الجمعة 24 آب (أغسطس) 2012

مصر وحرب «الشرق الأوسط» القادمة

الجمعة 24 آب (أغسطس) 2012 par د. سمير كرم

المنطقة التي نعيش فيها ـ منطقة «الشرق الأوسط» ـ تعيش حالة من الترقب للحرب ربما لم يسبق لها مثيل في أي من فتراتها السابقة.

وتتوقف تطورات كثيرة تشهدها المنطقة على هذا الاحتمال. حتى التطورات الراهنة في سوريا لا يمكن بأي حال من الأحوال فصلها عن احتمالات الحرب، فقد بدا بوضوح في الفترة الأخيرة ان تأجيج الوضع في سوريا هو جزء من الحرب المنتظرة، او التي يصر الغرب وتصر «إسرائيل» على اعتبارها حرباً وشيكة. نعني الحرب على إيران.

وإيران، التي تستبعد ان تقوم «إسرائيل» بشن هجوم عليها، تستعد لهذه الحرب بل وتتقبل احتمال وقوعها، باعتبار ذلك أمراً محتوماً، لأن الاستعداد للحرب حتمية حتى وإن بدا الطرف الذي يهدد بها أكثر تردداً، وقد طال تردده فعلا في الزمان أكثر مما طال في أي حرب سابقة. والطرف الذي لم ينقطع عن التهديد بهذه الحرب هو «إسرائيل»، بينما الطرف الذي تعلم «إسرائيل» أنها تستند إليه كقوة عسكرية لا غنى عنها في مواجهة إيران ـ وهي الولايات المتحدة ـ يزداد يقيناً أسبوعاً بعد أسبوع، وشهراً بعد شهر، منذ أكثر من عامين كاملين، بأن الهجوم على إيران ينطوي على خطر شديد لـ«إسرائيل» وعلى مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

الظروف المحيطة في «الشرق الأوسط» توحي بأن الولايات المتحدة ـ الأكثر اقتناعاً بعدم جدوى هذا الهجوم على إيران ـ تبذل أقصى ما بوسعها في ما هو أكثر من إشعال نيران الحرب الداخلية في سوريا. ان الولايات المتحدة تريد ان يكون واضحاً ان مصر لا تستطيع ان تكون بعيدة تماماً عن احتمالات هذه الحرب «الإسرائيلية» على إيران. مطلوب من مصر، على الأقل، ان لا تبدي اهتماماً بما يكون من أمر إيران في مواجهة مع «إسرائيل». مع ذلك فإن الأيام والأسابيع الأخيرة تظهر لدى الولايات المتحدة قدراً من الاستعداد لتقبل اقتراب نظام الرئيس المصري محمد مرسي نحو إيران ولكن في حدود تقبلها بل تفرضها واشنطن. ولعل هذا التغيير في موقف أميركا من العلاقات المصرية - الإيرانية يتعلق بإقناع «إسرائيل» بأنها لا تملك تأييداً سياسياً معادياً لإيران يسمح لها بشن هذه الحرب.

أما موقف مرسي نفسه من الموضوع كله، فإنه يبدو في حالة تراجع عن مقاطعة مصرية كاملة لإيران لاحت في ظروف انعقاد القمة غير المنحازة في طهران خلال أيام. لقد أدرك مرسي ـ وإن كان متأخراً - أن غيابه عن قمة عدم الانحياز في طهران سيضر بموقف ومركز مصر في هذه الجبهة العالمية التي تزداد الحاجة إليها. ويبدو ان الرئيس المصري يشغل نفسه في هذه الفترة بإقناع واشنطن بأن حضوره قمة عدم الانحياز في طهران يمكن ان يفيد السياسة الأميركية في المنطقة أكثر مما يضرها، في ضوء اختلاف التقدير الأميركي عن التقدير «الإسرائيلي» بشأن ما يمكن ان يسفر عنه هجوم على إيران. ويبدو ان مرسي إنما يحاول إقناع واشنطن بما هي مقتنعة به.

