويل مع الإنجليز بشأن الجلاء من عام 1924 - 1936 حتى عقدت معاهدة أغسطس 1936 مع بقاء الإنجليز في مصر وإعادة توزيع قواتهم في أماكن معينة (الإسكندرية، الإسماعيلية، القلعة، ثكنات قصر النيل). لكن ظلت السفارة البريطانية تتدخل في الحكم بطريقة أو بأخرى، لعل أبرز مظاهره حادثة 4 فبراير 1942 حين فرض الإنجليز على الملك فاروق أن يكلف مصطفى النحاس باشا برئاسة الحكومة.

***

والحال كذلك أصبحت البلاد مهيأة للثورة مرة أخرى، نظرا لعدم الاستقرار السياسي من جهة، وانفراد طبقة رأس المال الزراعي والصناعي والتجاري بالحكم، الذين تغافلوا عن مشكلات الطبقة الوسطى والعمال والفلاحين. وما يؤكد ذلك أن القائم بأعمال السفارة الأمريكية في لندن كتب تقريرا في 7 يناير 1949 إلى حكومته بعد حديث مع أحد الضباط الإنجليز العائدين من مصر في أعياد الميلاد، وكان عنوان التقرير «مصر في ثورة Egypt in revolution» تكلم فيه عن الفروق الطبقية في مصر التي تهدد بالثورة .. الخ.

وفي هذا المنعطف من الأحداث قام الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر بالاستيلاء على السلطة في ليلة 23 يوليو 1952، وأمسك الضباط بمقاليد الأمور، وتمكنوا من إحداث التغييرات اللازمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وكان لهذه الثورة بعدها الوطني السياسي المتمثل في إجلاء الإنجليز والقضاء على النظام الملكي، وبعدها الاجتماعي الذي تمثل في جميع الإجراءات التي تمت في المجالات الاقتصادية والاجتماعية التي تحقق معها العدالة الاجتماعية، فكانت الثورة الوحيدة التي تجاوزت حالة الثورة ونجحت في تحقيق أهدافها.

***

لما رحل جمال عبد الناصر (28 سبتمبر/أيلول 1970) انتهت ثورة يوليو، وبدأت دولة السادات - مبارك في الانقضاض على ثورة يوليو بسياسة الانفتاح الاقتصادي، وعودة رأس المال للسيطرة على الحكم، والتخلي عن توجيه السياسات الاقتصادية والاجتماعية، فاضطربت أحوال الموظفين والعمال والفلاحين.

وفي هذا المناخ من سيطرة رأس المال والاحتكار، وتهميش سائر القوى السياسية، والسعي لتوريث الحكم، اندلعت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، تطالب بالعدالة الاجتماعية والحرية والكرامة. لكن هؤلاء الثوار لم يصلوا إلى الحكم لكي يحققوا أهداف الثورة، بل لقد انقسموا على أنفسهم في عشرات الائتلافات، وكل ما حدث إزاحة رأس النظام (مبارك) لكن بقيت فلسفة النظام. ومن عجب أن الذين قطفوا ثمار الثورة في النهاية أصحاب التيار الإسلامي الذين لم يظهروا بأبطالهم على المسرح إلا في الأسبوع التالي لانفجار الثورة. وهكذا يبدو واضحا أن ثورة يناير ثورة على «الاحتلال الوطني» الذي تمثل في دولة السادات مبارك، غير أن مطلب الثوار في العدالة الاجتماعية لا يزال في مهب الريح.

[marron]-[/marron] [bleu]المصدر : جريدة «الخليج» الإماراتية | د .عاصم الدسوقي.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2177860

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177860 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40