الخميس 30 آب (أغسطس) 2012

عرض كتاب | صعود البرازيل ... قصة بلاد تشهد التحول (3-3)

الخميس 30 آب (أغسطس) 2012

عن دار «بالغريف ماكميلان» الأمريكية صدر كتاب «صعود البرازيل: قصة بلاد تشهد التحول» في 292 صفحة من القطع المتوسط، 2012 للكاتب لاري روهتير.

يُعد الكتاب على حد تعبير الكاتب محاولة قراءة لشكل التحول الذي طرأ على البرازيل، بعد أن كانت دولة رازحة تحت الديكتاتورية وتعاني التخلف الاقتصادي إلى دولة ديمقراطية، حققت تطوراً بشكل نوعي في المجال الاقتصادي بطريقة تثير الدهشة.

يستعرض الكاتب في الفصول الأولى تاريخ البرازيل وطبيعة التشكيل المجتمعي خلال تاريخها الممتد إلى ما قبل خمسمئة عام تقريباً، بشكله الإيجابي والسلبي. لكن في مجمل الكتاب تركيزه بشكل كبير هو على التغييرات الاستثنائية التي عاشتها البرازيل منذ أن ذهب إليها لأول مرة في سنة 1972، أي في العقود الأربع السابقة.

يتحدث أيضاً عن القيادات السياسية والنقابات العمالية والحياة الثقافية، مركزاً على السياسة الداخلية والخارجية في البرازيل، والدور الذي يمكن أن تلعبه على مستوى العالم إلى جانب الدول الكبرى، خاصة أن اقتصادها تجاوز اقتصاد دول عظمى مثل بريطانيا، وتعيش شعور التخلص من الدونية وفقد الكرامة بعد أن فازت باستضافة أهم الأحداث الرياضية العالمية في 2014 و2016.

الكاتب مراسل ثقافي لصحيفة «نيويورك تايمز»، قضى ما يقارب 15 سنة كرئيس مكتب «نيويورك تايمز» و«نيوزويك» في ريو دي جانيرو. وهو معلق دائم على الشؤون البرازيلية في وسائل الإعلام. وهو يعيش حالياً في هوبوكين، نيوجيرسي.

[rouge]كاردوسو ولولا مهندسا ومنفذا السياسة الاقتصادية الرشيدة[/rouge]

على مدى السنوات الخمسين الأخيرة، كانت العلاقات البرازيلية الأمريكية ربما الأسوأ من 1977 حتى 1981، عندما كان جيمي كارتر في البيت الأبيض، وكانت الدكتاتورية العسكرية قائمة على السلطة في البرازيل، وعلى وجه التقريب، منذ اليوم الذي استلم فيه كارتر السلطة، كانت هناك صدامات دائمة حول حقوق الإنسان، وهذا قاد إلى صراع حول شراء الأسلحة والتسليح النووي، الأمر الذي دفع كارتر إلى زيارة البرازيل في مارس/آذار عام 1978، وخلال الزيارة التقى نقاد السياسة من المدنيين ومعارضي النظام العسكري، وغلب على زيارته حينها التوتر من البداية إلى النهاية.

في الواقع، العلاقات البرازيلية الأمريكية وصلت إلى ذروتها التاريخية بعد عقدين من الزمن، خلال الفترات الرئاسية لبيل كلينتون ونظيره فيرناندو هنريك كاردوسو في النصف الثاني من تسعينات القرن الفائت، وجمعت الرئيسين صداقة وطيدة، حيث اشتركا في الرؤية والأيديولوجية التي انعكست بالتالي على الروابط والعلاقات على مستوى الدولة. وكنتيجة لذلك، عندما مرت البرازيل بأزمة مالية في أواخر 1998 وأوائل 1999، كانت واشنطن ترغب في التدخل بالنيابة عن كاردوسو، وتقدم له الدعم المالي، وتتحدث لدعم البرازيل في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وفي وول ستريت.

أما كاردوسو وبوش على الجانب الآخر، فكانا - بحسب تعبير الكاتب - كالبنزين والنار. وجد بوش بوضوح أن كاردوسو مفكر مجدد، وصاحب العديد من المؤلفات حول السوسيولوجيا والاقتصاد، ولكنه مغرور ومتفاخر، وكان يظهر كما لو أنه بروفيسور جامعي وبوش طالب بطيء الفهم أمامه. أما كاردوسو، على الجانب الآخر، فكان مندهشاً من جهل بوش وكسله الثقافي.

