الاثنين 23 تموز (يوليو) 2012

ستون عاماً على ثورة ناصر: شعارات «يناير» خرجت من رحم ثورة 23 يوليو

الاثنين 23 تموز (يوليو) 2012

[marron]حوار مع الدكتور محمد سيد أحمد [/marron]

قال أستاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور محمد سيد أحمد، إن ثورة 23 يوليو جاءت من رحم الطبقة المتوسطة، وأنجزت على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي ما لم يكن يتوقعه المصريون، وأحدثت نقلة نوعية كبرى على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، وصاغت فكرة تحالف قوى الشعب العامل لحماية مكتسباتها من الثورة المضادة.

ورأى سيد أحمد في حديثه لـ«الخليج» أن ثورة يناير رغم ما رفعته من شعارات، جاءت أيضاً من رحم منجزات ثورة 23 يوليو، إلا أنها تواجه تحديات بما قد يدفعها إلى أن تراوح مكانها عند حد المطالب، لافتا إلى أن تلك الشعارات أعادت الاعتبار لمنجزات ثورة يوليو. وتوقع احتمالات وقوع ثورة جديدة، وذلك بفعل ما أسماه التباطؤ في تحقق مطالب ثورة يناير، وتالياً الحوار ..

- هل كان لثورة يوليو انعكاسات اجتماعية على المواطن المصري بما يتماشى مع مبادئها وأهدافها؟

* بالتأكيد لأن ثورة 23 يوليو 1952 جاءت من رحم الطبقة الوسطى المصرية التي كان لديها مطالب خلال فترات ما قبل الثورة على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وهذه المطالب بلورتها ثورة يوليو بلا شك وتبنتها، ولعل المبادئ الستة لثورة يوليو تلخص تلك المطالب، ومن ثم استجابت الثورة سريعاً لتلك المطالب والمبادئ، بما نقل مصر نقلة نوعية، فعشية الثورة كان يطلق على المجتمع المصري مجتمع النصف في المئة، تغيب عنه الطبقة الوسطى ويقع تحت الفرز «الإقصاء» الاجتماعي، وتقوده طبقة ضئيلة للغاية من البرجوازية العليا والإقطاعيين، ومن ثم كانت أغلبية المصريين تعيش تحت خط الفقر.

وكان أقصى ما تبنته حكومات ما قبل الثورة هو مشروع مقاومة الحفاء، إذاً وفق تلك المعطيات الاجتماعية كان لابد لثورة يوليو أن تنقل الشعب المصري نقلة نوعية، فعلى المستوى السياسي منحت الثورة الفئات المحرومة من الممارسة السياسية الفرصة للمشاركة ومكنت العمال والفلاحين باعتبارهم من الطبقات المحرومة من التمثيل في المجالس النيابية، وكذلك المجالس المنتخبة في كافة القطاعات بنسبة 50%، كما أحدثت آليات جديدة لممارسة الحياة السياسية بديلاً عن الأحزاب التي عرفت بفسادها، وأقامت هيئة التحرير القومي من ثم الاتحاد الاشتراكي، وهي فكرة جامعة لقوى الشعب العامل للمشاركة في العمل السياسي بمختلف التوجهات الإيديولوجية، وعلى المستوى الاجتماعي والاقتصادي أحدثت الثورة أيضاً نقلة نوعية للشعب المصري.

أستطيع القول إن تنمية الطبقة الوسطى المصرية التي تعد علامة بارزة لنهضة الشعوب، لم تشهد تقدماً سوى في مرحلة ثورة يوليو، بحيث تضاعفت ثلاث مرات خلال 18 عاماً من حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وهذا بفضل التعليم المجاني وإتاحة فرص العمل الكبيرة وإقامة المشروعات العملاقة ذات الكثافة العمالية والإنتاجية أيضاً، وكذلك توزيع الأراضي الزراعية فيما عرف بقانون الإصلاح الزراعي، الذي حول الأجراء وعمال التراحيل إلى مزارعين وملاك لأول مرة في تاريخ الفلاح المصري، واستطاع أبناء تلك الطبقة الكادحة أن يلتحقوا بالتعليم المجاني، وتخرجوا وارتقوا أعلى السلم الوظيفي في الدولة، وأعتقد أن ثورة 23 يوليو استطاعت على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الاستجابة الكبيرة للمجتمع لم تكن ترتقي أحلام أبنائه خلال تلك الفترة إلى أن يصلوا إلى هذه المرحلة في أقل من عقدين من الزمان.

