الثلاثاء 31 تموز (يوليو) 2012

الصحافي والوزير وما بينهما من مواقف

الثلاثاء 31 تموز (يوليو) 2012 par د. أنيس فوزي قاسم

بتاريخ 4/4/2012، كتب الصحافي في «العرب اليوم»، سميح المعايطة، مقالاً هاماً بعنوان «قلق مشروع من هجرة وتهجير للفلسطينيين في سوريا»، عبّر فيه عن مشاعر إنسانية تتعلق بضحايا الحروب والنزاعات المسلحة من الناس العاديين الذي يلجأون عادة الى «دار أمان»، وأشاد بحق وصدق - بموقف الأردن الذي كان ملجأ «للاشقاء» العراقيين منذ العام 1990، والعام 2003 وحلّوا «على أهلهم في الأردن»، كما هو الحال الآن مع «الأشقاء السوريين»، مع تفاقم الأوضاع الأمنية في سوريا. ولا شك أنه عبر بأمانة عن الشعور الوطني العام حين قال «يعتقد الأردن والأردنيون أن جزءاً من واجبهم تجاه الأشقاء تقديم كل العون... فالأمر إنساني أخوي..»..

لكن الأستاذ المعايطة ما يلبث أن يطوي المشاعر الوطنية والحسّ الإنساني حين يتعلق الأمر باللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من العراق ظلماً وقهراً مع إخوانهم من اللاجئين العراقيين، واللاجئين الفلسطينيين الذي هربوا من سوريا مع إخوانهم اللاجئين السوريين، وتبريراً لهذا الاستثناء الأخوي والإنساني يقول الأستاذ المعايطة أنه «في ثنايا القضايا الإنسانية هناك بعض الملفات السياسية». ويحاول بذلك تبرير قبول تدفق «مئات الألوف من العراقيين الذين دخلوا الأردن»، أما «فتح الأبواب لهؤلاء الأشقاء من حملة الجنسية الفلسطينية له دلالات سياسية داخلية وخارجية». ومثل هذا التدفق سوف يدخلنا الى «محيط نقاش حول التوطين والوطن البديل». وينطبق الحال ذاته على «الأشقاء الفلسطينيين من حملة الجنسية الفلسطينية المقيمين أيضاً في سوريا»..

ومن بوابة «الدلالات السياسية الداخلية والخارجية» ومقولات «التوطين والوطن البديل» دخل الأستاذ المعايطة الى عالم التبريرات الذي يطيح بكل مشاعر «الأخوة» و«الأشقاء» والحاجة الإنسانية الى «الأمان» في ظروف النزاعات المسلحة، وكأن اللاجئ الفلسطيني ممنوع عليه الشعور الإنساني بالخوف والهرب بأطفاله نجاةً من حرب أهلية او دمار شامل، وإذا خاف وطلب الأمان باللجوء، يصبح للجوئه «مغزى سياسياً»، ويجب الكشف عن هذا المغزى والبحث عن «المؤامرة» التي تختفي وراء لجوئه، وتندلق فوراً سلّه من الدلالات السياسية التي تتجافى والاعتبارات الإنسانية. ومن الواضح انه من المقبول، في نظر الأستاذ المعايطة، ان يكون الأردن موئلاً وملجأ للأشقاء العراقيين والسوريين إذا لجأوا الى الأردن طلباً للأمان باللجوء، أما ان يلجأ اللاجئون الفلسطينيون في العراق وسوريا الى الأردن، فالوضع يختلف فوراً، فإن الأستاذ المعايطة يجهد لإيجاد المبرر لهذه الممايزة بين الأشقاء بمقولات غامضة مثل «الدلالات السياسية الداخلية والخارجية» أو استعمال تعابير أقرب الى الاحجيات مثل «التوطين والوطن البديل».