في حادثة أثارت صخباً خلال زيارة كاردوسو إلى البيت الأبيض في 2001، حيث كان كاردوسو يتكلم مع نظيره الأمريكي حول السود الأمريكيين، وما أثار دهشة بوش حين سماعه أن البرازيل لديها أناس من أصول إفريقية. وعندما انتشرت القصة في البرازيل، ودفعت الناس إلى الضحك والسخرية والازدراء والضحك على الجهل الأجنبي بالبرازيل، دفع ذلك البيت الأبيض إلى إصدار نفي لذلك . ولكن الكاتب يذكر أن من كان حاضراً في الغرفة أكد له صحة الأمر.

منذ أن اعتلى لولا سدة الرئاسة، كانت العلاقات بين البرازيل والولايات المتحدة ودية وبناءة، على الرغم من الاختلافات الأيديولوجية بين لولا وبوش، أو «الرفيق بوش» كما يشير الكاتب إلى ذلك، بحسب مناداة لولا له على سبيل المزاح، حيث كان جو الود يغلب على علاقتهما، ويجد الكاتب أنه ربما جمعها الولع بالشواء وبتر كل منهما لغته. كما يشير إلى أن كل منهما جاء إلى الرئاسة وليس في جعبتهما إلا القليل من الخبرة بالعالم الخارجي، كما كانت تسيطر عليهما رؤية أيديولوجية متصلبة، وفهم ضحل للسياسة الدولية والشعوب والثقافات الأخرى. وكان يفتقد كل منهما إلى الفضول الثقافي واعتمدا بشكل رئيس على المستشارين لبلورة رؤيتهما بشأن تعقيدات السياسة الخارجية، فكانت كوندوليزا رايس مستشارة بوش، وماركو أوريلو غارسيا مستشار لولا، وكان المستشار الأخير أستاذاً جامعياً من الجناح اليساري من ساو باولو، وترأس لفترة طويلة قسم الشؤون الدولية لحزب العمال.

على المستوى الشخصي، كان باراك أوباما محبوباً أكثر من قبل لولا، وكانت هناك توقعات أن العلاقات الأمريكية - البرازيلية ستصبح أقرب وأمتن. وفي أحد تصريحات لولا للصحفيين بعد أن دردرش مع أوباما في قمة العشرين في لندن 2009 قال: «إنه يبدو كواحد منا، وهذه فرصة نادرة لأمريكا اللاتينية لإقامة علاقات جديدة مع الولايات المتحدة». أما باراك أوباما من جانبه، فكان فياضاً بالرد، حيث ذكر أنه السياسي الأكثر شعبية في العالم، وأنه يحبه شخصياً. يذكر الكاتب أن أغلب البرازيليين يميلون إلى الاعتقاد أن العلاقات بين الدول تمر عبر مؤشر العلاقات الشخصية.

[rouge]السياسة بعد لولا وكاردوسو[/rouge]

يشير الكاتب إلى أنه منذ انهيار الدكتاتورية العسكرية من الجناح اليميني في عام 1985، هيمنت شخصيتان سياسيتان على المشهد السياسي في البرازيل أكثر من أي شخصية أخرى وهما: فيرناندو هنريك كاردوسو، والثاني لويس إناسيو لولا دا سيلفا. ويعرف عن البرازيليين أنهم يطلقون ألقاباً مختصرة على سياسييهم تحبباً بهم، فكاردوسو يختصرون اسمه ويطلقون عليه «FHC» أي الحروف الأولى من اسمه، والثاني دا سيلفا، وهو معروف عالمياً باسم لولا أكثر.

كان كل من كاردوسو ولولا حليفين في إطاحة النظام الدكتاتوري، وكلاهما عانى بطشه. وما إن حل الحكم الديمقراطي حتى أصبحا خصمين سياسيين لدودين. وفي الواقع، يمثل كل من كاردوسو ولولا بشكل دراماتيكي وجوهاً مختلفة من الواقع البرازيلي.

في سنوات التسعينات ترشح كل منهما إلى الانتخابات الرئاسية، وفي دورتين متتاليتين فاز كاردوسو بشكل حاسم، إلا أن لولا في محاولته الرابعة للترشح إلى الرئاسة فاز بالانتخابات في 2002، وفاز أيضاً بدورتين متتاليتين.

