الأربعاء 1 آب (أغسطس) 2012

رسالة أمريكية إلى «الربيع العربي»..!!

الأربعاء 1 آب (أغسطس) 2012 par نقولا ناصر

لقد حاولت إدارة باراك أوباما الأمريكية ركوب موجة الحراك الشعبي الذي اجتاح عدداً من الأقطار العربية مطالبا بـ«التغيير والإصلاح» خلال العامين المنصرمين، ونجحت وسائل إعلامها في إطلاق اسم «الربيع العربي» على هذا الحراك، موحية تضليلاً بأن الولايات المتحدة تقف إلى جانب حركة التاريخ الذي يصنع حالياً في الوطن العربي الكبير وبأنها قررت أخيراً الانحياز إلى الجماهير العربية وطموحاتها في الحريات المدنية والتحرر الوطني والعدالة الاجتماعية.

لكن توقيع أوباما يوم الجمعة الماضي على «قانون تعزيز التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وبين إسرائيل» قد أماط اللثام الخادع عن ادعاء الانحياز الأمريكي إلى جانب الحراك الشعبي العربي وحركة التاريخ في المنطقة، وتوج خروج دولة الاحتلال مؤخراً مما وصفه باراك رافيد في صحيفة «هآرتس» بـ«بيات «إسرائيل» الشتوي» عندما «تراجعت «إسرائيل»، مثل دب قطبي، إلى داخل كهفها، منكفئة على ذاتها، بانتظار أن تمر موجة الغضب» الشعبي العربي، على أمل أن تنجح الولايات المتحدة في حرف هذا الغضب عن مساره، دون مساعدة سافرة من أداتها «الإسرائيلية» الإقليمية.

وقد نجحت واشنطن في احتواء هذا الغضب وفي حرفه عن مساره، حتى اصطدمت بالعقبة السورية التي اضطرت دولة الاحتلال مؤخراً إلى الخروج من «بياتها الشتوي» بحجة خطر «الأسلحة الكيماوية» السورية، واضطرت الولايات المتحدة إلى كشف وجهها الحقيقي القديم المنحاز إلى ما وصفه رافيد بـ«النظام القديم» الذي تقف دولة الاحتلال «الإسرائيلي» وأمنها في مركزه.

وإنها لسخرية أمريكية لاذعة حقا بالعرب وربيعهم عندما تتذرع الولايات المتحدة بحجة تأهيل دولة الاحتلال «الإسرائيلي» لمواجهة «تحديات الربيع العربي» كمسوغ لإصدار هذا القانون كما جاء في حيثيات إصداره.

فـ«الربيع العربي» الذي لم يحرر الجيش التونسي من علاقاته الأمريكية الوثيقة، ولا حرر الجيش المصري من قيود علاقات مماثلة إضافة إلى قيود المعاهدة مع دولة الاحتلال «الإسرائيلي»، ووثق علاقات الجيش اليمني مع الولايات المتحدة التي كانت مأخذاً للحراك الشعبي على النظام السابق، ودمر القوات المسلحة الليبية، وارتهن إعادة بناء الجيش العراقي للتسليح الأمريكي إلى أمد غير منظور، ويحاول اليوم استنزاف الجيش العربي السوري بعيداً عن جبهة الجولان المحتل، هو «ربيع» يكاد يقضي على أي قدرات عربية يمكنها أن تمثل تحدياً حقيقياً لدولة الاحتلال يسوغ إصدار القانون الأمريكي الجديد.

إن «قانون تعزيز التعاون الأمني» الأمريكي - «الإسرائيلي» الذي وقعه أوباما نهاية الأسبوع الماضي كان رسالة بليغة من الولايات المتحدة إلى «الربيع العربي» تبدد أية أوهام ربما ما زالت تساور بعض «المعارضة» العربية في هذا القطر العربي أو ذاك بأن واشنطن يمكن أن تنحاز حقا إلى حركة التاريخ وحراك الجماهير الطامحة إلى تغيير «النظام القديم» في الوطن العربي ومحيطه «الشرق أوسطي»، أو إلى إصلاحه في الأقل، فالقانون الأمريكي الجديد لا يترك مجالاً لأي شك في حرص الولايات المتحدة على إنقاذ النظام القديم و«تعزيزه».