ولكن العقدة او العقبة الكأداء تتمثل في الخطوة التي يلح عليها الديبلوماسيون المحترفون الحاليون والسابقون في الخارجية المصرية، وهي ضرورة استعادة التمثيل الديبلوماسي بين القاهرة وطهران كمقدمة ضرورية لحضور الرئيس المصري قمة طهران غير المنحازة. وتتردد في الأوساط الديبلوماسية المصرية أحاديث مفادها ان واشنطن لم تعط القاهرة حتى الآن ضوءاً اخضر للمضي نحو استعادة العلاقات الديبلوماسية المقطوعـة مع إيران منذ أكثر من ثلاثين عاماً. بينما تلح القاهرة على ان المجهود السياسي المصري يمكن ان ينجح في إقناع إيران وغيرها من القوى الفاعلة في قمة عدم الانحياز بتضمين قرارات القمة فقرة تكون أكثر اعتدالاً من ان تؤيد طهران في قضية امتلاك الأسلحة النووية للأغراض السلمية.

والأمر المؤكد ان قمة عدم الانحياز المقبلة في طهران ستعنى اكبر عناية ممكنة بمشكلة التهديدات «الإسرائيلية» الموجهة باستمرار الى إيران. ومن المؤكد بالمثل ان البيان الختامي لهذه القمة سيكون أكثر توافقاً مع موقف إيران، وذلك لأن مواقف الدول غير المنحازة كل على حدة وحتى قبل انعقاد هذه القمة تنطوي على تأييد واسع النطاق لموقف إيران وحقها الثابت في امتلاك القوة النووية. وبالتأكيد فان مصر لن تستطيع ان تتهرب من هذا الموقف العام في القمة مهما كانت قوة ضغوط الولايات المتحدة و«إسرائيل». ولن يختلف وضع مصر وموقفها في حالة حضور الرئيس مرسي او غيابه عن المؤتمر. ولكن مكانة مصر تتراجع كثيراً في جبهة عدم الانحياز إذا لم يحضر الرئيس المصري هذه القمة.

ولقد وضعت «إسرائيل» نفسها في مأزق في ما يتعلق باستمرار تهديداتها بهجوم شديد الضراوة ضد إيران. فهناك ـ من ناحية ـ المعارضة السياسية الداخلية «الإسرائيلية» ضد تهديدات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وخاصة من جانب كل من زعيم المعارضة شاؤول موفاز، الذي انطوت تصريحاته الأخيرة على تصريح واضح بأن «أي ضربة عسكرية استباقية ضد إيران بسبب برنامجها النووي يمكن ان تدخل «إسرائيل» في حرب كارثية». كما أعرب موفاز عن اعتقاده بأن «إسرائيل» «تخطط لعمل متسرع ومستهتر».

إن مأزق «إسرائيل» يزداد تأزماً وحدة. ذلك ان «إسرائيل» تخسر في كل الأحوال، إذا أقدمت على مهاجمة إيران من دون مساعدة مباشرة من الولايات المتحدة. تخسر بشكل خاص التقديرات التي صورت قوة «إسرائيل» العسكرية على أنها الرابعة في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا والصين وأنها بالنسبة للإطار الإقليمي، أي «الشرق الأوسط»، الأقوى على الإطلاق. كما تخسر «إسرائيل» هذه المكانة إذا استمر وامتد ترددها العسكري والسياسي، الذي طال بالفعل ولم يعد يلائم التصور السابق عن قدراتها العسكرية.

«إسرائيل» إذن تخسر إذا اندفعت، على الرغم من محاولات اللجم الأميركية، لتهاجم إيران. وتخسر إذا لم تندفع وظلت عند موقف التردد. ولا يبدو في الأفق ان «إسرائيل» قادرة على التراجع عن تهديداتها ضد إيران، خاصة إذا بقيت حكومة نتنياهو هي المسؤولة. فالوضع إذن يتطلب تأليف حكومة «إسرائيلية» جديدة تتخذ موقفاً أكثر تعقلاً. ومثل هذه التغييرات لن تحدث إلا على حساب أي موقف موحّد يمكن ان تتخذه «إسرائيل» ورأيها العام المشتت. وإذا أصدرنا حكماً بناءً على الحالة الراهنة فإن «إسرائيل» تبدو منقسمة على نفسها أكثر من أي وقت مضى. وهي تنتظر لترى إذا كانت مصر ستلعب دوراً بنّاءً في قمة عدم الانحياز من وجهة نظر «إسرائيلية». وهي تدرك ان ادوار الحكومات العربية التي مالت الى سياسة أكثر مطاوعة للسياسة الأميركية تجاه «إسرائيل» ـ مثل المملكة السعودية ومملكة البحرين وقطر والإمارات المتحدة ـ لن تستطيع ان تلعب دوراً مؤثراً في قمة عدم الانحياز يفيد في تأكيد هذا الاتجاه المسالم لـ«إسرائيل» والمستسلم للولايات المتحدة.

