السبت 28 تموز (يوليو) 2012

سقوط المزاعم أمام الحقائق

السبت 28 تموز (يوليو) 2012 par د. محمد السعيد ادريس

لم يكن يوم الاثنين الفائت، الثالث والعشرين من يوليو/تموز الجاري يوماً عادياً كغيره من الأيام، ففي هذا اليوم تكون ثورة الثالث والعشرين من يوليو 1952 قد أكملت ستين عاماً من عمرها المديد، ليس هذا فقط، بل إنه جرى في هذا اليوم حسم قضيتين مهمتين تفجرتا عقب اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011. القضية الأولى هي العلاقة بين ثورة 25 يناير وثورة 23 يوليو، أما القضية الثانية فهي اندفاع البعض، في لحظة نشوة بنجاح ثورة 25 يناير، للتبشير بضرورة التأسيس للجمهورية المصرية الثانية، ما يعني أمرين: أولهما أن ثورة 25 يناير قد قامت لإسقاط الجمهورية الأولى، وثانيهما الربط بين عهد جمال عبد الناصر وعهدي كل من أنور السادات وحسني مبارك باعتبار العهود الثلاثة تعبيراً عن شرعية واحدة هي شرعية ثورة 23 يوليو، ومن ثم تكون المحصلة النهائية هي أن ثورة 25 يناير قامت لإسقاط ثورة 23 يوليو.

يوم الاثنين الفائت جرى التصدي بشجاعة على أكثر من مستوى شعبي ونخبوي وثقافي وفني لهاتين القضيتين وإعلان القول الفصل في مقولتين: الأولى هي أن الثورات لا تنسخ بعضها بعضاً، بل تكمل كل منها ما عجزت سابقتها عن تحقيقه، ومن ثم فإن ثورة 25 يناير هي إكمال لثورة 23 يوليو على طريق بناء مجتمع العزة والكرامة مرة بأهداف الحرية والاشتراكية والوحدة، ومرة بأهداف العدالة والحرية والكرامة والاستقلال الوطني، أما المقولة الثانية فهي إن ثورة 25 يناير قامت لتؤسس الجمهورية الثالثة، وليس الجمهورية الثانية، باعتبار أن جمهورية ثورة 23 يوليو قد أسقطها انقلاب 15 يناير 1971 الذي أعد له ودبره الرئيس الأسبق أنور السادات، وجاء من بعده خليفته حسني مبارك ليكمل ما بدأه السادات من انقلاب على ثورة 23 يوليو وجمهوريتها وليؤسسا معاً جمهورية الفساد والاستبداد التي انقلبت على جمهورية العزة والكرامة.

محاولات الوقيعة بين ثورتي 23 يوليو و25 يناير بدأت مبكرة من جانب أطراف بعضها لم يكن حسن النية، لكن الأغلب اندفع في هذا الاتجاه ضمن تصفية الحسابات مع نظام مبارك، كانت الوقيعة الأولى تقول أو تزعم بأن ثورة 25 يناير أسقطت حكم العسكر، أي حكم حسني مبارك الذي ظل يزعم هو الآخر أنه يحكم بشرعية ثورة 23 يوليو، أما الوقيعة الثانية بين الثورتين فجاءت تحت زعم أن ثورة 25 يناير قادها الشعب وأن ثورة 23 يوليو قادها العسكر، ومن ثم فليست هناك علاقة بين الثورتين، أما الوقيعة الثالثة فهي الزعم بأن ثورة 25 يناير سوف تؤسس الجمهورية الثانية بإسقاطها للجمهورية الأولى، ما يعني حساب عهد السادات ومبارك على ثورة 23 يوليو.