- كيف تفسر عدم انعكاس أهداف ثورة 25 يناير على سلوك المصريين، لاسيما بعد تفاقم أزمات مثل البلطجة والانفلات الأمني؟

* مازالت ثورة 25 يناير 2011 لا تجد لها من يتبنى أحلام المصريين الذين شاركوا في صنعها، رافعين شعارات تتمثل في «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية»، ودائما السلوك يأتي كرد فعل لما هو سائد من سياسات عامة وتوجهات، وأعتقد أن المصريين في ثورة 23 يوليو وجدوا قيادة تحقق تطلعاتهم فانضبط سلوكهم، بينما ثورة 25 يناير يختلف فيها الأمر، لأن الثورة حتى الآن لم تجد من يترجم طموحات المصريين التي خرجت في ثورة شعبية، كما اعتقد أنه حتى الآن لم تنعكس شعارات الثورة ومطالبها على الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وحتى الحريات التي استطاع الثوار أن ينتزعوها بثورتهم حوّلها البعض إلى نوع من الفوضى، إذاً فسلوك الناس عادة ما يرتبط بمدى الاستجابة لطموحاتهم، بحيث يشعر الناس أن من يحكمهم يسعى لتلبية مطالبهم ورغباتهم، ما ينعكس على سلوكهم ويدفعهم إلى الوقوف خلف النظام الثوري الجديد أو السلطة الحاكمة.

كما أعتقد أن الشعب بات يشعر الآن أن من يتصارعون على السلطة الآن ليسوا هم المعبرين بشكل حقيقي على طموحاتهم، المتمثلة في الشعارات التي رفعها الشعب في ثورته، وهي نفس الأحلام التي كان يرغب في تحقيقها قبل ثورة يوليو عام 1952، وسارعت الثورة حينها بإنجازها، كما أعتقد أن المصريين الآن أدركوا أن من تولى الحكم لن يستطيع تحقيق كامل طموحاتهم، لاسيما أن ما يزيد على 41% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر وفقاً لتقرير التنمية البشرية، وكذلك لاعتقادهم أن من يصل إلى سدة السلطة يعبر عن سياسات معينة بعيدة عن فكرة العدل الاجتماعي التي شكلت ركيزة أساسية في مطالب الثورة، مما يبعث مخاوف نحو ثبات في السياسات السابقة التي ثار ضدها المصريون القائمة على الاقتراض من الخارج والسوق الحرة التي أغرقت البلاد في مزيد من الديون والقيود على تحركاتها وتفاعلاتها.

- بماذا تفسر إسراع ثورة 23 يوليو في تحقيق أهدافها، لاسيما في جانب العدالة الاجتماعية، مقابل إخفاق تحقيق ذلك في ثورة 25 يناير؟

* القيادة في الثورات لها دور فاعل في هذا الشأن، فلعل قيادة ثورة عام 1952 كانت واعية إلى حد كبير من انتشال الشعب من براثن الفقر والجهل والمرض وتحقيق الاستقلال وإقامة العدالة الاجتماعية، كما أنها انحازت انحيازاً واضحاً للفقراء والطبقات المهمشة، كما لعبت القيادة دوراً في التحام الشعب بثورة «الجيش»، عندما تلمس الشعب التغير الجذري الذي قامت به الثورة في البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وبالتالي دعم المواطن المصري الثورة، أما ثورة 25 يناير للأسف فكانت ثورة بلا رأس، لأن الشعب سبق القوى السياسية في تفجيرها، ولم تستطع القوى السياسية فرض نفسها على الثورة، باستثناء القوى الانتهازية وكانت الأقرب لذلك جماعة الإخوان المسلمين صاحبة التنظيم الأكثر حركية داخل بنية المجتمع المصري، والأزمة الحالية أن التنظيم الذي جنى ثمار الثورة ذهب ليطبق أجندته الخاصة، التي تبتعد نسبياً عن أجندة الثورة التي فرضها الشعب في أيامها الأولى، كون مشروع ذلك التنظيم قائما على الرأسمالية والسوق الحرة وانحيازها المطلق لآليات السوق، التي لا تنتج في بنية اقتصادية مشوهة عائدات لصالح البسطاء حتى في الأمد البعيد، لأن المشروع يظل في إطار الاقتصاد الاستهلاكي، ولعل أهم ما ينجزه هذا التنظيم من مشروعات هو مشروع «السوبر ماركت» الذي يسعى إلى الهيمنة على التجارة الداخلية، كما أعتقد أن ما يحدث الآن يذكرنا بما فعله «مبارك»، حين زاوج السلطة بالثروة عن طريق نجله جمال وأحمد عز، وهو ما يذهب إليه نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين خيرت الشاطر.

