السبت 11 آب (أغسطس) 2012

حسابات الربح والخسارة

السبت 11 آب (أغسطس) 2012 par مأمون الحسيني

لم يكد ينجلي غبار الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له قوات حرس الحدود المصرية جنوب مدينة رفح، وراح ضحيته 16 جندياً مصرياً، حتى ارتفعت عقيرة العديد من الأوساط السياسية والإعلامية والشعبوية المطالبة بالقصاص من الفلسطينيين، وبالأخص أبناء قطاع غزة الذين اعتقدوا، بعيد انتخاب الرئيس محمد مرسي وانفتاحه على حركة «حماس» واستقبال قياداتها في القصر الرئاسي للمرة الأولى في تاريخ هذه الحركة، أنهم باتوا قاب قوسين أو أدنى من رفع الحصار الظالم الذين فرض عليهم منذ خمس سنوات، وذلك على الرغم من عدم اليقين حيال هوية الإرهابيين الذين ارتكبوا المذبحة، واكتفاء اللواء مراد موافي، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية السابق بالقول إنهم «جماعة تكفيرية منتشرة في سيناء وغزة»، وتأكيد المتحدث الرئاسي بأنه «ليس هناك معلومة كاملة ودقيقة عن مرتكبي حادث رفح»، وعلى الرغم، كذلك، من رفض «الإسرائيليين»، وكما يوضح المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل، التطرق، بشكل مباشر، إلى استعدادات الجيش «الإسرائيلي» قبل تنفيذ العملية التي جاءت بعد ساعات من التحذير الذي وجهته سلطات تل أبيب إلى السياح «الإسرائيليين» في سيناء من «اعتداء إرهابي مرتقب»، والتي تشير ملابساتها العملياتية وتعقيداتها الميدانية إلى أن عملية التحضير لها استغرقت أسابيع عدة.

ومع أن أحداً لا يمكنه إنكار تحوّل قطاع غزة إلى دفيئة للعديد من القوى المتطرفة المتعددة الجنسيات، بسبب وجود الأنفاق وتهريب السلاح والإرهابيين الذين يدخلون ويخرجون من المنطقة من دون أي عائق، كما لا يمكنه إيجاد تفسير مقنع للخلفية التي حكمت قيام «حماس» بإطلاق سراح المدعو أبو وليد المقدسي أحد قادة «الجهادية السلفية» في غزة قبل يومين من ارتكاب المذبحة، إلا أن ذلك لا يبرر تحميل مسؤولية هذا العمل الإجرامي للحركة الإسلامية التي تحكم غزة، والتي تعدّ الأكثر تضرراً وخسارة بين كل الأطراف التي يمكن أن توجه إليها أصابع الاتهام، كما لا يجيز هرولة العديد من القوى والتيارات المصرية المناوئة لمرسي نحو توجيه الاتهام إلى الفلسطينيين الذين عادة ما يوضعون في سلة واحدة، ويدفعون ثمن أخطاء وجرائم الغير، وتالياً، اتخاذ إجراءات انفعالية ضدهم، تتناغم والرغبة «الإسرائيلية» في إبقاء الحصار على القطاع، من نمط إغلاق معبر رفح البرّي، وإغلاق معبر كرم أبو سالم التجاري، ووقف إمدادات الوقود القطري إلى قطاع غزّة، ذلك أنه يجب التمييز بين فتح الحدود بصورة طبيعية، ووفقاً للمعايير والقواعد الدولية، والسماح بتنقل الأفراد والبضائع دون عائق طالما لا يوجد مساس بالأمن أو بالمصالح الحيوية المصرية، وبين الإبقاء على حدود مفتوحة عبر الإنفاق من دون كوابح أو ضوابط، ومن دون اعتبار لمصالح مصر وأمنها.