كل هذه المزاعم تساقطت أمام حقائق علمية وتاريخية ساطعة، أولى هذه الحقائق أن الثورات يكمل بعضها بعضاً، فعلى مدى التاريخ لم تستطع أي ثورة أن تكمل أهدافها، فضلاً عن حقيقة أن الشعوب لا تتوقف أبداً عن التحليق في المستقبل والطموح إلى أهداف جديدة بوعي جديد، كما أن الثورات عادة ما تكتسب عداءات القوى التي أسقطتها والتي تهددت مصالحها بالثورة سواء كانت قوى داخلية أو خارجية، وهذه جميعاً لا تتوقف أبداً عن تهديد الثورة والتآمر عليها وتدبير الانقلابات ضدها، هذا ما تعرضت له كل الثورات وعلى الأخص ثورة 23 يوليو، وما تتعرض له الآن ثورة 25 يناير، وكما تعرضت ثورة 23 يوليو لمؤامرات منذ بداية عهدها، تتعرض ثورة 25 يناير هي الأخرى لمؤامرات مشابهة، وكما تعرضت ثورة 23 يوليو/تموز لانقلاب استهدف إسقاطها ونجح في ذلك، يمكن أن تتعرض ثورة 25 يناير لانقلاب مشابه، وما يحدث الآن في مصر من إسقاط للمؤسسات المنتخبة ابتداء من مجلس الشعب، وربما مجلس الشورى والجمعية التأسيسية للدستور، وما يحدث الآن من محاولات لإفشال الرئيس عن طريق إضراب معظم مؤسسات الدولة عن العمل (خاصة مؤسسة الأمن)، وتوقف المرافق العامة عن أداء دورها (الكهرباء والمياه والنظافة)، كلها يمكن أن تكون مقدمات لانقلاب يجري تدبيره لإسقاط الثورة.

ثاني هذه الحقائق أن ثورة 23 يوليو 1952 قد انتهت تاريخياً بذلك الانقلاب الذي قاده السادات ضدها يوم 15 مايو/أيار1971، والذي أفصح عن أدق تفاصيله لوكيل وزارة الخارجية الأمريكية جوزيف سيسكو الذي كان قد زار القاهرة قبيل هذا الانقلاب بأيام قليلة للتعرف إلى فكر رئيس مصر الجديد ومدى استعداده للتخلي عن فكر وسياسات جمال عبدالناصر، وصدم تحقيقه أن الرئيس الجديد (السادات) مستعد للانحراف والانقلاب الشامل على تجربة جمال عبد الناصر، وعلى الأخص ما يتعلق بالصراع العربي - الصهيوني وعلاقة مصر بكل من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، وأنه يعد العدة لاعتقال رجال الحكم أيام عبد الناصر.

حدث هذا يوم 15 مايو/أيار 1971 تحت مسمى «ثورة التصحيح» التي جاءت انقلاباً كاملاً على ثورة 23 يوليو سواء بالنسبة إلى النظام السياسي أو النظام الاقتصادي وكل مكتسبات الشعب من ثورة 23 يوليو وخاصة ما يتعلق بالثروة الوطنية، كما جاءت انقلاباً على دور مصر في الصراع العربي الصهيوني، ومن هنا كان تلقف الأمريكيين لهذا الانقلاب ودعمه سياسياً واقتصادياً بل وعسكرياً في اتجاه تفكيك هياكل القدرات المصرية والانحراف بدور مصر العربي في الاتجاه الداعم للسلام مع الكيان الصهيوني، وهو ما تجسّد في خطوات متتالية بدأت بالربط بين مطلب الرخاء ومطلب السلام، أي أن الدعم الأمريكي لمصر اقتصادياً لتحقيق الرخاء مرتبط بقبول مصر بشروط السلام مع «إسرائيل»، وأولها هدم القدرات السياسية والاقتصادية والعسكرية، ابتداء من شرط بيع القطاع العام وحلّ الاتحاد الاشتراكي، وفرض تعددية سياسية مغلقة أمام كل من يحملون أفكاراً رافضة للتبعية وللسلام مع الكيان الصهيوني، واكتمل السقوط بتوقيع معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني.

لقد جرى في ظل انقلاب مايو/أيار 1971 ومعاهدة السلام المصرية - «الإسرائيلية» تجريد مصر من أي قدرة على دعم مجهود حربي جديد على الوجه الذي حدث بعد نكسة 1967 وقاد إلى نصر أكتوبر 1973، وعلى الأخص القطاع العام الذي استطاع أن يمول تلك الحرب، فقد تقرر بيعه، ومن ثم جرى تجريد الشعب من ثروته الوطنية التي جرى توزيعها على الطبقة الجديدة التي أرادها الأمريكيون بديلاً داعماً لمسار التبعية، ثم جرى ترسيخ قوة هذه الطبقة التي باتت تشكل جسراً لتمكين التبعية من مصر بالمعونة الأمريكية التي جرى اشتراط تخصيصها لهذه الطبقة التي تحولت من ملكية الثروة إلى التغلغل في مؤسسات الحكم، ابتداء من البرلمان ثم إلى الحكومة وامتد تأثيرها إلى الإعلام بل اتجهت إلى امتلاكه، ومن هنا لم يأت كلام آفي ديختر الرئيس الأسبق للشاباك (الأمن السياسي) «الإسرائيلي» من فراغ عندما أكد العام 2008 أن وجود «إسرائيل» ونفوذها قويان في مصر، وأنها لن تسمح أن يجيء رئيس لمصر بعد مبارك لا يعلن التزامه المسبق بمعاهدة السلام، وعندما كشف أن هذا الوجود وهذا النفوذ «الإسرائيلي» القوي في مصر يعتمد على ركيزتين، الأول هي شركاء «إسرائيل» من رجال الأعمال المصريين، والثانية هم أصدقاء «إسرائيل» في الإعلام المصري.

