الثلاثاء 24 تموز (يوليو) 2012

شراكة موسكو وبكين

الثلاثاء 24 تموز (يوليو) 2012 par مأمون كيوان

كان أمراً لافتاً تقارب وجهتي النظر الروسية والصينية خلال السنوات القليلة الماضية من رزمة قضايا ثنائية وإقليمية ودولية، وتطابقتا تجاه المسألة السورية. وهذا ما يستدعي الوقوف على خلفيات ما يُعتقد أنه زواج كاثوليكي بين موسكو وبكين يعود تاريخياً إلى العام 1640 عندما اتصلت الصين وروسيا مباشرة لأول مرة في أقصى شرقي سيبيريا. ومنذ 1640 حتى 1729 طورتا تدريجياً علاقات دبلوماسية وتجارية متأرجحة ولكن متينة.

وفي العصر الحديث أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الصين والاتحاد السوفييتي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول العام 1949، أي بعد يوم واحد من تأسيس جمهورية الصين الشعبية كان الاتحاد السوفييتي أول دولة تعترف بالجمهورية الوليدة. وسادت هذه العلاقة الكثير من المنعطفات والتقلبات والقوة والفتور. وفي 27 ديسمبر/كانون الأول من العام 1991 وقعت الدولتان ميثاقاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، اتفقت فيه روسيا على مواصلة العلاقات الدبلوماسية السابقة مع الصين. وفي العام 1996 صاغت الصين وروسيا شراكة للتعاون الاستراتيجي. وفي العام 2001 وقعت الدولتان معاهدة تعاون وحسن الجوار والتعاون الثنائي الودي، إذ تعمقت الثقة السياسية المتبادلة بين الجانبين وتكثفت الاتصالات بين قادتهما. واجتمع الرئيس الصيني جيانغ زيمين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ثلاث مرات في عام واحد، إضافة إلى الاتصال الهاتفي بينهما ست مرات.

ركزت معاهدة حسن الجوار والتعاون الودي بين البلدين التي وقعها رئيسا البلدين في العام 2001، على مفهوم الصداقة المتوارثة من جيل إلى جيل وعدم المعاداة إلى الأبد. أي أنها ألغت معاهدة سابقة وقّعت أيام ماو تسي تونغ وستالين، وأصبحت غير واقعية في نهاية ستينات القرن العشرين إثر التوتر الذي حصل بين البلدين.

وقد جاءت المعاهدة لتدعّم (الشراكة الاستراتيجية) بين البلدين القائمة منذ نهاية التسعينات، خاصّة من جانب قلق الدولتين من التحوّل في النظام العالمي الجديد الذي تسيطر عليه الولايات المتّحدة وحلفاؤها الأوروبيون. وركّزت (الشراكة الاستراتيجية) على معارضة موسكو وبكين المشتركة لبرنامج الدفاع الصاروخي الأمريكي، ورفض المفهوم الغربي لمبدأ (التدخل الإنساني) الذي تبناه حلف الناتو في العام 1999 في كوسوفو. ومعارضة الخطط الأمريكية بالتوسع العسكري، التي لا يمكن إلا أن تضرّ بمصالح الأمن العالمي، والدعم الروسي لمفهوم (صين واحدة)، والاعتراف بحق الصين في تايوان كجزء منها، وتدعيم التعاون العسكري بين موسكو وبكين. ولا بد من الإشارة إلى أنه حتى ثمانينات القرن العشرين، كانت المبيعات الروسية العسكرية للصين تكاد لا تذكر لصغر حجمها. أما اليوم فتعدّ الصين المستورد الأول للأسلحة الروسية، وتستأثر وحدها بنحو 45% من صادرات السلاح الروسي إلى الخارج.

وكان من أبرز دلائل تدعيم التعاون العسكري بين موسكو وبكين، إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين الصين وروسيا باسم (رسالة السلام 2005)، في الفترة ما بين 18و25 أغسطس/آب 2005 والتي أثارت مخاوف العديد من القوى الدولية، لاسيما الولايات المتّحدة الأمريكية. وأيضاً في أواخر أغسطس/آب 2007 أجريت مناورات صينية - روسية أمام ميناء فلاديفستوك الروسي وشبه جزيرة شاندونغ الصينية على ساحل المحيط الهادئ.

ومؤخراً، أصبحت الأحداث في الشرق الأوسط بالنسبة إلى الصين وروسيا محنة قاسية، ولم تكن روسيا والصين مقتنعتين بأن استراتيجيتهما سلمية، وكان لديهما خيار إما تأييد النظام، وإما تأييد الشعب. وكانتا تقولان إنهما تؤيدان الاستقرار في المنطقة، لأن أية ثورة يصاحبها دمار وموت. ولكن بعد الثورتين في تونس ومصر أصبحت هناك مبررات لروسيا والصين لإعادة النظر في موقفهما. وأدت الأحداث في ليبيا إلى تغيير الموقفين الصيني والروسي. وأصبح واضحاً لهما أن هذه الأحداث تقود إلى الفوضى. وهذا ما يُفسر نسبياً إصرار روسيا والصين على عدم السماح بتكرار السيناريو الليبي في سورية، واستخدامهما المشترك لحق النقض (الفيتو) ثلاث مرات تحت حجج وذرائع متعددة منها: عدم توازن مشروع القرار، وغطرسة الغرب، ورفض التدخل العسكري، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. بالرغم من أن استخدام هذا الحق لا يلزم مستخدمه إبداء أسباب قراره. ويشير سجل استخدام حق النقض (الفيتو) إلى أنه منذ تأسيس الأمم المتحدة عام 1945، استخدم الاتحاد السوفييتي ولاحقاً روسيا حق الفيتو «النقض» 122 مرة، بينما استخدمته الصين سبع مرات.

ولا بد من الإشارة إلى أن أحد العوامل أو الدافع الجوهري غير المُعلن لموقف هذا الثنائي، يتمثل في كبح أو ردع أية إمكانية لتدخل المجتمع الدولي لمصلحة ثورات وانتفاضات شعبية تندلع في أي بلد من البلدان. أي أن موسكو وبكين بتاريخهما وسجلهما في المرحلتين الستالينية والماوية وفي المراحل اللاحقة، تدركان حقائق وتحديات الواقعين الروسي والصيني اللذين ينبئان بتوافر أسباب اندلاع ثورات أو احتجاجات جديدة في الأفق المنظور ضد «الديمقراطية» في روسيا والصين.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2176792

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

6 من الزوار الآن

2176792 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 5


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40