الأحد 25 نيسان (أبريل) 2010

حول الإقليم والمعادلات المستقبلية....

الأحد 25 نيسان (أبريل) 2010 par أيمن اللبدي

الأحداث الدولية شهدت ثلاث أزمات أساسية خلال أقل من عام واحد، أثبتت جميعها بما لا يدع مجالاً للشك أن اللعبة الدولية إلى تغيير، بل إلى تغيير كبير وحقيقي وليس مجرد تغيير معتاد، في الواقع هذه المؤشرات أصبحت تشكل الغلاف الخارجي لانعطافة العالم نحو قوانين جديدة في اللعبة الدولية، إنها مرحلة تشبه تلكم المراحل الكبيرة في تاريخ العالم مثلها تماماً مثل محطة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وفي الواقع فإن التغيير يجري هنا في هذه النقطة بالذات وليس في أي موضع آخر، أي في نقطة معادلات ما بعد الحرب الكونية الثانية سواء تلكم التي بقيت سائدة حتى انهيار الاتحاد السوفيتي، أو تلكم التي جرى تعديلها ذاتياً بفعل حقائق ما بعد انهيار الكتلة الشرقية.

الأزمات الثلاث توزعت توزيعاً عجيباً ولكن لافتاً في ذات الوقت، أوضحها أزمة اقتصادية ألقت بظلالها السياسية على مستوى العالم مباشرة، وثانيها أزمة صحية – بيئية أيضا وجدت تفاعلها على المستوى الدولي بتسارع كبير، وأما ثالثها فهي الأزمة الخفية التي بدأت تأخذ طريقها المتسارع للانفجار في ملامح غذائية- مائية ستشكل قمة هذه التركيبة في عالم قلق، لا يجد لها علاجات فاعلة حقيقية بالذات عندما يميل إلى تطبيق مشتقات المعادلات السابقة التي أثبتت أنها لم تعد ذات فاعلية في هذا الواقع المستجد، بل هي تأخذ طريقها إلى انجراف واسع وانكسار غير مسبوق في حتمية تاريخية تبدو منطقية ومنسجمة مع حركة الأحداث، وهنا تكمن نقطة الحقيقة الجديدة التي سيجد العالم نفسه قريباً أمام حقائقها العارية.

الذين كانوا يتوقعون تشكيل معادلة تعدد القطبية في العالم ما بعد الفشل المحقق لغزوة المحافظين الجدد على هامش إدارة بوش الصغير، أصبحوا اليوم متيقنين أن هذا التعديل الذي أرادوه على المعادلات الدولية كنوع من الاحتفاظ بنسبة ضمان في وجه التغييرات العاصفة والكاسحة، مرتكزين إلى بروز الكتل الاقتصادية الجديدة في الصين والهند والبرازيل وغيرها، عادوا اليوم للاقتناع بتغيير دراماتيكي أشمل وأقوى من هذا التعديل الذي كان محبذا على كل حال، وأن الصورة الأقرب إلى الحقيقة في هذه المرحلة وعلى الأقل خلال الأمد المتوسط ستكون اقرب إلى واقع اللاقطبية بالمعنى الدولي الشامل، وإلى واقع اللجوء إلى تشكيل الإقليم كمهمة عاجلة على حساب المعادل الدولي، لأن هذه الوحدات السياسية ستكون بطبيعتها المنسجمة أكثر استقرارا وأسرع حركية إزاء التحديات.

الفشل النظري والعملي لبشارة بوش وأصدقائه في أمريكا لم يعد موضع فحص وتدقيق لأنه بدأ يلعق ثمار جرأته في طرح أطر للمستقبل على قواعد نبوءات كاذبة، لأنها حملت اجتراء على الحقيقة مماثلا لاجترائها على لغة التاريخ وقوانينه التي لا يمكن في الواقع هزيمتها لا بالقوة المجردة مهما بلغت من زخم، ولا بالتنظير المتحذلق مهما بلغ من استناد إلى تأثيرات القوة القائمة في خلق وقائع لم تجتز امتحان الشعوب الفاعلة بعد، ففي حين فشلت هذه الجمل كاملة في أماكن أريد لها أن تكون ساحة امتحانها الامتحان الساخن في أفغانستان وباكستان والعراق وفلسطين ولبنان وغيرها، فشلت أيضا حتى في الامتحانات الباردة وانهارت «ثوراتها» الملونة في الحديقة الروسية وصيغها الركيكة في أمريكا اللاتينية ووسط وجنوب آسيا، وأصبح واضحاً أن هذه المجموعة من الأطروحات الرسولية ليست إلا تمنيات أشبه بتمنيات قراءة خريطة الأبراج السنوية.