في الواقع، هاتان الشخصيتان، كاردوسو ولولا، هما المسؤولان البارزان عن التحول الدراماتيكي منذ منتصف التسعينات، فعلى الرغم من اختلافاتهما الأيديولوجية والشخصية، يمكن اعتبارهما مهندسي ومنفذي السياسة الاقتصادية الرشيدة، التي حققت تقدماً ملحوظاً، أخرجت البرازيل من الظلام إلى النور، وحققت ما استحيل تحقيقه في تاريخ البرازيل، ونشير بإيجاز إلى هاتين الشخصيتين المحوريتين في تاريخ البرازيل الحديث:

[rouge]من هو «FHC»؟[/rouge]

ولد فيرناندو هنريك كاردوسو عام 1931 في ريو دي جانيرو، لكنه نشأ في ساو باولو، وهو في الأساس عضو متنور من النخبة التاريخية، ووالده كان جنرالاً برازيلياً، واستفاد من أفضل ما قدمته البرازيل لأبنائها.

يحمل شهادة الدكتوراه في السوسيولوجيا، ويتحدث خمس لغات، ألف العديد من الكتب، ويفتقد بشكل واضح إلى الحس العام، واعترف في مذكراته بأنه لا يشجع كرة القدم، وهو اعتراف مستحيل من سياسي برازيلي. ولم يظهر الكثير من الحماسة للكرنفال، ودائماً ما بدا أنه يشعر بالراحة عند شرب النبيذ الفرنسي أكثر من المشروب الكحولي البرازيلي المشهور «كاجاجا».

أسس حزب «بي إس دي بي» أي حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية، وهو يشبه حزب العمال البريطاني أو الحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني. وقضى أكثر من عقد من الزمن في المنفى، بداية في تشيلي، ثم في الولايات المتحدة، بريطانيا، وفرنسا، حيث كان يعمل أستاذاً جامعياً في كل هذه الدول المذكورة، وكان في نهجه السياسي يدافع عن الديمقراطية الاجتماعية من النمط الأوروبي. حكم البرازيل من (1995-2002).

خلال فترة الحكم حقق الكثير مما يمكن ذكره في القطاع الاقتصادي والتعلمي، وتخفيض نسبة الأمية، وتدني معدل الوفيات بنسبة 25%، خاصة من الأمراض الخطرة مثل نقص المناعة المكتسبة، كما تم استغلال 600 ألف قطعة من الأرض لمصلحة الفلاحين، وهذا ما لم يتحقق خلال ماسبق تلك الفترة في ثلاثة عقود، حتى إن الأمم المتحدة أسمته الفائز الأول بالقيادة البارزة، بما حققه من برامج إصلاحية وتنموية، خاصة في قطاع الصحة، والزراعة، والتعليم . وسلم السلطة مع استقرار سياسي إلى لولا، وهو الشيء الذي لم يحدث في تاريخ البرازيل.

[rouge]لولا في سطور[/rouge]

ولد لولا في أكتوبر/تشرين الأول 1945 من عائلة فلاحية في شمالي شرقي بيرنامبوكو المنكوبة بالفقر والجفاف، وهو طفل هاجر ما يقارب آلاف الميال على ظهر شاحنة إلى ساو باولو، وانتهى به الأمر إلى بيع البرتقال على الشوارع، ومشغل مخرطة في المصانع. خرج من المدرسة في الصف الخامس، وحتى الوقت الحاضر له أخطاء في اللغة البرتغالية، وهناك العديد من المواقع الإلكترونية التي سجلت غلطاته اللغوية، وعلى عكس كاردوسو، هو يتناول المشروبات المحلية الصنع خاصة «كاجاجا». وهو مؤسس حزب العمال البرازيلي.

ولولا لم يضطر إلى مغادرة البرازيل كسلفه، لكنه حكم عليه بالسجن لممارسته أنشطة ضد النظام، حيث كان يقود حزب العمال، وتم ترشيحة عام 1986 كنائب عن ساو باولو، وشارك في صياغة الدستور حينها، وكان مستمراً في التغزل بالماركسية ومعاداة الرأسمالية حتى أوائل العقد الأخير. وكان الشعب البرازيلي يطلق عليه بالبرتغالية «بافاو» أي الطاووس، حكم البرازيل (2003-2011).

وفي سنوات حكم لولا الثماني حدثت الكثير من الفضائح المالية المتعلقة بالفساد، وأطلق عليها المراقبون المرحلة الأكثر فساداً في تاريخ البرازيل كجمهورية. وفي الحقيقة لم يوجه البرازيليون اللوم إلى رئيسهم، بل إلى أعضاء الكونغرس والوزراء، حيث كانوا ضالعين في الرشوة، والتلاعب، وغيرها من هذه الأمور غير القانونية.