واللافت للنظر ان الأستاذ المعايطة لم يلحظ ان اللاجئين الفلسطينيين في العراق وإخوانهم من اللاجئين الفلسطينيين في سوريا لم يسبق، ومنذ العام 1948، ان حاولوا اللجوء الى الأردن او غير الأردن قبل الأحداث التي اضطرتهم الى الرحيل. فقد عاش اللاجئون في البلدين ومنذ سنوات اللجوء في أوضاع مستقرّة، حتى ان لاجئي سوريا يتمتعون ومنذ صدور المرسوم التشريعي رقم 33 تاريخ 17/9/1949 والقانون رقم 260 للعام 1956، بكل ما للسوريين من حقوق وما عليهم من واجبات باستثناء اكتساب الجنسية السورية، وقد أكدت المحكمة الإدارية العليا في دمشق على مبدأ مساواة الفلسطيني بالسوري في جميع الحقوق والمزايا المترتبة على الوظيفة العامة مع الاحتفاظ بالجنسية الأصلية، (قرار تاريخ 23/4/1960). وربما كان وضع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا هو أفضل وضع يتمتع به أي لاجئ في أي قطر ولا أدلّ على ذلك من ان هيئة التدريس في جامعة دمشق لوحدها تضم (125) أستاذاً فلسطينياً برتبة بروفيسور. وبغض النظر عن مآل الأحداث في سوريا، سواء انتهت ببقاء النظام القائم او رحيله ووصول نظام آخر بدلاً عنه، فإن وضع الفلسطينيين في سوريا سيظل ـ على الأرجح - على ما هو عليه وذلك بدلالة ان وضعهم في سوريا لم يتغير منذ عهد حسني الزعيم وأديب الشيشكلي وشكري القوتلي وجمال عبد الناصر وناظم القدسي وأمين الحافظ ونور الدين الأتاسي ومرحلة الأسد. ولذلك ليس هناك من مبرر يقترح حدوث تغيير في المستقبل يؤثر على وضع الفلسطينيين في سوريا وحقهم في العودة إليها. فإذا عاد اللاجئون السوريون الى أوضاع مستقرة في سوريا، يعود معهم اللاجئون الفلسطينيون. وللتصحيح، فإن الفلسطينيين لم «يُهجّروا» من سوريا، كما يقترح عنوان مقالة الأستاذ المعايطة، بل هم لجأوا مثل باقي اللاجئين العاديين.

كما ان اللاجئين في العراق لم تتغير أوضاعهم إلاّ الى الأفضل منذ العهد الملكي الى عهد عبد الكريم قاسم الى حكم البعث، حتى ان العراق لم يكن ضمن مناطق نشاط (الانروا) بسبب ان الحكم في العراق منح اللاجئين الفلسطينيين الكثير من الحقوق والمعونات والحمايات. وربما كان العراق البلد المضيف الوحيد الذي كان يدفع مخصصات شهرية نقدية لكل عائلة فلسطينية بالإضافة لمخصصات محددة عند الولادة (إعانة ولادة) وعند الوفاة (إعانة وفاة) ولأصحاب العاهات وطلاب الكليات وغير ذلك من الإعانات (التعليمات رقم 7 لسنة 1961). وعومل الفلسطينيون معاملة العراقي عند التعيين والترفيع والتقاعد والبعثات والإجازات الدراسية وعند اقتراضهم أموالاً من مصرف الرهون، ولهم حق التمتع بمخصصات السكن المقررة للعراقي وغير ذلك من الميزات.

من هذا الاستعراض لأوضاع الفلسطينيين في سوريا والعراق يمكن الاستنتاج انه لا سبب لأي لاجئ فلسطيني في سوريا او في العراق لكي يطلب إعادة إنتاج لجوئه (إلاّ في حالات قليلة مثل حالة لم الشمل العائلية) ما لم تكن هناك ظروف قاسية تضطرهم الى اللجوء ليس فرادى بل جماعات، مما يقطع بأن ظروف اللجوء تكون عامة وشاملة ولم تكن تتعلق بفرد او عائلة. وهذا ما قامت به بعض العصابات المشحونة بأحقاد دفينة باضطهاد اللاجئين الفلسطينيين في العراق حيث تسببت في اضطهادهم والاعتداء عليهم مما اضطرهم الى النزوح مرة أخرى. وعلى أي حال، لا يتجاوز عددهم 30-40 ألف لاجئ، ومن هُجّر منهم كان حوالي نصفهم (العرب اليوم، 18/3/2007).

أما وضع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، فإنه، بالإضافة الى ان عددهم يصل الى نصف مليون لاجئ تقريباً، إلاّ ان ما وصل منهم الى الأردن لم يتجاوز (500) فرد حتى تاريخه. ورغم اتهامات الدكتورة بثينة شعبان للفلسطينيين في سوريا بالتورط في أحداث اللاذقية، وهذا موقف مستهجن للغاية من مسؤول سوري، وهو أشبه باتهامات جماعة 14 آذار اللبنانية للمدعو احمد أبو عدس (اللاجئ الفلسطيني في لبنان) باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إلاّ ان تلك الاتهامات لم تجد آذناً صاغية، وبلغت هذه الاتهامات درجة من الفجاجة حتى أصبح تكرارها مدعاة للتندر. وهذا يدلل على ان بعض مراكز القوى تجد في الفلسطيني مبرراً لتغطية فشل او قصور. او كما يقول المثل الكويتي «طوفة هبيطة» (أي حيط واطي).

وللعلم فقط، وعلى المستوى الإنساني البحت، فإن تجربة اللجوء، مثل تجربة اللجوء الفلسطينية، ليست من التجارب التي يود الإنسان تكرارها او إعادة إنتاجها او إدخال عائلته في مثل تلك التجربة، لأنها تجربة تنطوي على انكسارات إنسانية عميقة لا يسبر غورها إلاّ من كابدها.