اليوم أثبتت الولايات المتحدة أنها فقدت دورها الإمبراطوري تماماً وأنها في طريقها إلى الاضطرار للجلوس أمام السؤال الكبير حول مستقبلها ذاته حتى في حدود ولاياتها، وبالقطع في حدود الموضع الإقليمي الأقرب لمنطقتها الجغرافية والانحسار خلف الأطلسي قريبا، وطبعا لا ضرورة أن يعني هذا انهيار هذه الدولة الفيدرالية عند هذه القراءة ولكنه يكفي ليعني أنها لم تعد قادرة على المجادلة أطول حول كفاءة تعديلات تجري على معادلات ما قبل انفجار الأزمات الكونية، وهي ستكون مضطرة إن عاجلاً أم آجلاً للبحث في صيغ معينة للاحتفاظ بجزء من فرص وجودها في بعض الصيغ الدولية في هذه الأقاليم ليس من الباب الإمبراطوري الذي اعتادت عليه، ولكن من باب جديد مختلف تماماً ويفرض قوانينه الجديدة حتى بالنسبة لأقرب حلفائها الأوربيين، هذا ما يدركه أوباما قطعاً ويحاول تأجيل وقته أطول فترة ممكنة محاولاً تحقيق انسحاباته من أفغانستان والعراق مع حلفه الأطلسي ومضطراً للرضوخ إلى حقائق الصناعة الروسية في مجالها الحيوي بدءً من جورجيا وليس انتهاءٍ بقيرغزستان على أي حال.

المهم في هذه المساحة بالنسبة لهذا الإقليم الذي تحتله مساحة الدول العربية هو حقائق صياغة معادلات هذا الإقليم التي تجري في هذه الآونة، والدوافع القوية التي جلبت تركيا إلى ما تظن أنها تحسنه دوما تاريخياً في هذا الإقليم ليست فقط تلكم التي من السهل اصطيادها بالرجوع إلى تعنت أوروبا في ضمها إلى المنتدى الأوروبي، بل إلى قراءة أكثر عمقاً يبدو أن الأتراك توصلوا إليها في اللحظة المناسبة على حواف مران التشكيل الاستراتيجي الجديد على مستوى العالم، وهم يصلون حيث منتصف المسافة مع الإيرانيين بعدما حزموا أمر العلاقة مع الكيان الصهيوني على أنها علاقة تعويضية وليست أساس بالنسبة لتركيا، وهذا الاتفاق من شأنه أن يعطي ملامح القوة القادمة في هذا الإقليم على حساب الكيان الصهيوني بلا شك وهو ما يقلق الصهاينة هذه الأيام في محاولة لاصطياد آخر لحظات الإثارة الممكنة بضرب التشكيل الجديد في الإقليم من بوابة سوريا على اعتبار أنها الأضعف في هذه التركيبة.

الواقع أنه لولا وجود سوريا في العلاقة القائمة كمرتكز لإطار شكل الإقليم في المدى القريب لأمكن القول أن العرب قد خسروا إقليمهم هذا لعدة قرون قادمة، ولكن من العدل أن يشار ليس فقط إلى صوابية الاجتهاد السوري في هذه المسألة وشجاعة اتخاذ القرار المناسب حوله، بل إلى الحكمة التي أملت الجهد الذي استمر طيلة السنوات السابقة في صياغة الدور العربي داخل هذه المنظومة المتشكلة والتي لولاها لما كان ممكناً الإتكاء على الأماني والتمنيات مستقبلا، ومسألة صيغ ما كان يعرف بدول الاعتدال من بوابة ظلال الدور الإمبراطوري الأمريكي المنشرخ والآخذ في الانهيار، يبدو أنها لم تعد مبررة لا اليوم ولا غداً لأنها أصبحت أمام حقيقة باردة تقول بأن الوقت لحسم الخيارات أصبح وشيكا على النفاذ، ولذا فإن منظومة مقترحة مثل ما حاولت قمة سرت وفق حماس الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى تحت مسمى «دول الجوار»، هي منظومة في الواقع تحاول استدراك ما فات من غير أن تنجح أو أن يقدّر لها النجاح دون أن تلحظ أمرين في هذه المسألة: الأولى محورية الدور السوري في تشكيل هذه الصيغة مع تركيا وإيران أساساً، والثانية ضرورة حسم خيارات التبعية الفاقعة لدى جسم النظام العربي الرسمي لبقايا معادلات سقطت وبقي فقط موعد الاحتفال بالذكرى الأولى لسقوطها.

