الاثنين 13 آب (أغسطس) 2012

تقدير جديد للاستخبارات الأميركية حول إيران

الاثنين 13 آب (أغسطس) 2012 par د. مصطفى اللبّاد

دخلت المواجهة الأميركية - الإيرانية منعطفاً جديداً الأسبوع الماضي، بعد رواج أخبار «إسرائيلية» مفادها أن تقديراً جديداً لمجتمع الاستخبارات الأميركي قد صدر حول إيران وبرنامجها النووي يقترب فيه كثيراً من الرؤية «الإسرائيلية». ويعود السبب في المنعطف الجديد إلى الأهمية الفائقة للتقدير المذكور باعتباره يلخص رؤية ستة عشر جهازاً استخبارياً أميركياً، أحدها فقط وكالة الاستخبارات المركزية الشهيرة، وهو بذلك التقدير الأرفع في مجتمع الاستخبارات الأميركي. يوجه التقدير في العادة إلى رئيس الولايات المتحدة الأميركية وكبار مسؤولي الحكومة، فيما يعتبر رئيس التقدير الحالي جايمس كلايبر، أحد أبرز وجوه الاستخبارات في أميركا. ومن المعلوم أن «تقدير الاستخبارات الوطني» Estimate National Intelligence ينشر على نطاق ضيق في الولايات المتحدة الأميركية فيشكل رأياً عاماً لا يضاهى في تأثيره حول قضية ما، وذلك بسبب الصدقية الكبيرة التي يتمتع بها ذلك التقدير، الذي يطلق عليه اختصاراً «NIE». وإذ عرف عن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» حتى الآن عدم حماستها لضربة عسكرية ضد إيران، فقد أدلى جايمس كلايبر، رئيس «تقدير الاستخبارات الوطنية»، بشهادته في مطلع العام الحالي أمام الكونغرس قائلاً إن «تقديراتنا أن إيران تبقي إمكانية لتطوير القدرات النووية مفتوحة أمامها، لكننا لا نعرف ما إذا كانت قد قررت التحول إلى برنامج عسكري»؛ في تناغم واضح مع سياسة أوباما التي لا تحبذ بدورها عملاً عسكرياً ضد إيران.

سربت وسائل الإعلام «الإسرائيلية» يوم الخميس التاسع من أغسطس/آب 2012 معلومات مفادها أن هناك تقديراً جديداً لوكالة الاستخبارات الوطنية الأميركية، يفند ما جاء في التقدير السابق المنشور عام 2007 حول البرنامج النووي الإيراني، ويجعل التقديرات الأميركية تقترب كثيراً من مثيلاتها «الإسرائيلية»، وهو يسير - إذا صدقت الرواية «الإسرائيلية» - على العكس من تقدير 2007، لأنه يقرب وجهات النظر الأميركية و«الإسرائيلية» حول إيران، ويجعل من التصعيد العسكري ضدها سياسة مغطاة من مجتمع الاستخبارات. وفي حملة «إسرائيلية» منسقة كتب باراك رافيد، كبير مسربي الأخبار في حكومة نتنياهو، في صحيفة «هآرتس» مقالاً لافتاً بعنوان: «أوباما يتسلم تقديراً جديداً من وكالة الاستخبارات الوطنية الأميركية: إيران تحرز تقدماً مفاجئاً نحو القدرات النووية العسكرية». أما العنوان الفرعي للمقال فكان: «وكالة الاستخبارات الوطنية الأميركية تدعم وجهة نظر «إسرائيل» بأن إيران تحرز تقدماً لافتاً». وحسب المقال «افترض بالتقدير المذكور أن يكون جاهزاً قبل أسابيع، ولكن مراجعة أخيرة عطلت صدوره بعض الشيء؛ حتى يتضمن معلومات استخباراتية إضافية حول مكونات البرنامج النووي الإيراني». وأفادت الصحيفة بأنها حصلت على هذه المعلومات من مصادر غربية و«إسرائيلية»، وأن التقدير يدعم استنتاجات مجتمع الاستخبارات «الإسرائيلي». وفي تصعيد درامي للحملة «الإسرائيلية» بخصوص التقدير، أكد وزير الدفاع «الإسرائيلي» إيهود باراك في حديث إذاعي في اليوم ذاته ما ذكرته «هآرتس» معتبراً ان «كل الخيارات ما زالت على الطاولة، وعندما نقول ذلك فنحن نعني ذلك. نعلم أننا لا نملك الكثير من الوقت، ونحن نواجه قراراً صعباً.. سنستمع إلى كل التقديرات والتعليقات، وعندما يقتضي الأمر أن نتخذ قراراً، فإننا سنفعل ذلك، والقرار سيأتي بالطبع من الحكومة». وفي رده على أخبار صدور التقدير قال تومي فيتور المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض إنه «لن يعلق على أمور استخباراتية مثل هذه».

