الأحد 29 تموز (يوليو) 2012

التسوية في ميزان الولاية الثانية لرؤساء أمريكا

الأحد 29 تموز (يوليو) 2012

أصبح الرئيس الأمريكي باراك أوباما على مشارف نهاية ولايته الأولى من دون أن يحقق أي نجاح في ما يعرف بعملية التسوية أو عملية السلام في «الشرق الأوسط». فهل ستكون لديه فرصة أفضل في حال فوزه بولاية ثانية؟

يعتقد البعض أن الرؤساء الأمريكيين يكونون في ولايتهم الثانية أكثر قدرة على ممارسة تأثير في تسوية الصراع العربي - «الإسرائيلي» بعد أن يكونوا قد «تحرروا» من القيود الانتخابية - وهي أساساً السعي لكسب تأييد، وتبرعات، أنصار «إسرائيل» والناخبين اليهود. ولكن أهرون ديفيد ميلر، المفاوض الأمريكي السابق في عملية السلام، والذي يعمل مع ستة وزراء خارجية كمستشار لشؤون المفاوضات العربية - «الإسرائيلية» من 1988 إلى 2003، يرى أن هذا الاعتقاد ليس سوى وهم. وقد كتب مقالاً حول الموضوع في موقع «فورين بوليسي» بعنوان «وهم الولاية الثانية»، قال فيه:

نحن الآن في العام 2013. وقد اعيد للتو انتخاب باراك أوباما، واحتفظ الديمقراطيون بالأغلبية في مجلس الشيوخ. وإذ تحرر الرئيس الأمريكي في ولايته الثانية من القيود السياسية فقد قرر أن ينكب على معالجة مسألة احبطته بقسوة في ولايته الأولى.

وقال أوباما لوزير خارجيته الجديد (الذي قد يكون السيناتور جون كيري، أو المستشار توماس دونيلون، أو السفيرة سوزان رايس - لكم أن تختاروا): «السلام «الإسرائيلي» - الفلسطيني بالغ الأهمية لمصالحنا القومية. إذا لم نتحرك الآن، يصبح حل الدولتين مستحيلاً».

وأجاب وزير الخارجية: «هذا يعني أن ندخل في مواجهة مع بنيامين نتنياهو».

ورد أوباما بالقول: «أنا مستعد لذلك. علاوة على ذلك، لقد آن الأوان لكي أعرف ما إذا كنت استحق فعلاً جائزة نوبل للسلام».

حسب اعتقاد شائع، يكون رئيس أمريكا في ولاية ثانية - بعد أن يتحرر من قيود سياسات حملة إعادة انتخابه - أكثر رغبة وقدرة لممارسة دبلوماسية نشطة بشأن النزاع العربي - «الإسرائيلي» (أي أكثر استعداداً لممارسة ضغط على «إسرائيل»). وعلى مدى السنين، كان هذا التصور، الذي يعبر عنه البعض بالقول «انتظروا حتى ما بعد نوفمبر/تشرين الثاني»، يشجع ويغذي آمال، وأحلام، وأحياناً مخاوف، أمريكيين، وعرب، و«إسرائيليين»، وفلسطينيين، وأوروبيين، وكل من كانوا يشعرون بالإحباط لعدم تحقيق تقدم ويعتقدون أن السياسات الداخلية هي التي تقيد الرئيس الأمريكي.

ولكن من بين كل التصورات الخاطئة بشأن الرئاسة الأمريكية وسياسة أمريكا «الشرق أوسطية»، فإن أكثرها شيوعاً هو تصور رئيس متمكن في ولايته الثانية، ولكن هذا التصور هو أسطورة أكثر منه حقيقة، كما تبين الوقائع التالية:

[rouge]لا سوابق[/rouge]

إذا لم يحدث أمر ما إطلاقاً، فهذا لا يعني أنه لا يمكن أن يحدث، فالحياة مليئة بالإشكالات والمفاجآت. ولكن واقع أن وهم الولاية الثانية المتمكنة لم يتحقق أبداً يجعلنا نشك في أن يصبح حقيقة وإلا لماذا لم يوضع هذا الوهم على محك الاختبار، دع عنك أن يتحقق؟

إن التاريخ يخبرنا قصة مختلفة لها أساس قوي: الدبلوماسية الأكثر نشاطاً وقوة، خصوصاً مع «الإسرائيليين»، كانت تمارس في معظم الأحيان خلال الولاية الأولى لرئيس أمريكي، وليس الثانية.

