الاثنين 23 تموز (يوليو) 2012

ستون عاماً على ثورة ناصر: ثورة 25 يناير تستدعي منجزات «يوليو»

الاثنين 23 تموز (يوليو) 2012

قال محللون سياسيون إن المحرك الأساسي لتنظيم الضباط الأحرار للقيام بثورة 23 يوليو/ تموز 1952، كان هدفه الاستقلال الوطني وإدارة شؤون البلاد على أسسه، وأنه بالممارسة الفعلية للثورة اكتشف قادة «يوليو» أن فكرة الوطنية الجامعة هي الضمانة الحقيقية لتحقيق أهداف الثورة، عبر تبني قضايا العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية من دون الاعتماد على الخارج ومضي الثورة نحو عالمها العربي، باعتباره شريك اللغة والدين والثقافة والهوية.

ورأوا في تصريحات خاصة لـ«الخليج» أنه حتى يمكن أن تستفيد ثورة 25 يناير من فكرة الوطنية الجامعة التي اكتشفتها ثورة 23 يوليو، لابد لها أن تتخلص من إرث التبعية، وأن تمضي نحو طريق الاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية التي حققتها «يوليو»، لاسيما أن شعارات «يناير» لامست منجزات «يوليو».

وقال المحلل السياسي، عبد الغفار شكر، إن المحرك الأساسي لمنطلقات الضباط الأحرار كان قضية الاستقلال الوطني، كون مصر كانت تقع تحت وطأة الاحتلال البريطاني، حيث كان تنظيم الضباط الأحرار يرى أنه لا سبيل في الاستقلال الوطني إلا بحكم وطني، ثم تطورت الفكرة بعد نجاح ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 وأخذت أبعاداً أخرى، أبرزها قضية الوطنية الجامعة ورأت الثورة آنذاك ضرورة تطوير الفكرة وإدخال العدالة الاجتماعية كمحرك رئيسي لقضية الوطنية الجامعة، لذا سعت الثورة منذ شهورها الأولى إلى إزالة الفوارق بين طبقات الشعب المصري، لاسيما أن مصر كان بها كبار الملاك يتحكمون أيضاً في الشأن السياسي، وأن هناك احتياجات أساسية للناس حرموا منها، فسارعت إلى إصدار قانون الإصلاح الزراعي الذي حدد الملكية ووزع الأراضي على الأجراء الفلاحين والمعدومين، ثم حددت ساعات العمل للعمال البسطاء الذين كانوا يعانون من سطوة أصحاب الأعمال.

وقال إن الثورة سرعان ما اكتشفت من خلال الممارسة أهمية التنمية الاقتصادية، وذلك لتدعيم الاستقلال الوطني كإطار عام للوطنية الجامعة، وأنه لا سبيل في تعزيز الاستقلال الوطني إلا بالاعتماد على الذات دون الاعتماد على الخارج، وفي هذا السياق اكتشفت أن مصر من دون أشقائها العرب لا تستطيع أن تؤمن الاستقلال الوطني، لاسيما أن استراتيجية الاحتلال الغربي كانت ترمي إلى أنه لا يستطيع المحتل تأمين نفوذه إلا باحتلال مصر، ما دعا ثورة 23 يوليو إلى الأخذ بالنظرة الشاملة للوطنية الجامعة بأبعاد جديدة تؤمن الاستقلال الوطني، فاتجهت الثورة إلى بعد الوحدة العربية باعتباره إضافة جديدة إلى الوطنية الجامعة، وذلك بأبعادها القومية والوحدوية.

ورأى شكر أنه حتى يمكن أن تستفيد ثورة 25 يناير من فكرة الوطنية الجامعة التي اكتشفتها ثورة 23 يوليو فلابد لمصر أن تتخلص من طلب المساعدات الأجنبية والتبعية، لاسيما للقوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وأن تمضي مصر ثورة 25 يناير نحو طريق الاستقلال الذي تكشفته ثورة يوليو، وأن تستدعي فكرة العدالة الاجتماعية لاسيما أن الثورة المصرية الآن رفعت شعارات قاربت شعارات يوليو، من عيش وحرية وكرامة إنسانية وعدالة اجتماعية.