ويكفي استعراض سريع لمضمون هذا القانون لكشف مضمون الرسالة الأمريكية إلى «الربيع العربي» الذي تحولت جامعة الدول العربية فيه إلى حصان طروادة أمريكي يصهل باللغة العربية لثورة مضادة بتمويل عربي حول «الربيع العربي» في الواقع إلى «ربيع أمريكي» اختطف الحراك الشعبي العربي وحرفه عن مساره الطبيعي المعادي للهيمنة الأمريكية التي كانت ولا تزال حارسة للنظام العربي القديم الذي بادر جماعة إلى «السلام» مع دولة الاحتلال «الإسرائيلي»، لكنه يهرول اليوم نحو الجمعية العامة للأمم المتحدة، في سباق محموم مع الزمن لوضع سوريا تحت وصاية الفصل السابع من ميثاقها، أسوة بالعراق، بينما تراوغ اللجنة الوزارية لمتابعة «مبادرة السلام العربية» في الاستجابة للطلب الفلسطيني بالتوجه إلى الجمعية العامة لاستصدار قرار غير ملزم يعترف بدولة فلسطينية غير عضو في الأمم المتحدة لتؤجل الجامعة العربية البت في الطلب الفلسطيني إلى الخامس من ايلول/ سبتمبر المقبل.

ففي البند الثالث من القسم الثالث «البيان السياسي» ينص القانون الأمريكي الجديد على استخدام حق النقض «الفيتو» لإجهاض أي قرارات من جانب واحد ضد «إسرائيل» في مجلس أمن الأمم المتحدة.

وفي بنوده الأخرى ينص القانون على إعادة تأكيد التزام الولايات المتحدة بلا تردد «بأمن دولة «إسرائيل» كدولة يهودية»، وينص على «تشجيع جيران «إسرائيل»» - الذين ضن المشرع الأمريكي عليهم بوصف «العرب» - «على الاعتراف بحق «إسرائيل» في الوجود كدولة يهودية»، ونص على مساعدتها في «الاحتفاظ بتفوقها العسكري النوعي» و«التكنولوجي»، وبـ«دعم حقها الطبيعي في الدفاع عن النفس»، وبالعمل على «توسيع دور «إسرائيل» مع منظمة حلف شمال الأطلسي «ناتو»» و«بتعزيز حضورها في مقر قيادة ومناورات الناتو» الذي قاد عملية «تحرير ليبيا» والذي تضم قائمة «شركائه» الآن إحدى عشرة دولة عربية تتحكم بقرار جامعة الدول العربية في الوقت الحاضر، مما يفسر دور الجامعة في ليبيا وسوريا والعراق، ويفسر دورها في احتواء ثورات تونس ومصر واليمن، وفي حصارها للحراك الشعبي في البحرين وصمتها عن حراك شعبي في بعض دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.

ويلزم القانون الرئيس الأمريكي بتقديم «تقارير» إلى الكونغرس خلال فترة لا تزيد على (180) يوماً بعد وضع القانون موضع التنفيذ عن «الأفعال» التي قامت إدارته بها «لدمج «إسرائيل» في الدفاع عن شرقي البحر الأبيض المتوسط» «وتقع سوريا طبعاً في مركز هذه الجغرافيا»، وكذلك عن الاستجابة لـ«طلب «إسرائيل» العاجل للحصول على طائرات اف- 35» الحربية، وعن «وضع التفوق العسكري النوعي لـ«إسرائيل»»، وعن «جهود توسيع التعاون بين الولايات المتحدة وبين «إسرائيل» في الأمن الوطني ومكافحة «الإرهاب» وأمن الملاحة البحرية والطاقة والأمن الالكتروني» وغير ذلك من مجالات التعاون «ذات الصلة».

وينص القانون كذلك على زيادة «فرص» التدريب والتمرين لسلاح الجو «الإسرائيلي» «في الولايات المتحدة لتعويض «إسرائيل» عن ضيق أجوائها»، ومع ذلك فإن ضيق الأجواء «الإسرائيلية» لم يمنع القانون من النص على فتحها أمام مناورات سلاح الجو الأمريكي، وعلى زيادة «المواد» الحربية الأمريكية المخزنة في دولة الاحتلال و«إتاحة هذه المواد لـ«إسرائيل» في حالة الحرب» وتزويدها بالمعلومات الاستخبارية التي تجمعها أقمار التجسس الأمريكية، إضافة إلى النص على «توسيع التدريبات العسكرية المشتركة».

وبالرغم من الأزمة المالية التي تجبر الإدارة على «التقشف» في إنفاقها على المواطن الأمريكي، فإن القانون يسخو في منح دولة الاحتلال رزمة من المعونات العسكرية لم يسبق لها أن حصلت على مثلها من الولايات المتحدة. فعملاً بقانون الاعتمادات المالية التكميلية الطارئة في زمن الحرب لسنة 2003 تنتهي صلاحية ضمانات القروض المتاحة لـ«إسرائيل» في الثلاثين من أيلول/سبتمبر المقبل، وقد مدد القانون الجديد هذه الصلاحية إلى الثلاثين من الشهر ذاته عام 2015، كما تم تمديد سريان قانون مماثل للمعونات من وزارة الدفاع «البنتاغون» لسنة 2005 «لأكثر من عشر سنوات» بدلاً من «لأكثر من ثماني سنوات».

