الثلاثاء 31 تموز (يوليو) 2012

هل ندعم «الإخوان» أم العسكر؟

الثلاثاء 31 تموز (يوليو) 2012 par د. علاء الاسواني

«القرآن يدعو الى الكراهية والعنف والإذعان والقتل والإرهاب. أنا لا أكره المسلمين. أنا أكره الإسلام نفسه».

هذه الكلمات البذيئة قالها جيرت فيلدرز زعيم اليمين المتطرف في هولندا. هذا الرجل يثير موجات من الكراهية ضد المسلمين أينما ذهب، وهو يعتبر الإسلام خطراً على أوروبا يجب محاربته بشراسة، وقد صنع فيلما بعنوان «فتنة» حافلاً بالهجوم الجاهل الظالم على الإسلام، مما أدى الى محاكمته بتهمة إثارة الكراهية (وهي تهمة أتمنى أن يتم تطبيقها في مصر ضد كل من يسيء الى الآخرين بسبب معتقداتهم الدينية). جيرت فيلدرز ليس نموذجاً نادراً، وإنما هو جزء من ظاهرة تجتاح أوروبا الآن، حيث يصعد اليمين المتطرف ويكتسب مقاعد في البرلمانات تتراوح بين 5 و20 في المئة. في كل بلد أوروبي يوجد حزب يميني متطرف يتبنى خطاباً معادياً للمهاجرين. أسباب صعود اليمين المتطرف عديدة: سقوط الاتحاد السوفياتي وتأثيره السلبي على أحزاب اليسار، والأزمة الاقتصادية التي تجعل بعض الأوروبيين يشعرون بالكراهية نحو الأجانب لأنهم في ظنهم يأخذون فرصهم في العمل، وهناك أيضاً اعتداءات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة والعديد من العمليات الإرهابية التي تورط فيها متطرفون إسلاميون.. أضف الى هذا أن معظم المساجد في الغرب ينفق عليها شخصيات أو جمعيات وهابية من الخليج، وبالتالي تقدم القراءة الوهابية المتشددة التي تعطي صورة سيئة وغير حقيقية للإسلام.

في كل الأحوال، فإن صعود اليمين المتطرف في الغرب ظاهرة سيئة تقلق الغربيين جميعاً، لأن هذه الأحزاب المتطرفة ليست فقط معادية للإسلام بل هي أيضاً غالباً معادية لليهود والملونين والسود، وهي تؤمن غالباً بمبدأ عنصري اسمه التفوق الأبيض، يفترض أن جينات الرجل الأبيض تجعله كائناً إنسانياً أرقى من الإنسان غير الأبيض (هذا الافتراض من الناحية العلمية هراء لا يستحق المناقشة).. الأحزاب اليمينية المتطرفة تتحفظ عادة على حقوق المرأة وهي كثيراً ما تجاهر بالإعجاب بالأفكار النازية والفاشية وكلاهما ضد الديموقراطية.. وقد أدت هذه الأحزاب المتطرفة الى ظهور مجموعات مسلحة من اليمينيين المتطرفين يحلقون شعور رؤوسهم ويجوبون المدن الأوروبية ليعتدوا على المهاجرين ويحرقوا بيوتهم، وقد قامت هذه المجموعات بعمليات إرهابية مروعة كانت آخرها اعتداء النرويج الذي نفذه يميني متطرف وراح ضحيته 77 شخصاً.

الديموقراطية الغربية تواجه إذن موقفاً فريداً من نوعه: باسم الديموقراطية تكونت أحزاب تحمل أفكاراً عنصرية تحض على الكراهية وتعتنق نظريات قد لا تعترف بالديموقراطية أساساً.. السؤال لماذا لا تتخذ الحكومات الغربية قراراً بإغلاق هذه الأحزاب واعتقال أعضائها فتستريح وتريح الناس؟ الإجابة أن المبادئ الديموقراطية تمنع أية إجراءات استثنائية ومن حق أي مواطن أن يعبر عن أفكاره ما دامت لا تخالف القانون. أعضاء الأحزاب المتطرفة بمجرد أن يقولوا أو يفعلوا ما يخالف القانون يتم القبض عليهم وإحالتهم للمحاكمة، ولو أن أية حكومة غربية اتخذت إجراءً استبدادياً وأغلقت الأحزاب المتطرفة، سيكون أول من يدافع عن هذه الأحزاب خصومهم السياسيون، لأنهم في هذه الحالة يدافعون عن قواعد الديموقراطية حتى لو استفاد منها من يخالفهم في الرأي.

لقد تعلمت الديموقراطيات العريقة أن منع المتطرفين من التعبير السياسي لا يقضي على أفكارهم، وإنما يضاعف من تأثيرها، ولو أنها اتخذت قراراً بإغلاق الأحزاب المتطرفة فلسوف تتحول خلال شهور الى تنظيمات سرية مسلحة ترتكب عشرات الاعتداءات على المواطنين والممتلكات.

