الجمعة 10 آب (أغسطس) 2012

الأسرى ودراما الواقع

الجمعة 10 آب (أغسطس) 2012 par أمجد عرار

الدراما العربية على شاشات رمضان أوسع وأشد كثافة من أن يستطيع أحد متابعة عشرة في المئة منها، حتى فاضي البال والحال والأعمال . ومهما قيل إيجاباً أو سلباً عن هذا العمل أو ذاك، فإن الدراما الفلسطينية تتفوّق على الجميع، بلا شاشات لأنها تجري على الأرض، وبلا ممثّلين لأن أبطالها وكومبارساتها حقيقيون، وبلا مخرجين ما دام الاحتلال موجوداً وهو سيد مخرجي الدراما المأساوية، وهي دراما ليست موسمية، لأنها متواصلة على مدار العام. في بعض مشاهد هذه الدراما نجد شاباً اسمه حازم النمورة وهو شقيق أسيرين محرّرين، يتبرّع بكليته لشقيقه أنيس الذي أصيب بمرض في الكلى خلال فترة اعتقاله البالغة اثنتي عشرة سنة في سجون الاحتلال، وكان الله في عون الأسير في سجون «إسرائيل» حين يمرض، فهي فرصته لترك المرض ينخر جسد الأسير حتى إذا أمضى فترة سنة خرج إلى أهله لفترة انتقالية ينتقل بعدها إلى القبر، وإن كان محكوماً بالسجن المؤبد، يختصرها فيموت في السجن ولا يمنح جهده وخبرته للمعتقلين المستجدين.

في صفقة مبادلة أسرى فلسطينيين بالجندي «الإسرائيلي» غلعاد شاليت، كان أنيس الذي أكمل مدة اعتقاله مريضاً، من ضمن الذين قرر الاحتلال ترحيلهم من السجن إلى غزة، رغم أنه من الضفة الغربية، وأهله في مدينة الخليل. والدة الأسيرين المحررين أنيس وأكرم لم تستسلم لواقع حرمانها من معانقة ولديها، بل ذهبت بشوق الأم الصابرة إلى غزة لتعويض فلذتي كبدها عن سنوات الحرمان من حضنها الدافئ، وبخاصة أنيس الذي أنهكه المرض وكان بحاجة إلى شحنة روحية. ولأن الشمعة تحترق لتنير الطريق للآخرين، توفيت الأم بعد بضعة أيام من وصولها غزة. ومع ذلك كان نصيبها أفضل من نصيب الحاجة عائشة اصليح التي وافتها المنية داخل الحافلة وهي في طريقها لرؤية ابنها الأسير يحيى في سجن نفحة الصحراوي لأول مرة منذ ست سنوات.

حازم، الذي واكب حالة شقيقه أسيراً ومريضاً ظل مصمّماً على التبرع له بكليته. جرى التنسيق ليلتقي الشقيقان، المريض أنيس والسليم حازم، في أحد المستشفيات الأردنية، وهناك تم زرع الكلية التي أخذت من جسد حازم إلى جسد أنيس. انتهت العملية .. عاد أنيس إلى منفاه الإجباري، وعاد حازم إلى مسقط رأسه في الخليل. لكن يبدو أن جسده لم يحتمل فقدان الكلية، ولم يكن ممكناً إنقاذه، فمات ميتة الشهداء مضحّياً بروحه لأجل إنقاذ حياة شقيقه المحرّر. هذه الدراما غير موجودة لا على شاشات رمضان ولا شعبان.

لا نعرف كم عدد الذين يعرفون أن معتقلاً إدارياً اسمه سامر البرق مضرب عن الطعام منذ أكثر من ثمانين يوماً، وأن أسيراً اسمه حسن الصفدي مضرب عن الطعام منذ ثمانية وأربعين يوماً. ليس أنس وأكرم وحازم وسامر وحسن، وقبلهم محمود السرسك وخضر عدنان وهناء الشلبي، سوى نماذج لحالة أسطورية يمثّلها الأسرى في سجون الاحتلال، فهم يواجهون بأمعائهم الخاوية وصدورهم العارية احتلالاً يراهم أخطر من دول مدجّجة بالجيوش والمنابر والفضائيات. قد يموت الأسير أو أمه أو أخوه، لكن قضيّتهم لا تموت، لأنها أولاً قضية عادلة، وثانياً لأن هناك فئة من المخلصين تحمل قضيتهم ومستعدة للتضحية بالغالي والنفيس لنصرتهم والوصول إلى النهاية المظفّرة بتحريرهم من الأسر، طال الزمن أم قصر. هذه الفئة الصغيرة تمثّل أمتين وتناضل بالنيابة عنهما في وجه المشروع الصهيوني بكل عدوانيته. إذا كان الأسرى غابوا عن الدراما العربية في رمضان هذا العام، فلربما يتواجدون في رمضان المقبل إذا اتفقت الدول الإسلامية على موعده، ولم تقسّم الهلال.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2177367

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

22 من الزوار الآن

2177367 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 23


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40