وشدد على ضرورة أن تسعى ثورة 25 يناير إلى تجاذبات مع ما استطاعت إنجازه ثورة 23 يوليو في السنوات الأولى لها.

ورأى شكر أن تداعيات الثورة المصرية التونسية على المنطقة دليل لحالة التفاعل العربي والمصلحة العربية والمصير العربي المشترك، رغم محاولات معادي الثورة من القوى الخارجية إلى تعطيل تفاعلاتها الداخلية، مشيرا إلى أنه لا سبيل لمصر عقب ثورة 25 يناير إلا إحياء ما أنجزته ثورة 23 يوليو من تأسيس لفكرة الوطنية الجامعة، حتى يمكن أن تنهض مصر وتتخلى عن التبعية وتستعيد دورها في المنطقة العربية التي تتأثر بما يجري في مصر.

ومن جانبه قال المحلل السياسي عبد الله السناوي إن ثورة 23 يوليو، هي بنت الحرب العالمية الثانية ونتاج حركات التحرر الوطني، لاسيما بعد إخفاق ثورة 1919 في إنجاز دولة الدستور والقانون والاستقلال الوطني اللذين قامت من أجلهما، حيث ألغى مصطفى النحاس باشا الدستور الذي تم وضعه عام 1923، وكذلك اتفاقية الجلاء التي وقعها عام 1936 بعد دعوات الاستقلال وجلاء الاحتلال.

وأوضح السناوي أنه لذلك جعلت ثورة 23 يوليو قضية الاستقلال الوطني والتحرر من الاستعمار قضيتها المركزية، وانحازت في خياراتها الاجتماعية إلى الطبقات الاجتماعية الفقيرة، نتيجة الصراع الطبقي الطبيعي الذي ساد مصر قبل ثورة يوليو، ما دفعها إلى العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية وحققت أكبر حراك اجتماعي في الوطن العربي، وأضاف السناوي أن ثورة 25 يناير، حاولت استعادة هذا الحراك الاجتماعي عبر مطالب الثورة بضرورة تحقق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، غير أن تلك الشعارات لم تكن منضبطة أو واضحة المعالم الآن لدى السلطات التي حكمت مصر، وكذلك لدى الأطراف المتصارعة على السلطة أو النافذة فيها من القوى الإسلامية أو الليبرالية، بسبب غياب إدراكهم الكامل بضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية، حتى يمكن لتلك القوى الوصول إلى الفكرة الوطنية الجامعة، ما دعا البعض إلى ضرورة استدعاء ثورة يوليو بمنجزاتها إلى المشهد السياسي الآن في مصر.

ولفت إلى أن من أخطاء ثورة 25 يناير أنها لم تؤسس إلى فكرة الاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية، كأهداف رئيسية يمكن أن تحدث حالة حراك اجتماعي واسع في إطار الفكرة الوطنية الجامعة، رغم ما طرحه الثوار من شعارات بشأن العدالة الاجتماعية أو الكرامة الإنسانية.

واعتبر السناوي أن ثورة 25 يناير جاءت لتصحيح مسار واحد من الأخطاء البنيوية لثورة 23 يوليو، وهو غياب الديمقراطية بمفهومها الليبرالي وقضية حقوق الإنسان، رغم أن التيار الناصري طوال حقبة السبعينات وما تلاها، أخذ في تصحيح هذا الخطأ ليضاف التصحيح إلى المشروع القومي الناصري.

بالرغم من أن الديمقراطية الآن باتت مهددة، لاسيما في ظل غياب أسس الفكرة الوطنية الجامعة القائمة على التفاعل الاجتماعي والسياسي، خاصة أن حجم المشكلات الآن أكبر من أن يواجهها تيار سياسي واحد.