في العام 1975، لم يكن جيرالد فورد، الذي نادراً ما اعطي حقه من التقدير، قد أكمل العام الأول من رئاسته القصيرة، عندما مارس دبلوماسية حازمة جداً مع رئيس الوزراء «الإسرائيلي» آنذاك إسحاق رابين لكي يحصل على اتفاق ثان لفض الاشتباك بين «إسرائيل» ومصر في شبه جزيرة سيناء.

وبعد ثلاث سنوات، انخرط جيمي كارتر في وقت مبكر من ولايته الأولى في دبلوماسية نشطة تجاه الصراع العربي - «الإسرائيلي»، وأحد أسباب ذلك كان اعتقاده بأن فرص النجاح ستضعف كلما انتظر أكثر. وقد شجعه على المضي في هذا الطريق مستشاره للأمن القومي زبيغنيو بريجينسكي، الذي أدرك أنه من الأفضل خوض معركة مع انصار «إسرائيل» عاجلاً وليس آجلاً.

وبطريقة مماثلة، مارس جورج هيربرت والتر بوش (الأب) دبلوماسية حازمة أدت إلى مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وشملت حرمان حكومة إسحاق شامير من ضمانات قروض للإسكان، وذلك خلال ولايته الأولى والوحيدة. وبالمناسبة، إذا كان بوش قد اخفق في الفوز بولاية ثانية، فإن السبب لم يكن موقفه من «إسرائيل»، وإنما المشكلات الاقتصادية. أما بالنسبة لدبلوماسية الولاية الثانية التي انخرط فيها رؤساء أمريكيون متباينون، فإنها لا تتطابق حقاً مع تصور الرئيس المتشدد والمتمكن في ولاية ثانية.

وإذا كانت دبلوماسية ريتشارد نيكسون وهنري كيسينغر (التي حققت اتفاقيتين عربيتين - «إسرائيليتين» لفض الاشتباك خلال فترة 18 شهراً، من 1973 إلى 1974) قد نشطت خلال الولاية الثانية للرئيس، إلا أن ذلك كان في ظروف طارئة. إذ إن حرب اكتوبر/تشرين الأول 1973 هي التي أوجدت الفرصة لتلك الدبلوماسية في وقت أضعفت فضيحة «ووترغيت» نيكسون، فاراد أن يظهر للعالم أن السياسة الخارجية الأمريكية لا تزال نشطة وفعالة.

وفي عام 1988، اندفع وزير الخارجية جورج شولتز في مبادرة سلام خلال الولاية الثانية لرونالد ريغان، ولكن من الصعب اعتبارها نشطة وفعالة حقاً. فإذا كان شولتز قد ساعد في ترتيب اعتراف أمريكي بمنظمة التحرير الفلسطينية في وقت متأخر من ولاية رئاسية ثانية، إلا أنه لم يحقق ذلك إلا بعد أن قبل ياسر عرفات شروط الولايات المتحدة.

وبدوره، انخرظ بيل كلينتون في مجهود دبلوماسي جاد في «كامب ديفيد» خلال ولايته الثانية، إلا أن ذلك المجهود لم يكن صارماً وحازماً، كما أنه لم يشمل ممارسة ضغط على «إسرائيل» - بل أنه ضغط على الفلسطينيين، للذين كانوا حسب رأيه مراوغين.

الواقع هو أنه لا يوجد أي أساس تاريخي لفرضية رئيس أمريكي متمكن في ولاية ثانية يقوم بمجهود قوي لصنع السلام بين العرب و«الإسرائيليين»، ويضغط على «الإسرائيليين». وبالنسبة لرؤساء أمريكا، الظروف الإقليمية تهم أكثر بكثير من الظروف القائمة في واشنطن.