يتجسد السؤال المركزي في التالي: هل يعكس التقدير توافر معلومات حقيقية وجديدة عن تطور البرنامج النووي الإيراني، أم أن الموضوع يدخل في إطار الحرب النفسية التي تخوضها «إسرائيل» ضد إيران منذ سنوات وليس هناك أي تقدير جديد لمجتمع الاستخبارات الأميركي من الأساس، أم أن التقدير الجديد هو إحدى هدايا أوباما الانتخابية لـ«إسرائيل»؟ قبل الإجابة عن السؤال يجب علينا تقليب النظر في تقديري عامي 2005 و2007 حيال إيران، ومن ثم وضع معطياتهما في سياق جيو-سياسي أوسع، باعتباره الأكثر شمولية في فهم المؤشرات المعلوماتية، والأكثر قدرة بالتالي على الإضاءة على التقديرات وصدقيتها.

شكك «تقدير الاستخبارات الوطنية» الصادر في ربيع 2005، بأن إيران «تحتفظ ببرنامج نووي سري، بالتوازي مع برنامجها المعلن لتخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية». وكان ملاحظاً أن هذا التقدير صيغ بغموض، حيث احتمل تأويلات متعددة، ما جعل التقدير وكأنه صادر على خلفيات سياسية؛ وليس استناداً إلى معلومات مؤكدة وتحليلات محايدة. وقتذاك كانت أميركا تحتل أفغانستان والعراق، وكان المحافظون الجدد يوجهون السياسة الأميركية نحو حرب جديدة مع إيران، وتصدر موضوع الضربة العسكرية الجوية لمنشآت إيران النووية طاولات البحث في مراكز الأبحاث الدولية. بكلام آخر أراد تقدير 2005 أن يفتح باب الحل العسكري أمام المحافظين الجدد، دون أن يتحمل مجتمع الاستخبارات الأميركي مسؤولية الفشل المحتمل. ولكن ابتداء من العام 2006 تكبدت أميركا خسائر جسيمة في العراق، وابتداء من العام نفسه كانت إيران قد أحكمت سيطرتها من وراء الستار على معادلات السلطة في بلاد الرافدين، وهو ما دفع الإدارة الأميركية إلى الدخول في حوار معها حول العراق. في الوقت ذاته كانت حرب لبنان 2006 قد انتهت بنتيجتها المعروفة من فشل «إسرائيلي» مدوٍ، وكانت إيران نجماً صاعداً في سماء المنطقة. في هذا السياق الجيو-سياسي ظهر تقدير الاستخبارات الأميركية حول إيران عام 2007، والذي فند فيه مجتمع الاستخبارات الأميركي دعاوى المحافظين الجدد بحتمية الهجوم على إيران. حيث تضمن تقدير 2007 فقرة عالية الأهمية نصها التالي: «بثقة عالية يمكن القول إن إيران أوقفت برنامجها للتسلح النووي في خريف 2003 ولا تزال ملتزمة بذلك حتى الآن». ويعود تقدير عام 2007 ليتبنى «بثقة معقولة أن إيران حققت تقدماً ذا مغزى بتشغيل أجهزة الطرد المركزي بداية العام الحالي، ولكنها تواجه صعوبات تقنية كبيرة، وأنها لن تمتلك قبل العام 2010 كمية كافية من اليورانيوم لتصنيع قنبلة نووية». باختصار أراد تقدير 2007 هز ما استقر حول إيران وملفها النووي في الولايات المتحدة الأميركية حينها، وتقويض الجهود التي بذلتها إدارة بوش الابن للتصعيد العسكري ضد إيران، ونجح في ذلك. وتمثلت النتيجة السياسية المباشرة لتقدير 2007 في إغلاق باب الحرب على إيران بوجه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن وحوارييه من المحافظين الجدد. ومثل التقدير قيداً على الرئيس الأميركي وقتذاك، الذي لم يستطع المغامرة بشن حرب ثالثة على إيران (بعد أفغانستان والعراق) في ظل معارضة مجتمع الاستخبارات الأميركي وممانعة المؤسسة العسكرية النافذة في صنع القرار الأميركي، ومعرفة الرأي العام بمحتوى التقدير.