فيما قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، الدكتور جمال زهران، إن ثورة يوليو منذ لحظة انطلاقها أدركت أنه لا سبيل في مصر سوى تغيير شكل النظام القديم القائم على الفساد والمحسوبية والاستحواذ على الثروات والسلطة معاً، وأنه لابد من التأسيس إلى نظام سياسي جديد تحميه قوى شعبية تستفيد من تلك الثورة، فحققت على مستوى الإرادة الوطنية الاستقلال الوطني وحققت العدل الاجتماعي عبر انحيازها لقطاعات الفقراء والمحرومين من العيش الكريم أو ممارسة السلطة أيضاً، وأخذت في بناء نظام جديد وحشدت خلفه القوى الشعبية بهدف دعم الثورة وتأمينها من أي ثورة مضادة، فأسست مشروعات وطنية عملاقة بسواعد وأفكار مصرية، وخلال 50 يوماً من شرارتها الأولى تحققت أبرز أهدافها في القضاء على الإقطاع عبر إصدار تشريع بتحديد الملكية وتوزيع الأراضي على المزارعين والمحرومين من العيش بكرامة.

وقال إن الثورة جذبت إلى صفوفها قطاعات شعبية واسعة، وأتاحت الفرصة أمام المصريين للإبداع والابتكار من دون إقصاء لأحد، رغم صراعات قوى الثورة المضادة بهدف التخلص من الثورة وقائدها جمال عبد الناصر، إلا أنها نجحت وأسست لمنابر سياسية وإعلامية أسهمت كثيراً في إحداث حركة التنوير والإدراك والوعي، فخلقت الجماعة الوطنية الجامعة التي أسهمت في المضي بالثورة نحو تحقيق أهدافها، وعندما انكسرت مصر في حرب 1967، وأراد الرئيس عبد الناصر التنحي، خرجت جيوش ليست فقط من مصر بل من الشعوب العربية تطالبه بالعدول والاستمرار في سدة الحكم، ليس فقط حباً فيه لكن أملاً في استكمال مشوار الثورة الذي قاده عبد الناصر ورفاقه، وبعد رحيل عبد الناصر سعت القوى المضادة لثورة يوليو إلى ضرب المشروع القومي الذي أسسه عبد الناصر، وأجهزت عليه عقب حرب أكتوبر 1973، وأوضح زهران أن ثورة 25 يناير بالرغم من أنها أزاحت رأس النظام وأسقطت الرئيس السابق، محمد حسني مبارك، غير أنها لم تستطع بناء مؤسسات بديلة لدولة «مبارك»، كونها ثورة من دون قائد فعلي من جهة، وكون ثمار الثورة يسعى لخطفها تيار بعينه، فلم تتمكن من تأسيس نظام بديل باستثناء التأكيد على المضي في المسار الديمقراطي الذي ربما يشهد تحديات كبرى خلال السنوات المقبلة.

ورأى زهران أن الحل للخروج من الأزمة الراهنة، لاسيما حالة التشظي والعراك السياسي، يتطلب تصحيحاً لحالة القطيعة بين ثورة 25 يناير وبين الثورة الأم 23 يوليو/ تموز، لاسيما أن شعارات الأولى تتلامس مع الحد الأدنى للثورة الأم، تخلق قوى داعمة للثورة الجديدة من دون إقصاء أو الاستعانة بالنظام القديم، خاصة أن الملمح السائد في المشهد الحالي يمضي نحو الحفاظ على المصالح القائمة، وربما استمرار نظام مبارك بأشكال مختلفة.

من جانبه قال أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة عين شمس، سمير نعيم، إنه بالرغم من أن ثورة 25 يناير 2011 لم تحدد لنفسها سوى شعارات عامة مثل حرية..عدالة اجتماعية كرامة إنسانية، فإن المتأمل في الإجراءات التي تم اتخاذها منذ اندلاع الثورة، يؤكد أن هناك شيئاً مشتركاً بين ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 وثورة 25 يناير في مجالين أساسيين هما القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، وإقامة العدالة الاجتماعية.

وأضاف أن ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 أعلنت ستة مبادئ أساسية، هي: «القضاء على الإقطاع والقضاء على الاستعمار وأعوانه والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم وإقامة حياة ديمقراطية سليمة وإقامة عدالة اجتماعية»، فكان البدء لثورة 23 يوليو في تطبيق برنامج الإصلاح الزراعي في سبتمبر/ أيلول 1952.