علاج التطرف الوحيد إذن هو تدعيم النظام الديموقراطي... ان الأفكار المتطرفة مثل الجراثيم التي تهاجم الجسم لا بد من تقوية الجهاز المناعي للجسم من أجل القضاء عليها. الجهاز المناعي للمجتمع هو النظام الديموقراطي، كلما دافعنا عنه وقمنا بترسيخ قواعده سيكون قادراً على محاربة التطرف. هذه الدروس من الديموقراطيات العريقة أتمنى ان نتعلمها في مصر.. لنتخيل مثلاً أن الجيش في أي بلد أوروبي قد قام بانقلاب واستولى على السلطة وألغى النظام الديموقراطي وقال لمواطنيه: «سوف يتولى العسكريون الحكم لأننا لو أجرينا الانتخابات سوف تفوز بها الأحزاب اليمينية المتطرفة» عندئذ سيكون الشعب بين اختيارين، إما أن يستسلم للحكم العسكري بكل ما يعنيه من استبداد وما ينتج عنه من كوارث، وإما أن يطالب بالديموقراطية التي سيستفيد منها المتطرفون.

لا شك عندي أن ذلك لو حدث في أي بلد غربي، فإن المواطنين جميعاً سيتوحدون من أجل إنهاء الحكم العسكري وإعادة الديموقراطية، أما المتطرفون فإن الديموقراطية قادرة دائماً على منع شرورهم.. هذا الاختيار البائس بين «الإخوان» والعسكر قد تم فرضه علينا في مصر على مدى ثلاثين عاماً، وشكل ذريعة مبارك الدائمة في الاستبداد بالحكم.

أكثر من مرة استمعت الى مسؤولين في نظام مبارك وهم يقولون:

«نحن مضطرون لتزوير الانتخابات وإلا فإن «الإخوان» سوف يفوزون».

وهكذا ارتضى قطاع كبير من المصريين بالاستبداد، كبديل للتطرف، فتدهورت أحوال بلادنا حتى وصلت الى الحضيض في كل المجالات، ثم قامت الثورة المصرية ونجحت في خلع حسني مبارك لكنها فشلت حتى الآن في التخلص من نظام مبارك الذي لا زال يحكم مصر برعاية المجلس العسكري.. ومنذ اليوم التالي لخلع مبارك بدأ نظام مبارك في وضعنا أمام الاختيار ذاته: تحالف «الإخوان» والعسكر على حساب الثورة، «الإخوان» أرادوا ان يحققوا غرضهم في السلطة والعسكر نجحوا في استعمال «الإخوان» كفزاعة من اجل إعادة النظام القديم. مخطط متكامل تم تنفيذه في الشعب المصري: انفلات أمني متعمد وفوضى وبلطجية تابعون لأجهزة الأمن يهاجمون كل شيء حتى المستشفيات ومدارس الأطفال.. وقد خص نظام مبارك الأقباط بترويع مضاعف فتم إحراق كنائس عديدة أمام أعين أفراد الشرطة المدنية والشرطة العسكرية، وتم الاعتداء على بيوت الأقباط وممتلكاتهم بواسطة ملتحين بدون أن يحاكم المعتدون، على الرغم من ظهورهم بالصوت والصورة في فيديوهات مسجلة، وبلغ ترويع الأقباط ذروته في مذبحة ماسبيرو حيث تم قتلهم بالرصاص ودهسهم بالمدرعات. كانت الرسالة: «أنتم أيها الأقباط فقدتم مبارك الذي كان يحميكم من المتطرفين الإسلاميين وعليكم الآن أن تدفعوا ثمن مناصرتكم للثورة..» هذا ما يجعلنا نتفهم لماذا صوت معظم الأقباط لصالح شفيق ممثل نظام مبارك حتى لا يتمكن مرشح الإسلاميين من الفوز بالرئاسة. إننا اليوم أمام نفس الاختيار البائس الذي ظلت مصر تتخبط فيه على مدى عقود.. إما أن نعترف برئيس منتخب شرعي، لكنه ينتمي الى «الإخوان المسلمين» التي يعتبرها كثيرون جماعة متطرفة خطرة لأن لها جزءاً غاطساً سرياً لا نعرف عنه شيئاً، فنحن لا نعرف من يمول «الإخوان» ولا نعرف ميزانية الجماعة ولا نعرف حقيقة وجود تنظيم مسلح للإخوان، كل هذه الهواجس نحو «الإخوان» مشروعة ومفهومة وهي تدفع الكثيرين الى الحذر في التعامل مع الرئيس مرسي، لكن الاختيار الثاني أمامنا أن نؤيد بقاء المجلس العسكري في السلطة حتى يحمينا من «الإخوان» وفي هذه الحالة سوف نجهض الثورة بأيدينا.. لقد قامت الثورة المصرية أساساً في رأيي من أجل إنهاء الحكم العسكري الذي استمر ستين عاماً (مع تقديري العميق للزعيم العظيم عبد الناصر) إذا تمسكنا بالحكم العسكري خوفاً من «الإخوان» فلماذا قمنا بالثورة أساساً؟ علينا عندئذ أن نعتذر لحسني مبارك ونعيده إلى السلطة، لأنه أفضل من يستطيع السيطرة على «الإخوان» بالقمع والاعتقالات..