- ما تحليلك للشخصية المصرية لقبولها السريع لأهداف ثورة 23 يوليو وتفاعلها معها، مقابل عدم حدوث ذلك بعد ثورة 25 يناير، لاسيما أن قطاعات مصرية ترى في يناير مجرد انتفاضة، وأنها لن تحقق تطلعات الشعب المصري؟

* الشخصية المصرية شخصية واعية، وتمتلك قدراً كبيراً من الوعي، رغم ما يمارس ضدها من تزييف للوعي، لكن الشخصية المصرية تمتلك قدرا كبيراً من الوعي بمصالحها، لذا استجابت الجماهير لثورة يوليو كونها استجابت أيضاً لمطالبهم وطموحاتهم، أما فيما يتعلق بثورة 25 يناير فهناك البعض يتربص بها بما يحولها إلى فورة وليست ثورة، كونها لم تغير في أحوال المصريين الاجتماعية والاقتصادية، وأعتقد أن الإنسان عادة ما يكون تواقاً إلى مصالحه، كما أن المستقبل الضبابي الذي يعشيه المصريون الآن يدفع البعض إلى تعزيز وصف الثورة بالانتفاضة أحيانا وبالفورة أحيانا أخرى، مستغلة في ذلك الصراع الدائر الآن على السلطة.

- ثورة يناير رفعت شعارات «عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية» ما مدى اتصال تلك الشعارات بما حققته ثورة يوليو من إنجازات؟

* المصريون الذين صاغوا شعارات ثورة يناير، هم شباب الطبقة الوسطى المصرية الذين عاش آباؤهم وأجدادهم في الخمسينات والستينات من القرن الماضي الذين استفادوا من التجربة الناصرية وثورة يوليو، وهؤلاء الشباب كانوا الطليعة في ثورة يناير، الذين اكتسبوا خبرات سياسية من آبائهم وأجدادهم، وهم أيضاً الذين تأثرت حياتهم المعيشية خلال العقود القليلة الماضية التي أعقبت وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، وسير الرئيس السادات نحو سياسات رأسمالية غير مستقرة وسار على نهجه مبارك من بعده، ما زاد تلك الطبقة فقراً بحيث تضاءلت الطبقة الوسطى وفق توصيفها وتحولت مصر إلى طبقتين، الأولى قليلة للغاية تتحكم في السلطة والثروة، والثانية متسعة للغاية أيضاً تعاني مزيداً من الفقر والمرض، وكأن الأمر تحول إلى ما قبل 23 يوليو 1952، وبالتالي أبناء هذه الطبقة هم أكثر تضرراً وتأثروا في طليعة المشهد الثوري الجديد، وصاغوا هذه الشعارات بدقة شديدة تعبيرا عن حالة المجتمع في تلك اللحظة، وأستطيع القول إن الشعارات أعادت الاعتبار لما أنجزته ثورة 23 يوليو عام 1952 على الصعيد الاجتماعي والإرادة الوطنية الحرة.

- ما تعليقكم على تزايد الاعتصامات والاحتجاجات الفئوية بعد ثورة 25 يناير. رغم اختفائها أثناء ثورة يوليو؟

* هذا أمر طبيعي لأن المصريين الآن يشعرون بتضاؤل الأمل والفرص نحو تحقيق مطالب ثورة يناير على العكس من ثورة يوليو، التي حولت أهدافها إلى برامج عمل حقيقية استطاعت إنجاز العديد من أهدافها، رغم إخفاقها نسبياً في إقامة الديمقراطية، وأعتقد أن ثورة يوليو فاجأت المصريين بمنجزات لم يطلبوها، ولعل قانون الإصلاح الزراعي الذي أصدرته الثورة خلال الـ 50 يوما الأولى من عمرها، والذي استفاد منه مليون مصري كان مقدمة تلك المنجزات، في حين أنه على الرغم من مضي ما يزيد على العام ونصف العام فمازالت ثورة يناير تراوح مكانها، ولذلك فالمصريون لا يشعرون بالاستجابة السريعة لمطالبهم التي كثير منها مشروعة، وأعتقد أنه مع تزايد تلك الاعتصامات والاحتجاجات الفئوية، رغم أن القليل منها مبالغ فيه، مثل قطاع الاتصالات والبترول والبنوك الأكثر دخلاً في مصر، فإن الأمر قد ينذر باحتمالات قيام ثورة أخرى جديدة قد تكون ثورة جياع، إذ لم تلتفت السلطة الجديدة التي تحكم الآن باسم الثورة إلى قضية العدل الاجتماعي باعتبارها إشكالية حياتية ملحة، وربما تندلع تلك الثورة من القطاع غير الرسمي، كونه يشكل السواد الأعظم من الشعب الذي لديه كثير من مبررات الاعتصامات والاحتجاجات وأن يثور.

[marron]-[/marron] [bleu]المصدر : جريدة «الخليج» الإماراتية | غريب الدماطي - القاهرة.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 13 / 2178384

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

14 من الزوار الآن

2178384 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 11


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40