الجمعة 10 آب (أغسطس) 2012

هيبة «الإخوان» وخيبة مصر

الجمعة 10 آب (أغسطس) 2012 par الياس سحاب

لقد بدا حادث ذبح الجنود المصريين على الحدود الفلسطينية على يد جماعة جهادية متطرفة كأنه الحجر الذي يلقى في مياه بحيرة راكدة شديدة السكون.

ومن قبل الاستغراق في تحليل احتمالات ردود الفعل على هذا الحادث الأخير، فإن حالة الركود والسكون التي تسيطر على مياه البحيرة السياسية في مصر هي التي تستوقفنا لاستجلاء أمرها.

فالذي حدث انه فيما بين هبوب رياح التغيير التي انطلقت على ساحة مصر السياسية في الخامس والعشرين من يناير من العام 2011، واقتلاع رأس النظام المعشش فساداً منذ ثلاثة عقود كاملة، وبين ظهور جماعة «الإخوان المسلمين» كحركة تتسيد صدارة المشهد السياسي الجديد في مصر في انتخابات مجلس الشعب والشورى، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، والإصرار مرة أولى وثانية على سيادة إسلامية للجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، بدت ميادين مصر كأنها ساحة دائمة لرياح التغيير التي كان يبدو منذ البداية انها لن تتوقف عن الهبوب لمجرد سقوط رأس النظام السابق، بل ستستمر في الهبوب حتى استكمال عملية التغيير التي لا بد ان تتوج بظهور النظام الجديد، ذي القيم السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية المناهضة تماما لقيم النظام السابق، واللائقة تماماً بما هو متوقع من النظام الجديد القائم.

لكن الذي حدث منذ ظهور جماعة «الإخوان المسلمين» في صدارة الحركة السياسية، بعد ان كانت الصدارة فيها لثوار «25 يناير» في ميادين مصر، وعلى رأسها ميدان التحرير، الذي أصبح مرصداً لرياح التغيير، تتابعه كل وسائل الإعلام في كل أرجاء المعمورة، تلمساً لمعالم مصر الجديدة الخارجة من رحم مصر القديمة، الذي حدث هو ان الأمور تحولت فجأة، ليظهر أمامنا مشهد سياسي جديد، بدا معه كأن رياح التغيير التي بدأت هبوبها في «25 يناير»، وواصلت هبوبها سنة ونصف السنة بعد ذلك، ما هبت إلا لغرض واحد هو فقط تغيير موقع الصدارة في المشهد السياسي العام في مصر، من حسني مبارك وجماعة النظام السابق، الى تسيد جماعة «الإخوان المسلمين» صدارة المشهد، تغطية لمشهد ما زال يحتله في العمق سطوة بقايا النظام السابق وقيمه وتجلياته السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بتحالف مع مطامع جديدة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، من أجل السيطرة على موقع جديد في المشهد السياسي الجديد، ولو بالتفاهم مع أهل الصدارة الامامية فيه، أي جماعة الإخوان المسلمين.

ان فارق ملايين الأصوات الثمانية بين ما ناله محمد مرسي في الجولة الانتخابية الرئاسـية الأولى، وما ناله في الجولة الثانية (من خمسة ملايين صوت الى ثلاثة عشر مليون صوت)، إنما كان يمثل ويعني أملاً شعبياً في مواجهة عودة وإبقاء واستقرار قيم النظام البائد، عن طريق فوز المرشح أحمد شفيق بسباق الرئاسة.

لكن كل خطوات الرئيس الجديد محمد مرسي، منذ يوم فوزه بالرئاسة، وكل خطوات جماعة «الإخوان المسلمين» من ورائه، جاءت مخيبة للآمال خطوة وراء خطوة. من اختيار رئيس الوزراء الجديد، الى تشكيلة الحكومة الجديدة نفسها، الى التلكؤ والتباطؤ في إتاحة الفرصة أمام رياح التغيير التي بدأت بالهبوب يوم «25 يناير» 2011 ان تمضي في طريقها الى ان تفعل فعلها بالكامل، حتى النهاية.

فبدلاً من ان تأتي الحكومة الجديدة، بخيارات القوى السياسية التي ينتسب إليها الوزراء الجدد، تعبيراً عن رياح التغيير التي أطلقتها رياح الخامس والعشرين من يناير، جاءت على العكس من ذلك، تعبيراً عن تحالف مشبوه بين قوى هجينة تمثل كل ما يعنيه ويمثله بقايا النظام السابق، ورغبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة في اتخاذ موقع ثابت في صدارة المشهد السياسي. اما شباب التغيير، واما القوى السياسية الشعبية التي صنعت بتحركها وما قدمت من تضحيات من الأرواح، تعبيراً عن الرغبة الجامحة بالتغيير العميق الكامل، فلم يظهر لها أي وجود.

ومع خيبة الأمل التي كانت تحدثها كل واحدة من خطوات الرئيس الجديد، كانت خيبة الأمل في الخطوة التالية تبدو أكثر إحباطاً، بدل ان تتحول الى مجال لتعويض خيبة الأمل في الخطوة السابقة.

إنها باختصار شديد تعبير ملموس حسياً عن عملية معاندة كاملة لرياح التغيير التي هبت في 25 يناير، تقودها جماعة «الإخوان المسلمين»، ولا تحاول حتى ان تسيتر عورتها إلا بورقة تين شاحبة بترديد الانتماء اللفظي الفارغ الى ثورة 25 يناير.

ان هذه المعاندة السياسية التاريخية، لا تلقي بظلالها فقط على ما هو مرجو سياسياً من جماعة الإخوان المسلمين في مصر، لكنها تخلق في البلد العربي الأكبر، والأكثر حساسية وأهمية على حدود المواجهة مع العدو «الإسرائيلي»، حالة من الجمود والفوضى وخيبة الأمل، يمكن معها ان تتحول حادثة مشبوهة مثل حادثة ذبح الجنود المصريين على الحدود مع فلسطين المحتلة، الى مزيد من الفوضى والضياع في المشهد السياسي المصري، لأنه مشهد راكد، تعاند فيه القوة السياسية التي تتصدره كل احتمالات الخروج الثوري من حطام النظام السابق، الذي تبدو أمامه كل الفرص لعود ظهوره بأشكال جديدة.

إنه وضع تبقى معه مصر مهددة بأخطار شديدة بدلاً من ان تعود على رياح التغيير التي أطلقتها «ثورة 25 يناير»، الى موقعها الطبيعي في قيادة العرب المعاصرين نحو غد يقوم على تغيير شامل وعميق في كل المجالات.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 16 / 2166096

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

16 من الزوار الآن

2166096 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010