[rouge]تعقيدات إقليمية[/rouge]

دعونا نفترض أن أوباما قرر أن لا شيء أكثر أهمية لولايته الثانية من تحقيق السلام بين «إسرائيل» والفلسطينيين (وهذا أمر مشكوك فيه). ولنفترض أيضاً أنه مصمم على تحقيق تقدم. وفي هذه الحالة، ستكون السياسات الداخلية أهون العقبات التي تعترض طريقه، وستكون أشبه بمطب وليس بجبل.

إن شرطاً أساسياً للنجاح في الدبلوماسية العربية - «الإسرائيلية» هو وجود رئيس أمريكي مصمم، ولكن الأهم من ذلك هو الوضع في المنطقة، وحسابات العرب و«الإسرائيليين». واليوم، هناك ثلاثة تحديات تعرقل حل دولتين: رئيس وزراء «إسرائيلي» بعيد جداً عن مواقف كل من أوباما والفلسطينيين بشأن «اتفاق سلام»، وحركة وطنية فلسطينية منقسمة على ذاتها، وآفاق غامضة لـ«ربيع عربي» تجعل «إسرائيل» غير مستعدة لإظهار مرونة، وجميع هذه العوامل الثلاثة ستستمر حتى العام 2013.

وفوق كل ذلك، هناك مسألة إيران. ولنفترض أننا بلغنا نهاية هذا العام من دون ضربة عسكرية «إسرائيلية» (وهذا رهان مضمون إلى حد بعيد)، ومن دون التوصل إلى تسوية بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين (وهذا رهان مضمون آخر)، ولكن بحلول يناير/كانون الثاني 2013 (بداية الولاية الثانية المفترضة)، ستكون المسألة النووية الشاغل الأول والمركزي للدبلوماسية الأمريكية.

إن سعي الرئيس لكسب وقت ومجال بحيث تنجح العقوبات والدبلوماسية في تفادي حل عسكري قد يكون فكرة جيدة، إلا أنه خلق مشكلة على مدى أطول، من حيث إنه مهد لجعل البرنامج النووي الإيراني مشكلة أمريكية، وهذا بدوره ربما يمهد لحل عسكري.

وبعد أن ركزت «إسرائيل»، ثم أمريكا الآن، بهذا القدر الكبير على القدرات النووية المفترضة لإيران، من الصعب تصور أن يقدم أي رئيس وزراء «إسرائيلي» - خصوصاً الحالي - أية تنازلات بشأن السلام مع الفلسطينيين قبل أن يصبح الوضع الإيراني أكثر وضوحاً بكثير. وإذا أضفنا إلى ذلك غموض مستقبل العلاقة بين «إسرائيل» ومصر، يصبح هناك ألف سبب وسبب لتجنب البت في قرارات بشأن المسألة الفلسطينية.

[rouge]حذر وواقعية[/rouge]

أعتقد أن أوباما مهتم حقاً بالمسألة «الإسرائيلية» - الفلسطينية. وأعتقد أيضاً أنه يشعر بإحباط شديد بسبب عدم احراز تقدم، ويعتبر أن المسؤول الرئيس عن ذلك هو «إسرائيل»، وخصوصاً نتنياهو. ومن المؤكد أنه يرغب أن يكون صلباً.

ولكن في الوقت ذاته، اثبت أوباما أنه رجل حذر، وواقعي، ومتأن، ومثل فرانكلين روزفلت، أراد أن يكون شخصية سياسية تنجز تحولاً، وأن يغير مسار السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية، ولكن طبيعته أقرب إلى المساوم وصانع الصفقات. هذه هي شخصيته.

والرئيس ليس رجل تطرف، والمراحل المهمة في حياته هي: كلية هارفارد للقانون، مجلس الشيوخ، كتابان من بين الأكثر رواجاً، والنجاح على المسرح السياسي الأمريكي، وحتى يحقق ذلك، ثم يتوجه بالوصول إلى الرئاسة، كان لابد أن يكون رجل النظام.

وفي ما يتعلق بالمسألة العربية - «الإسرائيلية»، من المرجح أن يكون أوباما في ولاية ثانية الرئيس غير المتغير وليس غير المقيد. ونتنياهو احبطه بشدة. ولكن أوباما يفتقر إلى صلابة فرانكلين روزفلت وروحه القتالية. وبدلاً من ذلك، إنه رجل الحلول الوسط الذي يبحث دائماً عن التوازن.

