الأربعاء 8 آب (أغسطس) 2012

القدس في انتظار الفعل

الأربعاء 8 آب (أغسطس) 2012 par أسامة عبد الرحمن

منذ أن احتل الكيان الصهيوني، القدس وهو يمارس كل أشكال التهويد، من خلال الإقصاء وهدم المنازل والتطاول على المقدسات والحفريات والاقتحام والاستباحة. ولا يقابل ذلك تحرك فعلي فلسطيني وعربي يتجاوز لغة الشجب والتنديد والاستنكار، وهذا ما يجعل الكيان الصهيوني يستمرئ هذه الاستباحة للقدس والمقدسات، ويستمر في سياسة التهويد سعياً إلى ترسيخ واحدة من أهم مفردات مشروعه الصهيوني الاستعماري العنصري، المتمثلة في القدس، كعاصمة لكيانه، وقد اتخذ قراراً في أكتوبر/تشرين الأول 2010 يعدّ القدس منطقة أفضلية قومية أولى، بمعنى تقديم حوافز للاستيطان فيها وهو ما يعزز سياسة التهويد التي ينتهجها منذ احتلاله القدس. كما اتخذ قراراً في نوفمبر/تشرين الثاني 2010 يعدّ القدس عاصمة للشعب اليهودي وليس مجرد عاصمة لكيانه، بمعنى استباحة القدس، ومنحها لصهاينة الداخل والخارج، وترسيخ مشروعه الاستعماري العنصري. ولم يقابل ذلك تحرك فلسطيني وعربي، وفق أطر فعالة، لكبح هذه الاستباحة ولجم الانتهاك الصارخ للحقوق الفلسطينية والعربية، وكذلك القانون الدولي. وتأتي عادة ردود الفعل الفلسطينية والعربية في أطر الشجب والتنديد والاستنكار.

صحيح أن هناك بعض الحراك على المستوى الشعبي، يتمثل في عقد مؤتمرات أو ندوات، عن القدس، ولكن محصلتها لا تخرج عن إطارها النظري والمعنوي. ومن الإنصاف الإشارة إلى أن هذا الحراك وإن لم يكن في إمكانه اتخاذ فعل على صعيد الواقع، يمنع الاستباحة الصهيونية للقدس والمقدسات، فإنه يجعل القدس حاضرة في الوجدان العربي، وفي الضمير العربي وفي الذاكرة العربية. ولكن القضية تحتاج إلى ما هو أكثر من ذلك بكثير. ومع أن هناك لجنة للقدس، وصندوقاً للقدس، فإنه لا تبدو على صعيد الواقع محصلة ملموسة للجنة أو الصندوق، ولا يلمس المقدسيون لهما حضوراً فعلياً، ولا تجد القدس لهما أثراً بيّناً، وتبدو المسألة وكأنها محاولة من النظام الرسمي العربي لإبراء الذمة. وتظل القدس تواجه الاستباحة يومياً، ويظل المقدسيون، عرضة للإقصاء وانتهاك الحقوق بوتيرة يومية أيضاً.

وعلى الصعيد الرسمي، هناك بعض الندوات والمؤتمرات التي عقدت عن القدس، وربما كان بإمكان النظام الرسمي العربي، القيام بدور أكثر فاعلية من خلال أجهزته ومؤسساته وأدواته السياسية والقانونية لوقف استباحة القدس وانتهاك حقوق المقدسيين. ولكن ذلك لم يتم بالطريقة المأمولة وبقيت القدس نهباً للاستباحة، والمقدسيون عرضة لانتهاك الحقوق.

وقد برزت مؤخراً فكرة تشكيل لجنة دولية للتحقيق في انتهاكات الكيان الصهيوني، على صعيد القدس، وكذلك أخذ القضية إلى مجلس الأمن. وأبدى أبو مازن تبنيه للفكرة، ومعروف أن أخذ القضية إلى مجلس الأمن محكوم عليه سلفاً بالإخفاق، فالولايات المتحدة الأمريكية، تستنفر كل وسائلها السياسية وتلقي بكل ثقلها للنأي بالكيان الصهيوني، عن أي مساءلة أو ملاحقة أو إدانة. ولا ريب أنها ستقف بالمرصاد، ضد فكرة تشكيل لجنة تحقيق دولية، للتحقيق في انتهاكات الكيان الصهيوني، على صعيد القدس ومقدساتها.

ولعل موقف الولايات المتحدة الأمريكية، واستخدامها حق النقض، ضد إجماع في مجلس الأمن، يدين الاستيطان، وكذلك موقفها ضد مشروع عضوية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، والتهديد باستخدام حق النقض، والضغط على بعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن، لإفشال المسعى الفلسطيني، هو أيضاً ليس ببعيد ومازال حاضراً في الذاكرة الفلسطينية والعربية.

إن قضية القدس، واحدة من بين قضايا تواجه نفس المأزق، رغم أنها قضايا تسندها قرارات أممية، ويسندها القانون الدولي، ومنها قضية حدود 1967، وقضية اللاجئين وحق العودة، يضاف إلى ذلك وضع الأسرى الفلسطينيين في السجون الصهيونية.

وإذا كان المأزق معروفاً، فإنه لا جدوى من الذهاب إلى مجلس الأمن، طالما أن الولايات المتحدة الأمريكية حاضرة بكل ثقلها السياسي وغير السياسي، ووسائلها السياسية، وغير السياسية، للنأي بالكيان الصهيوني، عن أي مساءلة، أو ملاحقة، أو إدانة. وفي الوقت ذاته، إفشال أي مسعى لإحقاق حق فلسطيني مشروع، تدعمه قرارات أممية، كما يدعمه القانون الدولي. ولعل إحداث أي اختراق في هذا المأزق، لا يمكن أن يتم إلا بضغط عربي حقيقي، من خلال بعض أوراق القوة التي تمتلكها بعض أطراف النظام الرسمي العربي، سواء من خلال صداقتها التقليدية مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو من خلال العلاقة المصلحية التي تربطها بها. وبالطبع، فإن ذلك لا يمكن أن يتم إلا إذا كانت القضية الفلسطينية، بكل أبعادها، حاضرة في الضمير الرسمي العربي، وبالتالي حاضرة في ميزان المصالح، ولها ثقلها. أفلا تستحق القضية الفلسطينية بكل أبعادها، أن تكون كذلك وهي التي يعدها النظام الرسمي العربي، قضية العرب الأولى؟



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 21 / 2177797

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

18 من الزوار الآن

2177797 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40