كما يذكر الكاتب أنه كتب مقالة عن عادات الشرب عند لولا، الأمر الذي دفعه إلى أن يستشيط غضباً، ويظهر بشكل دكتاتوري وشمولي في عام 2004، حيث أمر بإبعاده من البلاد، وهو قانون كان سارياً في العهد الدكتاتوري، ولكن الكونغرس البرازيلي رفض التصديق على قراره، إيماناً منه بحرية الصحافة، وضرورة تطبيق القوانين الديمقراطية على السكان الأصليين والأجانب على حداء سواء.

في عهد لولا، ازداد حجم دخل المواطنين، وزادت الثروة، واستقر الاقتصاد البرازيلي على نحو أكثر، وأصبح بإمكان البرازيليين من الطبقة الوسطى السفر لقضاء عطلاتهم في الولايات المتحدة أو أوروبا بعد أن كان حلماً لهم، كما نفذ لولا الكثير من مشاريع البنية التحتية، وزاد من الاستثمار في الموارد البشرية، وأرسى علاقات سلام مع دول الجوار.

[rouge]آفاق جديدة مع روسيف[/rouge]

يجد الكاتب أن البرازيل اليوم من غير شك في حالة تحول كبيرة، حيث للمرة الأولى منذ عودة الديمقراطية إلى البلاد قبل 25 عاماً، لم تكن الشخصيتان المذكورتان أعلاه في انتخابات الرئاسة، حيث كشفت الانتخابات الرئاسية في 2011 عن عهد جديد للبرازيل، حيث انتقل الحكم بالطريقة الديمقراطية إلى امرأة، وهي ديلما روسيف، مما حقق توازناً إيجابياً في السنوات الست عشرة الماضية. وفي الواقع، لم يكن الأمر سهلاً لديلما من دون أن يدعمها القائد الشعبي لولا بشخصيته الكارزمية في وجه منافسها جوسي سيرا من الحزب الديمقراطي الاجتماعي البرازيلي. ويرى الكاتب أن ديلما تواجه العديد من التحديات، أهمها العمل على تمتين النظام السياسي في ظل وجود 20 حزباً سياسياً مختلفاً، والقضاء على الفساد الذي يشهد ازدياداً ملحوظاً.

ويجدر الذكر أن ديلما روسيف هي اقتصادية وابنة لأب مهاجر يدعى بيتر روسيف، حيث قدم إلى البرازيل عام 1930 من بلغاريا، بعد أن مرّ بأزمات مالية وديون، مخلفاً وراءه زوجة حبلى. واستقر بعدها في ايناس غيريس وأصبح رجل أعمال مشهوراً، وتخصص في إدارة العقارات والمقاولات. كانت ديلما الثانية من ثلاثة أبناء، ولدت في ديسمبر/أيلول 1947 في بيلو هوريزونتي. نشأت في بيئة ساد عليها جو من الراحة والرفاهية بشكل متوسط من خلال المدارس الخاصة ودروس البيانو ومدرّس فرنسي، وخدم، وعطلات نهاية الأسبوع في نواد اجتماعية خاصة. كما أنها قارئة نهمة، سعت بشكل كبير إلى إرساء دعائم العدالة الاجتماعية، بسبب مما كانت تشاهده من مظالم اجتماعية وفروق في البرازيل. بعد الانقلاب العسكري في عام 1964، تخرجت في المدرسة الثانوية، ودخلت في الشؤون السياسية على الصعيد الطلابي، حيث انضمت بشكل سري إلى الحركة اللينينية الماركسية، وكرست جهودها لإطاحة الحكم الدكتاتوري، وقبل أن تدخل عامها الثاني والعشرين، انضمت إلى مجموعة الغريلا المتمردة. وبعد سنة من العمل السياسي والسري تعرضت للاعتقال، ولتمضي بعدها ثلاث سنوات في السجن، تلقت شتى صنوف التعذيب فيها، وأطلق سراحها عام 1972، لتستكمل بعدها دراساتها الجامعة وتتزوج. عينت في عهد لولا عام 2005، وزيرة لشؤون الرئاسة، رغم أنها كانت قد بدأ بروزها في عام 2002 في حملة لولا الانتخابية. وهي كغيرها من السياسيين البرازيليين أطلق عليها لقب «المرأة الحديدية»، ونجت من مرض السرطان في عام 2009.