وإذا كان من الخفة، وفق ما يرى البعض، استسهال تحميل «إسرائيل» مسؤولية هذه الهجمات الإرهابية التي تتوّج سلسلة من العمليات ذات الطابع العسكري في سيناء، من نمط مقتل خمسة من أفراد الأمن المصري وثمانية «إسرائيليين» على يد مسلحين انطلقوا من سيناء في 18 أغسطس/آب العام الماضي، وإعلان مسؤولين في جيش الاحتلال عن مقتل «إسرائيلي» وثلاثة مسلحين في هجوم بالقرب من الحدود مع مصر في 18 يونيو/حزيران الماضي، كون سيناء التي تعاني من «إجحاف تاريخي»، ومن فراغ سلطوي وأمني فرضته اتفاقية «كامب ديفيد»، تحولت إلى حاضنة طبيعية للإسلاميين المتطرفين و«الجهاديين» التكفيريين الذين تقدر مصادر أمنية عددهم بنحو 1200 فرد يتوزعون بين عشرات التنظيمات، مثل «جماعة التوحيد والجهاد» و«جماعة أنصار السنة» و«جند أنصار الله» و«جيش الأمة» وغيرها. غير أن من المريب استبعاد وقوف «إسرائيل» خلف هذه الهجمات، ولاسيما بعد ارتفاع منسوب محاولاتها الهادفة إلى زعزعة الاستقرار في مصر، وإبقاء حالة الضعف المؤسسي والترهل الأمني، ودفع القيادة المصرية الجديدة، إلى مزيد من التنسيق نحو إحكام السيطرة على المنطقة وإنهاء تحولها إلى بؤرة توتر أمني يلقي بظلاله على الوضع الأمني لجنوب فلسطين المحتلة، لا بل والتهديد بإمكان قيام الجيش «الإسرائيلي» بـ «معالجة الوضع» في سيناء، «مع كل ما يحمل ذلك من معان»، وفق ما يؤكد أليكس فيشمان في «هآرتس».

وعليه، وبصرف النظر عن القرائن والدلائل التي يمكن العثور عليها في رحلة البحث عن المنفّذين الفعليين للعملية الإرهابية، لا يمكن تجاهل إمكانية قيام الاستخبارات «الإسرائيلية» بتشكيل خلايا تعمل بإمرتها، ويقودها عملاء لتجنيد شبان مضللين وعاطلين عن العمل للقيام بمثل هذه العمليات التي يمكن انطلاقها من قطاع غزة لتبرير تدمير الأنفاق الذي بدأ فعلاً، وخلق رأي عام مصري ضاغط على الحكومة لمحاربة الجماعات المتطرفة في سيناء، ومنع منح الفلسطينيين تسهيلات على معبر رفح وفي المطارات المصرية، فضلاً عن محاولة «حشر» الرئيس المصري الجديد، ومن خلفه «الإخوان المسلمين» في ممر إجباري عنوانه التعاون مع «إسرائيل» التي يقول بوعز بسموت، في صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية، إنها، و«بعد العملية القاتلة»، «ليست المشكلة، بل الحل»، لا بل وتخييره بين الاصطفاف إلى جانب «الإرهاب»، والمقصود هنا ليس فقط جماعات الجهاديين و«التكفيريين»، وإنما كذلك حركة «حماس» والفصائل الفلسطينية الأخرى، أو إلى جانب من يحارب الإرهاب، أي «إسرائيل» والولايات المتحدة التي يبدو أنها بصدد الدخول على خط «أحداث سيناء»، بعدما اعتبرت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن هذه المنطقة تتحول إلى «ميني أفغانستان»، وأشارت إلى «الدور الإيجابي الذي تلعبه السياسة الخارجية الأمريكية في احتواء هذه الظاهرة، حيث نجحت في الجزائر وفي بلدان عديدة عبر التكنولوجيا التي تقدمها، وبفضل طائراتها من دون طيار»، وبعد تأكيد روبرت ساتلوف من «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» بأنه «يتعيّن على صنّاع القرار الأمريكيين أن يؤكدوا مجدداً للجيش المصري أن واشنطن تنظر إلى تأمين سيناء باعتباره جانباً ضرورياً للسلام المصري -«الإسرائيلي»، وأن استمرار تقديم مساعدات عسكرية كبيرة مرهون بالجهود التي تستثمر لإتمام هذه المهمة. فالفشل في توجيه الأشخاص والموارد يمكن أن يؤدي إلى إعادة تقييم شاملة للمساعدات العسكرية الأمريكية لمصر».

ولعل ما يعزز الشكوك حيال وقوف «إسرائيل» خلف العملية الإرهابية الأخيرة، هو حاجة الدولة العبرية إلى تفجير الأوضاع في سيناء، وإدخال الجيش المصري في مواجهة مفتوحة مع التنظيمات المتطرفة، ما يمهّد للانقضاض على هذه البقعة الجغرافية المهمة وإعادة احتلالها، أو السيطرة على جزء منها، ولا سيما في الشريط الساحلي، وإعادة طرح موضوع «دولة غزة» التي تعدّ النسخة الأحدث لمشروع توطين الفلسطينيين في سيناء، والذي سبق أن اقترحه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ورفضته الدولة المصرية بشدة، كما رفضت إعادة قطاع غزة إلى الإشراف الإداري المصري، أو مبادلة أرض في سيناء بأرض في صحراء النقب.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 26 / 2165918

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

19 من الزوار الآن

2165918 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 17


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010