وأوضح نعيم أن برنامج الإصلاح الزراعي استهدف ضرب الإقطاع الذي كان يشكل الركيزة الاقتصادية التي كان يستند إليها النظام الاقتصادي الاجتماعي القديم من ناحية، وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية في الريف المصري لمصلحة صغار المزارعين من ناحية أخرى، عن طريق توزيع الأراضي ومصادرة الملكيات الكبيرة، بينما ركزت أولى خطوات ثورة 25 يناير في ضرب الاحتكارات الكبرى التي سيطر عليها رموز النظام السابق، وتفكيك البنية الاحتكارية للاقتصاد المصري.

فيما توالت الإجراءات حسب قول نعيم لتحقيق العدالة الاجتماعية في ظل نظام ثورة يوليو في مجال تحديد الملكية وتحديد الإيجارات الزراعية والسكنية والحد الأدنى للأجور وإصلاح النظام الضريبي، ومشاركة العمال في الأرباح ومحاولة تذويب الفوارق بين الطبقات، بينما مازالت ثورة 25 يناير في بدء الطريق وأمامها مخاض طويل في مجال تحقيق العدالة الاجتماعية في الريف والمدينة، وإعادة توزيع الدخول والثروات للحد من الفقر والبطالة وتحسين مستويات التشغيل والأجور.

ورأى نعيم أن أبرز العوامل المشتركة بين الثورتين، هو وجود مشروع تنموي وتحديثي للدولة المصرية، فقد قامت ثورة يوليو منذ لحظتها الأولى على الإرادة الوطنية المصرية بوضع برنامج للتصنيع والتحديث المؤسس لبناء الكادر الوطني الذي يقوم بمهام البناء والتحديث، وأعتقد أن ثورة 25 يناير رغم ما يواجهها من تحديات من بينها عدم وضوح الرؤى إلا أنها سوف تمضي نحو تحقيق الديمقراطية التي غابت عن ثورة 23 يوليو وستحقق تنمية اقتصادية واجتماعية تنقلها إلى مصاف الدول الناهضة في شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، وذلك عبر ثورة في النظام التعليمي والبحث العلمي والسلوكيات لدى المصريين، من خلال طرد القيم الرديئة وإحلال قيم العمل والمثابرة والإبداع محلها، رغم حالة الجدل السياسي الراهن.

ومن جانبها قالت نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا، المستشارة تهاني الجبالي، إن ثورة يوليو نظراً للظروف التي كان يمر بها العالم الثالث من احتلال لأراضيها، سعت بالأساس إلى ضرورة التخلص من الاحتلال والمضي نحو استقلال البلاد، وهو ما كان حادثاً في مصر حيث ركزت الثورة على قضية الاستقلال، فسعت إلى إحداث حالة من الحراك الشعبي الجامع نحو أهداف الثورة، واستطاعت أن تؤسس منبراً سياسياً يجمع أطياف المجتمع، فيما أطلقت عليه تحالف قوى الشعب العامل، وانحازت طويلاً أمام الفئات التي حرمت سياسياً واقتصادياً، وسعت نحو هؤلاء كونهم يشكلون السواد الأعظم.

وأوضحت الجبالي أنه بالمقارنة بين الثورتين نجد مفارقات غريبة، إذ قام بثورة يوليو تنظيم الضباط الأحرار من الجيش المصري، ثم التف حول مكاسبها ومضامينها وأهدافها الشعب المصري، بينما ثورة 25 يناير قام بها الشعب والتف حولها الجيش، ولعل القاسم المشترك هنا هو وطنية الجيش المصري، ورأت أن أهداف كلتا الثورتين متشابهة إلى حد كبير، إذ قامت ثورة يوليو من أجل التحرر من الملكية الفاسدة والاستعمار وتحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية، كما أن ثورة 25 يناير قامت بعد حوالي 60 عاماً من ثورة يوليو أيضاً، من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وذلك بعد أن انقض على ثورة يوليو الثورة المضادة.

ولفتت الجبالي إلى أن ثورة يناير أعادت الاعتبار المعنوي لثورة يوليو، لاسيما أن الأولى مازالت تحمل شعارات في مجملها كانت منجزات قد تحققت على أرض الواقع في ثورة يوليو.

[marron]-[/marron] [bleu]المصدر : جريدة «الخليج» الإماراتية | غريب الدماطي - القاهرة.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 12 / 2165961

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165961 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010