الظاهر في صورة التحدي الصهيوني السافر لإدارة أوباما هذه الأيام ليس كله منطق العلاقة الصهيونية – الأمريكية ومفاتيحها الانتخابية فقط، بل إن جزءً قويا منه يكمن في استشعار الكيان الصهيوني لاقتراب لحظة الاختبارات الوجودية في مسألته، وأن التغييرات القوية على مستوى تشكيلات الإقليم القادمة والتي لم تفلح جملة ألاعيبه في العراق والسودان ولبنان في تأخيرها بسبب خسارته هو اختبار البداية الاستراتيجية منذ العام 2006، والعصبية المفرطة التي أصبحت تجتاحه من الداخل لدرجة الركض تجاه تسريع المواجهة الكبرى حتى ولو على حساب النتائج التي ستعني فوراً عند خسارته المنازلة القادمة نهايته الطبيعية، هي شكل مفهوم لأسئلة تحدي الوجود التي بدأت تأخذ صوراً أعلى وتيرة وأعمق من ذي قبل، وتسارع الكيان في تركيب صواعق التفجير سواء في مسائل الأماكن المقدسة في القدس أو في مسائل يهودية الكيان بما تعنيه عمليات الطرد وتهديد الديموغرافيا، كل ذلك انعكاس لواقع الارتباك القاسي والأزمة العميقة التي بات يستشعرها الكيان الصهيوني ويأخذها على محمل الجد دون أن يجد لنفسه طريقا مأمونا لحلها سيما وهو يدرك معنى الانسحابات الأمريكية المقبلة وتأثيرات الأزمات الدولية على النظام الدولي المرتبك أصلاً، وفي هذه الناحية تغدو مسألة العقوبات الاقتصادية على إيران مثلا نكتة سمجة مثلها مثل مسألة تسريبات العدو حول صواريخ سكود للمقاومة اللبنانية أو الفلسطينية، إزاء اختراقات القوة التي تريها إيران في مناوراتها الحالية مثلاً. والكيان يدرك أنه أصبح خارج مسألة التقاسم في هذا الإقليم فعلياً منذ توقيع المعاهدات السورية – التركية- الإيرانية، ومنذ قمة دمشق الأخيرة لقوى المقاومة.

في الواقع إن مشاركة حقيقية وفاعلة في الدور المستقبلي لهذا الإقليم قد بدأت حظوظها هذه الأيام بشكل أكثر وضوحا من ذي قبل، والتحدي الصهيوني هو مناسبة جيدة لأن يقدّم هيكل النظام العربي الرسمي أو ما تبقى منه تمريناً مفيداً في امتحان درس الشعور بالقيمة والرغبة في البقاء مستقبلا والقدرة على الكرامة والفعل بعد نجاحه في اختبار دروس الصبر لدرجة التبلد، وذلك لتكون هذه أوراق اعتماد النظام العربي في تشكيلة الإقليم القادم على شرط أن ينجح في كسب معركة دحره لصلف الكيان الصهيوني، ولأن هذه المسألة بالذات ستكون أي مسألة الكيان الصهيوني نفسه ستكون المعركة الفاصلة في حقائق وضع الإقليم نفسه مستقبلاً، فإن غياب الدور العربي القومي عن الصورة الجدية من شأنه أن يضع مقدمات قوية لغياب النظام الرسمي العربي نفسه عن النواتج النهائية مستقبلا بحيث لن تشفع حتى الأدوار المحسوبة عربياً كالدور السوري أو اللبناني أو حتى الفلسطيني المؤداة في هذا التحدي لتحقيق فرص عربية حقيقية في مستقبل هذا الإقليم، وحتى لا يبقى قدر هذا الإقليم هو التقاسم من خارجه وبأثواب جديدة.



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 107 / 2165642

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

11 من الزوار الآن

2165642 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 18


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010