ومن هنا يمكن الرد على مخاوف وشكوك الأستاذ المعايطة من مقولات التوطين والوطن البديل، والتي هي تعابير أقرب الى الاحجيات منها الى تعابير سياسية محددة. ولا شك ان الأستاذ المعايطة، وهو صحفي عتيق قادر على تفكيك رموز الوطن البديل والتوطين وكيف يمكن تنفيذه وكيف يمكن محاربته، وهل يستطيع الأردن بمفرده مواجهة هذا الخطر؟! ومع ذلك، لاشك أنه يعلم ان الحكومة الأردنية (وهو الآن من أعضائها) دخلت في التزام دولي تسمى «معاهدة وادي عربة» التزمت بموجبها بتوطين اللاجئين. وإذا كان من مخاوف لدى الأستاذ المعايطة من التوطين والوطن البديل، فعليه ان يتمعن بما قالته الأردنية الأصيلة، نعمت الحباشنة، حيث صرخت قائله ببساطة ووعي: من يخشى من التوطين عليه ان يلغي وادي عربه.

وبعد ثلاثة أشهر من مقالته الأولى، نفى معالي الأستاذ سميح المعايطة، وقد أصبح الآن وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، ما أوردته منظمة «هيومن رايتس» في تقريرها الذي يتهم الأردن بالتمييز في معاملة اللاجئين الفلسطينيين الفارين من سوريا (الغد 5/7/2012)، حيث ورد عنه قوله «ان الأردن يتعامل مع كل اللاجئين القادمين من سورية بطريقة واحدة، وعلى أسس عادلة فيما يتعلق بلجوئهم الإنساني من حيث «توفير المأوى والخدمات بغض النظر عن جنسية اللاجئ او الوثيقة التي يحملها». ويؤكد معاليه ان «أي زائر لمناطق استقبال اللاجئين يرى ويشعر بعدم وجود تمييز بين لاجئ سوري وغيره باعتبار انه «لاجئ إنساني»». أي ان معاليه ـ على ما يبدو - لا يتفق مع ما سبق وان كان يدافع عنه حين كان صحافياً واعتبار التمييز في المعاملة له أسبابه ومبرراته. وهذا موقف مفهوم بإعتبار انه الآن يدافع عن موقف حكومته الرشيدة.

ومع ذلك، فإن الوقائع على الأرض تجافي ما يقوله معاليه او ترغب الحكومة الرشيدة في قوله، إذ يبدو ان الوقائع تؤكد ما كان يقلق الصحافي سميح المعايطة لأن اللاجئين الفلسطينيين الفارين من سوريا قد حشروا في سكن خاص بهم في مكان يسمى «سايبر سيتي» وبلغ عددهم (350) شخصاً، وقد وصف هذا المكان بأنه أقرب الى معسكر اعتقال («في المرصاد» الالكترونية، 1/6/2012، الساعة 8:21 مساء)، وهناك تقارير تقول ان بعضهم يحمل وثائق أردنية ومنهم من يحمل رقماً وطنياً، وجزءاً من عائلته يعيش في عمّان، وقد ورد في تقرير آخر قصة ليان (خمس سنوات) ولين (سنتان) مع أمهما الأردنية المقيمة في حلب، وجدهما الأردني المقيم في الرمثا، وحاول الجد عبثاً ان يستصدر تصريحاً من وزارة الداخلية لكي تنضم الأم وابنتاها الى جدهما، إلاّ ان العائق الأوحد لهذه المأساة هو ان الأب فلسطيني يحمل وثيقة لاجئ سوري، ولم يتم لم شمل العائلة. («في المرصاد»، 17/7/2012، الساعة 11:27). وأعلن لاجئو «سايبر سيتي» أنهم يقاطعون كل المعونات المقدمة من المنظمات الدولية احتجاجاً على سوء المعاملة التي يلاقونها وبعثوا ببيان احتجاج الى متصرف مدينة الرمثا («القدس العربي»، 18/7/2012). هل هذه المعاناة هي تطبيق للمخاوف والقلق الذي تحدث عنه الأستاذ المعايطة الصحافي أم هو تطبيق لسياسة «الدلالات السياسي الداخلية والخارجية»؟! ان تقرير منظمة «هيومن رايتس» يذكر ان الطريقة التي يحتجز فيها الفلسطينيون في «سايبر سيتي» يتطابق مع تعريف «الاحتجاز» كما تعرفه المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. فهل هذا «الاحتجاز» مخصص «للاجئ الإنساني» كما وصفه معالي الوزير المعايطة؟! أم ان «السايبر ستي» هي معسكر مخصص لإحباط المخططات الصهيونية في التوطين وإنشاء الوطن البديل؟!

يبدو ان معالي الصحفي سميح المعايطة قد قرر ان يلبس طاقية جورج اورويل ويعلن بصراحة وبلا تردد: «جميع اللاجئين في الأردن متساوون، إلاّ ان بعضهم أكثر مساواة من البعض الآخر».


titre documents joints

الصحافي والوزير وما بينهما من مواقف

31 تموز (يوليو) 2012
info document : PDF
177.6 كيلوبايت

د. أنيس فوزي قاسم



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 17 / 2180949

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

9 من الزوار الآن

2180949 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 10


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40