الاختيار الصحيح في رأيي أن نرفض الحكم العسكري ونعترف بشرعية الرئيس المنتخب ثم نضغط عليه من أجل تصحيح مسار «الإخوان»: يجب أن نطالب الرئيس بإعلان ميزانية «الإخوان» وإخضاعها لرقابة الدولة.. واجبنا أن نمنع «الإخوان» من الاستحواذ على السلطة ونرفض تحويل مصر الى دولة دينية. على أن يتم ذلك عن طريق النظام الديموقراطي وليس خارجه. وقد رأينا كيف خسر «الإخوان المسلمون»، بسبب أدائهم السيئ، خلال شهور قليلة نحو نصف الناخبين من انتخابات البرلمان الى الانتخابات الرئاسية، بل ان الرئيس مرسي نفسه لم ينجح بأصوات الإسلاميين وإنما بأصوات مصريين عاديين قرروا أن يدعموه، ليمنعوا عودة النظام القديم، ممثلاً في شفيق.

ان حماية الديموقراطية من التطرف لن تتحقق أبداً بتسليم الحكم الى العسكر، وإنما تستطيع الديموقراطية دائماً حماية نفسها بنفسها عن طريق الرقابة الشعبية واحترام نتيجة الانتخابات مهما تكن غير مرضية بالنسبة إلينا. في مصر الآن رئيس منتخب بإرادة الشعب يواجه نظام مبارك الذي لا زال يحكم برعاية العسكر.. نظام مبارك يشن حملة عاتية ضد الرئيس، يستعمل فيها مخاوف المصريين من «الإخوان المسلمين»، لكن الهدف من هذه الحملة ليس حماية مصر من التطرف وإنما استمرار الحكم العسكري. كل مطالب الثورة الآن يتم تقديمها في الإعلام باعتبارها مطالب «الإخوان».. إذا طلب الرئيس إقالة لواءات الداخلية من رجال العادلي المسؤولين عن قتل المتظاهرين والانفلات الأمني فان الإعلام يقدم ذلك باعتباره محاولة «الإخوان» للسيطرة على وزارة الداخلية.. إذا طالب أحد بالتحقيق مع أحمد شفيق الهارب في 35 قضية فساد مقدمة ضده منذ أكثر من عام، فإن الإعلام يقدم ذلك باعتباره بلاغات «الإخوان» الكيدية ضد شفيق.. ان نظام مبارك يختبئ خلف فزاعة «الإخوان» من أجل منع التغيير واستمرار الحكم العسكري لمصر. الذين لا يتفقون سياسياً مع «الإخوان»، وأنا منهم، أمامهم طريقان لإقصاء «الإخوان» عن الحكم: اما أن يدعموا المجلس العسكري من أجل السيطرة على «الإخوان» لكنهم عندئذ سيكونون سببا في إجهاض الثورة والديموقراطية معاً.. واما أن يبعدوا العسكر عن السلطة ويدعموا النظام الديموقراطي القادر وحده على هزيمة الإخوان عن طريق صناديق الانتخابات.. أكاد أسمع بعض المعترضين يقولون: أنت تقارن الناخبين المصريين بنظرائهم الأوروبيين الذين يفوقونهم في مستوى التعليم والوعي.. الواقع ان ممارسة الديموقراطية لا تحتاج الى شهادة الدكتوراه والدليل على ذلك الهند، البلد الذي يعاني من الفقر والجهل والأمية، لكنه استطاع أن يكون من أكبر الديموقراطيات في العالم، ولدينا دليل آخر من تاريخنا ففي عام 1950 أجريت آخر انتخابات نزيهة قبل ثورة 52 وكان «الإخوان المسلمون» آنذاك في ذروة قوتهم لكنهم فشلوا في الحصول على مقعد واحد في البرلمان لأن حزب «الوفد» اكتسح الانتخابات وفاز بأغلبية المقاعد... نحن محصورون منذ عقود بين «الإخوان» والعسكر، والمخرج الوحيد في رأيي أن نعمل على ترسيخ ديموقراطية حقيقية تكون قادرة على حماية مصر من التطرف ومن الاستبداد معاً.

الديموقراطية هي الحل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2180753

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2180753 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 7


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40