الأربعاء 25 تموز (يوليو) 2012

ستون عاماً على ثورة ناصر: التأثر بالمكارثية

الأربعاء 25 تموز (يوليو) 2012 par فيصل جلول

في عيدها الستين مازالت ثورة 23 يوليو المصرية في ريعان شبابها، ومازالت موضوعاتها الأساسية عصية على التجاوز ومن بينها الوحدة العربية والسوق المشتركة والتنمية الوطنية المستقلة والدفاع العربي المشترك وتحرير الأراضي الفلسطينية، إلخ. وإذا كان شعار الاشتراكية قد تحول من النمط السوفييتي الذي فشل في البلد الأم، فإن الاشتراكية بمضمون العدالة الاجتماعية هي الأقرب اليوم إلى واقع الحال. أما الحرية التي كانت سائدة في عصر ثورة يوليو فهي تلك التي ما كانت تسمح لعدو الانبثاث داخل الفضاء الوطني وتخريبه وتولي دور الطابور الخامس فيه، وهذا بالضبط ما فعله جمال عبدالناصر في مصر.

والجدير بالذكر، أن الإجراءات المصرية في ذلك الحين كانت تتأثر بالسياسة الأمريكية في مجال حقوق الإنسان، فواشنطن بادرت أوائل الخمسينات بزعامة السيناتور جوزف ريموند مكارثي إلى تطهير إدارات الدولة والمجتمع من الشيوعيين واليساريين معتبرة أنهم عملاء للاتحاد السوفييتي، وكان مكارثي يرسم اللوائح السود على الظن والشك الغامض، وما أن تظهر اللوائح حتى يتعرض أصحابها للعزل او الفصل من أعمالهم أو التحقيق القضائي الصارم، وقد طالت المظالم المكارثية طبقة واسعة من المثقفين في منهاتن والعديد من الولايات الأمريكية في مختلف مجالات الإبداع، وعلى الرغم من طي صفحة المكارثية بعد تحقيق أغراضها في إثارة الرعب في صفوف اليسار الأمريكي وردعه عبر العقاب المعنوي، وعلى الرغم من تبخر هذا اليسار الى درجة الصفر على المسرح الأمريكي فإن الولايات المتحدة مازالت حتى اليوم ترهب طالبي التأشيرة الأجانب بأسئلة من نوع: هل تعتنق الشيوعية؟ أو ما شابه ذلك.

كان يجدر بمصر الناصرية أن تمتنع عن التأثر بالمكارثية في ملاحقة الشيوعيين والإخوان المسلمين، ويظهر لي أن ورثة جمال عبدالناصر أو المخلصين منهم لا يقرون اليوم هذا الجانب في ثورة يوليو.

وإذا كانت افكار «23 يوليو» مازالت بقسمها الأكبر شابة فإن مصر تدين لها بإنجازات حيوية وفرت على المصريين كوارث جمة، ومن بينها السد العالي الذي أنقذ مصر في الثمانينات من تسع سنوات جفاف خلفت مصائب وصلت إلى حد المجاعة في السودان. ويقول أحد الخبراء الأجانب في هذا الصدد «إن سد أسوان هو العمود الفقري للبحبوحة الزراعية والصناعية والاجتماعية في مصر. لقد تحققت اهداف السد في إنتاج الطاقة الكهربائية وتوفير المياه لري الأراضي الزراعية المستصلحة والقديمة وفي تنويع المحاصيل وحماية البلاد من الفيضانات والشح المائي وفي السياحة وفي الصيد البحري وفي تحسين الملاحة في النيل وخلق فرص عمل وتأهيل جيل جديد من المهندسين والتقنيين والعمال المؤهلين وفي زيادة الدخل الوطني».

أما الأثر الأكبر للثورة فيبقى ماثلاً في الثقافة العربية التي أشاعتها على صعد مختلفة، ولا سيما في مجال الفنون، حيث سينما وغناء وشعر وأدب تلك الفترة مازالت أجيال عربية تتوارثها باعتبارها مرجعية تستحق الاتباع في حين ما انفكت الثقافة السياسية الناصرية تتجول خفية أو صراحة في نصوص القسم الأكبر من المبدعين العرب.

تبقى الإشارة إلى أن الأجانب صنفوا هذه الثورة وقائدها بين أحداث وأبطال القرن العشرين الكبار، بل أولئك الذين غيروا وجه التاريخ، فلولا تلك الثورة لظلت الجزائر فرنسية وعدن بريطانية وإفريقيا وأمريكا اللاتينية مرتعاً للاستعمار القديم وللعبودية الحديثة.

وأخيراً، ربما على الرئيس المصري محمد مرسي الذي ينتمي إلى تيار الإخوان المسلمين أن يتذكر كلما جلس على كرسي الرئاسة في قصر عابدين أنه يدين بموقعه لجمال عبدالناصر مرتين: المرة الأولى لأن ناصر وضع حداً لملكية أثقلت كاهل مصر لقرن ونصف القرن وأتاح لأبناء الشعب المصري تولي شؤونهم بأنفسهم، والمرة الثانية، لأن ناصر صمم وطبق قوانين الإصلاح الزراعي التي سمحت لمرسي الأب بتعليم ابنه حتى صار ذات يوم رئيساً للجمهورية.

لقد تولى التيار الناصري الحكم منفرداً لعقد ونصف العقد تمكن خلالها من تغيير وجه مصر والعالم العربي على كل صعيد، أما خصومه الذين مازالوا يحكمون حتى اليوم فقد مروا على هذا العصر وسيمرون على الأرجح مرور الكرام. في عيدها الستين نقول شكراً لثورة يوليو ولقائدها مازلت حياً.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2177861

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177861 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40