وكانت إدارة أوباما قد طلبت من الكونغرس المصادقة على تقديم «مساعدات أمنية» لـ«إسرائيل» للسنة الجارية 2012 بما يزيد على ثلاثة مليارات دولار أمريكي، وهو أكبر مبلغ سنوي يطلب لـ«إسرائيل» في تاريخ الولايات المتحدة، وذلك في سياق «مذكرة التفاهم» الموقعة مع دولة الاحتلال عام 2007، تعهدت الولايات المتحدة بموجبها بمنحها ثلاثين مليار دولار على مدى عشر سنوات، إضافة إلى مليار دولار أخرى لتمويل نظام للدفاع الصاروخي تطوره دولة الاحتلال مع الولايات المتحدة، وإلى (70) مليون دولار أعلن عنها الأسبوع الماضي دعما لبطاريات «القبة الحديدية» «الإسرائيلية» لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى. وقالت السناتور باربارا بوكسر التي حضرت حفل توقيع أوباما للقانون الجديد إن القانون «يخول بزيادة قيمة الأسلحة الأمريكية المتاحة لـ«إسرائيل» في حال وقوع أزمة إلى (1.6) مليار دولار».

إن النص في البند (6) من البيان السياسي للقانون على «مساعدة حكومة «إسرائيل» بجهودها المتواصلة لصياغة تسوية سلمية متفاوض عليها للصراع «الإسرائيلي» - الفلسطيني تتمخض عن دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن» يبعث برسالة خادعة توحي في الظاهر بحساسية تجاه مطلب عربي وفلسطيني لم تف الإدارات الأمريكية المتعاقبة بوعودها لتحقيقه، لكن هذا النص يبدو شاذاً عن السياق العام والتفصيلي للقانون، وكأنما أقحم على نصه إقحاماً، غير أن وضعه في سياق الشروط الأمريكية - «الإسرائيلية» لتحقيق «التسوية السلمية المتفاوض عليها» الواردة في نصه لا تترك مجالاً لأي تفسير آخر غير كون هذه «التسوية السلمية» يراد لها أن تكون جزءاً لا يتجزأ من «تعزيز التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وبين «إسرائيل»» بموجب القانون الجديد.

قبل أن يوقع أوباما القانون الجديد، تحدث رون بول، الذي نافس ميت رومني على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، مخاطباً مجلس النواب الأمريكي قائلاً إن مشروع القانون: «لن يساعد الولايات المتحدة، ولن يساعد «إسرائيل»، ولن يساعد «الشرق الأوسط»، وهو ضمنياً يفوض بتدخل أكبر كثيراً للولايات المتحدة في المنطقة في وقت لا نستطيع تحمل التزاماتنا الخارجية الموجودة حالياً، وهو على الأرجح سوف يقود إلى الحرب ضد سوريا، أو ضد إيران، أو ضد كلتيهما».

ومما يعزز تحذير بول أن دولة الاحتلال «الإسرائيلي» استقبلت مؤخراً أو تستقبل خلال أيام المستشار الأمريكي لمكافحة «الإرهاب» جون برينان، ومستشار الأمن القومي ثوماس دونيلون، ووزيرة الخارجية هيلاري هيلاري كلينتون، ووزير الدفاع ليون بانيتا، ولا يمكن أن تكون زيارات هؤلاء مرتبطة بحملة انتخابات الرئاسة فقط، بل هي مرتبطة أكثر بـ«التوترات المتصاعدة التي تعيشها المنطقة»، كما قال الرئيس أوباما مفسراً الهدف من زيارة وزير دفاعه بانيتا.

في دراسة له نشرتها مدرسة لندن للاقتصاد والعلوم السياسية بعنوان «تناقضات الهيمنة: الولايات المتحدة والربيع العربي»، وصف نيكولاس كيتشين الالتزام الأمريكي بدولة الاحتلال وأمنها بأنه «التزام أيديولوجي مهيمن هيمنة طاغية تعززها ضغوط داخلية هامة»، وقد عبر أوباما عند توقيعه القانون الجديد عن هذا الالتزام بقوله إنه «التزام علينا جميعاً، جمهوريين وديمقراطيين»، وهو بالتأكيد التزام أمريكي يتناقض مع كل الايديولوجيات المحركة للحراك الشعبي في «الربيع العربي».

والرسالة الأمريكية التي يبعثها القانون الجديد إلى هذا الحراك غنية عن البيان، وخلاصتها أن الاستقواء بالولايات المتحدة والناتو وبتدخلهما العسكري يحول دعاته وأنصاره إلى مجرد أدوات في الاستراتيجية «الأمنية» الأمريكية - «الإسرائيلية».


titre documents joints

رسالة أمريكية إلى «الربيع العربي»..!!

1 آب (أغسطس) 2012
info document : PDF
172.6 كيلوبايت

نقولا ناصر

كاتب فلسطيني



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 31 / 2176517

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

25 من الزوار الآن

2176517 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 19


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40