انقلاب مايو/أيار 1971 الذي أسقط ثورة 23 يوليو وجمهوريتها وأسس لجمهورية الفساد والاستبداد، لم يبدّد قدرات مصر وثرواتها فحسب، بل أهدر استقلال مصر الوطني وانتهك سيادة أراضيها، وصادر قرارها عندما أعطى الأولوية لاعتبارات الأمن «الإسرائيلي» على الأمن المصري، وجرد سيناء من الجيش المصري باستثناء 22 ألف جندي بأسلحة دفاعية غير هجومية و4000 جندي حرس حدود، إضافة إلى أعداد من قوات الأمن المركزي، وكل هؤلاء مراقبون بقوات أجنبية موجودة في قاعدتين عسكريتين في شرم الشيخ والجورة، إضافة إلى 31 نقطة تفتيش أخرى، وهي قوات أمريكية والبقية قوات حليفة لها من الناتو وأمريكا اللاتينية . ليس هذا فقط، بل إن هذا النظام الفاسد تغاضى عن مخاطر القوة النووية «الإسرائيلية» وراح ينسق أمنياً مع الكيان الصهيوني، وتحول إلى سمسار لسلام زائف مع الكيان الصهيوني على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

ثالث هذه الحقائق أن الثورات عمل شعبي وتقدمي، والشعبية تعني أن الثورة يقوم بها الشعب كله وليس فئة أو طبقة أو تياراً سياسياً بعينه، كما أن هدفها التغيير نحو الأفضل وإسقاط النظم الفاسدة، بغض النظر عن الذي يرتديه الثوار هل هو «الكاكي» العسكري، أو هو (الجينز) المدني، ثوار 23 يوليو كانوا شباب الضباط، ولم يكونوا من الجنرالات، كانوا أبناء القوى السياسية كافة، وأول ما قاموا به ليلة 23 يوليو هو اعتقال كبار الجنرالات قادة الجيش، أي أن قادة الثورة كانوا هم طلائع الشعب الذي لم تستطع أحزابه قيادة الثورة، تماماً كما قام شباب مصر بقيادة الثورة بعد أن عجزت القوى السياسية وأحزابها الضعيفة عن القيام بالفعل الثوري، والعكس من ذلك الانقلابات التي تتآمر بها فئة لإسقاط حكم ثوري دفاعاً عن مصالح وأهداف دنيئة خاصة بتلك الفئة. بهذه الحقائق بات واضحاً أن ثورة 25 يناير أسقطت جمهورية الفساد والاستبداد انتصاراً للأهداف ذاتها التي قامت ثورة 23 يوليو من أجل تحقيقها، كما بات مؤكداً مدى التكامل بين ثورتي 23 يوليو و25 يناير، فالطموح نحو الحرية والاشتراكية والوحدة كأهداف لثورة 23 يوليو، وعجز الثورة عن إكمال مشوارها بعد نكستي الانفصال ثم 1967 وأخيراً بانقلاب 15 مايو 1971، وتوغل الفساد والاستبداد، على مدى أربعة عقود متصلة منذ ذلك التاريخ، هو الذي فجر ثورة 25 يناير لتنتصر لثورة 23 يوليو وتؤسس الجمهورية الثالثة لتحقيق الحرية والعدالة والكرامة، امتثالاً لطريق ثورة 23 يوليو ثورة العزة والكرامة، فنجاح ثورة 25 يناير في تحقيق أهدافها سيكون الانتصار الحقيقي لثورة 23 يوليو.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 40 / 2178492

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2178492 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 13


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40