وقد تعامل بصورة عاطفية وانفعالية مع مسألة واحدة فقط، وهي إصلاح النظام الصحي، حيث أظهر استعداداً للقتال من أجلها، أما بالنسبة للمسألة «الإسرائيلية» - الفلسطينية، فسوف يستشف آفاق 2013، ويستكشف الاحتمالات، ثم يحسب فرص النجاح والفشل، ولنتذكر أن الإرث الرئاسي بالنسبة لرئيس يحظى بولايتين هو مثل سيف ذي حدين: الرئيس يريد أن يتذكره الناس كبطل، وليس كعاثر، دع عنك كفاشل، والاندفاع بكل جهد لمحاولة تحقيق سلام عربي - «إسرائيلي» بينما الشروط اللازمة غير متوافرة إنما هو وصفة لفشل محقق.

إن كل إدارة أمريكية تختلف عن غيرها. ولكن هناك سبب يفسر لماذا الولاية الثانية لا تعني رئيساً غير مقيد يلقي بثقله ونفوذه على الآخرين.

قبل كل شيء، الرؤساء في الولاية الثانية لا يتمتعون بالكثير من الثقل والنفوذ، ففي أول يوم بعد التنصيب في الولاية الثانية، تبدأ دقات ساعتين: ساعة الإرث، وساعة تراجع قوة الرئيس. الأولى تقيس ما يمكن لرئيس أن ينجزه في ما تبقى له من وقت، والثانية تقيس وتيرة تراجع قوته، هذا في الحقيقة سباق مع الزمن.

وفي ولاية ثانية، يبدأ الرؤساء ومساعدوهم يعانون من الإنهاك، ويصبحون أكثر عرضة للسقوط في فضائح، ويبدأون يرتكبون أخطاء (من الأمثلة: ريغان وفضيحة إيران - كونترا، وكلينتون وفضيحة مونيكا لوينسكي). وهناك أيضاً مشكلة كيف يتصور حلفاء وخصوم أمريكا تراجع سلطة الرئيس. وعلى سبيل المثال، قرار عرفات بتجاهل مقترحات كلينتون بشأن اتفاق حول الوضع النهائي في ديسمبر/كانون الأول 2000 كان نتيجة حساب خاطئ بأنه سيحصل على اتفاق أفضل، وسيكون هناك موقف أمريكي ضاغط أكثر على «إسرائيل»، في حال وصول ابن جورج هيربرت ووكر بوش إلى الرئاسة.

وواقع أن أوباما لن يحصل على ولاية ثالثة يعمل ضده أيضاً، فابتداء من 21 يناير/كانون الثاني (بداية الولاية الثانية) - على افتراض أنه سيفوز في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني - سيبدأ العرب و«الإسرائيليون» اختبار سلطة رئيس أصبح لديه الآن تاريخ انتهاء الصلاحية.

وكلا العرب و«الإسرائيليين» بارعون في المراوغة، والمماطلة، والمناورة بمواجهة المبادرات التي لا تعجبهم. ومن المؤكد أنهم سيختبرون باراك أوباما لمعرفة مدى جديته. وما سيستنتجونه مرهون طبعاً بكيفية تصرف الرئيس، ولكن العقبات التي تعترض حل الدولتين كبيرة وتزداد صعوبة.

وإنه لأكثر من مرجح أن يبقى وهم الولاية الثانية على ما هو عليه. وفي تقييمهم لنوايا، ومصداقية، وقوة اندفاع أوباما في عملية سلام في «الشرق الأوسط»، من الممكن جداً أن يستخلص العرب و«الإسرائيليون» أن سلطة الرئيس في ولاية ثانية ستخبو باطراد.

[rouge]-[/rouge] [bleu]المصدر : جريدة «الخليج» الإماراتية | إعداد: صباح كنعان.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 9 / 2166009

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع المرصد  متابعة نشاط الموقع صحف وإعلام   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2166009 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 21


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010