وإذا لاحظنا ثبات الموقف الإيراني عند نقطة استبعاد إقدام «إسرائيل» على شن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية، ولاحظنا في الوقت نفسه اهتمام إيران الفائق بأن تكون مستعدة لمثل هذا الهجوم وضرورة الرد عليه، نستطيع ان نرى كيف تبلور هذه العوامل الايجابية في سياسة إيران الموقف المنتظر من إيران في قمة عدم الانحياز التي ستعقد بضيافتها، والتي ستؤدي فيها دوراً من أهم الأدوار التي يمكن ان تؤديها إيران في الظروف الراهنة.

ان الولايات المتحدة تبقى حريصة على ان تقرأ بعناية البيان الختامي لجبهة الدول غير المنحازة، وخاصة من زاوية تأييد إيران في المواجهة مع «إسرائيل» إذا ظلت سياسية وإذا تحولت من سياسية الى عسكرية. وليس خافياً ان موقف التردد الأميركي يصاحبه اهتمام بإبقاء قدرة «إسرائيل» على التنفس مستمرة وذلك عن طريق مهاجمة سياسة إيران والاستمرار في تشديد العقوبات الاقتصادية عليها، على الرغم من ان هذه العقوبات ـ حتى باعتراف غالبية الدوائر الأميركية نفسها ـ لم تستطع ان تنال من إرادة إيران. وقد لعب الهجوم الأميركي على إيران بحرب البيانات والمقالات دوراً مزدوجا أيضاً. فقد نشرت الصحف الأميركية الموالية للنظام الأميركي الحاكم ـ مثل صحيفة «هيرالد تريبيون» - قبل أيام قليلة ان معلوماتها تفيد ان إيران تزود حلفاءها في «الشرق الأوسط» بأسلحة للدمار الشامل، مشيرة الى ان الحرس الثوري الإيراني ذكر على موقعه الالكتروني ان بلاده زودت حلفاءها بأسلحة من هذا القبيل وان مثل هذه الأسلحة يمكن ان تستخدم في حرب ضد «إسرائيل». ومن المفارقات ان نشر مثل هذه المعلومات بصرف النظر عن صدقها او كذبها يزيد من رعب «الإسرائيليين» من احتمال هجوم «إسرائيلي» على إيران ترد عليه إيران وحلفاؤها في المنطقة (والمقصود هنا سوريا و«حزب الله») بهجوم تستخدم فيه أسلحة الدمار الشامل. وهي إشارة غير صريحة الى أسلحة كيماوية وبيولوجية.

الوضع في «الشرق الأوسط» مع اقتراب قمة عدم الانحياز بالغ التعقيد وبالغ الخطورة. ولكن من المؤكد ان «إسرائيل» تستشعر الخطورة أكثر من أي وقت مضى، الأمر الذي تؤكده نصائح واشنطن اليومية لـ«تل أبيب»، بل تستشعر الخطورة على دورها التقليدي كحامية للمصالح الأميركية في «الشرق الأوسط».

ان إلحاق هزيمة قاسية بـ«إسرائيل» إذا أقدمت على هجوم عسكري ضد إيران يهدد دور «إسرائيل» في المنطقة كما حرصت عليه منذ تأسيسها.

ويظل من الطبيعي ان نتساءل عند هذا الحد عن موقع مصر خاصة إذا حضر رئيسها محمد مرسي القمة غير المنحازة. ان الجدل الدائر في مصر بهذا الشأن كثيف ويتسم بتعارض المواقف. هناك الدعوة الى موقف مصري ايجابي تجاه إيران من اجل دور مصري كبير وايجابي أيضاً في قمة عدم الانحياز. ويشير هذا الموقف الى الفوائد الكثيرة التي يمكن ان تعود على مصر نتيجة لهذا. وهناك موقف من بعض القطاعات بعضها ممثل في حكومة الرئيس مرسي ينصح بمراعاة نصائح الولايات المتحدة للقاهرة فيما يتعلق بإيران.

ولا غرابة ان الموقف الأول ترجح كفته بصورة واضحة وبقوة، باعتبار ان موقف مصر من إيران يحدد موقف مصر من حرب «الشرق الأوسط» القادمة.


titre documents joints

مصر وحرب «الشرق الأوسط» القادمة

24 آب (أغسطس) 2012
info document : PDF
274.1 كيلوبايت

د. سمير كرم

كاتب مصري



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 25 / 2165395

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165395 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010