[rouge]إلى أين تمضي البرازيل؟[/rouge]

يرى الكاتب أن التقدم الاقتصادي الذي حققته البرازيل يشهد منغصات في أمور كثيرة، ولابد من تدارك كل ما من شأنه العمل كمعوق للنمو الاقتصادي، وضرورة اتباع نهج إصلاحي من شأنه أن يؤمن التقدم والسير نحو المجد والصعود على المستوى العالمي، ولذلك يجد أن الإصلاح لابد أن يتضمن العديد من العناصر التي دافع عنها خبراء السياسة في البرازيل ومنظمات المجتمع المدني، تتركز حول تحسين الجانب السياسي، وضرورة وضع سياسات أكثر وضوحاً للمرشحين، والحفاظ على نزاهة الانتخابات، وإبعادها عن حملات التمويل الكبيرة التي تسمى في البرازيل «الصندوق الأسود»، التي من شأنها أن تساهم في الدعاية السياسية.

يجد الكاتب في نهاية الكتاب أن السياسة البرازيلية شهدت تغيراً دراماتيكياً نحو الأفضل، تختلف كثيراً عما كانت عندما داس بقدمه أرض البرازيل لأول مرة قبل قرابة 40 عاماً. ويرى أن ما كان القادة السياسيون يخافون حدوثه، نشهده الآن أمام عيننا في جو ديمقراطي، حيث انتخب قائد من الجناح اليساري، وخلفه قائد سابق من الغريلا الخارجة عن القانون والمناهضة للدكتاتورية، وعدم الاستقرار الذي حدث في أوائل الستينات وجلب الديمقراطية إلى البلاد لم يعد يحدث في الوقت الراهن، حيث تعد دلالة واضحة على النضج السياسي في البرازيل.

في الواقع، انتصرت الديمقراطية على الدكتاتورية بفضل إيمان البرازيليين بضرورة وضع بلادهم في مصاف الأمم المتقدمة، واليوم في الانتخابات يتحدث المسؤولون المنتخبون بكل حرية دونما خوف أو وجل من أن يرمى بهم في السجون لسنوات أو أن يتم استبعادهم إلى المنافي، كما أن الصحافة تلعب دوراً كبيراً في الحياة البرازيلية بدورها التنويري، التي تمارس سلطة على المسؤولين والحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما أن السلطة القضائية اليوم لا تتردد في قراراتها أو انتقادها كبار المسؤولين أو كبح جماح السلطة التنفيذية والمجموعات البيئية والمهنية والمدنية، حيث لكل منهم دور فاعل في العملية السياسية والخطط والسياسات الحكومية.

إن الديمقراطية البرازيلية ربما تكون في رأي الكاتب صاخبة وفوضوية وغير مثالية، إلا أنها بشكل عام خدمت الشعب البرازيلي على نحو جيد. والتحدي الكبير في الوقت الراهن هو استجماع القوة للإقدام على الخطوة التالية، وإنهاء بقايا الممارسات الأوتوقراطية التي يزيد عمرها على مئات السنين، وإلا - برأيه - هناك مخاطرة من فقدان دعم الناخبين، وإضعاف العملية الديمقراطية التي سجلت حضورها في فترة ربع قرن.

لطالما كانت سمة التفاؤل ملازمة للبرازيليين، وما تحقق اليوم يزيد من تفاؤلهم، ويدفعهم بخطى حثيثة إلى التوجه نحو المجد من أوسع أبوابه من خلال الاستفادة من الثروة البشرية الفتية، والثروة الباطنية التي ترقد في حضن البرازيل، الذي عانى العبودية والاضطهاد والتمييز العنصري في فترة قاتمة من فترات التاريخ البشري.

يتمنى الكاتب ألا يأتي بعد قرن من الزمن ويكتب كتاب عن انحدار البرازيل، ولا يستبعد الكاتب أي مصير للبلاد، لأنه أولاً وأخيراً من يكفل مصير البلاد المشرق أو المظلم هم أبناؤها، بيدهم صعودها وانحدارها، بيدهم رقيها واندثارها، وحدهم من يقرر كيف ستكون البرازيل بعد عقد من الآن.

[rouge]-[/rouge] [bleu]تأليف: لاري روهتير | عرض: عبدالله ميزر.[/bleu]

[rouge]-[/rouge] [bleu]المصدر: جريدة «الخليج» الإماراتية.[/bleu]



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 79 / 2177650

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ثقافة وفن  متابعة نشاط الموقع خبر  متابعة نشاط الموقع إصدارات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

32 من الزوار الآن

2177650 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 12


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010

https://www.traditionrolex.com/40 https://www.traditionrolex.com/40