يتمثل الهدف من وراء «تقدير الاستخبارات الوطنية» الأميركية 2012 - تأسيساً على ما سبق - في إحداث تقارب في المواقف بين إدارة أوباما و«إسرائيل» في هذه الشهور الانتخابية الحساسة؛ ولكن دون الوصول إلى حد التورط الأميركي في ضربة عسكرية لإيران، أي ان أوباما يتوقف خطوة واحدة قبل اتخاذ قرار الضربة العسكرية. يبدو تقدير 2012 - لو صدقت الرواية «الإسرائيلية» التي يعززها الصمت الأميركي حياله - محملاً بدوافع سياسية وليست مهنية بالضرورة، مثله في ذلك مثل تقديرات الأعوام 2005 و2007، ولكن الفارق الأساسي يكمن في اقتراب «إسرائيل» كثيراً من هدفها في دفع الإدارة الأميركية لتوجيه ضربة لإيران تعجز هي عنها. ومع تحول الملف النووي الإيراني إلى ملف أميركي انتخابي بفعل النفوذ «الإسرائيلي» المتزايد، أصبح هناك مزاد مفتوح بين المرشحين رومني وأوباما لخطب ود «إسرائيل» والتصلب حيال إيران. الدليل الأوضح على تنازلات أوباما المتتالية أن «تل أبيب» تعلن الآن، للمرة الأولى في تاريخ «تقدير الاستخبارات الوطنية» الأميركية، عن صدور تقدير جديد، فيما تلوذ إدارته التي يتوجه إليها التقدير بالصمت. وفي هذا السياق يبدو لافتاً ظهور تحليلات أميركية في الأسابيع الأخيرة مفادها أن توجيه «إسرائيل» ضربة عسكرية ضد إيران، من شأنه إطاحة أوباما من السباق الرئاسي، بغض النظر عن نجاح «إسرائيل» في هدفها من عدمه. وهنا بالتحديد تتجاوز الحرب النفسية «الإسرائيلية» إيران لتطال أوباما نفسه، الذي يقل صموده في وجه «إسرائيل» يوماً بعد يوم، كلما اقترب موعد الانتخابات. وبالتالي إجابة السؤال المركزي للمقال حول الاحتمالات الثلاثة لخبر التقدير الجديد تكمن في المسافة الواقعة بين الاحتمال الثاني أي الحرب النفسية على إيران، والاحتمال الثالث أي هدايا أوباما الانتخابية لـ«إسرائيل»، مع استبعاد الاحتمال الأول القاضي بتوافر معلومات جديدة مؤكدة لدى الأميركيين حول برنامج إيران النووي.

ما زالت الشهور الثلاثة المقبلة التي تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية الأميركية حافلة بالترقب، خصوصاً مع اشتعال الصراع الإقليمي على سوريا بين إيران وتحالفاتها من ناحية، وتحالفات أميركا الإقليمية من ناحية أخرى. ما انعكاس كل ذلك على خيارات إيران وسياستها في المنطقة؟ الإجابة في مقال الأسبوع المقبل.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 37 / 2182200

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

26 من الزوار الآن

2182200 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 20


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40