الأربعاء 1 آب (أغسطس) 2012

الاستيطان يتحدى العرب

الأربعاء 1 آب (أغسطس) 2012 par فيصل جلول

كان النظام المصري خلال العهد السابق، والنظام التونسي في عهد زين العابدين بن علي، معزولين في المشهد العربي العام لأسباب كثيرة ليست كلها متعلقة بطرق ووسائل الحكم داخل البلدين، وإنما أيضاً بسبب الموقف من فلسطين. فقد درج الرئيس مبارك على تغطية الكيان الصهيوني في كل المجابهات العربية «الإسرائيلية» والتخفيف من عزلته ومن حجم الضرر الذي يصيبه. ومازال التزام مبارك الصمت أثناء حصار ياسر عرفات في رام الله ومن ثم قتله مسموماً ماثلاً حتى اليوم كأهرامات الجيزة. ومازالت مناوراته المخجلة أثناء حرب غزة تثير الحزن والألم لدى الفلسطينيين والعرب، حيث بادر إلى إغلاق معبر رفح مساهماً بطريقة فعالة في حصار الفلسطينيين وخنقهم، وعاد بعد وقف النار إلى استقبال مؤتمر شرم الشيخ الذي طوى صفحة الحرب في غزة كأن شيئاً لم يكن.

وإذا كان مبارك قد ارتكب جل الكبائر في الصراع العربي «الإسرائيلي»، وآخرها على بعد أميال من غزة المدمرة والمكلومة، فإن فريقه الحاكم كان يبرر تلك السياسة المهينة بـ«اتفاقية كامب ديفيد» التي تنطوي على قيود حقيقية على سياسة مصر الخارجية، لكنها تقيد أيضاً «إسرائيل» التي كانت ستتصرف بطريقة مغايرة لو توفرت الإرادة والعزيمة لدى النظام المصري لاستخدام هذه القيود في كبح جماح الغطرسة والاستخفاف الصهيوني بالفلسطينيين والعرب وإشعال الحروب الدورية في بلدانهم.

من جهته، كان النظام التونسي في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ركناً أساسياً من أركان التطبيع مع العدو الصهيوني في العالم العربي وكان خادماً أميناً مطيعاً للغربيين ومنسقاً في الحملات الأمنية ضد التيارات العربية المعارضة، وليس في بلده فقط وما كان وصف تونس بعاصمة الوحدة الأمنية العربية عبثياً في ذلك الحين. وعلى الرغم من عدم توفر أدلة واضحة على التنسيق الأمني بين بن علي و«إسرائيل» في اغتيال أبو جهاد الرجل الثاني في الثورة الفلسطينية، فإن التطبيع مع «إسرائيل» والتمهيد لتوسيعه في المغرب العربي، والحؤول دون سحب مبادرة السلام العربية عن الطاولة في مؤتمرات القمة مؤشرات لا تخطئ على نوع الخدمات التونسية للدولة العبرية.

الواضح أن سياسة الرئيسين المخلوعين حسني مبارك وزين العابدين بن علي إزاء القضية الفلسطينية لعبت دوراً أساسياً في انهيار نظاميهما خلال أقل من ثلاثة أشهر، والواضح أيضاً أن ملايين الناس الذين خرجوا إلى الشوارع لخلع الرجلين يريدون لمصر ولتونس سياسة خارجية جديدة تعين الفلسطينيين على استرجاع حقوقهم وتضع حداً للغطرسة الصهيونية، فهل يستجيب الحكام الجدد في البلدين لهذه المطالب؟

الناظر إلى تصريحات المسؤولين في تونس ومصر هذه الأيام يلاحظ بوضوح لهجة جديدة في التعبير عن القضية الفلسطينية توحي بأنهم استخلصوا الدرس الصحيح. فقد أرسلت تونس بعثة إغاثية إلى قطاع غزة وصدرت تصريحات تفيد بأن لا حل للقضية الفلسطينية إلا بتحرير القدس. وفي مصر أكد الرئيس المنتخب محمد مرسي على المعاني نفسها تقريباً. بالمقابل يبدو أن «إسرائيل» لا تعبأ باللهجة السياسية الجديدة في البلدين، كما لا يعبأ بها قادة غربيون ومن بينهم الرئيس الفرنسي الجديد الذي طمأن الرأي العام في بلده أن «الربيع العربي» للحكام العرب حصراً.

والبادي أن «إسرائيل» صارت أكثر تشدداً وطمعاً في الأراضي الفلسطينية من ذي قبل، فهي نشرت مخططات استيطانية جديدة غير مسبوقة ولا تقيم وزناً للمفاوضات مع السلطة الفلسطينية، ومازالت تشترط على الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس أن يأتي صاغراً إلى طاولة المفاوضات، وأن لا يتحدث عن إلغاء الاستيطان والمستوطنات في الضفة الغربية لأنها «شرعية بقدر شرعية «إسرائيل» نفسها»، على حد تعبير كبار القادة الصهاينة، ومازالت «إسرائيل» ترغب في أن يقاتل الرئيس الفلسطيني حركة «حماس» كدليل على رغبته في تحقيق السلام .. «على محمود عبّاس أن يختار بين «إسرائيل» والمصالحة مع «حماس»» بحسب بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الصهيوني.

ثمة من يعتقد أن الوقت لم يحن بعد حتى تلوح مصر وتونس بالعصا لـ«إسرائيل»، فالحكم في البلدين يحتاج إلى استقرار تليه مواقف قوية مؤيدة للقضية الفلسطينية وهو اعتقاد خاطئ.

ذلك أن مستقبل الحكم في مصر وتونس رهن بتوجه جديد على الصعيدين الداخلي والخارجي يضمر قطيعة معلنة وواثقة مع النظام السابق، ويستدرج تأييد الأغلبية العظمى من ملايين الناس الذين خلعوا مبارك وبن علي من أجل التمتع بالحرية ومكافحة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية والتداول السلمي للسلطة جنباً إلى جنب مع استعادة الكرامة الوطنية في مواجهة العدو الصهيوني والكف عن العمل في خدمته ومساعدة الفلسطينيين على استعادة حقوقهم وإقامة دولتهم المستقلة. تبقى الإشارة إلى أن الوقت لا يلعب لمصلحة العرب في هذه القضية، خصوصاً عندما يصر الوحش الصهيوني على تحويل الضفة الغربية إلى أرض تنتشر فيها المستوطنات كنبات الفطر.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 27 / 2180754

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

7 من الزوار الآن

2180754 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 9


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40